في دفعة قوية لكييف، قررت الولايات المتحدة السماح لحلفائها الغربيين بتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة متطورة، بما في ذلك طائرات إف-16، وقد صرح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان أن الرئيس جو بايدن "أبلغ نُظراءَه في مجموعة السبع" بالقرار في قمة التكتل في اليابان في 19 مايو 2023. قال سوليفان إن القوات الأمريكية ستدرب أيضاً الطيارين الأوكرانيين على استخدام الطائرات، كما أن الولايات المتحدة وحلفاءَها "ركزوا حتى الآن على تزويد أوكرانيا بالأسلحة والتدريبات التي تحتاجها للقيام بعمليات هجومية". يضيف: "مع بدء التدريب في الأشهر المقبلة سنعمل مع حلفائنا لتحديد موعد تسليم الطائرات، ومن سيسلمها، وعددها."
منذ بداية الحرب تسعى أوكرانيا للحصول على طائرات متطورة، وضغطت مراراً على حلفائها الغربيين لتوفير طائرات للمساعدة في قتالها ضد روسيا. ويقول خبراء إن المقاتلات الحديثة مثل إف-16 ستساعد أوكرانيا على الضرب خلف الخطوط الروسية.
قبل الإعلان الرسمي عن القرار في 20 مايو 2023، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الطائرات "ستعزز جيشنا بشكل كبير في السماء". وبعد إعلان القرار الأمريكي، أشاد زيلينسكي بهذه الخطوة ووصفها بأنها "قرار تاريخي". نشير هنا إلى أنه لا يمكن لأي دولة إعادة بيع أو إعادة تصدير المعدات العسكرية الأمريكية، إلا إذا وافقت الولايات المتحدة على ذلك، لذا فإن هذا القرار يمهد الطريق أمام الدول الأخرى لإرسال مخزوناتها الحالية من طائرات إف-16 إلى أوكرانيا.
روسيا، في المقابل، رأت أن تزويد أوكرانيا بطائرات إف-16 ستتبعه مواجهة الدول التي ستزوِّد بهذه الطائرات "أخطاراً هائلة". يقول نائب وزير الخارجية ألكسندر جروشكو لوكالة تاس الرسمية للأنباء إن الدول الغربية "متمسكة بسيناريو التصعيد"، مضيفاً "سيؤخذ ذلك في الاعتبار في جميع خططنا، ولدينا كل الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافنا". وفي 28 مايو 2023، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن الغرب "يلعب بالنار" بشأن تزويد أوكرانيا بطائرات إف-16.
مقاتلات "إف-16" تستخدم على نطاق واسع من قبل جيوش عدد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية فضلاً عن الولايات المتحدة، التي لا تزال تصنع الطائرة. الخطوة الأمريكية وجدت ترحيباً من مجموعة من الدول الغربية. فرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قال في تغريدة على تويتر "ستعمل المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة وهولندا وبلجيكا والدنمارك لتزويد أوكرانيا بالقوة الجوية القتالية التي تحتاجها". يشار هنا إلى أن المملكة المتحدة لا تمتلك أي طائرات من طراز إف-16 في قواتها الجوية، غير أنها قد تدعم العملية لوجستياً وسياسياً.
من جانبها قالت الدنمارك إنها ستعمل على دعم عملية تدريب الطيارين، لكنها لم تؤكد ما إذا كانت سترسل أي طائرات إلى أوكرانيا. علماً أن القوات الجوية الدنماركية تمتلك حوالي 40 مقاتلة من طراز إف-16. كذلك أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى استعداد بلاده في مجال التدريب لكنها لن تقدم طائرات من هذا النوع لكييف، (بي بي سي، 20 مايو 2023).
تردد وشكوك
في بداية الأمر كانت واشنطن مترددة في تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة حديثة، على الأقل في المدى القريب. بدلاً من ذلك، انصب تركيزها على تقديم الدعم العسكري على الأرض، وقد عبرت بعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي عن قلقها من أن تسليم طائرات لأوكرانيا سينظر إليه على أنه تصعيد للحرب مما يهدد بمواجهة مباشرة مع روسيا.
في السياق، كان مسؤولون عسكريون أمريكيون كبار يشككون في السابق في قدرة الطائرات المقاتلة المقرر تزويد أوكرانيا بها على تغيير الصراع بشكل كبير، فهناك الكثير من أنظمة الدفاع الجوي على الأرض، إضافة إلى جهود القوات الجوية الروسية الكبيرة لتحقيق التفوق الجوي. تجلت هذه الشكوك حين أخبر بايدن صحفيين في فبراير الماضي أنه "يستبعد في الوقت الحالي" إرسال مقاتلات متقدمة إلى أوكرانيا.
يمثل التوجه الأمريكي نحو الموافقة على إمداد أوكرانيا بالمقاتلات تغيراً في السياسة الأمريكية ينذر بدخول الحرب مرحلة جديدة من التصعيد، خاصة حال دخول مقاتلات "إف-16" الحرب، وهو ما سيستغرق وقتاً لتدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة المقاتلات. يشار هنا إلى أنه يوجد في أوكرانيا طيارون مقاتلون مدربون على طائرات من الحقبة السوفيتية، لذلك تحتاج عملية تدريب هؤلاء الطيارين، على الرغم من خبرتهم، فترة قد تستغرق ما يصل إلى أربعة أشهر.
تركز جانب من الانتقادات المرتبطة بإرسال الطائرات حول موضوع الصيانة، حيث قال المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي الدكتور جيمي شيا إن هذا النوع الطائرات يحتاج صيانة مكثفة بعد كل قتال تقريباً.
في بداية الحرب، كان يعتقد أن أوكرانيا لديها حوالي 120 طائرة ذات قدرة قتالية، تتكون بشكل أساسي من طائرات ميج 29 وسوخوي 27 القديمة من الحقبة السوفيتية، غير أن المسؤولين في كييف يقولون إنهم بحاجة إلى ما يصل إلى 200 طائرة لمضاهاة القوة الجوية لموسكو، والتي يعتقد أنها أكبر بخمس أو ست مرات من كييف. وفي وقت سابق من هذا العام، أرسلت بعض دول أوروبا الشرقية طائرات مقاتلة من طراز ميغ تعود إلى الحقبة السوفيتية إلى أوكرانيا.
طائرات إف-16 قادرة على الطيران بسرعة ضعف سرعة الصوت ويمكن أن تشتبك مع أهداف في الهواء أو على الأرض. وعلى الرغم من أن مقاتلات "إف-35" الأحدث قد طغت على الطرازات القديمة، فإن تلك الطرازات لا تزال تستخدم على نطاق واسع.
تحديات متوقعة
1/ إشكالية الإمدادات
حتى الآن، تعتمد القوات الجوية الأوكرانية على أعداد محدودة من الطائرات القديمة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية. ووفقاً لموقع التحليل العسكري (Global Firepower). قد لا تتمتع كييف بالسيطرة الكاملة على المجال الجوي الأوكراني، لكن لديها العديد من أنظمة الدفاع المضادة للطائرات التي تردع الطائرات المقاتلة الروسية عن القيام بعمليات خارج خط المواجهة، غير أنها تستنزف بسرعة إمداداتها من الأسلحة المضادة للطائرات.
يقول مستشار الدفاع مارك تشاسيلان: "بدأت مخزونات الصواريخ المضادة للطائرات في النفاد بشكل خطر لأن أوكرانيا تستهلك الكثير منها. في مرحلة ما، يمكن أن تتولى إف-16 المسؤولية لتعويض النقص المؤقت. إنها طائرة قادرة تماماً على إسقاط صاروخ كروز". يشير ذلك إلى تحد آخر سيتعين على أوكرانيا وحلفائها التغلب عليه، وهو نفاد مخزونات الأسلحة الغربية، حتى في حال إمداد كييف بالمقاتلات، فهناك مجموعة كاملة من المعدات التي تأتي مع الطائرة، وليس هناك ما يضمن أنها ستكون متاحة بالشكل الكافي للاستمرار في تشغيل المقاتلات.
يضيف تشاسيلان: "هناك أيضاً مشكلة الأسلحة التي ستزود بها هذه الطائرات، وهل لدى الحلفاء الغربيين ما يكفي من القنابل والصواريخ والقذائف؟ فالمخزونات الحالية ليست كافية، ولن تكون لمقاتلات "إف-16" أي قيمة على الإطلاق إذا لم تكن لديها الأسلحة الكافية الخاصة بها"، (فرانس24، 19 مايو 2023).
2/ تحدي التكنولوجيا
من غير المرجح أن تحصل أوكرانيا على طائرات إف-16 جديدة تماماً، فهي باهظة الثمن، وسيكون الغرب متردداً في المخاطرة بأسلحة متطورة في هذا الصراع. ما يعني أن أوكرانيا ستحصل على مقاتلات برادارات أقل قدرة، وإلكترونيات طيران أقدم. على الرغم من أن طائرات إف-16 القديمة لا تزال قادرة، فإن العديد من الدول تتطلع الآن إلى ترقية أسطولها من طائرات إف-16 ودمج طراز أف-35.
إضافة إلى الرادار، تحتاج المقاتلات الحديثة أيضاً أحدث تقنيات الحرب الإلكترونية، والمساعدات الدفاعية، وأجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء، ونظام كمبيوتر لبرمجة وتقديم أحدث جيل من الأسلحة جو-جو وجو-أرض عالية التقنية. علاوة على ذلك، هناك حاجة أيضاً إلى طيارين مدربين وطاقم أرضي، وأسلحة، وقطع غيار، ومرافق تخطيط أرضي، واستخبارات، ومجموعة من البنى التحتية الداعمة. عليه، تحتاج المقاتلات إلى منظومة دعم كاملة، من أجل أن تؤدي دوراً فعالاً في القتال.
نتناول فيما يلي بشكل أعمق مقاتلات الجيل الرابع، وبالخصوص إف-16، من حيث مميزاتها وتطورها والمعارك التي شاركت فيها، لفهم الأهمية الإستراتيجية لهذه المقاتلات.
التفوق الجوي: مقاتلات الجيل الرابع
شهد مجال الطيران العسكري تطورات ملحوظة عبر التاريخ، حيث قدم كل جيل من الطائرات المقاتلة قدرات جديدة وتوسيع مدى القتال الجوي. وتمثل مقاتلات الجيل الرابع قفزة كبيرة إلى الأمام من حيث التكنولوجيا والتصميم والقدرات التشغيلية. تتميز هذه الطائرات بقدرتها الفائقة على المناورة، وأنظمة إلكترونيات الطيران المتقدمة، وزيادة نطاق القتال، وقدرات الاستشعار المحسنة. وهي مصممة للسيطرة على المجال الجوي، والتفوق في مهمات جو-جو وجو-أرض.
واحدة من السمات المميزة لمقاتلات الجيل الرابع هي تصميمها الديناميكي الهوائي المتقدم، الذي يعتمد على أجنحة دلتا، وكانارد، وأسطح تحكم متقدمة، مما يسمح بزيادة القدرة على المناورة وخفة الحركة. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم أغلب مقاتلات الجيل الرابع تقنيات التخفي، مثل مواد امتصاص الرادار، مما يقلل قدرة الرادار على التنبه لوجودها ما يعزز القدرة على البقاء في ساحة المعركة.
تتميز أيضاً بأحدث أنظمة إلكترونيات الطيران وتقنيات دمج أجهزة الاستشعار، وقد تم تجهيزها بأنظمة رادار متقدمة يمكنها تتبع أهداف متعددة في وقت واحد واكتشاف التهديدات من مسافات بعيدة، كما تجمع تقنية دمج أجهزة الاستشعار بين البيانات من أجهزة الاستشعار المختلفة، مثل الرادار والأشعة تحت الحمراء وأنظمة الحرب الإلكترونية، مما يوفر للطيارين وعياً شاملاً بالموقف، ما يمكنهم من اتخاذ قرارات فعالة في سيناريوهات القتال.
هذه المقاتلات المتقدمة هي جزء لا يتجزأ من الحرب التي تركز على شبكة متكاملة، وتستفيد من قدرات الاتصالات المتقدمة وتبادل البيانات. يمكن لهذه الطائرات تبادل المعلومات في الوقت الفعلي مع المنصات الصديقة الأخرى، بما في ذلك القوات البرية والبحرية ومراكز القيادة، مما يعزز الفعالية التشغيلية الشاملة، حيث يتيح هذا التكامل السلس العمليات المنسقة ومشاركة الأهداف، ويزيد ذلك كفاءة العمليات العسكرية بشكل كبير.
بروفايل: مقاتلات إف-16
مقاتلات إف-16 من صنع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، وهي طائرة نفاثة ذات محرك واحد ومتعددة الأدوار من الجيل الرابع يمكن استخدامها في مهمات الهجوم الجوي أو الأرضي. يصف سلاح الجو الأمريكي "إف-16"، التي حلقت لأول مرة في سبعينات القرن العشرين، بأنها "نظام سلاح منخفض التكلفة نسبياً وعالي الأداء". ووفقاً لدليل القوات الجوية العالمية الصادر عن منصة (Flight Global)، فإن ما يقرب من 2200 طائرة من طراز إف-16 نشطة في مناطق مختلفة مما يجعلها أكثر طائرة مقاتلة شعبية.
يبلغ طول الطائرة ذات المحرك الواحد الأكثر مبيعاً، والمفضلة لدى حلفاء الولايات المتحدة بسبب سرعتها ومرونتها، 15 متراً ويبلغ طول جناحيها حوالي 10 أمتار. على مر السنين، خضعت إف-16 للعديد من التغييرات في تصميمها منذ ظهورها لأول مرة، وقد تم بناء الطائرة المقاتلة في الأصل للقتال الجوي، وهي الآن قادرة على القيام بكل شيء تقريباً، من الدفاع الجوي إلى القصف التكتيكي.
كانت مقاتلات إف-16 منذ نسختها الأولى المعروفة بـ"فايتينغ فالكون" من صنع شركة جنرال موتورز الأمريكية، معروفة بخفة وزنها وقدراتها العالية، ومنذ بدء الولايات المتحدة تصديرها، سرعان ما أصبحت أكثر طائرة مقاتلة تصديراً على نطاق واسع في العالم.
يمثل الرادار العنصر الرئيسي في إمكانيات المقاتلات الحديثة، وتزامن مع التطور التكنولوجي الذي مكن الرادارات من رؤية أبعد وأوسع وأوضح، مع تطور وتنوع تقنيات خداع الرادارات. في الحرب العالمية الثانية، تم نشر شرائط دقيقة من الألومنيوم لإرباك رادارات العدو، ولكن يتم الآن استغلال تكنولوجيا التخفي الحديثة ومجموعة متنوعة من التدابير الإلكترونية المبتكرة لتحسين القدرة على البقاء، (سكاي نيوز، 28 مايو 2023).
مرت تكنولوجيا إلكترونيات الطيران الخاصة بـ"إف-16" بتحديثات، من أجل تحسين قدراتها على التأقلم مع متغيرات ومتطلبات الحروب الحديثة. في السياق، قال تشاسيلان عن المقاتلات: "بمرور الوقت، أصبحت أكثر تنوعاً، بما في ذلك أحدث الإصدارات مثل Block-52 التي تم بيعها مؤخراً لبولندا. مع ذلك، [عندما] يتم تسليم طائرات إف-16 إلى أوكرانيا، فإنها بالتأكيد لن تكون أحدث الإصدارات، بل الإصدارات القديمة من الاحتياطيات العسكرية البلجيكية أو الهولندية أو الدنماركية أو النرويجية"، (فرانس24، 19 مايو 2023)، لذلك، تظل هنالك شكوك حول مدى قدرة الإصدارات القديمة من المقاتلات على إحداث الفارق وقلب موازين الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
حروب شاركت فيها إف-16
تم نشر مقاتلات إف-16 المشهورة بإمكانياتها القتالية وتعدد استخداماتها، في العديد من النزاعات والحروب في جميع أنحاء العالم، حيث أحدثت فرقاً كبيراً في ساحة المعركة. نعرض فيما يلي بعض الحروب البارزة التي أدت هذه المقاتلات دوراً حاسماً فيها وأبرزت قدراتها.
حرب الخليج الثانية
شكلت حرب الخليج الثانية (1990-1991) نقطة تحول لمقاتلات إف-16، حيث أظهرت قدراتها على التفوق الجوي وقدرات الضربات الدقيقة. وقامت هذه الطائرات بمهمات قتالية جو-جو، وحققت العديد من الانتصارات الجوية ضد الطيران العراقي. علاوة على ذلك، أدت دوراً حيوياً في تدمير أهداف رئيسية خلال الحملة، وتحييد الدفاعات الجوية العراقية بشكل فعال والإسهام في النجاح الشامل لقوات التحالف.
عملية القوات المتحالفة في كوسوفو
خلال عملية القوات المتحالفة (حرب كوسوفو، 1999) بقيادة الناتو، أبرزت إف-16 تنوعها وقدراتها الضاربة الدقيقة في حملة جوية معقدة. قامت المقاتلات خلال العملية بمجموعة متنوعة من المهمات، بما في ذلك الهجمات جو-أرض، وقمع الدفاعات الجوية، والدعم الجوي، ونجحت في تدمير الأهداف العسكرية الصربية، وتعطيل عملياتها، وتقديم الدعم الحاسم للقوات البرية. وقد أثبتت إلكترونيات الطيران المتقدمة لهذه المقاتلات وقدرتها على إطلاق ذخائر موجهة بدقة، أنها مفيدة في تقليل الأضرار الجانبية وتحقيق أهداف المهمة.
العمليات العسكرية في أفغانستان
أدت إف-16 دوراً محورياً في العمليات العسكرية في أفغانستان، حيث تم نشرها من قبل دول متعددة، بما في ذلك الولايات المتحدة. شنت المقاتلات ضربات دقيقة ضد مواقع طالبان، ونفذت مهمات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وضمنت التفوق الجوي. إن قدرة إف-16 على التكيف وقدرتها على العمل من مطارات غير مؤهلة بالكامل جعلتها رصيداً قيماً في عمليات مكافحة التمرد في أي مكان.
الحرب الأهلية الليبية
خلال الحرب الأهلية الليبية، أدت مقاتلات إف-16 من مختلف الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والناتو، دوراً رئيسياً في فرض منطقة حظر طيران وشن ضربات دقيقة. أسهمت إلكترونيات الطيران المتقدمة للمقاتلات وقدراتها جو-جو وذخائرها الموجهة بدقة في تحييد الدفاعات الجوية الليبية وتعطيل العمليات العدائية، كما ضمنت خفة الحركة والاستجابة في الاشتباكات الجوية التفوق الجوي وحماية قوات التحالف العاملة في المنطقة.
عملية العزم الصلب - منذ 2014
يتم استخدام إف-16 على نطاق واسع في الحملة المستمرة ضد داعش في العراق وسوريا، وقد نشرت الدول المشاركة، بما في ذلك الولايات المتحدة، هذه الطائرات لشن غاراتها الجوية ضد مواقع داعش، وتعطيل خطوط الإمداد، وتقديم الدعم الجوي للقوات البرية. وإمكانيات تنفيذ ضربات دقيقة وأنظمة الاستهداف المتقدمة الخاصة بها في هذه الحملة، حاسمة في إضعاف البنية التحتية لداعش ودعم الحملة البرية ضد التنظيم.
استنتاجات ونقاشات
تصاحب قرار إمداد أوكرانيا بمقاتلات إف-16 العديد من الأخطار والتحديات، تجعلها أكثر خطوة حساسية منذ بداية الحرب. فعلى المستوى السياسي، تظهر هذه الخطوة الغربية عزم الولايات المتحدة وحلفائها على دعم كييف. في الوقت نفسه، تبقى أخطار هذا النوع من التصعيد قائمة، خاصة في حال استخدام هذه المقاتلات لاستهداف الأراضي الروسية، وأبدت واشنطن وحلفاؤها حرصاً على تحقيق التوازن بين الدعم الكامل لأوكرانيا والحكمة بشأن التصعيد، ومن غير المرجح أن يختفي الحذر بشأن الأخطار بعد القرار الأخير.
سلط تشاسيلان الضوء على هذه المعضلة، قائلاً: "المشكلة تدور حول عبور الحدود الروسية، والغرض من الطائرات المقاتلة هو جلب القتال إلى العدو، مع ذلك، توجد عقبة سياسية هنا". في الوقت نفسه، أكد الخبير العسكري أن إبقاء طائرات إف-16 داخل أوكرانيا سيكون قيداً كبيراً عليها، موضحاً: "القوات الأوكرانية ستستخدم هذا النوع من الأسلحة بشكل محدود للغاية إذا لم تعبر الحدود مع روسيا، فتحليق طائرات إف-16 فقط داخل المجال الجوي الأوكراني سيكون مثل وضع الطيور في قفص"، (فرانس24، 19 مايو 2023).
علاوة على معضلة الموازنة بين دعم كييف وتفادي الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بين الناتو وروسيا، تظل هنالك تحديات أخرى مثل تدريب الطيارين وموظفي صيانة المقاتلات. وقد ذكر عدد من الخبراء أنه بالنسبة لطائرة مقاتلة حديثة مثل إف-16، يمكن أن يستغرق تدريب موظفي الصيانة وقتاً أطول من تدريب الطيارين. في السياق، يقول بيتر لايتون، الخبير في معهد غريفيث آسيا والضابط السابق في سلاح الجو الملكي الأسترالي: "أعتقد أنه من الممكن تعليم طيار أوكراني قيادة طائرة إف-16 في ثلاثة أشهر، لكن تدريب موظفي الصيانة يمكن أن يستغرق شهوراً أو سنوات، وذلك اعتماداً على المستوى المطلوب من الكفاءة"، وفقاً لتقرير صدر في مارس من خدمة أبحاث الكونجرس (CRS) حول عمليات النقل المحتملة لطائرات إف-16.
تشير هذه التحديات إلى محدودية قدرة مقاتلات إف-16 على تغيير مسار الحرب الروسية الأوكرانية بالكامل، ورجحان أن يمثل استخدامها في هذه الحرب دافعاً معنوياً ومثالاً للتماسك بين القوى الغربية وإمكانيات التنسيق والتنفيذ العالية بينها.
يؤكد ذلك روبرت هوبكنز، خبير الطيران العسكري والطيار السابق في سلاح الجو الأمريكي، مشيراً إلى أن حرباً سياسية تخاض حالياً، وهناك حاجة إلى تحقيق انتصارات في هذه الساحة. قال: إن إرسال طائرات إف-16 إلى أوكرانيا سيظهر "تعاوناً سياسياً ودبلوماسياً قوياً عبر العديد من الدول الغربية (وخاصة الناتو)".