دراسات سياسية

مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا

20-Jan-2023

تقوم المصالحة في العادة على إصلاح العلاقات بين الأطراف السياسية والمجتمعية وإزالة آثار صراعات الماضي، ولكن بعد عشر سنوات من اندلاع الانتفاضة الليبية ضد العقيد "معمر القذافي" في فبراير عام 2011، لا تزال ليبيا في حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية، والصراعات التي تتزايد يوماً بعد يوم، لتتراكم فوق صراعات الماضي وتفرز صراعات جديدة، إنسانية واقتصادية.

خلال المرحلة الأولى من الصراع، أدى تقسيم المدن والقبائل بين من يؤيدون ثورة فبراير ومن يؤيدون النظام السابق إلى خلق وتعزيز عقلية جماعية منقسمة بين المنتصرين والمنهزمين. وقد أسهم ذلك في اندلاع أعمال عنف وانتقام وتشريد للمدنيين والتفرقة بين الفئات القبلية والاجتماعية. فضلاً عن ازدياد التنافس على الموارد الوطنية والمناصب في مؤسسات الدولة، مما عمق الانقسام السياسي، وتفاقمت التوترات، وتأججت ديناميات صراعات جديدة. وتجاوزت النزاعات الحدود السياسية لتعكس الانقسامات الحضرية والريفية والعرقية، وغيرها من الانقسامات الاجتماعية والجغرافية في البلاد. ونتيجة لذلك، تراجعت مؤسسات الدولة بشكل خطر، وتضررت بشدة علاقة الثقة بين الليبيين، وبينهم وبين الدولة. 

ومنذ عام 2011، انخرطت السلطات الليبية في خطاب المصالحة وآليات العدالة الانتقالية، في ظل عدم وجود نموذج واضح المعالم ومحدد السياق بناءً على مظالم المجتمع الليبي، فوقعت السلطات في إغراء تقليد ممارسات وآليات العدالة الانتقالية المطبقة في سياقات أخرى، انتقامية على الأغلب. بما يعكس عدم وجود عملية سياسية شاملة تقوم على التشاور والتوافق.

لقد أصيب المجتمع الليبي بالصدمة والإرهاق بسبب التكاليف الاجتماعية والسياسية والإنسانية الباهظة للأعمال العدائية العنيفة والاضطرابات السياسية، مما أضر بالنسيج الاجتماعي الوطني للبلاد. وجعلت هذه العوامل المصالحة المجتمعية والوطنية أكثر إلحاحاً، وفي الوقت ذاته أكثر صعوبة.

طبيعة النزاعات الليبية الرئيسية:

في يوليو 2017، اختار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا (UNSMIL) شركة Altai Consulting لإجراء تحليل كمي ونوعي لدعم مشروع "نحو مصالحة وطنية في ليبيا"، وسوف نستشهد في هذا القسم من الدراسة بهذا التحليل لأنه من أكثر الإحصاءات الدقيقة التي يمكنها أن تضع أيدينا على حقيقة وخطورة الأوضاع الحالية في المجتمع الليبي. 

وقد هدف هذا التحليل الذي استمر منذ عام 2017 وحتى منتصف عام 2022 إلى فهم تصورات الليبيين للمصالحة، وتقديم معلومات أولية حول الفرص والتحديات الحالية التي تواجهها. وقد أفادت التقارير أن ما يقرب من 4 من كل 10 ليبيين شملهم التحليل شهدت منطقتهم نزاعاً محلياً، مما يوضح التأثير الواسع النطاق للحرب على السكان. ومع ذلك، ظهرت تباينات جغرافية كبيرة، حيث أفاد أكثر من نصف المستطلعين في الجنوب أنهم تضرروا، مقابل 30٪ في الشرق، و40٪ في الغرب. أيضاً كان التناقض أكثر وضوحاً على مستوى المنطقة. ففي الجنوب قال 3 من كل 4 مشاركين من سكان سبها المضطربة دائماً إن أحياءهم شهدت قتالاً. وأفاد 1 من كل 10 في مدينة غات، وهي واحدة من أكثر المناطق هدوءاً بتعرضهم للاشتباكات في الفترة الأولى من الانتفاضة الليبية. وعلى العكس من ذلك، برز حي الكفرة الجنوبي الشرقي كواحد من أكثر المناطق عرضة للنزاع في البلاد، لاسيما عند مقارنته بالمواقع الغربية الأخرى. كذلك أفادت أغلبية كبيرة من المشاركين في الاستطلاع في المناطق الساحلية، كالزاوية، بأنهم خاضوا قتالاً في محيطهم أكثر من منطقة سرت، التي عانت من قتال عنيف ودمار واسع النطاق في عامي 2011 و2016.

وحينما طلب من عينات الاستطلاع تحديد طبيعة الصراع الذي أثر على مناطقهم، ذكر 38% عدداً كبيراً من النزاعات، والتي يمكن تصنيفها في ثلاثة أنواع أساسية: 1- النزاعات ذات الطبيعة القبلية. 2- الصراعات بين المليشيات أو المدن. 3- الصراعات التي تشمل الجماعات الإسلامية المتطرفة. وذكر 5% الصراع الشامل على السلطة السياسية باعتباره الصراع الرئيسي الذي مروا به، مما يدل على أهمية الصراعات المحلية في تصورات الليبيين لانعدام الأمن. ولم يستشهد المشاركون بالصراع بين الثوار والموالين للنظام السابق الذي ظهر في أعقاب الثورة مباشرة باعتباره صراعاً رئيسياً، مؤكدين أن هذا الانقسام لم يعد العامل الرئيسي الذي يفسر ما يحدث في ليبيا. 

وعلى النقيض من ذلك، ينظر ما يقرب من 17% إلى خصومهم من منظور قبلي، وخاصة في الجنوب. والجدير بالذكر أن المشاركين ذكروا التنافس بين أولاد سليمان والقذافة في سبها. وكذلك اشتباكات التبو مع قبائل أخرى مثل الطوارق وأولاد سليمان. وكان ذكر الجهات القبلية أو العشائرية سائداً في منطقة الزاوية التي تشمل قبائل أولاد حنيش وأولاد الخضراوي وأولاد صقر وأولاد أبو حميرة. وأفاد أكثر من ثلث المستطلعين في الشرق بأنهم شهدوا صراعات شاركت فيها عناصر إسلامية راديكالية (داعش وأنصار الشريعة ومجالس الشورى والقاعدة والإخوان المسلمين). أما في المنطقة الغربية فكانت النزاعات بين المليشيات والمدن أكثر شيوعاً.

وعندما طلب متطوعو شركة Altai Consulting من المشاركين تحديد أكبر تهديد لجهود المصالحة، أقر نصفهم أن صراع (مصراتة - تاورغاء) يشكل أكبر تهديد لها. بينما اعتبر النصف الآخر أن ملف (مصراتة - بني وليد) ثاني أكثر النزاعات ضرراً على المصالحة. وفي الجنوب حدد المشاركين بعض الصراعات التي يمكنها التأثير في مسار المصالحة، على الأخص التوترات في أولاد سليمان مع التبو والقذافة، جنباً إلى جنب مع صراع (الطوارق – التبو). لكن معظم المشاركين أقروا أن حل قضية تاورغاء مع مصراتة تعتبر أولوية لتحقيق المصالحة على المستوى الوطني. (Altai Consulting Report, 2022, p. 17 - 20)

مبادرات المصالحة المحلية

بُذلت عدة محاولات محلية منذ عام 2012 للتوفيق بين أطراف النزاعات، وإصلاح النسيج الاجتماعي الليبي واستعادته. وشمل ذلك مجموعة من الاتفاقيات بين المدن والقبائل، مثل: اتفاقية المجلس الوطني الانتقالي والطوارق (2011)، التبو والطوارق (2014، 2015)، جنزور وورشفنة (2015)، الزاوية والزنتان والرجبان (2015)، الغضافة وأولاد سليمان (2016)، الزاوية وورشفنة (2016)، التبو وأولاد سليمان (2016)، مصراتة وتوارغة (2018). وتم إطلاق معظم هذه المبادرات من قبل المجالس واللجان المحلية التي تضم ضمن أعضائها شيوخاً وزعماء قبليين وشخصيات مجتمعية من مدن ومناطق ليبية مختلفة. وقد تم دعم هذه المبادرات من قبل المجتمع الدولي مما عزز الصورة النمطية القبلية للمجتمع الليبي.

وفي حين نجحت بعض الاتفاقات المحلية في تأمين استقرار مؤقت ووقف تصعيد العنف، إلا أنها فشلت إلى حد كبير في تحقيق المصالحة الشاملة والسلام الحقيقي المستدام. وتألفت هذه المحاولات بشكل أساسي من سبل إدارة الأزمات وتدابير الحد من التصعيد، مثل وقف إطلاق النار، أو الهدنة الإنسانية، أو تبادل المحتجزين، بدلاً من معالجة الأسباب عميقة الجذور للصراعات وتوفير ضمانات بعدم التكرار لتحقيق مصالحة حقيقية، وهذا يفسر إلى حد ما استئناف العنف وفشل هذه المبادرات في تحقيق سلام دائم واستقرار طويل الأمد. وعلى مستوى آخر، تم تنفيذ آليات مختلفة للتعامل الفاتر مع الماضي، كتدابير العدالة الانتقالية، لكنها فشلت في إقامة المصالحة بشكل صحيح وفاعل. (Ammar: 2022, P. 1)

وعلى الصعيد الوطني الأشمل، تم سن العديد من القوانين المتعلقة بالعدالة الانتقالية والحد من النزاع في المجتمع الليبي، خلال السنوات الأولى بعد الثورة الليبية (2012 - 2013)، وأثناء فترة الانقسام السياسي (2014 - 2022). لكنها لم تكن شاملة في معالجة مختلف جوانب الصراع، بل كانت تعكس تصورات الثوار المنتصرين حول كيفية معالجة أخطاء حلفاء النظام السابق المهزومين، واتسمت بالازدواجية وانعدام التنسيق في البنية التحتية المؤسسية المتعلقة بالمصالحة.

وأهم تلك القوانين، قانون 26 الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي عام 2012، بشأن الهيئة العليا لتطبيق معايير النزاهة والوطنية، ويحدد المعايير الواجب توفرها في شاغلي المناصب العامة، وفئات المستبعدين من تولي الوظائف، (الجريدة الرسمية، 5 يوليو 2012، ص 745). أيضاً القانون 35 الصادر عام 2012 بشأن العفو عن الجرائم، وهو قانون يمنح العفو للأشخاص الذين شاركوا في الأعمال العدائية ضد نظام القذافي، بمن فيهم المحكوم عليهم جنائياً، ويستثنى من العفو الانتهاكات التي ارتكبها أفراد عائلة القذافي ومن عملوا معه، (الجريدة الرسمية، 19 مايو 2012، ص 300). كذلك قانون 38 لعام 2012، الذي يحدد الإجراءات الإضافية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية. وبموجبه تعتبر الانتهاكات التي ارتكبها الثوار كانت ضرورية لضمان نجاح الثورة وحمايتها، (الجريدة الرسمية، 19 مايو 2012، ص 305). وقانون 13 لعام 2013 بشأن العزل الإداري والسياسي، الذي أصدره المؤتمر الوطني العام، ويستثني بموجبه من شغل مناصب معينة في عهد القذافي من تولي الوظائف العامة، (قرار المؤتمر الوطني العام، 8 مايو 2013). وقانون 29 لعام 2013 الذي أصدره المؤتمر الوطني العام، ويحدد مفهوم العدالة الانتقالية وأركانها وآلياتها، وتقرر بموجبه العمل على إنشاء لجنة لتقصي الحقائق، كما حدد القانون ركائز عملية الانتقال السلمي، (قرار المؤتمر الوطني العام، 2 ديسمبر 2013).

من وجهة نظرنا، كانت تلك القوانين في مجملها تحد من نطاق المساءلة وتسعى فقط إلى تسليط الضوء على الانتهاكات التي ارتكبها نظام القذافي، على الرغم من حقيقة أن كلا الجانبين ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال الثورة. كما لم تأخذ في الاعتبار الحق في محاكمة عادلة، وأن ذلك يعد خطوة مهمة نحو الإصلاح المؤسسي وضمانات عدم تكرار الانتهاكات السابقة، والدفع بالمجتمع الليبي نحو المصالحة الحقيقية، خاصة وأنه يعاني من دوامة ما بعد الصراع، حيث تسود عقلية المنتصر التي ترغب في قهر المهزوم. 

ومن المؤكد أنه عندما انزلقت ليبيا في ذلك التناقض القانوني منذ بواكير الانقسام السياسي في عام 2014، ثم وجود حكومتين متوازيتين وبرلمانين متوازيين في الشرق والغرب، تم تبني قوانين وأنظمة متناقضة تتعلق بالمصالحة والانتقال الديمقراطي. 

على سبيل المثال، اعتمد مجلس النواب في طبرق القانون رقم 6 لعام 2015 بشأن العفو العام، لكن المؤتمر الوطني العام في طرابلس لم يعترف به، كما مهد الانقسام السياسي الطريق لاستغلال التشريع المتعلق بالمصالحة، الذي انحرف عن الهدف المتمثل في معالجة الانتهاكات والمظالم، وأسهم بدلاً من ذلك في الاستقطاب القوي على الساحة السياسية في البلاد. وكمثال على ذلك، قامت السلطات في الشرق والغرب بتجنيد وإدماج أفراد تابعين للنظام السابق في مؤسسات الدولة والهيئات العسكرية، على الرغم من أنه يمكن اعتبار ذلك خطوة مهمة نحو المصالحة، لكنها كانت أداة سياسية تستخدمها السلطات لتعزيز موقفها السياسي وتوسيع قواعدها السياسية. 

تذكر الباحثة السياسية "سحر عمار" أن عدم وجود مقاربة حقيقية للمصالحة عزز الشعور بالإقصاء وأدى إلى عودة عدائية واستفزازية لأشخاص مرتبطين بالنظام السابق، وتجلى ذلك في مشاركة عسكريين تابعين لنظام القذافي في الهجوم على طرابلس عام 2019. كما اعتبرت عودة "سيف الإسلام القذافي" إلى المشهد السياسي من خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2021 بمثابة استفزاز أيضاً، حتى أن ذلك أثار المخاوف وزاد الشعور بالإحباط لدى العديد من شباب ليبيا، مما أدى إلى عودة ظهور خطاب العنف ضد المنتسبين إلى النظام السابق، والذي يهدد بدوره وبشكل كامل روح الوحدة الوطنية الليبية، (Ammar: 2022, P. 4). إن هذه الأمثلة بمثابة شهادة على الافتقار إلى نهج حقيقي يمكن الانطلاق من خلاله إلى قاعدة راسخة للمصالحة الوطنية.

على أية حال، عندما شعر المجلس الرئاسي الليبي أن جهود المصالحة لم تؤت أية ثمار خلال السنوات السابقة، أعلن رئيسه "محمد المنفي" في 6 سبتمبر 2021 انطلاق مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا، (اليوم السابع، 6 سبتمبر 2021). وللوصول إلى خارطة طريق واضحة، قرر في إبريل 2022 تأسيس مفوضية وطنية عليا للمصالحة، مهمتها حل الخلافات بين الليبيين. وقال "أعلن لكم عن خطوة لطالما انتظرناها جميعاً، ألا وهي إطلاق مشروع حقيقي للمصالحة الوطنية يجمع بين أبناء شعبنا ويؤلف بين قلوبهم ويطوي صفحة الماضي". وأوضح أن المجلس يأمل في الوصول إلى الاستحقاق الأهم وهو الانتخابات في 24 ديسمبر 2022. وبدوره غرد رئيس الحكومة "عبد الحميد الدبيبة" على تويتر قائلاً "مستقبل ليبيا وتقدمها مرتبط بقدرتها على معالجة جراحها من خلال المصالحة الوطنية وتحقيق العدالة". ويعتبر تأسيس المفوضية، ضمن خطوات خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي في 5 فبراير 2022. (أرتيمة، الأناضول، 6 إبريل 2022). 

وبناء على ذلك، بدأت جولات أعضاء المجلس الرئاسي تجوب ربوع ليبيا لحل كافة المشكلات العالقة وسماع مظالم ومطالب القبائل ومحاولة التوفيق بين كافة أطياف الأمة حتى نهاية شهر نوفمبر 2022 (حفريات، 27 نوفمبر 2022) وهي خطوة جيدة لكنها لم تحقق أية نتائج تذكر. 

ولأن الإصلاح السياسي يسير جنباً إلى جنب مع جهود المصالحة الوطنية، فقد اتفق كل من رئيس مجلس النواب "عقيلة صالح"، ورئيس المجلس الأعلى للدولة "خالد المشري"، في اجتماعهما في جنيف (28-29 يونيو 2022). على مراجعة الأمور المعلقة في مشروع الدستور الليبي لعام 2017، آخذين بعين الاعتبار التوافق المنجز في محادثات القاهرة. ويشمل اتفاقهما تحديد مقار المجلسين وتخصيص عدد المقاعد في غرفتي السلطة التشريعية، وتوزيع الصلاحيات بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء والحكومات المحلية، والشكل المحدد للامركزية، بما في ذلك ترسيم عدد المحافظات وصلاحياتها، وآلية توزيع الإيرادات على مختلف مستويات الحكم، وزيادة نسبة تمثيل المكونات الثقافية. ولكن لم يحسما خلال اللقاء شروط الترشح لأول انتخابات رئاسية. (أخبار الأمم المتحدة، 30 يونيو 2022).

ولكن على الرغم من كل ذلك، ومع عدم وجود نتائج ملموسة لكافة جهود المصالحة المبذولة، قرر المجلس الرئاسي عقد اجتماع خلال الفترة من 8 وحتى 12 يناير 2023 في مدينة طرابلس، لتحضير مؤتمر دولي للمصالحة الوطنية الليبية الذي ستشارك فيه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا والاتحاد الإفريقي، فضلاً عن الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وبعض قادة القوى الإقليمية المعنية. (صحيفة الوسط، 18 ديسمبر 2022)، وقد رأى نائب رئيس المجلس الرئاسي "عبد الله اللافي"، أن الاجتماع التحضيري سيعمل على تقديم وثيقة المصالحة إلى الأطراف الليبية لمناقشتها، وأن هذا الاجتماع يمهد الطريق لمؤتمر المصالحة الأول الذي من المرجح عقده في مارس المقبل، مع توقعات بأن يؤدي إلى قرارات سياسية وتنفيذية ملزمة. (Libya Observer, 22 December 2022)

وفي اليوم الأول لانعقاده شدد المجتمعون على ضرورة اشتراك كل الأطراف في المؤتمر، واختيار ممثليها فيه بحيث يضم كل مكونات الشعب الليبي دون إقصاء لأي طرف. كما أكد "المنفي" على وقوف المجلس الرئاسي على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة على السلطة، والتزامه بمهمة خلق الأرضية السياسية والقانونية والاجتماعية للمصالحة، التي لن تتحقق إلا بانخراط كل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية في البرنامج الذي عمل عليه المجلس الرئاسي، وأرسى دعائمه وأطره القانونية. (بوابة الوسط، 8 يناير 2023).

وضمن خمس سياقات أساسية دارت المناقشات خلال الاجتماع، وهي: الهوية الوطنية، العدالة الانتقالية، الحكم الوطني، اللامركزية، والأمن الوطني. (صفحة المجلس الرئاسي الليبي على فيسبوك، 10 يناير 2023). لكن المحلل السياسي الليبي "خالد الترجمان" يعتقد أن الاجتماع لن يحقق النتائج المرجوة، فالوضع في ليبيا غائم وغير واضح والأرضية هشة لا يستطيع أحد الوقوف عليها. وشكك "الترجمان" في المشاركين قائلاً إنهم لا يمثلون جميع الليبيين بمختلف مكوناتهم. (موقع الحرة، 11 يناير 2023). وفي النهاية، ومن خلال متابعتنا لجلسات الاجتماع، اتفق جميع الأطراف على وحدة ليبيا وضمان سيادتها وإقامة مؤتمر جامع داخل ليبيا خلال شهرين من انعقاد اجتماعهم. فيما استمر الخلاف على العلم والنشيد.

مساعٍ أممية للمصالحة

في محاولة لرأب الصدع في المجتمع الليبي وإعادة النسيج الاجتماعي كما كان، حاولت كافة المؤسسات الدولية المعنية الدفع بملف المصالحة الليبية إلى الأمام، حتى يتحقق الاستقرار لمجتمع عانى عشر سنوات من التوتر السياسي والعسكري.

ويسعى الاتحاد الإفريقي منذ سنوات لعقد مؤتمر للمصالحة بعدما استضافت الكونغو عدة اجتماعات بهدف إيجاد حلول للازمة، خاصة وأن الأفارقة لا يزالون ممتعضين من زعزعة عملية تغيير النظام التي قادها حلف الناتو في العام 2011 للإطاحة بالعقيد "معمر القذافي"، ويرون أن ذلك منع الاستقرار في القارة، وكان له دور مباشر في انتشار الإرهاب في منطقة الساحل، مما أدى إلى تأجيج حركات التمرد في مالي. ولقد قال رئيس غينيا بيساو والرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) "عمارو سيسوكو إمبالو"، خلال منتدى باريس للسلام في نوفمبر الماضي إن "القذافي كان شراً لابد منه لشعبه"، واستنكر مقتل القذافي مدافعاً عن حقبته قائلاً "عاش الناس بشكل جيد في ظل نظامه، كان هناك سلام. لكن الآن كيف سنشتري السلام؟". (صحيفة الوسط، 22 نوفمبر 2022).

وفي منتصف أكتوبر 2022 الماضي، دفع الاتحاد بجان كلود جاكوسو، المبعوث الخاص للرئيس الكونغولي، رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي، وزير خارجية جمهورية الكونغو برازافيل، للحديث مع غالبية الأطراف الليبية بشرق وغرب البلاد، عن آخر تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا، والخطوات التي تبناها المجلس الرئاسي لإنجاح مشروع المصالحة الوطنية. (الشرق الأوسط، 22 نوفمبر 2022). وشدد "جاكوسو" خلال مختلف لقاءاته، في طرابلس وبنغازي وسرت وطبرق ومصراتة، على أن المصالحة في ليبيا يجب أن تشمل الجميع دون إقصاء، معتبراً أن تحقيق المصالحة الوطنية في ليبيا من أولويات الاتحاد الإفريقي، ومن دونها لا يمكن الحديث عن حل سياسي شامل، أو عن تنظيم انتخابات تعددية وديمقراطية ونزيهة وشفافة يقبل الجميع بنتائجها. (حفريات، 27 نوفمبر 2022).

كذلك قامت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بتبني مشروع "نحو مصالحة وطنية في ليبيا" الذي تم تصميمه لتحسين مصداقية السلطات المحلية والوطنية ليصبحوا شركاء موثوقين لجهود المصالحة والوساطة، حيث يضم بعض المبادرات التي تعنى بتنسيق الحوار مع قادة المجتمع الذين لديهم القدرة على الوصول إلى كل صانعي القرار. أيضاً، تقديم الدعم الفني للجهات الحكومية لتسهيل مأسسة المصالحة على مستوى الدولة. ويقوم المشروع بمساعدة السلطات الوطنية والمحلية الليبية والمجتمع المدني في جهودهم لتعزيز رؤية شاملة للمصالحة الوطنية، كما يعمل على تطوير قدرات السلطات الوطنية في المساعدة على إعادة بناء التماسك الاجتماعي، ودعم وتطوير القدرات في مجال الوساطة والحوار بهدف إنشاء شبكة وسطاء محليين، وطنية ومستدامة للإسهام في الجهود السياسية من القاعدة إلى القمة حتى يتحقق الاستقرار في البلاد.

وكإجراء تكميلي، يعمل مشروع الأمم المتحدة على تعزيز مؤسسة جهود المصالحة من خلال الدعم الفني للحكومة في إنشاء الإطار والآليات القانونية والسياسية المطلوبة لإنجاح المصالحة، وبالتالي تعزيز استمرارية اتفاقيات المصالحة المحلية وتمهيد الطريق لعدالة انتقالية في المستقبل، مما يؤدي في النهاية إلى مصالحة وطنية شاملة ودائمة.

وقد مر مشروع الأمم المتحدة للمصالحة الليبية بعدة مراحل مهمة، حيث قام بتنظيم عدة حوارات بين أصحاب المصلحة المتعددين حول القضايا الشاملة الرئيسية، ليتم ترسيخ وثيقة استراتيجية للمصالحة تمت صياغتها في مارس 2019. كذلك دعم توقيع "ميثاق التعايش السلمي في فزان" بين أكثر من 70 ممثلاً من جنوب ليبيا في العام نفسه. فضلاً عن دعم إنشاء شبكة الوسطاء المحليين في عام 2020 بحوالي 160 وسيطاً من جميع أنحاء ليبيا. والدخول في شراكة مع معهد الأمم المتحدة للتدريب لتطوير برنامج تدريبي يحسن مهارات الوساطة، وتحليل النزاعات وحلها، وما إلى ذلك. بالإضافة إلى دعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وتنظيم وتسهيل العديد من اجتماعاتها داخل وخارج ليبيا. (UNDP Report, 2022).

وعلى الرغم من الجهد الذي تبذله كل من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لإنجاح المصالحة الليبية، لكنهما غفلا عن وضع استراتيجيات لبناء قطاع الأمن المنهار، والذي تفكك عقب سقوط القذافي، فضلاً عن انتشار الأسلحة في ربوع ليبيا، وعدم حل ملف المقاتلين الأجانب حلاً جذرياً حتى الآن. كذلك هناك عامل مهم يؤدي إلى مزيد من الهشاشة وتفشي العنف في ليبيا، حيث يركز الجهد الأممي على الدفع بعملية بناء السلام المرتكزة على أقطاب الصراع السياسي، دون وضع خوف الشعب الليبي من إمكانية تهميشهم وعدم قدرتهم على التأثير في صنع القرار على المستوى الوطني في الاعتبار، مما يفشل أي تسوية سياسية. فضلاً عن فشل كافة الاتفاقات السياسية التي تمت رعايتها في علاج الانقسامات السياسية والاجتماعية، حيث تم التركيز على الاتفاق السياسي لحكومة موحدة، دون التطرق إلى مناقشة ما يجب أن يتتبعه الانتقال، وكيف ينبغي أن يتم الحكم في مجتمع غير متصالح.

على أية حال، لابد أن يهدف الدعم الأممي إلى بناء دولة ليبية تعددية تمثل وتخدم كافة الفئات في البلاد. ولن يخدم هذا الهدف انحصار كافة الجهود الأممية في طرابلس وبعض المناطق الرئيسية المحدودة. فعدم التواصل مع جميع الأطراف يمكن أن يهدم كافة الجهود المبذولة لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.

لماذا تتعثر جهود المصالحة حتى الآن؟

هناك العديد من العوامل التي أسهمت في تقييد فاعلية قوانين وجهود المصالحة الوطنية الليبية، فعلى الصعيد الأممي، فشلت بعثة الأمم المتحدة في تنفيذ مهمة التوفيق بين طوائف الأمة الليبية، حيث اختلفت مشاريع المبعوثين الأمميين في الدفع بالعملية السياسية وتباينت استراتيجياتهم، فكل مبعوث جديد كان يأتي بخطة عمل مستقلة يطرح فيها حلولاً تعبر عنه دون الاستفادة من المبادرات الأممية السابقة، فعلى سبيل المثال شدد "طارق متري" على ضرورة بناء الدولة الليبية أولاً، بينما "برناردينو ليون" فضل خيارات سهلة مؤقتة واعتبرها حلولاً، متجاهلاً الأسباب الحقيقية للأزمة كما شخصها سلفه متري، وحاول التكيف البراغماتي مع ما آلت إليه الأوضاع السياسية والميدانية عند تعيينه في سبتمبر 2014 من انقسام للسلطة ومؤسساتها تشريعياً وتنفيذياً بين معسكرين في الشرق والغرب، واتبع منطق التوازن من خلال إبقاء الجسمين التشريعيين المتصارعين عبر قوالب سلطوية جديدة، باعتبار أنه قد يكون مخرجاً وحلاً مؤقتاً. (فتحي: 2022، ص 415).

لكن سياسة "ليون" أدت إلى الفشل في الانتقال من المؤقت إلى المستقر والدائم عبر الانتخابات، والمتمثل في إنشاء برلمان وحكومة ورئيس، وشرّعت تشكيك كل طرف في الآخر. الأمر الذي أدى إلى المزيد من الصراعات المسلحة، مما يمكنه فتح الباب للتقسيم، أو لنموذج قريب من الحالة اللبنانية لتقاسم السلطات، والذي يمثل أبرز حالات الجمود والفشل. (بسيكري، يوليو 2015، ص 11). حتى "ستيفاني ويليامز" أخفقت في مهمتها بشكل كبير، فواقع الأحداث في ليبيا يقول إنها لم تحاول التعامل مع الأمر الواقع الموجود في البلاد، ولا حتى مواجهة التنظيمات المسلحة التي تتقاسم العاصمة، ولا دعوتها لمائدة مستديرة تخصص لنزع السلاح في العاصمة وتسليمه لجهة عسكرية نظامية، ومحاولة إدماج منتسبي المليشيات في الأجهزة الرسمية.

كما يجب أن نضع في الاعتبار تركيبة المجتمع الليبي والبنية التقليدية العصبية، حيث سيطرت بعض القبائل على المراكز الحيوية في البلاد، كالموانئ والحقول النفطية والمطارات ومصانع الدولة، مما شكل أزمة للتحول نحو الديمقراطية، وتحقيق مصالحة وطنية دائمة. كما لعب تأييد القبائل لطرف أو آخر دوراً مهماً في الأزمة. فعلى سبيل المثال، هناك قبائل مؤيدة للبرلمان وأخري للمؤتمر، وقبائل مع عملية الكرامة وأخرى مع فجر ليبيا، مما يجعل هذا التخبط عائقاً أمام أية استراتيجيات أممية أو محلية لتحقيق المصالحة. فضلاً عن انتشار روح الانتقام التي نمتها أحداث الثورة، مما أدي إلى استعادة ماضي الصراع بين مصراتة وورفلة، والزنتان والمشاشية، ومصراتة وتاورغاء، والزنتان وجادو، وزوارة والجميل. مما دمر فرص العيش المشترك. (فتحي: 2022، ص 417).

يؤكد الباحث السياسي "أحمد مصطفى فتحي" أيضاً أن من أهم العوامل التي أعاقت سبل المصالحة الوطنية، إشارات العديد من الاتفاقات إلى التعويضات على أنها تعويض مالي فقط، دون المساس بالبعد غير المادي والرمزي للتعويضات، مثل تقديم الاعتذار للضحايا وعائلاتهم، أو إحياء ذكرى معاناة الضحايا، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي. كذلك نص بعضها على أن التعويضات المالية ستدفع من قبل جهات أجنبية تدخلت في عملية المصالحة المحلية. وهذا التدخل الأجنبي يمكن أن يعرض السيادة الوطنية للخطر، ومحاولات الحفاظ على عملية مصالحة بقيادة وطنية. يجب أن تقدم التعويضات المالية، إما من المؤسسات الرسمية للدولة، أو من صندوق أو لجنة جبر الضرر ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة والمسؤولية المالية. كما يمكن الحصول على موارد تمويل اللجنة من خلال مخصصات ميزانية الدولة أو التبرعات. كما أن الانتشار الهائل للهيئات واللجان مثل وحدات خلايا الأزمات في المدن المتضررة من الحرب ولجان تقصي الحقائق ولجان التعويضات وصناديق التعويضات دون تفويضات وأطر واضحة أدى إلى زيادة تعقيد عملية المصالحة، وفتح الباب لسوء استخدام الأموال، وقاد لتكاثر الهيئات غير الفعالة. (Ammar: 2022, P. 5).

أيضاً هناك أمر أكثر خطورة من الممكن أن يعيق الطريق إلى المصالحة الوطنية، وهو ملف المرتزقة الأجانب الذي لا يزال عالقاً دون تقديم حلول جذرية له. فليبيا حتى الوقت الراهن تستقطب المرتزقة الأجانب. فالأمر لم يعد يتعلق بالمرتزقة الموجودين على الأرض الليبية فقط، بل منع دخول مرتزقة جدد. وعلى سبيل المثال، كشفت الصحف المالطية في ديسمبر الماضي، عن تمكن السلطات من اعتقال مجموعة ضباط بريطانيين متقاعدين قبل ركوبهم طائرة خاصة بهدف التوجه بها إلى ليبيا من مالطا. (بوابة فيتو، 15 ديسمبر 2022). وبذلك لا يزال ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب الموجودين في ليبيا مفتوحاً ويهدد جهود الحل السياسي، فضلاً عن إيجاد سبيل للمصالحة المجتمعية في البلاد، بالرغم من الوعود والجهود الدولية التي تبذل في هذا السياق، لإخراج هذه العناصر، سواء التابعة لتركيا، أو فاغنر الروسية، وغيرها. 

وتلعب التدخلات الخارجية أيضاً دوراً مهماً في إهدار كافة جهود المصالحة في ليبيا، وزيادة حدة الانقسامات الداخلية، بسبب قيام قوى خارجية بتقديم الدعم في الصراع القائم بين قوى سياسية ليبية لصالح تيارات معينة ضد أخري، ففي مقابل عمل كل من مصر والإمارات العربية المتحدة على تحقيق سبل الاستقرار ومحاولة التوفيق بين القوى السياسية المختلفة، يوجد الدور القطري التركي الذي تدخل في الشؤون الداخلية الليبية سلباً، فتركيا لا تزال تتلكأ في سحب مقاتليها من البلاد، كما أسهم توقيعها مع حكومة الوفاق علي اتفاقية للتنقيب عن البترول مقابل الدعم اللوجستي والعسكري في تعقيد العملية السياسية برمتها، حيث قلبت هذه الاتفاقية موازين المعادلة السياسية والعسكرية في ليبيا، وأصابتها بتعقيدات علي جميع المستويات، وقوضت فرص الوصول إلى مصالحة وطنية حقيقية. وتزامن ذلك مع تقديم قطر دعماً كبيراً إلى فئات من الإسلاميين على نحو أثار حفيظة كثير من السياسيين في ليبيا. فضلاً عن دور الولايات المتحدة الذي يتمحور حول جني مكاسب اقتصادية واستراتيجية لها ولشركائها الأوروبيين دون إبداء أدنى اهتمام بدعم السلطات الجديدة في ليبيا، وإعادة بناء وتأهيل المؤسسات الأمنية والعسكرية، أو حتى القيام بدور فاعل في ملف المصالحة الوطنية الليبية. (فتحي: 2022، ص 419).

خاتمة

على الرغم من أن تعريف المصالحة في الأوساط الأكاديمية هو "عملية متعددة تقوم بتكاتف كافة المستويات السياسية والمؤسسية والمجتمع المدني والشخصية"، لكن النخبة السياسية الليبية بعد عام 2011 تعاملت مع المصالحة على أنها حدث يمكن تشريعه أو إحكامه بقانون، مما أدى إلى تكاثر القوانين التي ركزت على تسليط الضوء على نجاح ثورة فبراير وانخراطها في النضال من أجل الديمقراطية، ولم تنبثق تلك القوانين عن مشاورات مع مختلف أصحاب المصلحة الوطنيين والمحليين. ولم يكن هناك إسهام من المجتمعات المحلية في تصميم آليات المصالحة ومعالجة المظالم الناجمة عن الصراع بشكل فعال.

إن تحقيق مجتمع متصالح يتطلب إعادة بناء المجتمع السياسي، على أساس التوافق والعدل، واحترام القيمة الأخلاقية للآخرين وكرامتهم، والبحث عن أرضية مشتركة بين رفقاء الوطن. ويجب تغيير الخطاب المجتمعي والسياسي السائد ليصبح أكثر ثقة وتصالحية وشمولية، لتعزيز قيم السلام على مستوى المجتمع، وإطلاق حوار وطني لتطوير عقد اجتماعي واقتصادي جديد يضع الأساس للعدالة الاجتماعية. وفي الواقع تكمن العقبة الرئيسية التي يمكن أن تعرقل الإصلاح المؤسسي الحقيقي والمصالحة الوطنية في ليبيا، في تجريم الناس على أساس انتماءاتهم السياسية ودون ضمانات للمحاكمة العادلة.

كما يجب التغلب على كافة التفاعلات والعوامل الداخلية التي أثرت على مسار المصالحة الوطنية بالسلب، كظاهرة الإرهاب التي تتنامى يوماً بعد يوم، كما أن ظهور التيارات المتشددة الرافضة للدولة المدنية التي رفعت شعارات تطبيق الشريعة، يعيق عملية بناء الدولة، مثل جماعات أنصار الشريعة وتنظيم الدولة، ودعم جماعة الإخوان للمليشيات المسلحة، واستخدامها كسبيل سهل للتأثير على المسار السياسي السلمي.

وقد أشارت معظم الاتفاقات الليبية إلى أهمية تحقيق سلام شامل ودائم، ولكن دون تحديد ملموس لكيفية ضمان تنفيذ واستمرارية الاتفاقات. خاصة وأن القلاقل المجتمعية التي يفعلها داعمو النظام السابق، فضلاً عن ممارسات جماعة الإخوان تزيد المعضلة الليبية والصراعات المحلية غموضاً، لتعمدهم نشر الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد، الأمر الذي يزيد صعوبة الحلول وعدم تقبل المساعي المحلية والأممية الرامية للمصالحة الوطنية. 

إن المصالحة الوطنية لن تسهم فقط في دعم بيئة تشاركية وشاملة يمكن إجراء الانتخابات فيها، ولكنها سوف تمنع أيضاً تكرار الانقسام والعنف بعد الانتخابات، وتمهد الطريق لصياغة واعتماد دستور على أساس قيم الوحدة والتعايش والتماسك الوطني والهوية الوطنية. 

مصادر الدراسة

قانون 26 لسنة 2012، بشأن الهيئة العليا لتطبيق معايير النزاهة والوطنية، الجريدة الرسمية، قوانين صادرة عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، ليبيا، عدد 13، 5 يوليو 2012

قانون 35 لسنة 2012، بشأن العفو عن بعض الجرائم، الجريدة الرسمية، قوانين صادرة عن المجلس الوطني الانتقالي المؤقت، ليبيا، عدد 6، 19 مايو 2012

قانون 38 لسنة 2012، بشأن بعض الإجراءات الخاصة بالمرحلة الانتقالية، الجريدة الرسمية، قوانين صادرة عن المجلس الوطني الانتقالي، ليبيا، عدد 6، 19 مايو 2012

قانون 13 لسنة 2013، بشأن العزل الإداري والسياسي، طرابلس: المؤتمر الوطني العام، 8 مايو 2013

قانون 29 لسنة 2013، بشأن العدالة الانتقالية، طرابلس: المؤتمر الوطني العام، 2 ديسمبر 2013

يمكن الاطلاع على المزيد من القرارات والقوانين التي صدرت خلال الفترة الانتقالية والخاصة بالعدالة الانتقالية والمصالحة، من خلال الموقع التالي:  https://icss.ae/short/link/1673184067  

أرتيمة، محمد، المجلس الرئاسي الليبي: تأسيس مفوضية للمصالحة الوطنية، وكالة الأناضول، 6 إبريل 2021: https://icss.ae/short/link/1673124386  

بركات، مصطفى، اعتقال مرتزقة قبل توجههم إلى ليبيا، تفاصيل سقوط المقاتلين البريطانيين في مالطا، بوابة فيتو، 15 ديسمبر 2022: https://icss.ae/short/link/1673124979  

بسيكري، السنوسي، أزمة الحوار الليبي في مسودة الاتفاق الخامسة، الدوحة: سلسلة تقييم حالة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوليو 2015: https://icss.ae/short/link/1673124059  

جابلي، حنان، تتسارع الجهود لإنجاحه... هل يتحقق مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا، موقع حفريات، 27 نوفمبر 2022: https://icss.ae/short/link/1673123913  

جمعة، أحمد، رئيس المجلس الرئاسي الليبي يعلن رسمياً انطلاق المصالحة الوطنية الشاملة، جريدة اليوم السابع، 6 سبتمبر 2021: https://icss.ae/short/link/1673124622  

فتحي، أحمد مصطفي، دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا؛ النجاحات والإخفاقات، مجلة السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، المجلد 16، العدد 15، يوليو 2022

حضور بلا تأثير.. شكوك حول جدوى مؤتمر المصالحة الليبية، موقع الحرة، 11 يناير 2023: https://icss.ae/short/link/1673696860  

اللجنة الاستشارية تحدد موعد الاجتماع التحضيري المرتقب للمصالحة الوطنية، بوابة الوسط الليبية، 18 ديسمبر 2022: https://icss.ae/short/link/1673177572   

ليبيا: رغم التقدم في المفاوضات بين المجلسين، هناك نقطة خلافية لا تزال قائمة، موقع أخبار الأمم المتحدة، 30 يونيو 2022: https://icss.ae/short/link/1673124859  

المصالحة الليبية حائرة بين الرغبة الأفريقية وعدم الاهتمام الغربي، بوابة الوسط الليبية، 22 نوفمبر 2022: https://icss.ae/short/link/1673177498  

ملخص يومي لأعمال الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية، صفحة المجلس الرئاسي الليبي على فيسبوك، 10 يناير 2023: https://icss.ae/short/link/1673696609  

نص كلمة المنفي في افتتاح الملتقى التحضيري لمؤتمر المصالحة الوطنية، بوابة الوسط الليبية، 08 يناير 2023: https://icss.ae/short/link/1673265698  

هل ينجح الاتحاد الأفريقي في عقد مصالحة بين الليبيين، صحيفة الشرق الأوسط، 22 نوفمبر 2022: https://icss.ae/short/link/1673123798  

Alharathy, Safa, All political bodies in Libya are expired, Libya Observer, 22 December 2022: https://icss.ae/short/link/1673183646

Ammar, Sahar, "New Policy Brief - National Reconciliation in Libya: Challenges and Perspectives", Swiss Peace Policy Briefs, 10 February 2022

 Towards a national Reconciliation in Libya, UNDP,   https://icss.ae/short/link/1673124206

56