
تقف فرنسا على اليوم أعتاب منزلق جديد يفتح الأبواب على مصراعيها أمام أزمة سياسية واقتصادية عميقة، قد تقود الى سقوط الحكومة التي لم يمض عام كامل على تشكيلها.ومن المقرر أن يصوّت البرلمان الفرنسي على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، الذي تولى منصبه في ديسمبر نهاية العام الماضي. وهذا التصويت لا يجعل رئيس الوزراء وحكومته في مهب العاصفة لوحدهم، بل قد تنعكس ارتداداته على الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نفسه. في ظل إجراءات سياسية واجتماعية متشنجة، وتحضيرات إضراب واحتجاجات عارمة سوف تشل الحياة في فرنسا خلال الأيام القادمة.
تصاعدت الأزمة ضد الحكومة الفرنسية، على أثر مشروع الميزانية الذي قدمه بايرو والذي يتضمن توفير نحو 50 مليار يورو، من خلال إجراءات صارمة تتضمن إلغاء يومين من العطل الرسمية، مع حزمة إصلاحات اقتصادية مثيرة للجدل، تسببت في إشعال غضب الشارع الفرنسي، ودفعت الأحزاب الفرنسية المعارضة، يتقدمها حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، ومعه الحزب الاشتراكي، الى التحالف من أجل اسقاط الحكومة. وبرر رئيس الوزراء الفرنسي هذه الإصلاحات ، بأنها ضرورية، لأن فرنسا، التي تعد ثاني أكبر الاقتصادات في الاتحاد الأوروبي، مهددة بأزمة ديون شبيهة باليونان، ولابد من معالجة المشكلة قبل استفحالها. إلا أن النائبة الاشتراكية سيلين تيبو مارتينيز، اعتبرت ان خطة بايرو الاصلاحية تمثل عقوبة للأسر العاملة والطبقات الأكثر هشاشة، واكدت ان حزبها يطرح بديلاً يحقق نصف وفورات بايرو، لكنه يسدد الدين العام على فترة أطول.
أما الحزب الوطني اليميني
المتطرف، فيبدو أنه يستعد للانقضاض على السلطة، حيث يرى حزب "مارين
لوبان"، ان هذه الأزمة لابد وأن تكون فرصة لمعاقبة الرئيس الفرنسي ايمانويل
ماكرون، ويطالب الحزب بإجراء انتخابات برلمانية جديدة، لانه يعتقد انه قادر على
مضاعفة عدد مقاعده في البرلمان، والاقتراب أكثر من السلطة.
ويرى
الحزب انه منذ انتخاب ماكرون رئيساً للجمهورية، لم يتغير شئ ، إلا لجهة زيادة
الضرائب والقوانين التي تكبح الاقتصاد الفرنسي.
هذه التصريحات تأتي
بالتزامن مع الإحباط الشديد الذي يمر به الفرنسيون الذين يعتقد أغلبيتهم أنهم أمام
مأزق اقتصادي كبير، سببه الرئيس ماكرون عندما دعا الى انتخابات مبكرة في عام 2022، كان نتيجتها برلمان منقسم وعاجز عن اتخاذ قرارات تصلح الاقتصاد
المتهالك وتخدم الشعب الغاضب من السياسات الحكومية العامة التي ضيقت الخناق عليه.
وبالتالي فأن هذا الازمة المتصاعدة لن يجني ثمارها سوى اليمين المتطرف المعارض
لسياسات ماكرون.
منذ أيام يتم التحشيد من
قبل النقابات الفرنسية للتعبئة الشعبية، يوم الاربعاء المقبل العاشر من سبتمبر،
حيث يتوقع ان يتم شل حركة الطرق والاعمال، وهو أمر سيقود الى المزيد من التشنجات،
ويرفع منسوب الأزمة الى مراحل متقدمة، قد تكون بداية للحل، أو لمشكلة أكبر وأعمق ،
إن لم يُحسِن الرئيس ماكرون التصرف حيالها.
وإذا ما تمكّن المحتجون من
فرض حوار وتقديم بدائل أكثر عدالة للمجتمع، فقد تتبلور إصلاحات مالية تضع أزمة
الدين على مسار أكثر واقعية ونضجاً. والخطوة الاحتجاجية الثانية ستكون يوم 18 سبتمبر، حيث دعت أكبر 8 نقابات
فرنسية الى يوم احتجاج واضراب عام للوقوف بوجه خطط الحكومة المالية لعام 2026.
ولا يمكن الجزم بقدرة هذه
الاحتجاجات على تحقيق نتيجة ايجابية، لان الامر مرتبط بقدرتها على تقديم مطالب
ملموسة وواقعية تستجيب لها الحكومة ، فقد تحدث تطورات ايجابية تُخرِج البلاد من
النفق المظلم الذي تمر فيه، وخلافه فإن الازمة ستتصاعد بشكل غير مسبوق. وفي كل
الاحوال فإن فرنسا ستكون بين مطرقة الازمة المالية التي تمر بها، وسندان الشارع
الذي يرفض ان يكون كبش فداء لحل الازمة المالية التي تمر بها البلاد