تقدم هذه الدراسة صورة عن خط تجاري واقتصادي عابر للقارات، ينقل البضائع والمواد الأولية والمنتجات الزراعية من الهند وحتى اليونان ومنها إلى باقي الدول الأوروبية، وينقل منتجات أخرى بالاتجاه المعاكس.
وتسلط الضوء على أصل الفكرة ودوافع إنشاء هذا الخط الذي يطلق عليه "ممر الهند العربي المتوسطي"، وتقدم معلومات عن مساره الجغرافي والدول المشاركة والمسهمة في المبادرة ومن بينها دول عربية.
وتبرز الأهمية الاقتصادية للممر، والمشكلات التي سيحلها عبر اختصار الزمن والمسافات في نقل البضائع، فضلاً عن تسهيله عمليات التبادل التجاري في ظل الأزمات المتتالية التي عرفها العالم في سلاسل الإمداد، لاسيما تلك الناجمة عن جائحة كوفيدـ19 وحرب أوكرانيا.
كما تستعرض أبرز المواد المراد تصدريها عبر هذا المسار، مع الإشارة للأهمية الاقتصادية التي تحظى بها الهند في خريطة الاقتصاد العالمي، وكذلك الدور الجيوسياسي المحوري للدول المشاركة في المبادرة، من حيث مكانتها السياسية وموقعها الجغرافي وقوة اقتصاداتها.
وتتناول الدراسة الاستفادة المرتقبة للدول المشاركة في هذه المبادرة. وتقدم مقارنة بين "ممر الهند" و"حزام الصين" من حيث التشابه والتعارض والتكامل.
مدخل
لقد تبلورت مبادرة "ممر الهند العربي المتوسطي" فعلياً العام الماضي، تزامناً مع ظروف دولية خاصة، فقد مر العالم بأزمات متتالية في مجالات الصحة والطاقة والغذاء، مما أثر بشكل واضح على انسياب سلاسل الإمداد، وأحدث مشكلات اقتصادية عدة.
لهذا السبب، ولتوطيد وتعزيز التبادل التجاري وتتويجاً لمشاورات متعددة، ولدت مبادرة "ممر الهند" عبر تنسيق ثلاثي بين الهند والإمارات وإسرائيل وبدعم أمريكي، بهدف خلق فضاء جديد للتبادل التجاري، يخدم اقتصاد كل من الدول والمناطق المشاركة في هذه المبادرة، ويخلق حلولاً اقتصادية وتموينية لمناطق أخرى في أنحاء العالم.
فالهند توصف بأنها موطن للصناعة والزراعة، ومنها تأتي المواد المصنعة وقليلة التكلفة في الغالب وكذلك المنتجات الزراعية، في حين يتميز اقتصاد إسرائيل بالتطور التقني وجودة المنتجات الصناعية والزراعية.
أما الإمارات العربية المتحدة، فتعد قطباً اقتصادياً جاذباً في المنطقة، عبر إمكانياتها في مجالات الصناعة والتجارة وإعادة التصدير وإدارة الموانئ والمطارات عالمياً، فضلاً عن قدراتها في مجال النفط والغاز والطاقة النظيفة، وقد عملت لسنوات من أجل تطوير الصناعة والابتكار داخلياً، وتنويع الاقتصاد عبر محافظ استثمار في قطاعات عديدة تديرها في شتى أنحاء العالم 6 صناديق سيادية بعضها ضمن أكبر عشرة صناديق عالمية، والإمارات بذلك هي الدولة الوحيدة التي لديها هذا العدد من الصناديق السيادية الاستثمارية.
هذا التكامل الثلاثي، يعززه الإسهام المرتقب من المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية، فالمسار المقترح لهذا الممر، أعطى البلدين مكانة كبيرة، فالسعودية أكبر اقتصاد عربي وفي الشرق الأوسط عموماً وعضو في نادي أكبر اقتصادات العالم "مجموعة العشرينG20"، ولديها قدرات كبيرة في المجال اللوجستي، وبفعل مساحتها الشاسعة ستكون أكبر بلد مستضيف لخط نقل المواد والبضائع في الاتجاهين.
وكذلك ينتظر أن يلعب الأردن دوراً محورياً في هذه المبادرة، التي تمر عبر أراضيه وتربطه بالجانب الإسرائيلي، ومن هناك سوف تشارك الموانئ المتوسطية في سلسلة الإمداد نحو اليونان ومنها إلى أوروبا، وكذلك استقبال الصادرات من الجانب الأوروبي ونقلها في المسار المعاكس.
المحور الأول: ما هو الممر الهندي العربي
المتوسطي؟
يمكن وصف "ممر الهند العربي المتوسطي"
بأنه منظومة تتألف من مكونين أساسيين.
أولهما: شبكة متكاملة من وسائل الشحن على امتداد آلاف الكيلومترات وتتضمن
أساطيل من السفن وآليات النقل، عبر مئات الموانئ والسكك الحديدية وأيضاً خطوط
الطرق البرية.
والثاني: هو سلسلة إمداد كبيرة ومتنوعة تبدأ من المواد الأولوية والزراعية
وحتى آخر المنتجات التقنية.
أولاًـ تفاصيل الممر
التأسيس
ظلت فكرة الممر
مثار مباحثات ونقاشات طويلة، وكان في جزء منه يعمل بالفعل، وتحديداً في الجزء
المتعلق بالاستثمارات والتبادل التجاري واللوجستي الكبير بين الإمارات والهند من
جهة، وكذلك الدور الإسرائيلي في تطوير الزراعة في الهند عبر أحدث التقنيات، ودورها
في مجال الطاقة النظيفة وتطوير قطاع إنتاج الغذاء في الهند[1]، كما
أنها شريك رئيس للهند في مجال الابتكار والمياه.
كان عام 2017
حاسماً في تعزيز العلاقات بين الإمارات والهند، فقد وقع البلدان اتفاقاً لإقامة
شراكة استراتيجية شاملة، ومذكرات تفاهم في مجالات متعددة من بينها الزراعة والطاقة
والنقل البحري والخدمات اللوجستية في مجال الشحن والتخزين[2].
في عام 2019
تولت شركة "إعمار" الإماراتية، تنسيق مبادرة لتعزيز إنشاء الممر في
جانبه الرابط بين الهند والإمارات، وتمثلت المبادرة في جمع 7 مليارات دولار من
كيانات إماراتية، واستثمار نحو 70% منها في مجال الزراعة بمدن هندية عدة، تمهيداً
لبدء سلاسل إمداد غذائية جديدة، وأسهمت في المبادرة مجموعة شركات "شرف"
ومقرها دبي.
وفي العام نفسه
(2019) بلغ عدد الشركات الهندية المسجلة في غرفة تجارة دبي 35 ألفاً، وارتفع العدد
في العامين التاليين ليبلغ في نهاية 2021 نحو 40 ألف شركة [3].
ونظراً لحجم
التبادل الهائل، قادت غرفة دبي في 2019 مبادرة للتنسيق بين شركات إماراتية وهندية
من أجل الإسهام في إنشاء وتعزيز البنية التحتية اللوجستية لممر خاص بنقل المواد
الغذائية.
وفي هذا الإطار
أسهمت "موانئ دبي العالمية" في هذه المبادرة، التي يمكن القول إنها كانت
سباقة في فكرتها عبر توقيعها في عام 2018 اتفاقاً مع صندوق الثروة السيادي الهندي
المعروف باسم "الصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحية" NIIF،
ويقضي هذا الاتفاق[4] بتأسيس
شركة للاستثمار بقيمة 3 مليارات دولار، تملك موانئ دبي منها 65% والصندوق الهندي
35%، وتهدف لإنشاء بنية تحتية متكاملة من الموانئ والقطاع اللوجستي المرتبط
بالشحن، لدعم التكامل عبر بحر العرب.
كما أعلنت
مجموعة "شرف" التي تتخذ من دبي مقراً لها، في ديسمبر 2020، أنها تخطط
لاستثمار أكثر من مليار دولار في "ممر الأغذية"[5]، وهذه
المجموعة تعمل في 40 دولة في مجالات متنوعة؛ من بينها الشحن والخدمات اللوجستية
وتجارة التجزئة.
وبعد هدوء موجة
المخاوف من جائحة كوفيد-19، وخلال الدورة الثانية عشرة لـ"منتدى صير بني
ياس" في نوفمبر 2021 بدبي، دارت لقاءات وحوارات في أروقة المنتدى، لبحث
التقدم المحرز في الممر المقترح، شارك فيها بشكل ثنائي وجماعي وزراء خارجية ست دول
على الأقل: الهند والإمارات وإسرائيل والأردن والسعودية وقبرص[6] فيما
لم يرد ذكر لمشاركة الأردن واليونان رغم موقعهما المحوري في مسار الممر.
وفي صيف عام
2022 بدأت مبادرة الممر تتبلور بشكل واضح، بدفع من الظروف الاقتصادية العالمية
المتتالية.
وفضلاً عن الدول
الثلاث، ظهرت الولايات المتحدة بوصفها داعماً قوياً للمبادرة، وذلك من خلال أول
اجتماع لقادة دول المجموعة التي أطلق عليها اسم "رباعي غرب آسيا" ويشار
إليها بـ"I2U2"
ويضم البلدان الأربعة، والذي عُقد عن بعد يوم 14
يوليو 2022، خلال وجود الرئيس الأمريكي جو بايدن في إسرائيل ضمن زيارة للمنطقة،
وأقر الاجتماع مجموعة من التفاهمات؛ من أبرزها إطلاق مبادرتين لتسهيل الاستثمارات
المشتركة في مجالات عدة من بينها الأمن الغذائي والطاقة والنقل والمياه، كما شهدت
القمة إعلان الإمارات عزمها استثمار ملياري دولار في قطاع الزراعة بالهند، لتطوير
مجمعات غذائية متكاملة تعتمد على تكنولوجيا مناخية متطورة لمضاعفة كمية المحاصيل[7].
وفي تلك القمة
اتفق القادة على أهمية تعزيز الاستقرار والسلام من خلال التعاون الاقتصادي، مؤكدين
ضرورة حل معضلة أزمتي الغذاء والطاقة عبر التعاون والتكامل.
الدول المشاركة
يمكن تقسيم
الدول المشاركة أو المعنية بهذا الممر إلى ثلاث مجموعات رئيسية.
أولاً: الدول المؤسسة
أصل المبادرة
تطور من نموذج العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند والإمارات، وبالتالي يمكن
وصف البلدين بأنهما منبع المبادرة، وكذلك فإن إسرائيل كانت على علاقة اقتصادية
كبيرة مع الهند، وأسهم توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل ودول عربية من
بينها الإمارات في سبتمبر 2020، في جمع البلدان الثلاثة الإمارات والهند وإسرائيل
تحت مظلة تعاون، ومن ثم قيادة مبادرة الممر، التي يسهم فيها أيضاً القطاع الخاص في
هذه الدول بقوة[8]، ويعد
شريكاً في مبادراتها.
ثانياً: الدول المسهمة والمتعاونة
توجد دول عدة
متعاونة أو مسهمة أو مستفيدة من خط سير الممر ونقاط الشحن والتبادل، وهي السعودية
والأردن واليونان ودول أوروبية أخرى، ومن المنتظر أن تشكل أسواق هذه البلدان رافداً
للمبادرة من حيث الإيراد والتصدير، ولن يقتصر حضورها على تسهيلات مرور البضائع
فحسب.
الدول الداعمة
تعد الولايات المتحدة
الأمريكية أبرز الدول الداعمة لهذه المبادرة، وترى أنها تمثل فرصة للشرق الأوسط
لتعزيز التبادل الاقتصادي وترسيخ التعاون.
كذلك فإن
المشروع يحظى بمباركة أوروبية، لكون بلدان القارة سوف تستفيد من تسهيلات نقل
البضائع والمنتجات والمواد الأولية إليها بتكاليف أقل.
جدول: حجم اقتصاد الدول المشاركة والمسهمة في
"ممر الهند العربي المتوسطي" لسنة 2021[9].
الدولة |
حجم الناتج المحلي الإجمالي |
الترتيب عالمياً |
الهند |
+ 3 تريليونات
دولار |
5 |
السعودية |
+ 833 مليار دولار |
18 |
إسرائيل |
+ 488 مليار
دولار |
26 |
الإمارات |
+ 415 مليار دولار |
34 |
اليونان |
نحو 215 مليار
دولار |
52 |
الأردن |
نحو 46 مليار دولار |
90 |
|
|
|
1.
المسار الجغرافي
يبدأ المسار عبر شبكة قطارات لنقل البضائع من
ولايات هندية عدة، تمثل الثقل الصناعي والزراعي، وصولاً إلى سواحل بحر العرب، حيث
منطقة العاصمة الاقتصادية مومباي، وتحديداً مدينة "نافي مومباي" التي يوجد فيها ميناء "جواهر لال نهرو" الذي تديره
شركة موانئ دبي العالمية DP WORLD،
ويعد أكبر ميناء لمناولة الحاويات في الهند إذ يتعامل مع 50% من شحنات الحاويات في
البلد[10]، و يُنتظر أن يلعب دوراً بارزاً في خدمات الممر، وقد نفذت "موانئ
دبي العالمية" في يناير 2021 مشروعاً لبناء منطقة للتجارة الحرة قرب الميناء،
لتوفير مرافق كبيرة لمناولة البضائع ولإقامة منشآت مغطاة للتخزين بمساحة 93 ألف
متر مربع.
وفي دولة الإمارات
العربية المتحدة، سوف يكون لمينائي راشد وجبل علي في دبي وميناء خليفة "KIZAD"
في أبوظبي الدور الأبرز
في حركة البضائع في ممر الهند العربي المتوسطي، وذلك لمحورية موقعي "جبل
علي" و"خليفة" واستقطابهما الكبير لحركة الشحن البحري،
فضلاً عن كون كلا الميناءين يقع ضمن منطقة حرة تتيح مرونة عالية في التخزين وإعادة
التصدير، واستضافة الشركات المصنعة والمنتجة من داخل الإمارات وخارجها.
ويرتبط الميناءان بشبكة
للسكة الحديدية تديرها شركة "الاتحاد للقطارات" وتعد أكبر مشروع لوجستي
منذ قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة، وذلك يوحي بأهميتها القصوى ضمن رؤية
التطوير الاقتصادي، والحفاظ على البيئة عبر توفير نقل مستدام للبضائع والأشخاص.
وقد بدأت شركة
"الاتحاد للقطارات" توفير خدمة نقل الشحنات في بعض المواقع في الدولة.
شبكة السكة الحديدية
الإماراتية ترتبط بشبكة القطارات في المملكة العربية السعودية، عبر الحدود البرية
الغويفات / البطحاء، ومن ثم هنالك مقترح لخط السير، يضمن إيجاد نقطة مركزية في
المنطقة الشرقية بالسعودية، ورشحت بعض المقترحات مدينة "حرض" بالأحساء
وهي منطقة صناعية تقع في قلب حقول النفط والمصافي الأهم في المملكة والتابعة لشركة
"أرامكو"، كما أنها تحتضن واحدةً من أكبر مزارع الألبان في العام تديرها
"الشركة الوطنية للتنمية الزراعية ـ نادك".
وفي إطار هذا المقترح
المعتمد على خطوط السكك الحديدة (على امتداد نحو 1400 كلم)، يمر المسار ببريدة ثم
الخرج فالعاصمة الرياض التي ينتظر أن تكون محطة كبرى للمر الهندي العربي المتوسطي.
ومن منطقة الرياض يتجه الخط نحو الحدود مع الأردن عبر منفذ الحديثة / العمري، وتلك
محطة بارزة في المسار، وتسعى الهند للوصول بشكل أكبر لأسواق الأردن[11]، بل
إن بعض من درسوا مشروع الممر، يرون أن نجاحه يعتمد على موافقة وقبول ومشاركة
السعودية والأردن[12].
ويدور الحديث عن إسهام
كبير جداً منتظر سوف تقدمه منطقة "نيوم" الجديدة في المملكة.
ومن المنفذ الحدودي بين السعودية والأردن يتخذ خط
الممر الهندي طريقه نحو معبري جسر الشيخ حسين ووادي عربة، إلى إسرائيل التي يمتد
فيها على شبكة السكة الحديدية وخطوك النقل البرية وصولاً إلى ميناء حيفا عبر مسافة
تقدر بـ300 كلم بين منفذ الحديثة وميناء حيفا، الذي يستحوذ على نصف شحنات التصدير
والإيراد لإسرائيل، وسوف يكون محطة باتجاه ميناء بيريوس في اليونان؛ أكبر موانئ
المنطقة، ويشكل بوابة نحو الأسواق الأوروبية، كما رجحت بعض التوقعات مشاركة
إيطاليا لاحقاً عبر موانئها الممتدة من مدينة تارانتو القريبة نسبياً من اليونان
وحتى تريستا القريبة من منافذ دول أوروبا المجاورة. بل إن المقترحات المطروحة تشمل
إدراج منطقة شمال إفريقيا في جانب من المبادرة، عبر تعزيز خطوط الشحن من أوروبا
إلى شمال إفريقيا وبشكل أخص إلى المغرب الذي يلعب دوراً كبيراً في الربط التجاري
مع دول غرب إفريقيا[13].
وهنا لابد من الإشارة إلى خطوة مهمة في اتجاه
إقامة الممر، ففي يوليو 2022 أعلنت إسرائيل أن الشركة الهندية Adani Ports and Special Economic Zone Ltd التي يملكها الملياردير غوتام أداني، استحوذت على ميناء حيفا
بالتحالف مع شركة إسرائيلية وفي عقد إدارة يمتد حتى سنة 2054. وجاء هذا الإعلان
تزامناً مع القمة الافتراضية لمجموعة "I2U2"
التي تضم الهند والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة، ووصف بعض المراقبين[14] هذه
الخطوات بأنها مؤشر قوي على الزخم التجاري والأهمية الاقتصادية لـ"ممر
الغذاء" بين الهند والشرق الأوسط.
المسار الجغرافي المقترح سوف يكون في الاتجاهين،
وبالتالي فإن نقل البضائع والمواد الأولية والمنتجات الزراعية والصناعية سيكون عبر
اتجاهي المسار بحسب الحاجة، وعلى أساس تخصص وإنتاج كل بلد مشارك.
وتشير بعض الدراسات إلى أن هذا المسار قد يؤثر
على حركة الشحن والنقل في ميناء "تشابهار" الإيراني الذي كان يمثل محطة
مهمة للصادرات الهندية عبر وسط آسيا. وكذلك قناة السويس في مصر، والتي قد تتأثر مع
الوقت، وإن كان بعض الدارسين للموضوع يعتبرون أن الممر الهندي سيعزز التكامل
الاقتصادي ولن يكون بديلاً لأي مسار آخر.
العلاقة بين
"الممر" و"الحزام والطريق"
للوهلة الأولى يبدو مشروع "ممر الهند العربي
المتوسطي" وكأنه نظير أو منافس للمبادرة الصينية واسعة النطاق المعروفة باسم
"مبادرة الحزام والطريق" ويشارك فيها عدد من الدول التي تشارك أيضاً في
"الممر الهندي". ومرد الاعتقاد بشأن "التنافس" هو كون
الولايات المتحدة قدمت دعماً كبيراً لمبادرة الممر الهندي، وقد يكون جزءٌ من ذلك
الدعم راجع فعلاً لتشجيع خلق "مركز ثقل" جديد، للموازنة مع الوجود
التجاري الصيني المتوسع في منطقتي المحيطين الهادئ والهندي وكذلك في الشرق الأوسط،
وأيضاً لتضييق خط التوسع الصيني في شتى أنحاء العالم.
لكن في المقابل فإن الصين تبقى الشريك الاقتصادي
الأول للدولتين صاحبتي المبادرة في ممر الهند الاقتصادي (الهند والإمارات)،
والشريك الثاني لأعضاء آخرين في المبادرة (كإسرائيل). كما أن مجموعة "شنغهاي
الدولية للموانئ" الصينية تدير محطة خاصة للحاويات في ميناء حيفا بسعة 18 ألف
حاوية، افتتحت في سبتمبر2022، بتكلفة قاربت ملياري دولار، بعد أن فازت الشركة الصينية
بالصفقة سنة 2015[15] والتي
تضمن لها إدارة المحطة لمدة 25 عاماً.
وفي الواقع، قد يكون المشروعان متكاملين،
فـ"الممر الهندي" أقل حجماً جغرافياً من "الحزام والطريق" كما
أن أهداف المبادرتين تتقاطع أحياناً وتتفاوت في بعض التفاصيل.
فمبادرة الحزام والطريق ذات تمويل ضخم يصل
لتريليون دولار[16] رصدته
الصين لإقامة وتحسين منشآت للبنية التحتية في أنحاء عدة من العالم. وتركز المبادرة
على مجالات كثيرة وترسم محاور متعددة تمر بقارات شتى على طريق الحرير القديم،
وتطمح الصين أن تشكل هذه المبادرة أكبر مشروع متكامل للبنية التحتية عبر التاريخ.
أما مبادرة الممر الهندي، فتركز على خط واضح يمر
عبر دول محددة، وهي استجابة لمتطلبات اقتصادات معينة، عبر السعي لحل مشكلات قائمة
تتعلق بسلاسل إمداد المنتجات الزراعية والمواد الغذائية والبترول والصناعات
التقنية، وقد سرعت الأزمات التي خلفتها جائحة كوفيد-19 (بدأت أواخر الربع الأول من
2021) من التفكير بإقامة الممر، وعزز ذلك وقوع أزمات في الطاقة والغذاء والنقل
البحري، بعد اندلاع حرب أوكرانيا (فبراير 2022).
[1] Tanchum,
Michaël : “The India-Middle East Food Corridor: How the UAE, Israel, and
India are forging a new inter-regional supply chain”, Middle East Institute,
July 2022.
[2] صحيفة البيان: الإمارات والهند توقعان اتفاقية الشراكة الاستراتيجية
الشاملة وعدداً من مذكرات التفاهم، 26 يناير 2017. https://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2017-01-26-1.2838767
[3] صحيفة البيان: 5000
شركة هندية انضمت لعضوية غرفة تجارة دبي 2021، بتاريخ 19
فبراير 2022. https://www.albayan.ae/economy/interviews/2022-02-19-1.4373333
[4] Tanchum: “The India-Middle East Food Corridor: How the UAE, Israel, and
India are forging…”.
[5] Tanchum, Michaël:
“India’s Arab-Mediterranean Corridor: A Paradigm Shift in Strategic
Connectivity to Europe”, Institute of South Asian Studies, National University
of Singapore, Issue No. 14, August 2021.
[6] “Importance of
India-Arab-Mediterranean Corridor”,
Diplomacy and Beyond Plus magazine (India),
January, 2022.
[7] Joint Statement of
the Leaders of India, Israel, United Arab Emirates, and the United States
(I2U2), the White House, July 14, 2022. https://www.whitehouse.gov/briefing-room/statements-releases/2022/07/14/joint-statement-of-the-leaders-of-india-israel-united-arab-emirates-and-the-united-states-i2u2/
[8] Tanchum: “The
India-Middle East Food Corridor…”.
[9] GDP (current US$)
World Bank national accounts data, and OECD National Accounts data files. https://data.worldbank.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD?most_recent_value_desc=true
[10] Tanchum: “India’s
Arab-Mediterranean Corridor: A Paradigm Shift in Strategic Connectivity…”
[11] “Importance of
India-Arab-Mediterranean Corridor”,
Diplomacy and Beyond Plus magazine..
[12] Ibid.
[13] Tanchum: “India’s Arab-Mediterranean Corridor: A Paradigm Shift in
Strategic Connectivity…”
[14] Tanchum: “The India-Middle East Food Corridor: How the UAE, Israel, and
India are forging…”
[15] “Israel
inaugurates Chinese-run Haifa port terminal, in likely boost for economy”,
Times of Israel, September 2, 2021. https://www.timesofisrael.com/israel-inaugurates-new-haifa-port-terminal-in-expected-boost-for-economy/
[16] Tanchum, Michaël: “New Delhi’s New Edge in the China-India Competition for Middle East Connectivity”, Manara magazine, December, 2021.
ممر الهند العربي المتوسطي .. خط للتبادل التجاري العابر للقارات (2)