في أكتوبر2022 شهدت منطقة شرق الكونغو الديمقراطية تجدداً لأعمال العنف، عندما قامت حركة 23 مارس بشن هجمات والسيطرة على بلدتي (كيوانجا) و (روتشورو) اللتين تقعان في شمال إقليم كيفو بالقرب من الحدود الأوغندية، تسببت أعمال العنف في إصابة أربعة من جنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وقد شجبت القوة الأممية (مونوسوك) هذا العدوان.
أدت هذه الأحداث لزيادة التوتر بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أعلن الرئيس فيليكس تشيسكوري رئيس الكونغو الديمقراطية حالة التأهب وسط الجيش الكونغولي، وطلب من السفير الرواندي فنسنت كاريجا مغادرة البلاد (وكالة الأناضول 30 أكتوبر 2022).
حول الكونغو الديمقراطية
جمهورية الكونغو الديمقراطية، هي دولة في وسط أفريقيا. يحدها من الشمال الغربي جمهورية الكونغو، ومن الشمال جمهورية إفريقيا الوسطى، ومن الشمال الشرقي جنوب السودان، ومن الشرق أوغندا ورواندا وبوروندي، وتنزانيا (عبر بحيرة تنجانيقا)، إلى من الجنوب والجنوب الشرقي زامبيا، ومن الجنوب الغربي أنغولا ، ومن الغرب جنوب المحيط الأطلسي ومكتف كابيندا في أنغولا.
حسب المنطقة، فهي ثاني أكبر دولة في إفريقيا والمرتبة 11 في العالم. يبلغ عدد سكان جمهورية الكونغو الديمقراطية حوالي 108 مليون نسمة، وهي أكبر دولة فرنكوفونية رسمية في العالم من حيث عدد السكان. العاصمة الوطنية وأكبر مدينة هي كينشاسا، وهي أيضًا المركز الاقتصادي للبلاد.
تعتبر جمهورية الكونغو الديمقراطية على نطاق واسع واحدة من أغنى دول العالم بالموارد الطبيعية. تقدر قيمة رواسبها غير المستغلة من المعادن الخام بأكثر من 24 تريليون دولار أمريكي. تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية 70٪ من الكولتان في العالم، وثلث الكوبالت، وأكثر من 30٪ من احتياطي الماس، وعُشر النحاس.
على الرغم من هذه الثروة المعدنية الهائلة، فقد تدهور اقتصاد جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير منذ منتصف الثمانينيات. ولدت جمهورية الكونغو الديمقراطية ما يصل إلى 70٪ من عائدات صادراتها من المعادن في السبعينيات والثمانينيات وتضررت بشكل خاص عندما تدهورت أسعار الموارد في ذلك الوقت. بحلول عام 2005، 90٪ من إيرادات جمهورية الكونغو الديمقراطية مستمدة من معادنها. يعتبر المواطنون الكونغوليون من بين أفقر الناس على وجه الأرض. تتمتع جمهورية الكونغو الديمقراطية على الدوام بأدنى أو ما يقرب من الأدنى، من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد في العالم. جمهورية الكونغو الديمقراطية هي أيضًا واحدة من أقل عشرين دولة مرتبة في مؤشر مدركات الفساد.
وتواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية العديد من التحديات، بما في ذلك:
- الصراع الأهلي: جمهورية الكونغو الديمقراطية لديها تاريخ طويل من الصراع الأهلي، بما في ذلك حربان كبيرتان في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، أسفرتا عن مقتل ملايين الأشخاص. على الرغم من اتفاقية السلام التي تم توقيعها في عام 2003، استمر القتال في بعض أجزاء البلاد.
- الفقر: جمهورية الكونغو الديمقراطية هي واحدة من أفقر البلدان في العالم ، حيث يعيش جزء كبير من السكان في حالة فقر. كثير من الناس يفتقرون إلى الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل المياه النظيفة والرعاية الصحية والتعليم.
- الفساد: تتصف جمهورية الكونغو الديمقراطية بسمعة سيئة في زيادة معدلات الفساد ، وقد صنفتها منظمة الشفافية الدولية على أنها الدولة رقم 156 الأكثر فساداً من بين 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2020. يقوض الفساد سيادة القانون ويعيق التنمية الاقتصادية.
- القضايا الصحية: تتصف جمهورية الكونغو الديمقراطية بأحد أعلى معدلات وفيات الرضع في العالم، ولا يستطيع الكثير من الناس الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية. كما شهدت البلاد العديد من تفشي الأمراض المعدية، مثل الإيبولا، التي كان لها تأثير مدمر على السكان.
- القضايا البيئية: تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية عددًا من التحديات البيئية، بما في ذلك إزالة الغابات والتلوث وفقدان التنوع البيولوجي. غالبًا ما ترتبط هذه القضايا باعتماد الدولة على استخراج الموارد الطبيعية من أجل التنمية الاقتصادية.
نشاط الحركات المسلحة
تسبب ضعف قوات حفظ السلام وعدم تسليحها الجيد في عدم قدرتها على صد نشاط الحركات المسلحة المنتشرة في منطقة البحيرات في وسط أفريقيا وعودة الصراعات والقتال، خاصة بعد عودة نشاط حركة 23 مارس المتمردة لشن الهجمات في شرق الكونغو بعد توقفها لسنوات، وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى ضلوع رواندا فيما تقوم به حركة 23 مارس (فرانس برس، 11 أغسطس 2022).
تشارك في الصراع مجموعات ذات مكونات إثنية تتنازع على الأرض والثروات، ولكل منها تحالفات مع إحدى دول المنطقة، وتعتبر الأحداث الأخيرة تكراراً لما حدث في يونيو الماضي 2022، عندما قامت حركة 23 مارس بالهجوم على الجيش الكونغولي في منطقة (قوما) التي تعتبر من أكبر مدن الكونغو الغنية بالمعادن، وهي منطقة حدودية مشتركة بين كل من رواندا والكونغو الديمقراطية وأوغندا وتنزانيا وهي منطقة صراع وأطماع بين هذه الدول وتنافسٍ على الاستحواذ على ثرواتها المعدنية.
بعد القتال الذي وقع في يونيو الماضي تم وقف الطيران بين رواندا والكونغو الديمقراطية، ووجهت الكونغو اتهامات إلى رواندا بدعم المتمردين، وقد وقع الهجوم من جانب حركة 23 مارس بعد إعلان رواندا أن متمردي (الهوتو) الذين فروا إلى الكونغو بعد أحداث الإبادة الجماعية منذ عام 1994 قاموا باعتقال جنديين من الجيش الرواندي من داخل الحدود الرواندية، وطالب ماكي سال رئيس الاتحاد الأفريقي البلدين بضبط النفس وحل المشكلات بالطرق السلمية (واشنطن بوست 10 يونيو 2022).
تكونت حركة 23 مارس نتيجة للحروب الأهلية التي شهدتها الكونغو الديمقراطية خلال الفترة من1995 إلى 1997 بعد اندماج ثلاث حركات هي تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو، والتجمع من أجل الديمقراطية في الكونغو، والمؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب. وعلى الرغم من هزيمة الحركة عام 2003، إلا أنها عادت إلى العمل العسكري في عام 2013، وتم عقد اتفاق سلام بين الطرفين في أوغندا وتوقفت لفترة طويلة.
اتهامات متبادلة وتهديدات جهادية
ظلت حالة عدم الثقة بين كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا قائمة طوال الوقت بسبب عدم احتواء الحركات المسلحة حيث تحتضن الكونغو مجموعة من الهوتو المعادية لحكم (التوتسي) في رواندا، بينما تتحرك حركة 23 مارس المكونة من (التوتسي) التي لديها أطماع في منطقة شرق الكونغو من داخل رواندا. وقد طالبت رواندا المجتمع الدولي بعد الأحداث الأخيرة باتخاذ إجراءات ضد خطاب الكراهية والإساءات والعنف والتحرش الصادر ضد مجموعة (Kinyarwanda) الذين يعيشون داخل الكونغو الديمقراطية، وعبرت رواندا عن أسفها لطرد سفيرها، وأعلنت أنها ملتزمة باتفاق لواندا الموقع بين البلدين في أنجولا بتاريخ سبتمبر 2021. غير أن تقارير في أغسطس الماضي ذكرت أن الجيش الكونغولي يدعم الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا التي تتكون من قبيلة الهوتو التي قامت بأعمال الإبادة الجماعية عام 1994.
اتهم الرئيس الكونغولي رواندا بدعم قبائل (التوتسي) الكونغولية التي تعمل على زعزعة أمن منطقة البحيرات، كما اتهم قوات الأمم المتحدة بعدم القيام بدورها في حماية المدنيين، وقال إن اتفاق السلام الذي وقع في لواندا بأنجولا عام 2021 أصبح غير ملزم لبلاده. وتعاني منطقة وسط أفريقيا أيضاً من تمدد الحركات الإسلامية المتطرفة مثل (داعش) التي تحالفت معها حركة القوات الديمقراطية (ADF) منذ عام 2019، وتضم الحركات الجهادية جماعة أنصار السنة من موزمبيق، وسبق لداعش أن قامت بعمليات عسكرية في شرق الكونغو (حفريات، 23 يونيو 2021).
أسباب التوتر في منطقة البحيرات
البحيرات العظمى الأفريقية، هي سلسلة من البحيرات وبحيرات الوادي المتصدع والتي تقع حول وداخل الوادي المتصدع الكبير في أفريقيا. وتشمل بحيرة فيكتوريا، أكبر البحيرات العذبة في العالم من حيث المساحة وبحيرة تنجانيقا، ثاني أكبر بحيرات العالم من حيث الحجم والعمق
تعتبر منطقة البحيرات العظمى الأفريقية من أغنى مناطق أفريقيا بالماء ومصادر الثروة، بل هي اغني مصدر للماء في قارة أفريقيا فهي خزان ماء ضخم وهي منبع نهر النيل وهي الغنية باليورانيوم، والكوبالت، والنحاس، والألماس، والذهب، والأحجار الكريمة، وبها شلالات إنجا التي تكفي لسد احتياجات القارة الأفريقية من الطاقة الكهربائية. والمنطقة على هذا النحو تعتبر من اماكن الجذب قديما وحديثا طمعا في استيطانها أو الاستئثار بخيراتها.
تشمل المنطقة حاليا دول بوروندي ورواندا وأوغندا والكونغو الديمقراطية وتنزانيا، وتسودها صراعات عرقية قادت إلى مذابح رهيبة متبادلة بين أطرافها. وقد أسهمت العديد من الأسباب في زيادة التوتر وعدم الاستقرار في منطقة البحيرات من بينها:
- حالة عدم الثقة بين رؤساء دول المنطقة والتحالفات بين بعض دولها ضد الدول الأخرى.
- الصراع على الثروات في المنطقة خاصة في شرق الكونغو.
- العداءات والكراهية الإثنية.
- إيواء بعض أطراف الصراع لعناصر مسلحة تعمل ضد دولها مثل دعم الكونغو لعناصر من الهوتو تعمل ضد رواندا.
- خلافات حول دمج القوات المتمردة بعد اتفاقية سلام لواندا في أنجولا.
التدخلات والتداعيات الإقليمية
تعود مشكلات منطقة دول البحيرات إلى إفرازات الحروب الأهلية والنزاعات الإثنية في المنطقة والصراع على الموارد والمناطق التي توجد بها الثروات مثل منطقة (كيفو) في شرق الكونغو الديمقراطية، وقد تطورت الخلافات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا خلال السنوات الأخيرة منذ عام 2021، عندما قامت حركة 23 مارس بالهجوم على القوات الكونغولية، واتهمت كنشاسا كلا من بريطانيا والولايات المتحدة بالمشاركة في العمليات مع رواندا وحركة 23 مارس وإيواء عناصر من التوتسي الكونغوليين. لقد سبق أن اتهم تقرير للأمم المتحدة حركة 23 مارس بعمليات إعدام ونهب وجرائم اغتصاب في 30توفمبر 2021 في قرية (كبشبشي) بشرق إقليم (قوما)، كما عززت تلك الاتهامات الولايات المتحدة الأمريكية ووصفها فولكر تورك المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأنها مجزرة مروعة (الشرق الأوسط، 10 ديسمبر 2022).
تظهر التداعيات والتدخلات الإقليمية في المنطقة من خلال:
- تدخلات كينية خاصة بعد إرسال أوغندا وبورندي قوات إلى الكونغو.
- تدخل رواندا وأوغندا المجاورتين ودعمهم للتوتسي.
- وقوف كل من أنجولا وناميبيا وموزمبيق مع الكونغو الديمقراطية.
- دعم الكونغو لمتطرفي الهوتو والقوات الديمقراطية لتحرير رواندا.
- حركة ماي تشيكا المدعومة من رواندا ضد الكونغو.
- تحالف القوى الديمقراطية المدعوم من أوغندا الذي ارتكب أعمال عنف في الكونغو.
- عدم دمج دول منطقة البحيرات الحركات المتمردة في كل منهما، واستخدامها لأغراض توسعية.
مناقشة وتحليل
على الرغم من المحاولات التي بذلت من قبل بريطانيا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا والاتحاد الإفريقي خلال السنوات الأخيرة في أنجولا وأوغندا، إلا أن كل تلك الجهود لم تنجح في وقف العنف في شرق الكونغو. كما أن عدم قدرة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على صد الهجوم الذي قامت به حركة 23 مارس في الفترة الأخيرة دليل على الحاجة لتدخل دولي وإقليمي أكثر فاعلية لوقف هذه الهجمات التي ترتكب فيها العديد من الفظائع والانتهاكات ضد المدنيين في شرق الكونغو.
التدخل الدولي ليس كافياً وحده للفصل بين الأطراف المتصارعة حول الأرض والموارد، ولابد من أن يصاحب تهدئة الأوضاع في البحيرات امتناع دول المنطقة عن التدخل في شؤون بعضها واحترام الحدود الدولية وعدم إيواء بعض المتمردين داخل أراضيها ودعمهم ضد دولهم، مثلما يحدث بين رواندا والكونغو اللتين تتبادلان الاتهامات.
فضلاً عن ذلك لابد من حدوث عملية دمج للقوات المتمردة داخل جيش كل دولة كما أوصت بذلك بعض مؤتمرات السلام وهي عملية تقاعست بعض الدول عن تنفيذها، بجانب إيقاف التحالفات التي تحدث بين بعض القبائل المشتركة وعبورها الحدود لنصرة قبيلتهم، ووقف عمليات تهريب الموارد الطبيعية مثل الذهب والنحاس التي تعتبر بعض فصائل الجيش الكونغولي ضالعة فيها مع احترام التعهدات التي تمت عبر اتفاقيات السلام.