الحركة النسوية (الفيمنزيم)، الأبعاد السياسية والمخاطر الاجتماعية والثقافية
22-Dec-2022
تعرف الحركة النسوية Feminism بأنها حركة اجتماعية تضع على عاتقها مهمة الدفاع عن حقوق النساء، والارتقاء بها للحد الذي تتاح فيه للنساء حقوق مساوية للرجل على الصعد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، وبدون أي تمييز أو اقصاء.
وقد ظهرت الحركة النسوية أول ما ظهرت في العالم الغربي مع حلول القرن التاسع عشر، مستفيدة في ذلك من الإرهاصات السياسية والاجتماعية التي مرت بها أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر، وتحديدا بعد عصر التنوير في أوروبا واندلاع الثورة الفرنسية عام 1789.
فعلى الرغم من أن الثورة الفرنسية بحد ذاتها لم تلتفت لحقوق النساء، إلا أن الثورة برمتها، وإصدار الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789، شكلت حافزا للنسويات لأجل المطالبة بحقوق المرأة وبضرورة مساواتها مع الرجل، ومع بدء انتشار الاشتراكية في أوروبا، وتحرير العبيد في الولايات المتحدة، بدأت تأخذ النسوية زخما متصاعدا بشكل أكبر، للحد الذي انتقلت فيه النسوية من أوروبا والولايات المتحدة إلى مختلف أنحاء العالم.
انتقلت النسوية بفعل عوامل عديدة للعالم العربي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، لكن لم تأخذ زخمها العميق كما هي حاليا، إلا بداية من عقد الثمانينات من القرن العشرين، نظرا لأن تركيز الشعوب العربية في النصف الأول من القرن العشرين كان منصبا على محاربة الاستعمار الغربي، وخلال الستينات، والسبعينات، كانت الشعوب العربية منشغلة بفكرة الصراع مع إسرائيل.
وعلى الرغم من أن النسوية تضع في اعتبارها ضرورة السعي لتحرير المرأة ومساواتها بالرجل، إلا أنه وضمن الحركة النسوية ذاتها، الكثير من التيارات المتباينة والتي يصل بها الحد في الكثير من الأحيان، للتناقض والصدام، هذا فضلا عن الصدام ما بين النسوية ككل، وقيم المجتمعات المختلفة في العالم، ومنها قيم المجتمع العربي واعتقاداته الدينية.
إزاء ما سبق، تأتي هذه الدراسة لإثارة النقاش حول عدد من التساؤلات وعلى رأسها: كيف نشأت الحركة النسوية وكيف تطورت؟ وما هي الأهداف التي تسعى النسوية لتحقيقها؟ وكيف وصلت النسوية للعالم العربي؟ وكيف يمكن احتواء طرحها المناقض للثقافة العربية وقيم المجتمعات العربية؟
أولا: نشأة الحركة وتطورها:
قبل الحديث عن نشأة الحركة وتطورها، لا بد لنا في المقام الأول، أن نميز ما بين النسوية كمصطلح، والنسوية كحركة اجتماعية، والنسوية كتيار بحثي، إذ عادة ما يتم الخلط ما بينها، على الرغم من اختلافها.
فمصطلح النسوية، سك لأول مرة في عام 1837 في اللغة الفرنسية تحديدا ومن الجذر اللاتيني Femine، على يد الاشتراكي الفرنسي تشارلز فورييه، وفي الإنجليزية كان أول ظهور مسجل لمصطلح النسوية في عام 1841، وقبل ذلك، لم يكن يرتبط مفهوم النسوية بحقوق المرأة، بقدر ارتباطه بقضايا أخرى، كالطابع الأنثوي للمرأة والجسد الأنثوي للمرأة، لكن بعد ذلك، بات يرتبط المفهوم بكل ما من شأنه الدفاع عن المرأة وحقوقها وبكل ما من شأنه تحقيق المساواة ما بين الجنسين، واستخدم هذا المصطلح لأول مرة في الإنجليزية بهذا المعنى، عام 1895، ( Lauren Macmillan, 2005)
أما النسوية كحركة فكرية واجتماعية، فقد كانت سابقة في ظهورها على المصطلح بحد ذاته، إذ كان هنالك الكثير من المفكرين والأدباء الذين نادوا بحقوق الإنسان خلال عصر الأنوار في أوروبا وخلال الفترة السابقة واللاحقة على الثورة الفرنسية، الأمر الذي أفضى لأن تتأثر الكثير من النساء بتلك الأطروحات الفكرية المختلفة، ولأن يبدأن بدورهن، بالاستقاء من الأفكار الفلسفية والسياسية المتعلقة بحقوق الإنسان، أفكارهن وفلسفتهن الخاصة والتي تحض على ضرورة المساواة بين الجنسين، ووقف التمييز على أساس الجنس، ولعل أبرز الرائدات في هذا المجال، "ماري ولستون كرافت" التي تأثرت بكتابات الفيلسوف الإنجليزي "توماس بين" الذي وضع كتابا عن حقوق الإنسان، ومنه، أن وضعت ماري كرافت كتابها المعنون بـ"دفاعا عن حقوق المرأة" عام 1792.
في فرنسا، ظهرت نساء اليعاقبة اللواتي طالبن بحقوقهن، ووصل الحد لأن أصدرت نساء اليعاقبة إعلان "حقوق المرأة" كرد فعل على إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية عام 1789، إذ نظرت النساء لذلك الإعلان، كإعلان لحقوق الرجل فقط، (سوزان الس واتكنز، 2005، ص ص5-12)
أما النسوية كتيار بحثي أكاديمي، وكحقل معرفي، فقد ظهر خلال عقد الستينات والسبعينات في الجامعات الغربية ، (سمية نصر، 2022)، والاهتمامات الفكرية والمعرفية لهذا الحقل، لا تنحصر فقط بالمطالبة بالمساواة بين الجنسين، وإنما بدراسة الهيمنة الذكورية على المرأة وتهميش الهيمنة الذكورية للمرأة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فضلا عن دراسة أثر الهيمنة الذكورية على الإنتاج العلمي والمعرفي والفكري للمرأة، إضافة للكيفيات التي من شأنها، إعادة النظر في واقع المرأة والرجل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وإعادة بناء المعرفة من جديد، بحيث تكون المعرفة، غير منحازة للفكرة الذكورية، ويشتغل في هذا الحقل، باحثون من الرجال، والنساء على حد سواء، أي أن النسوية كميدان معرفي في وقتنا الحاضر، ليست حكرا على النساء فقط.
وإن تساءلنا: لماذا ظهرت تلك الحركة، وما هي العوامل التي أسهمت في ظهورها، وما هي التطورات التي طالت تلك الحركة؟ لأمكننا القول، بأن الأسباب الرئيسية التي تفسر ظهور تلك الحركة، عديدة في تجلياتها لكنها مركزية في أساساتها، إذ أن السبب الرئيسي الذي يفسر ظهورها، هو النظام البطريركي الأبوي الذي يحكم العلاقات ما بين الرجل والمرأة، وهو النظام الذي تكون فيه المرأة، مجرد تابع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وحتى فكريا وعلميا للرجل.
ذلك النظام الذي كان سائدا وما زال في المجتمعات الغربية منذ قرون طويلة، رسخ لثقافة حملت الكثير من الصور السلبية عن المرأة، وهو ما فاقمت منه بعض أراء الفلاسفة في تاريخ أوروبا، بحيث باتت المرأة بمنظور الشعوب الأوروبية كائنا أقل قيمة من الرجل، ففي المنظور الأفلاطوني تعتبر المرأة كائنا ناقصا، إذ يرى أفلاطون أن "الأنثى هي أنثى بسبب نقص في الصفات"، أما سقراط الذي رأى في أحد الأيام امرأة مشنوقة على إحدى الأشجار فقال: "يا ليت كل الأشجار تحمل مثل هذه الأثمار".
ومع ظهور الرأسمالية منذ القرن السادس عشر رسخ النظام الأبوي في أوروبا بعمق أكبر، إذ رسخت الرأسمالية _كما يرى الماركسيون ومفكرو التبعية ومفكرو نظريات النظام العالمي، وكذلك مفكرو مدرسة فرانكفورت والمدرسة النقدية_ من الفوارق الطبقية بعمق أكبر، إذ لم تسع الرأسمالية لتحرير المرأة في الغرب، ولجأت لأن تستعمر الكثير من المناطق حول العالم، ولتكون النتيجة من ذلك، أن المرأة الأوروبية مستعبدة من طرف الرجل في أوروبا، في حين أن نساء في المستعمرات، تحت وطأة تمييز وطبقية أكثر عمقا، فهي أولا تابعة للرجل في مجتمعها، وبنفس الوقت، تضطهد من الاستعمار الغربي والأوروبي.
لذلك، وسعيا من النساء للتخلص من النظام الأبوي البطريركي، استفادت النساء من أفكار فلاسفة عصر الأنوار، لاسيما الأفكار الفلسفية السياسية التي تنادي بحقوق الإنسان وضرورة إنهاء التمييز ما بين إنسان وآخر، ولتلجأ بعض النسويات لاستلهام تلك الأفكار، وطرح أفكارهن الخاصة المتعلقة بضرورة المساواة بين المرأة والرجل، وعلى غرار المساواة بين رجال في أوروبا، بدون تمييز فيما بينهم سواء أكانوا برجوازيين ورأسماليين، أو عمالا وفلاحين، وتزايد زخم النسوية بعد الثورة الفرنسية، لاسيما بعد أن ألغيت العبودية في فرنسا عام 1794، إذ ألهمت تلك التطورات النسوية في فرنسا وأوروبا من أجل المطالبة بالمساواة بين الجنسين، وتزايد زخم إصرار النسوية على المساواة في الحقوق، مع بدء انتشار الاشتراكية في أوروبا تدريجيا بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومع تحرير العبيد في الولايات المتحدة عام 1863 ، (نرجس رودكر، ص 15-16،29، 49، 2019).
فالثورة الفرنسية ومثلما ألهمت الرجال ضرورة التمرد على الطغيان السياسي للملك، فإنها ألهمت النسويات ضرورة التمرد على الطغيان المنزلي، ومثلما ألهمت الثورة الأميركية لتحرير العبيد تحدي طغيان السيد، فإنها ألهمت النسويات أيضا على ضرورة التمرد على اضطهاد الرجل.
إزاء ما سبق من صورة عامة لكيفيات ظهور الحركة النسوية، والعوامل المسهمة في ظهورها، فإننا ننتقل لتطوراتها الرئيسية، ومن خلال مراجعة الأدبيات النسوية المختلفة، نجد أن تطور الحركة النسوية قد مر عبر التاريخ بثلاث موجات رئيسية، وهي:
- الموجة الأولى (1848-1920): بدأت الموجة الأولى للنسوية مع انعقاد مؤتمر سينيكا فولز عام 1848 الذي عقد في نيويورك، والذي يعد أول مؤتمر يعقد لمناقشة حالة المرأة الاجتماعية والمدنية والدينية، وحقوقها، إذ ركز المؤتمر في خطوطه العريضة على ضرورة المساواة بين الجنسين بشكل عام، وعلى حق المرأة في الاقتراع بشكل خاص، وانتهت هذه الموجة مع إعطاء الولايات المتحدة للمرأة حقوقا متساوية مع الرجل في التصويت والاقتراع في جميع الولايات مع التعديل التاسع عشر الذي تم التصديق عليه في عام 1920، ( Adam Augustyn,2022 ).
- الموجة الثانية (1963-1980): وكانت هذه الموجة أكثر عمقا في طرحها ومطالباتها من الموجة الأولى، وركزت بشكل أساسي على قضايا النوع الاجتماعي، أو ما يعرف بالجندر، والذي تقوم فلسفته الرئيسية على فكرة مفادها: أن التقسيمات المنوطة بالرجل والمرأة، ونظرة الذكر لنفسه وللأنثى، ونظرة الأنثى لنفسها وللذكر، هي تقسيمات وقضايا مجتمعية يمكن إلغاؤها (Martha Rampton, 2008)، فالأنثى لا تولد امرأة، وكذلك الذكر لا يولد رجلا، وإنما يصيران كذلك بفعل التنشئة الاجتماعية، فمن يحدد من هو الرجل ومن هي المرأة (وليس الذكر والأنثى) إنما هو البناء الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية، والبناء الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية، يمكن تغييرهما من حيث المبدأ، فأن يكون الذكر رجلا، والأنثى امرأة، فهذا أمر ليس ذا منطلق طبيعي يحدد بالولادة، وإنما هو أمر يحدده ويشكله البناء الاجتماعي الذي يمكن تغييره.
- الموجة الثالثة (منذ 1990 وحتى اللحظة الراهنة): جاءت كرد فعل على تطرف أفكار الموجة الثانية، إذ جاءت هذه الموجة لتنقيح أفكار الموجة الثانية وتنقيح الطرح النسوي عالميا بشكل عام، فضلا عن تركيز هذه الموجة على فكرة التقاطع ما بين العرق والجندر، وكنتيجة لهذا التقاطع، أو ما يعرف بالنسوية التقاطعية، بات هنالك الكثير من النسويات حول العالم ومن ذوات البشرة الملونة (سلمى عبد الستار، 2021) واللواتي اهتممن بشكل رئيسي، بفكرة أن النساء في دول العالم الثالث وفي المستعمرات الأوروبية السابقة، إنما يعشن هامش الهامش، في حين أن النساء في العالم الأول، يعشن في حالة الهامش فقط.
إلى جانب الموجات الثلاث، هنالك من يتحدث عن موجة نسوية رابعة، وانطلقت هذه الموجة عام 2012، وركزت بشكل رئيسي على قضايا التحرش الجنسي والاغتصاب، والاغتصاب الجماعي وإجبار النساء على الجنس قسرا، فضلا عن تعرضهن للأذى والقتل، واتخذت هذه الموجة طابعا إلكترونيا يعبر عن روح العصر، إذ تركز النسويات في الموجة الرابعة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على هذه المخاوف ومعالجتها، ( The fourth wave of feminism, Britannica, 2022 ).
ثانيا: أهداف الحركة النسوية:
ترمي الحركة النسوية لتحقيق عدة أهداف، وأهدافها الكبرى، أن تقضي على النظام الأبوي البطريركي في مختلف المجتمعات إنهاءً لحالة اللا مساواة التي يخلقها ذلك النظام ما بين الرجل والمرأة، وإنهاءً لحالة الإقصاء والتهميش التي تعيشها المرأة في مختلف المجتمعات الغربية وحتى المجتمعات غير الغربية.
لكن ومع أن النسوية ليست تيارا واحدا، وإنما تيارات متعددة، فإن كل منها، له أهدافه الخاصة، وكل منها له وسائله في تحقيق تلك الأهداف أيضا، وبيان هذه التيارات وأهدافها كما يلي:
- النسوية الليبرالية: تستند النسوية الليبرالية على فكرة مركزية وهي: أن كل البشر متساوون، ولذلك لا يجوز حرمان البشر من المساواة بسبب الجنس (ذكر/أنثى)، وتؤمن النسوية الليبرالية بأن الذكر والأنثى يتمتعان بنفس الملكات العقلية، ويعد هذا التيار، التيار الرئيسي الذي غلب على الموجة النسوية الأولى (الموجات المشار لها أعلاه) ومن أهم التيارات التي لديها حضور قوي ونوعي في مختلف موجات النسوية حتى وقتنا الحاضر، ومن أهداف النسوية الليبرالية (نرجس رودكر، ص ص 81-85، 2019):
- تحقيق المساواة بين الجنسين في المجال العام، الاقتصادي والاجتماعي، وحتى العسكري والسياسي، ومن حيث منح المرأة، فرصا مساوية للرجل في المجالات السابقة بوصفها جزءا من حقوقها تماما كالرجل، سواء أكانت حقوقا وفرصا اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية، على اعتبار، أن الفروق ما بين الرجل والمرأة محدودة لحد كبير، وأن التماثلات بينهما أكثر من أن تحصى لاسيما في ظل حصول المرأة على التعليم والحق في العمل في عصرنا الحاضر.
- السعي لمنح المرأة حريتها الكاملة في المجال الخاص، أي أن تمنح المرأة حريتها في القضايا المرتبطة بالعمل المنزلي، ورعاية الأطفال، والزواج، والإنجاب والطلاق وغيرها من القضايا المرتبطة بضرورة فصل أي تميز ما بين المرأة والرجل في الأدوار الخاصة، وألا يكون الرجل المقرر النهائي لأدوار المرأة في القضايا السابقة دونا عن المرأة، فهي لديها الحق أيضا بأن تتزوج أو تنجب أو تجهض أو أن تعمل بالمنزل أو لا.
- النسوية الماركسية: ترى النسوية الماركسية أن تهميش دور المرأة في المجال العام (السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي) هو نتيجة مرتبطة ببنية النظام الرأسمالي العالمي، القائم على فكرة الاستغلال، ويعد الزواج والأسرة في هذا التيار أولى اللبنات التي يعاد فيها بناء النظام الطبقي، فالزوجات والعبيد يمثلون الطبقة المضطهدة في المجتمع من قبل أصحاب رؤوس الأموال (عديلة محمد طاهر، ص 456، 2015)، لذلك، لا يمكن أن تحقق المساواة ما بين الرجل والمرأة، إلا في حال تم تغيير النظام الرأسمالي، لأنه وبدون إلغاء النظام الرأسمالي لا يمكن للفوارق الطبقية التي ترسخها الرأسمالية، أن تنتهي.
لذلك، يهدف هذا التيار، وفي ظل سعيه لتحقيق المساواة ما بين الرجل والمرأة، وإنهاء حالة التهميش التي تعيشها المرأة، لضرورة السعي لإنهاء النظام الرأسمالي وإحلال النظام الشيوعي، الذي يلغي فكرة الملكية من أساسها، ويلغي في إثر ذلك أي فوارق طبقية وعوامل التمييز ما بين إنسان وآخر، وما بين الرجل والمرأة، وأدوات التيار الماركسي في هذا الصدد، عديدة، وأهمها النضال والسعي للثورة على النظام الرأسمالي في مختلف أنحاء العالم ومهما كانت الأدوات المتاحة.
لذلك، يهدف هذا التيار، وفي ظل سعيه لتحقيق المساواة ما بين الرجل والمرأة، وإنهاء حالة التهميش التي تعيشها المرأة، لضرورة السعي لإنهاء النظام الرأسمالي وإحلال النظام الشيوعي، الذي يلغي فكرة الملكية من أساسها، ويلغي في إثر ذلك أي فوارق طبقية وعوامل التمييز ما بين إنسان وآخر، وما بين الرجل والمرأة، وأدوات التيار الماركسي في هذا الصدد، عديدة، وأهمها النضال والسعي للثورة على النظام الرأسمالي في مختلف أنحاء العالم ومهما كانت الأدوات المتاحة.
النسوية الراديكالية: وترى هذه النظرية، أن الجذور العميقة لعدم المساواة ما بين الرجل والمرأة، وبالتالي الهيمنة الاجتماعية للرجال على النساء، ليست علتها الرجل بحد ذاته، بقدر ما علتها النظام الأبوي البطريركي الذي قسم الحقوق على أساس الجنس، وكنتيجة لذلك، أن باتت المرأة في مكانة التابع للرجل. (Jone Johnson Lewis, 2020)
لكن وعلى الرغم من أن الراديكالية تتضمن الكثير من الأهداف المماثلة لبقية التيارات، إلا أن ما أدى لردات فعل عنيفة تجاه هذا التيار بالذات، أنه بات يطالب النساء حول العالم بضرورة التخلي عن الأنوثة، بوصفها السبب الأساسي الذي يمنح الرجال الهيمنة ويجعل المرأة تابعة له، فالأنوثة سبب للزواج و الإنجاب والأمومة، والأمومة تقود لتكوين أسرة تجبر فيها المرأة على أن تكون ربة منزل تابعة للرجل، هذا فضلا عن دعوة بعض التيارات الراديكالية للابتعاد عن النصوص الدينية بوصف النص الديني وفي مختلف الأديان حول العالم ومن وجهة نظرهم، يحط من شأن المرأة ويكرس تبعيتها للرجل.(مريم رمضاني، ص 8-10، 2012).
- النسوية ما بعد الحداثة: يرى هذا التيار بأن قضية النوع الاجتماعي الجندر ناجمة عن قضية الثنائيات بين الرجل والمرأة، لا سيما في موضوع تشكيل قضية الذكورة والأنوثة، التي ترسخت في السياسة الدولية وفي المجال العام اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، ولذلك يرفض تيار ما بعد الحداثة ذلك التقسيم بكونه تقسيما مصطنعا يهدف بشكل غير مقصود إلى تكريس عدم تكافؤ ما بين الرجل والمرأة، وبالتالي الحفاظ على فهم وتصور ذكوري للعالم، الذي يضيق فيه الخناق على المرأة، بل ويبقيها على الهامش السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ( Postmodern Feminism, 2022)
ولتحقيق المساواة ما بين الرجل والمرأة أو لإنهاء حالة الاضطهاد التي تعيشها المرأة لا بد من تفكيك السرديات الفلسفية والسياسية والاجتماعية الكبرى التي تعد نتاجا معرفيا ذكوريا، ولاسيما تفكيك الثنائيات اللغوية التي تربط المرأة بشكل دائم بمكانة أقل من الرجل، كالضعف لدى المرأة مقابل القوة لدى الرجل، وكالعقلانية للرجل مقابل اللاعقلانية والانفعال لدى المرأة وسيطرة المشاعر عليها، والطهارة لدى الرجل مقابل النجاسة لدى النساء وغيرها الكثير من الثنائيات، التي تتحكم في أبنيتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها.
ثالثا: وصول النسوية للمجتمع العربي:
على الرغم من أن النسوية في العالم العربي قد بدأت بالتبلور النوعي منذ نهايات عقد السبعينات وبداية عقد الثمانينات من القرن العشرين، إلا أن ظهورها الفعلي والحقيقي أبكر من ذلك بكثير، إذ بدأ يظهر التيار النسوي حتى وإن لم يطلق على نفسه تلك التسمية بداية القرن العشرين، لكن خلال النصف الأول من القرن العشرين، لم يكن للنسوية حضور وازن لأسباب عديدة منها انشغال العرب بقضايا التحرر من الاستعمار، وسيطرة أفكار كالقومية العربية والوحدة العربية على شعوب المنطقة، ثم الانشغال بقضية تحرير فلسطين، لكن ومع نهايات عقد السبعينات بدأت النسوية تتصاعد في ظهورها حتى وصلت لما هي عليه حاليا، ومن حيث:
- أن النسوية باتت حقلا فرعيا من حقول معرفية عديدة تدرس في الجامعات العربية، كحقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعلم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي، وتخصصات الآداب على اختلافها، سواء أكان أدبا عربيا، أو أدبا إنجليزيا، أو أدبا فرنسيا، إضافة لاهتمام حقل النقد الأدبي بالنسوية كحقل معرفي فرعي من ضمن تخصصاته، فضلا عن استحداث الكثير من الجامعات العربية لتخصص دراسات المرأة الذي يهتم بشكل عميق بالنسوية كحقل من حقوله.
- أن النسوية باتت حركة اجتماعية سياسية لديها وجود مؤسسي واقعي في الكثير من الدول العربية، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، وجود العديد من النقابات النسائية في مختلف الدول العربية مثل: الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، والاتحاد الوطني للمرأة الفلسطينية، والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات والاتحاد العام لنساء اليمن والاتحاد النسائي الأردني العام والاتحاد العام للمرأة الموريتانية.
- أن النسوية باتت تيارا متزايد الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تنشط الكثير من النسويات في الدعوة لأفكارهن، وكذلك النسويون في الدعوة لأفكارهم على مواقع التواصل الاجتماعي، تعريفا بأفكار النسوية، وسعيا لضمان الدعم لتلك الأفكار في إطار السعي لتحقيق المساواة ما بين الجنسين.
لكن وإن تساءلنا كيف دخلت النسوية للعالم العربي، لأمكننا القول، بأن هنالك الكثير من العوامل والكيفيات التي أسهمت في دخولها، وعلى رأسها ما يلي:
- الاحتكاك العربي مع قيم الثورة الفرنسية، إذ انتقلت قيم الثورة الفرنسية كالحرية والمساواة للجانب العربي مع حملة نابليون لمصر عام 1789، ثم أن انتقلت قيمها للجزائر ولسوريا ولبنان مع احتلال فرنسا لتلك الدول، فرغم أن الحملات الفرنسية في المنطقة العربية كانت حملات عسكرية استعمارية، إلا أن العرب وفي إطار سعيهم لمقاومتها، قد سعوا لاكتشاف الفرنسيين من مختلف الجوانب، وكان من ضمن ما اكتشفوه قيم الثورة الفرنسية التي تخلى عنها الفرنسيون بحملاتهم العسكرية على المنطقة العربية.
- بدء حراك اجتماعي سياسي اقتصادي عربي يطالب بالحرية والاستقلال عن المستعمر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويطالب بنفس الوقت، بضرورة تحقيق النهضة الشاملة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بمنح المرأة حقوقها، (الاسكوا، ص8، 2005):
لذلك، برز الكثير من النسويين والنسويات منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين تقريبا، نذكر منهم ومنهن:
- قاسم أمين الذي ينظر له كأب روحي للنسوية العربية، وطالب في كتابه "تحرير المرأة" في عام 1899 بضرورة تغيير دور المرأة المصرية إذا كانت تريد الأمة المصرية أن تنهض وتتقدم.
- الصحفية اللبنانية هند نوفل، وتعتبر نموذجا للنسويات العربيات إذ أسست أول مجلة تعنى بقضايا المرأة عام 1892، وهي مجلة وصحيفة الفتاة.
- هدى شعرواي، وتعد من أبرز النسويات العربيات، إذ أسست في عام 1923 الاتحاد النسائي المصري وترأسته.
- الأديبة الفلسطينية مي زيادة والتي ولدت عام 1886 وماتت في 19441، نشطت في مجال الأدب ودعوة المرأة لأن تحرر نفسها بنفسها، ولجأت لإقامة علاقات عديدة من الباحثين والمفكرين المصريين والعرب خلال حياتها، تدعوهم لمناصرة قضايا المرأة.
ويمكن تفسير تزايد نشاط النسوية عربيا منذ نهايات السبعينات وبداية الثمانينات وحتى اللحظة الراهنة، وذلك بعد خفوت صداها خلال أواسط القرن العشرين، بالأسباب التالي:
تزايد الاهتمام العربي بالتعليم، وتزايد عدد الطلاب المبتعثين للجامعات الأوروبية والأمركية، إذ يتأثر الطلاب المبتعثون بالنسوية بوصفها غربيا، حقلا تهتم به الكثير من العلوم الإنسانية والاجتماعية، كالعلوم السياسية والعلاقات الدولية وعلوم الاجتماع والأدب ودراسات النقد الأدبي وغيرها من حقول المعرفة.
تزايد وتيرة التسارع الدولي في تقنيات الاتصال، إذ تزايد انتشار الفكر النسوي عالميا، وانتشاره في المنطقة العربية مع انتشار الإنترنت حول العالم للاستخدامات المدنية في عقد التسعينات، وتزايد زخم انتشار الفكر النسوي، مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي.
رابعا: كيفيات احتواء الحركة النسوية:
على الرغم من جماليات المطالب التي تنادي بها النسوية العالمية عموما والنسوية العربية خصوصا، ومن حيث المطالبة بوقف عمليات التمييز والإقصاء المفروضة على المرأة، إلا أن النسوية برمتها، قد وقعت في الكثير من المثالب التي جعلتها في صدام مباشر مع الكثير من المجتمعات حول العالم، سواء أكانت مجتمعات مسيحية أو سيخية أو إسلامية أو غيرها، وهذا الحال، ينطبق أيضا على العلاقة ما بين النسوية والمجتمع العربي، والأسباب التي تفسر رفض المجتمع العربي للنسوية أو لبعض النسويات، أو بشكل أدق لبعض أفكار النسوية، هي أسباب عديدة ومنها:
- الانتقال من المساواة القانونية للمساواة الطبيعية: أن النسوية في موجتها الأولى وفي تيارها الليبرالي، كانت تنادي بضرورة المساواة القانونية ما بين الرجل والمرأة، وهذه المطالب، منصوص عليها في كل الدساتير العربية، إذ لا تمييز ما بين الرجل والمرأة على أساس الجنس، وكما أن الرجل بمنظور الدساتير العربية مواطن عربي، فإن المرأة مثله تماما مواطنة عربية، لديها مثل ما للرجل من حقوق وعليها مثل ما عليه من واجبات تجاه المجتمع والدولة.
- لكن التطرف الذي وقعت فيه النسوية، لاسيما في موجتها الثالثة وفي تيارها الراديكالي، أن بدأت تطالب النسوية بشكل عام، ومنها النسوية العربية، بضرورة المساواة الطبيعية ما بين الرجل والمرأة، أو بلغة أدق، أن أنكرت النسوية وجود أي اختلافات طبيعية وبيولوجية ما بين الرجل والمرأة ، (نرجس رودكر، ص 290، 2019)، وأن تلك الاختلافات ليست بيولوجية المنشأ بقدر ما هي اجتماعية المنشأ تاريخيا، واستغل ما سبق من النظام البطريركي، لأن يكون الاختلاف البيولوجي والجنسي ما بين الرجل والمرأة، سببا في الاختلاف الحقوقي ما بين الرجل والمرأة.
الطرح السابق، لاقى معارضة مع ما تثبته العلوم التجريبية والطبيعية، إذ يتعارض الطرح السابق مع الطب والبيولوجيا، ويتعارض أيضا مع المجال الثقافي والنصوص الدينية، ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما في مختلف أنحاء العالم.
رفض فكرة الأنوثة: ينظر لفكرة الأنوثة البيولوجية كفكرة يجب التخلص منها، لأنها بمثابة قناة تنتهي بالمرأة لفكرة الزواج ومن ثم الأمومة وبالتالي، أي أن تصبح المرأة مجرد تابع للرجل، هو رأي خطير ويصطدم مع المجتمع العربي وقيمه واعتقاداته الدينية ومصالحه: بحيث:
- فمن ناحية سياسية، يمكن لشيوع الرأي السابق والرامي للتخلص من فكرة الأنوثة، وبالتالي أن ترفض المرأة فكرة الزواج والأمومة، أن يهدد مستقبل التوالد والواقع الديمغرافي العربي، على المدى البعيد، ومن حيث، أن تتراجع نسبة المواليد، وأن يفقد المجتمع والدولة شبابه، الذي وبدونهم لا يمكن لأي دولة عربية أو حتى غير عربية أن تستمر واقعيا كدول فتية.
- من ناحية اجتماعية، يمكن أن تقود آراء النسوية السابقة، لتزايد في حالة العنوسة، وتزايد حالات الشذوذ الجنسي، كحالات السحاق، وحالات اللواط، وبالتالي، أن يصبح المجتمع غريبا عن نفسه في ظل رفض المرأة لأنوثتها ورفضها لأي اتصال بالرجل خشية فكرة الأمومة.
- دينيا، تتعارض تلك الأفكار والآراء مع النص القرآني، إذ أن رفض الأنوثة يخالف نصوص صريحة من نصوص القرآن، إذ ينص القرآن في سورة النحل الآية 97: "ومن عمل صالحا من ذكر أو انثى" وينص أيضا في سورة آل عمران الآية 195: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى".
- لمجمل الآراء السابقة، فكرت الكثير من المجتمعات وحتى المجتمعات الغربية التي تعد مهد النسوية، بكيفيات احتواء الفكر النسوي، لاسيما احتواء الفكر النسوي الأكثر راديكالية، وهو أمر ليس ببعيد عن المجتمع العربي، في ظل تعارض الكثير من آراء النسوية مع قيم وثقافة المجتمعات العربية.
المراجع:
- نرجس رودكر، فيمينزم الحركة النسوية: مفهومها، أصولها النظرية وتياراتها الاجتماعية، ترجمة: هبة ظافر، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، 2019.
- سمية نصر، النسوية: ما معنى أن تنطلق من منظور إسلامي؟ بي بي سي، 11/1/2022، https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-59929274 تاريخ الدخول 28/10/2022
- الما تركماني، ما هي الحركة النسوية ومن العربيات اللواتي ترأسنها، شبكة سي أن أن، 8/3/2018، https://arabic.cnn.com/world/2018/03/08/feminism-infograph تاريخ الدخول 29/10/2022
- سوزان الس واتكنز وآخرون، الحركة النسوية، ترجمة: جمال الجيزي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2005.
- سلمى عبد الستار، قراءة في المدرسة النسوية وتياراتها، مركز دراسات المرأة، 2021.
- عديلة محمد طاهر، المقاربة النسوية في العلاقات الدولية، مجلة المفكر، جامعة محمد خضير ببسكرة، 2015
- مريم رمضاني، تجليات النظرية النسوية في ترجمة الادب النسوي: فوضى الحواس لأحلام مستغانمي دراسة تطبيقية، جامعة السانيا وهران، 2012.
- الأمم المتحدة، الاسكوا: اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، تاريخ الحركة النسائية في العالم العربي، 2005.
المراجع بالإنجليزية:
- Lauren Macmillan, The Cultural History of Philosophy Blog, https://blogs.history.qmul.ac.uk/philosophy/2015/11/28/feminism/, accessed: 28/10/2022.
- Adam Augustyn , Seneca Falls Convention, https://www.britannica.com/event/Seneca-Falls-Convention, accessed: 28/10/2022.
- Martha Rampton, Four Waves of Feminism, Pacific Magazine, 2008.
- The fourth wave of feminism, Britannica, 2022, https://www.britannica.com/topic/feminism/The-fourth-wave-of-feminism, accessed: 28/10/2022.
- Postmodern Feminism, study smarter, 2022, https://www.studysmarter.co.uk/explanations/politics/political-ideology/postmodern-feminism/ , entry: 29/10/2022.
- Jone Johnson Lewis, What Is Radical Feminism? 2020, https://www.thoughtco.com/what-is-radical-feminism-352899 , accessed: 29/10/2022.