دراسات سياسية

الصراع الإثيوبي في إقليم تيغراي والمواقف الدولية والإقليمية

11-Oct-2022

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن "مسؤولين أمريكيين توجهوا في مهمة سرية إلى إقليم تيغراي الإثيوبي ثم إلى جيبوتي بهدف إجراء محادثات سلام إثيوبية".

نقلت الصحيفة عن مسؤولين مطلعين (لم تسمّهم)، قولهم إن "طائرة عسكرية أمريكية صغيرة تقل دبلوماسيين رفيعي المستوى، بينهم المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الإفريقي مايك هامر، توجهت في مهمة سرية إلى إقليم تيغراي الشمالي بهدف إجراء محادثات لوقف إراقة الدماء في إثيوبيا". 

ومنذ مارس الماضي، عقدت الولايات المتحدة 3 اجتماعات سرية خارج إثيوبيا، في جيبوتي وسيشل جمعت القادة المتحاربين لأول مرة منذ اندلاع الحرب في نوفمبر 2020، بحسب المصدر نفسه، (نيويورك تايمز، 8 أكتوبر 2022).

بدأ الصراع المسلح بإقليم تيغراي شمالي إثيوبيا في نوفمبر 2020، عقب هجوم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على القيادة العسكرية الإثيوبية الشمالية الموجودة في الإقليم وقتلت عددا من عناصرها، فأرسل رئيس الوزراء آبي أحمد القوات الفدرالية إلى الإقليم للسيطرة على السلطات المحلية التابعة للجبهة .

وقد بدأت هذه الحرب بخلاف على موعد إجراء الانتخابات القومية التي ترى "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في تأخير إجرائها انتهاكاً للدستور. وكانت الجبهة في الماضي من ضمن "ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية"، الحزب الذي رشّح آبي أحمد لاعتلاء سدة رئاسة الوزراء في 27 مارس  2018، إلا أن الأخير أسس حزبه الجديد "الازدهار" ليشكّل حاضنة سياسية بديلة له، محيلاً في الوقت عينه "ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية" إلى سجلات التاريخ، (هاشم علي حامد محمد، اندبندنت عربية ،  6 ديسمبر 2020 )

ثم  بدأت جولة جديدة من القتال بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير التيغراي بعد أن أعلنت الجبهة أن الطيران الإثيوبي شن غارات جوية على مدينة مكيلي العاصمة. (رويترز، 2 سبتمبر 2022)، وقد أنهت هذه الجولة وقف إطلاق النار الذي كان قد بدأ في مارس الماضي، ويتهم كل طرف الآخر ببدء القتال، ووفقاً لتصريحات من مدير مستشفى مكيلي كيبروم غبريسيلاسي فإن طائرة مسيرة قذفت أهدافاً أدت إلى سقوط ضحايا. (الجزيرة نت، 31 أغسطس 2022).

أتت هذه التطورات بعد توقف القتال في مارس الماضي، وكان الصراع قد بدأ في الإقليم منذ نوفمبر 2020، وتجدد القتال مؤخراً على المناطق الحدودية بين أمهرا والتيغراي عندما أعلنت إثيوبيا إسقاط طائرة محملة بالأسلحة جاءت عن طريق السودان على الرغم من عدم توفر تفاصيل حول هذا الخبر (صحيفة الغارديان، 25 أغسطس، 2022)، الأمر الذي أنكره السودان وتسبب في أزمة دبلوماسية بين البلدين.

في ظل شح المعلومات الواردة من الصعب التحقق من صحة الأخبار حول من بدأ القتال، خاصة وأن الاتصالات مقطوعة مع الإقليم، ولكن من الواضح أن الهدنة التي كان قد أعلن عنها في مارس الماضي قد انهارت، وهو ما يزعج الدول الغربية بعد تقارير للأمم المتحدة تشير إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في الإقليم بسبب نقص الخدمات والحصار المفروض عليه، وتواجه منظمات العون الإنساني صعوبة في الدخول إليه.

  ظلت إثيوبيا دولة مستقرة في منطقة القرن الإفريقي وشريكاً للدول الغربية، ولكن الدولة التي يقطنها أكثر من 113 مليون نسمة عانت من الصراعات العرقية لفترة طويلة، وعلى الرغم من الترحيب الذي وجدته جبهة التيغراي التي قادت الثورة على حكومة منجستو هيلا مريام عند استيلائها على السلطة في العاصمة الإثيوبية عام 1991، إلا أن هذا الترحيب تحول إلى عداء بعد أن سيطرت على الحكم لمدة ثلاثة عقود، وقامت بتهميش بعض العرقيات مثل الأمهرا والأورومو، وتراجع  نفوذ التيغراي في الحكومة المركزية بعد وصول آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، ونيله جائزة نوبل للسلام بعد توقيع اتفاقية سلام مع إريتريا.

أسباب تجدد القتال

كان آبي أحمد قد أعلن عن تكوين وفد برئاسة نائبه ديميكي ميكونين لقيادة محادثات سلام منذ يوليو 2021، وتم عقد جلسات في جزر سيشل وجيبوتي، وأعلن أن اتفاقاً قد تم التوصل إليه برفع الحصار عن إقليم تيغراي، وأن تسحب إريتريا قواتها التي أرسلتها لدعم القوات الحكومية، ويعقب ذلك الدخول في محادثات سلام شاملة في العاصمة الكينية نيروبي.

تدخلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لعودة خدمات الكهرباء والاتصالات إلى الإقليم بهدف وصول المساعدات الإنسانية. لكن مبعوث الاتحاد الإفريقي الرئيس النيجيري الأسبق، أولوسيغون أوباسانجو التزم الصمت تجاه الحصار، وأبلغ المبعوثين من الدول الأخرى أنه الوسيط الوحيد في النزاع وقام بدعوة إريتريا للاجتماع، واتهمت جبهة التيغراي الحكومة بالإخلال بتعهداتها، (بي بي سي، 2 سبتمبر 2022)ز

من جانبها ذكرت  الحكومة الإثيوبية أن التيغراي تجاهلوا عروض السلام العديدة التي قدمتها الحكومة الإثيوبية وقاموا بشن هجوم في منطقة جنوب التيغراي، وانتهكوا الهدنة، وطالبت المجتمع الدولي بممارسة الضغط على سلطات المتمردين في جبهة التيغراي. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف القتال والعنف. (صحيفة الاتحاد، 26 أغسطس 2022).

تعتبر الحرب في منطقة تيغراي جزءاً من مشهد إثيوبي معقد ومشحون بالصراعات القبلية والعرقية والخلافات السياسية، ويعود ذلك في جزء منه إلى مشكلة الدستور الإثيوبي الذي منح القوميات المختلفة الحق في تقرير المصير، وهو نص ما زال مثيراً للجدل في ظل العديد من القوميات التي تحمل السلاح في مناطق مختلفة في إثيوبيا مثل أوروميا والتيغراي وأرض الصومال.

 وعلى الرغم من المرحلة التي شهدت وحدة بين الفصائل الإثيوبية خلال فترة معارضتها لنظام منجستو هيلا مريام، إلا أن الخلافات بينها ظهرت بعد انتصارها ودحرها لحكومة منجستو، واستيلاء الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا على السلطة عام 1991، وسقوط العاصمة في يدها، وضمت الجبهة قوميات الأورومو والتيغراي والأمهرا، وظلت جبهة التيغراي تسيطر على السلطة بقيادة ملس زيناوي، وهو من التيغراي لأنها كانت تمثل أكبر فصيل عسكري في الجبهة (اندبندنت عربية، 30 نوفمبر 2020).

قام آبي أحمد في عام 2020 بإجراء تعديل وزاري شمل وزير الدفاع ليما ميجرس ورئيس المخابرات جيتاتشو أسفا الذي هرب إلى إقليم تيغراي ورفضت حكومة الإقليم تسليمه، كما حل آبي أحمد حكومة إقليم تيغراي بحجة انتهاك الدستور، وكان من أسباب التعديل الوزاري الخلاف مع وزير الدفاع واتهامه لآبي أحمد بتفكيك الجبهة الشعبية لشعوب إثيوبيا ليحل مكانها حزب (الازدهار) الذي أسسه.  (وكالة الأناضول 18 أغسطس 2020).

ويشير حمدي عبد الرحمن حسن الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن تعقيدات الوضع في إثيوبيا تعود إلى أربعة عوامل:

الخلاف بين الحكومة المركزية وجبهة التيغراي حول ماهية النظام السياسي أو الفدرالية العرقية.

- النزاع حول الأرض بين الأمهرا والتيغراي.

-  الصراع بين إريتريا والتيغراي بعد انفصال إريتريا وتحالفها مع الحكومة الاتحادية.

- النزاع بين الأورومو والحكومة الاتحادية ودرجة التمثيل في الدولة (مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 27 أغسطس، 2022).

وتتهم جبهة تحرير تيغراي آبي أحمد بتركيز السلطة في المركز على حساب إقليمهم.

محادثات السلام

دعمت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي محادثات السلام التي يقودها أوباسانجو، وقام الطرفان بتعيين مندوبين عنهم، وذكرت جبهة التيغراي أن اجتماعين عقدا في الخارج، إلا أن الحكومة الإثيوبية لم تعلق على ذلك، ومن الواضح أن الطرفين استغلا وقف إطلاق النار لترتيب أوضاعهما القتالية، ويبدو أن سبب تعثر المفاوضات هو عدم وفاء الحكومة الإثيوبية بفتح المجال أمام المنظمات الإنسانية، واستمرار حصار الإقليم وتوقف الخدمات، وهو ما تشترطه جبهة التيغراي بموافقة من واشنطن والاتحاد الأوروبي.

لقد أدت الحرب بين إثيوبيا والتيغراي إلى وصول الإقليم إلى حافة المجاعة التي تأثر بها ملايين الأشخاص، ويعاني حوالي 5 ملايين شخص من انقطاع الاتصالات والخدمات المصرفية وشح المواد البترولية، ووفقاً للأمم المتحدة فإن كل 9 من 10 أشخاص في حاجة للعون الغذائي. (واشنطن بوست، 23 سبتمبر 2022).

مؤخراً نقلت الأخبار ظهور حشود على الحدود الإثيوبية الإريترية تشمل معدات وجنوداً، وهو ما أثار المخاوف من استمرار القتال بين الجانبين، وخلال الفترة الماضية أعلنت جبهة التيغراي التزامها بوقف إطلاق النار، واستعدادها للدخول في محادثات سلام وحوار، وأن المشكلة لا يمكن حلها إلا عن طريق الحوار، وقالت إنها شكلت فريق تفاوض، وعبر الاتحاد الإفريقي عن ترحيبه بإعلان الجبهة، واعتبره تطوراً وفرصة لاستعادة السلام في إثيوبيا.

صراع العرقيات في إثيوبيا

تعتبر الحرب بين التيغراي والحكومة الإثيوبية جزءاً من الصراع العرقي، وازداد هذا الصراع بعد استيلاء العسكريين على السلطة في عام 1974، والإطاحة بالإمبراطور هيلاسيلاسي. وتعتقد قومية التيغراي أنها كانت من أكثر القوميات التي تضررت من حكم العسكريين بجانب الأورومو، وخلال القتال الذي دار مؤخراً منذ نوفمبر 2021، قتل الاَلاف من المدنيين خلال الغارات الجوية (بي بي سي، 5 نوفمبر 2021).

ورغم سيطرة التيغراي على الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية التي استولت على السلطة عام 1991 لمدة 27 عاماً إلا أن آبي أحمد يعتقد أن هذه السنوات كانت سنوات مظلمة في تاريخ إثيوبيا انتهت بالمجاعة والحرب الأهلية في ظل اتهامات للتيغراي بأنهم سيطروا على السياسة والجيش والاقتصاد لمصلحتهم خلال فترة حكمهم.

الموقف الدولي والإقليمي من الصراع

الموقف الأمريكي: تدهورت علاقات إثيوبيا مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن تغيبت إثيوبيا عن حضور الاجتماع الذي دعت له واشنطن حول سد النهضة في فبراير 2020. (وكالة أنباء الأناضول، 6 مارس 2020)، وأيضاً بسبب الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية على إثيوبيا عندما فوض الرئيس جو بايدن وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات في سبتمبر 2021 تستهدف أفراداً واَليات تنتمي للحكومتين الإثيوبية والإرتيرية، وجبهة التيغراي، وحكومة إقليم أمهرا، وطالبت واشنطن بوقف الحرب، وفتح المجال أمام الجهود الإنسانية في ظل تدهور الوضع في إقليم تيغراي.

 الحكومة الإثيوبية من جانبها ظلت تعلن رفضها التدخل الأجنبي وتجاهلت المبعوثين الأمريكيين خاصة مندوب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومبعوث الحكومة الأمريكية للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان. (أحمد عسكر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 21 سبتمبر 2022).

موقف الاتحاد الأوروبي: أكد الاتحاد الأوروبي ضرورة التوصل إلى حل سلمي للصراع. وكان بيتر ستانو المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي، قال إن على طرفي النزاع اغتنام الفرصة لحل النزاع، والتوصل إلى حل لوقف دائم لإطلاق النار يتم التفاوض حوله، وأكد على جهود الاتحاد الإفريقي. (يورونيوز، 23 يونيو 2022).

موقف الاتحاد الإفريقي: يمكن إضافة فشل الاتحاد الإفريقي في حل الصراع بين الحكومة الإثيوبية وجبهة التيغراي، إلى فشله في الكثير من الصراعات في القارة الإفريقية مثل موزمبيق والصومال والسودان والكونغو وغيرها من الدول، ويعود ذلك إلى مشكلات هيكلية ومالية في بنية الاتحاد الإفريقي، وفي الحالة الإثيوبية ما زالت جهود أوباسانجو مبعوث الاتحاد الإفريقي تتعثر بسبب اتهامات من جانب جبهة التيغراي للمبعوث بأنه مساند للحكومة الإثيوبية، وفشلت جهوده في جمع الطرفين على مائدة الحوار.

تم تمديد فترة أوباسانجو على الرغم من رفض جبهة التيغراي، وتصر أديس أبابا أن أي مفاوضات يجب أن تتم تحت مظلة الاتحاد الإفريقي. وكان موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي قد التقى بالمبعوث الأمريكي للقرن الإفريقي مايك هامر، وقال إنهما اتفقا على ضرورة قيام شركاء دوليين بدعم جهود الاتحاد، وقد دعا زعيم جبهة التيغراي ديبسيون جبريمايكل إلى هدنة مشروطة في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة. (سكاي نيوز عربية، 10 سبتمبر 2022).


64