تعتبر فرنسا من أكثر الدول الأوروبية التي أسهم مواطنوها في القتال في بؤر التوتر والصراع، في سوريا والعراق، وناهز الرقم الإجمالي للمقاتلين الإرهابيين الأجانب الفرنسيين حوالي 1700 فردا،( موقع أوريان 21، 13 إبريل 2021). كان موقف الحكومة الفرنسية متشدداً بخصوص عودة، هؤلاء، من رجال ونساء وأطفال؛ لكن إدانة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لفرنسا، جعلتها تعيد النظر في طلبات عائلات مقاتلي تنظيم الدولة بسوريا.
فقد أكدت الغرفة الكبرى بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، "أنه يتعين على الحكومة الفرنسية إعادة النظر في طلبات المتقدمين في أقرب وقت ممكن مع ضمانات مناسبة ضد التعسف"،(الجزيرة نت، 14 سبتمبر 2022) . ولم يعد بإمكان الحكومة الفرنسية تجاهل مطالب العائلات، وضغوط المجتمع المدني، فشرعت في معالجة جديدة لهذه القضية في سياق يتسم بالنقاش الحاد حول التطرف والإرهاب والمهاجرين والإسلام وحقوق الإنسان، وفي ظل تنامي اليمين المتطرف الذي له مواقف متطرفة ومتعصبة.
فرنسا وإشكالية عودة "الجهاديين"
تتفق أغلب الدراسات المعنية بظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب الأوروبيين، على أن فرنسا هي البلد الأوروبي الأول الذي تدفق منه أكبر عدد من المقاتلين وأسرهم إلى سوريا التحاقاً بدولة "داعش"، واستجابة لدعايتها، للانضمام إلى صفوف مقاتليها، بل المكوث والإقامة في ديار "الدولة الإسلامية"، التي وعدتهم بالعزة والكرامة وتحقيق حلم "انبعاث" الدولة الإسلامية التي من خلالها سيتم استرجاع "المجد الإسلامي".
وقد "قدرت المفوضية الأوروبية أن أكثر من 40 ألف مقاتل انضموا إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة؛ ويعتقد أن 5 آلاف منهم قدموا من أوروبا. عاد 30% منهم، وقتل 10% في مناطق القتال، وأكد توماس ريشارد وريك كوليست، الخبيران البلجيكيان في شؤون التطرف في معهد إغمونت في بروكسل، أنه كان هناك أكثر من 600 طفل من مقاتلي "داعش" الأوروبيين وعائلاتهم محتجزين في شمال سوريا في 30 مارس 2021، إضافة إلى 400 طفل معتقل في مدينة الحسكة السورية، وبلغ عددهم نحو ألف أوروبي"( المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 3 ديسمبر 2021)، ويؤكد الباحثان، أن فرنسا تتصدر قائمة الدول الأوروبية من حيث عدد المواطنين الذي تورطوا في الانضمام إلى داعش.
وصرحت "ماري دوسي" وهي محامية بباريس، في 21 سبتمبر 2021، بوجود حوالي 200 طفل دون سن السادسة وحوالي 100 امرأة فرنسية في مخيمات داعش؛ وقد تمت إعادة حوالي 30 طفلاً من سوريا(المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 3 ديسمبر 2021).
علاوة على ذلك تحذر منظمة "SAVE THE CHILDREN" (أنقذوا الأطفال)، من سوء أوضاع الأطفال المحتجزين في مخيمات شمال شرقي سوريا، وأن "عائلات مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي، قد يبقون "عالقين" لثلاثين عاماً هناك نتيجة عمليات استعادتهم من بلدانهم"( العربي الجديد، 23 مارس2022). ويقول شيخموس أحمد رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين، بخصوص عدم تحمل المجتمع الدولي للمسؤولية تجاه أطفال مخيمي الهول وروج بأنه "يحمل معه مخاطر تفاقم كل يوم لأن تجاهل المجتمع الدولي لهؤلاء الأطفال الموجودين في مخيمات الهول وروج أمر خطير"، كما أن نمو هؤلاء الأطفال في المخيمات "يعني تحويلهم تلقائياً بعد إتمام السن القانونية إلى مراكز التوقيف الخاصة بمقاتلي التنظيم، ما يعني تفاقم المشكلة وبقاءها مفتوحة دون حلول جذرية"، (الشرق الأوسط، 26 مارس 2022).
هناك عدة جهات حقوقية وجمعيات أهلية، تدعو إلى تجديد النظر في معاملة العالقين في داعش؛ ومن ذلك الطبيب النفسي الفرنسي Borris Cynuninik ، الذي وجه رسالة مفتوحة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من خلال "جريدة الأحد"، (le journal du Dimanche ،15 يناير 2022 ) ، يدعوه فيها إلى السماح بعودة 200 طفل وأمهاتهم؛ قائلاً: "ادخلوا الأطفال إلى موطنهم الفرنسي"، وواجهت باسكال ديكامب الرئيس الفرنسي، وهي جدة فرنسية لثلاث أطفال في مخيم في سوريا، وطلبت منه إعادة النظر في سياسته وناشدت الجمعيات الفرنسية بالضغط على الحكومة الفرنسية لتغيير موقفها. وأعلنت عدة جمعيات لأطباء نفسيين ومحامين وحقوقيين تخوفها من تحول الفرنسيين في مخيمات سوريا إلى قنابل موقوتة، لذا يتعين إعادتهم إلى فرنسا وتأهيلهم نفسياً وتربوياً واجتماعياً.
وهكذا تواجه فرنسا ضغوطاً من طرف منظماتها المدنية والعائلات المتضررة من احتجاز أبنائها في مخيمات داعش. وتشير بعض الإحصائيات إلى وجود أكثر من 500 قاصر فرنسي في مخيمات داعش، ونصفهم دون الخامسة. وحذر الطبيب النفسي بوريس سيرالنيك، (Télébos ، 15 سبتمبر 2017) من خطورة ترك هؤلاء القاصرين في بيئة متطرفة، بحيث سيتحولون مستقبلاً إلى أفراد ميالين إلى العنف الفائق وطالب المحاميان وليام بورون وفانسان بونغارث، الحكومة الفرنسية بإعادة طفلة محتجزة في مخيم في سوريا لأن وضعها الصحي مقلق، وأشارا إلى أن "الرسائل الموجهة إلى وزارة الخارجية مازالت من دون رد حتى اليوم، (موقع أر تي، 26 أغسطس 2022)". كما دعت مارني دوزيه وهي محامية عائلات لا تزال في المخيمات، السلطات الفرنسية إلى السماح لمجموعة من الأمهات وأطفالهن بالعودة في الصيف الفارط، وقالت "إن هؤلاء الأطفال أمضوا ثلاث أو أربع أو خمس سنوات في سجون مكشوفة يتنفسون فيها رائحة النفط، ولم يحصلوا على رعاية مناسبة وكثير منهم يعانون فشلاً في الجهاز التنفسي". وأضافت: "كلما كان موعد عودة الأطفال إلى فرنسا متأخراً ازدادت صعوبة رعايتهم الطبية والنفسية"(موقع أر تي، 26 أغسطس 2022).
لقد هاجمت المنظمات الحقوقية الحكومة الفرنسية لأنها قامت فقط باستعادة 35 طفلاً دون أمهاتهم، حيث تمسكت الحكومة برفض عودة نساء داعش. وتشير بعض الإحصائيات إلى وجود 80 فرنسية و200 طفل فرنسي في مخيم الهول، بينما توجد حوالي 100 فرنسية و200 طفل في مخيم روج.
وقد راجت في سنة 2021، رسالة منسوبة إلى فرنسيات جهاديات موجهة إلى الحكومة الفرنسية، يعلنَ فيها رغبتهن في التخلي عن الجنسية الفرنسية، ويرفضن كذلك العودة إلى فرنسا؛ وجاء في الرسالة: "إن الحياة في سوريا أفضل لأنهن يمارسن الشعائر الدينية بحرية لا توفرها قوانين بلدهن (سكاي نيوز عربية، 27 أغسطس 2021 )". إذا في نفس الوقت هناك تيار متمسك بعدم العودة، وتيار آخر يطالب بالعودة من مخيمات سوريا.
والحكومة الفرنسية وضعت عدة قوانين، منذ التحاق مواطنيها بتنظيم داعش، وهي الآن تحاول إعادة النظر في منظومتها القانونية في ظل تباين المواقف الأوروبية من إشكال عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب.
التشريع الفرنسي بخصوص المقاتلين الإرهابيين الأجانب
صادقت فرنسا على معاهدة مجلس أوروبا التي تهدف إلى معاقبة "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، والتي تم إقرارها في أكتوبر 2015، ودخلت حيز التنفيذ رسمياً في يوليو 2017؛ وهذه المعاهدة هي بروتوكول إضافي لمعاهدة مجلس أوروبا للوقاية من الإرهاب. وقد نصت المعاهدة على تجريم "المشاركة المتعمدة في مجموعة إرهابية" و"تلقي تدريب على الإرهاب" والانتقال إلى الخارج لممارسة الإرهاب وتمويله أو تنظيم أسفار لهذه الغاية. وصرح الأمين العام لمجلس أوروبا، في أكتوبر 2015: "للمرة الأولى في القانون الدولي، تتوفر لدينا أداة تجرم الاستعدادات الأولى لأعمال إرهابية"( موقع 24i، 10 أغسطس 2017).
وتعتمد الحكومة الفرنسية كذلك على تجريم المواطنين الفرنسيين المشاركين في أعمال إرهابية خارج فرنسا، من خلال المادة (113) (معدلة بموجب القانون رقم 209.15.03 بتاريخ 8 ديسمبر 2009، مادة 36)، بحيث يطبق قانون العقوبات الفرنسي على كل جناية يرتكبها فرنسي خارج أراضي الجمهورية، كما يطبق على الجنح المرتكبة من الفرنسيين خارج أراضي الجمهورية إذا كانت الوقائع يعاقب عليها تشريع الدولة التي ارتكبت فيها". واستناداً إلى هذا النص القانوني، تتمسك الحكومة الفرنسية بعدم عودة الرجال والنساء الذي يمكن محاكمتهم "حينما ارتكبوا جرائمهم"،(المركز الأوروبي لدراسة ومكافحة الإرهاب والاستخبارات، بتاريخ 22 أكتوبر 2021).
وسبق لوزير الخارجية جان إيف لودريان سنة 2019 بأن أعلن أن هناك مدارسة لإحداث "آلية قانونية" دولية لمحاكمة الإرهابيين الأجانب في داعش المعتقلين في المناطق الكردية في سوريا كما قال: "ندرس إمكانية إنشاء آلية قانونية محددة". وأضاف: "قد نستوحي هذه الآلية من أمثلة أخرى في النظام القضائي كما حصل بالنسبة لكوسوفو أو القارة الإفريقية"( موقع الرأي، 13 مايو 2019)؛ ولم يقم الوزير آنذاك بتقديم أي تفصيل في الموضوع.
ومنذ 2014 تمت صياغة قانون مكافحة الإرهاب، (موقع الجمعية الوطنية الفرنسية، 17ديسمبر 2015). الذي ينص على تجريم السفر إلى بؤر التوتر والصراع والمشاركة فيها؛ وبالتالي المنع الإداري من مغادرة التراب الفرنسي، وكذلك تجريم تمجيد الإرهاب، وتوسيع مفهوم الإرهاب ليشمل الأعمال الإرهابية المنعزلة ، وفق دراسة لوليد كاصد ، بعنوان الإسلاموية المتطرفة في أوروبا، دراسة حالة الجهاديين الفرنسيين في الشرق الأوسط، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، (لبنان، الطبعة الأولى، 2017)
لكن فرنسا ليس لها قوانين تمنع مواطنيها المشاركين في القتال في بؤر الصراع مثل سوريا، من العودة إلى أوطانهم لكنها تتمسك بالخوف من أن تشكل عودتهم تهديداً للأمن القوي الفرنسي؛ بينما المنظمات الحقوقية والإنسانية، ترى عكس ذلك، وتعتقد بأن عودتهم وخصوصاً الأطفال والقاصرين أضمن للأمن الفرنسي، لأنه يمكن متابعتهم نفسياً وتربوياً، وإعادة تأهيلهم.
وفي حين أن بعض الدول مثل بريطانيا، تواجه عقبات قانونية في التعامل مع العائدين من داعش؛ قالت شارون ويل إن فرنسا في وضع أفضل: "فهي تقاضي الناس، وتحكم عليهم بالسجن لمدد طويلة، لمجرد عضويتهم في تنظيمات محظورة، بدلاً من الاضطرار الى إثبات أن شخصاً ما شارك في عمل إجرامي محدد من جماعة إرهابية. وتسمح فرنسا بهذه الملاحقات القضائية دون أي قانون حقيقي للتقادم" ، (عين أوروبية على التطرف، 1 أكتوبر 2022).
لقد تعاملت الحكومة الفرنسية مع عودة الجهاديين وأسرهم، بالرفض والحذر ثم الانتقاء والأخذ بمبدأ كل حالة على حدة.
سياسة الحكومة تجاه عودة الداعشيين
جاء في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية: "أخذت الحكومة علماً بقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" مؤكدة أن "فرنسا لم تنتظر الحكم الصادر عن المحكمة لتتحرك" وأشارت إلى أنها على استعداد للقيام بإعادة المزيد من الأسر "كلما سمحت الظروف بذلك، (سكاي نيوز عربية، 22 سبتمبر 2022).
وبالرغم من رفض الحكومة الفرنسية للسماح بعودة مواطنيها من سوريا، فإنها عملت منذ سنوات على استقبال بعضهم، لكنها غيرت نهجها، وأعلنت مثلاً عن عودة بعض رعاياها في يوليو 2022، وذلك بفعل الضغط والانتقادات الصادرة من منظمات فرنسية، وكذلك بفعل ضغوطات دولية.
ويرى رئيس المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، "بأن ترك المواطنين الأوروبيين في المخيمات ينطوي على مخاطر أكبر من إعادتهم إلى الوطن لاسيما الأطفال والقصر منهم، لأنهم قد ينضمون إلى تنظيم داعش. وقد يصبحون الجيل القادم من المقاتلين الأجانب. ويعد الحل الأمثل لمعضلة عودة المقاتلين الأجانب هو السماح باستعادتهم، وأن يتاح للعائدين فرصة للتأهيل والاندماج من جديد بعد تحديد الدوافع وراء التحاقهم بالتنظيم ومدى مشاركتهم في العمليات القتالية في مناطق الصراعات، (سكاي نيوز عربية، 22 سبتمبر 2022).
ويبدو أن الحكومة الفرنسية على وعي بمختلف التحديات المرتبطة ببقاء مواطنيها في مخيمات سوريا، وخصوصاً النساء والأطفال. وبالرغم من مطالبة "الجهاديين" الفرنسيين الحكومة الفرنسية بالسماح لهم بالرجوع والخضوع للمحاكمة في فرنسا، إلا أن فرنسا تمسكت بمحاكمتهم في الأراضي التي ارتكبوا فيها جرائم في سوريا، وخصوصاً في العراق التي بينها وبين باريس اتفاقية تعاون قضائي وأمني. وقد حكمت الحكومة العراقية على تسعة جهاديين فرنسيين بالإعدام، واكتفت فرنسا بتذكير الحكومة العراقية برفضها لحكم الإعدام مع احترامها لسيادة العراق.
وانتقدت الدكتورة أنياس كالامار ، التي كانت آنذاك مقررة الأمم المتحدة، وعينت فيما بعد أمينة عامة لمنظمة العفو الدولية، الموقف الفرنسي، ووجهت رسالة إلى الحكومة الفرنسية في أغسطس 2019، معتبرة إياها بأنها قامت "باختراقات عدة للقانون الدولي"(موقع أوريان 21، 13 إبريل 2021)، وطالبت بتوضيح الدور الفرنسي في القيام بنقل "الجهاديين" الفرنسيين من سوريا إلى العراق للحكم عليهم بالإعدام.
وتمسك الرئيس الفرنسي منذ 2020، وبالرغم من الانتقادات، بمعالجة ملف عودة "الجهاديين"، بناءً على سياسة كل حالة على حدة. وبفضل الضغط الذي مارسته عائلات الجهاديين والجمعيات المدافعة عنهم، والمدعومة من حوالي 67 برلمانياً، فقد تمت استعادة تسعة أطفال من مخيمات الهول وروج في 13 يناير 2021(موقع أوريان 21، 13 إبريل 2021)؛ مع تنديد الجمعيات بسياسة الانتقاء هذه ورفض عودة الأمهات مع أبنائهن.
وحسب بعض الباحثين يخضع، "ملف عودة الجهاديين إلى تجاذبات سياسية دفعت السلطات الفرنسية إلى العزوف عن تنظيم عودة جماعية لـ130 جهادياً في يناير 2019، حيث أثار إعلان وزير الداخلية آنذاك كريستوف كاستنير عزم السلطات الفرنسية استعادة جهادييها حفيظة حزب الجمهوريين اليميني على لسان نائبته عن منطقة بوش ديوريون فاليري بويي، إذ عارضت الأخيرة هذا القرار ورافعت من أجل محاكمة الجهاديين في العراق أو سوريا، واصفة الجرائم التي ارتكبوها بجرائم حرب وجرائم إبادة. كما لوّح حزب التجمع الوطني (يميني متطرف) بسحب الجنسية الفرنسية من مزدوجي الجنسية من الجهاديين"، (موقع أوريان 21، 13 إبريل 2021).
وهناك تباين في مواقف الأحزاب السياسية الفرنسية حول عودة "الجهاديين"، فاليمين المتطرف متمسك بعدم استعادتهم، أما حزب "فرنسا الأبية" فهو يؤيد فكرة محاكمتهم خارج فرنسا. وقد طالب نائبان في مجلس الشيوخ الفرنسي، الحكومة الفرنسية بتمكين الأطفال وأمهاتهم من العودة، ووقع حوالي 70 نائباً على هذا الطلب، وتم اتهام السلطات الفرنسية "بالتضحية بهؤلاء الأطفال من أجل حسابات سياسية وانتخابية"، (المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 3 ديسمبر 2021).
وعموماً فإن الحكومة الفرنسية قامت بإعادة حوالي 39 قاصراً، و16 أماً، في يوليو 2022، وهي أكبر عملية بعد سقوط داعش في 2019، وصرح منسق الاستخبارات الفرنسية ومكافحة الإرهاب، لوران نونبر أنه لازال في معسكرات سوريا، حوالي 100 امرأة ونحو 250 طفلاً فرنسياً، (الجزيرة نت، 14 سبتمبر 2022).
إن تمسك فرنسا بمبدأ معالجة كل حالة على حدة بخصوص الجهاديين الفرنسيين، قد دفع عائلاتهم إلى اللجوء إلى القضاء. لذا فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد اعتبرت فرنسا، منتهكة للمادة 3.2 من البروتوكول الرابع لحقوق الإنسان، والتي تنص على أنه "لا يمكن حرمان أي شخص من حق الدخول إلى أراضي الدولة التي ينحدر منها"، (موقع بيان اليوم، 15 سبتمبر 2022). واتهمت كذلك لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة فرنسا بكونها "انتهكت حقوق الأطفال الفرنسيين المحتجزين في سوريا عبر عدم إعادتهم إلى وطنهم"( موقع بيان اليوم، 15 سبتمبر 2022).
وذهبت "بنديكت جانرود" عن منظمة "هيومن رايتس"، إلى كون قرار المحكمة الأوروبية يلزم فرنسا "بإعادة جميع الأطفال الفرنسيين وأمهاتهم المحتجزين هناك"، (موقع بيان اليوم، 15 سبتمبر 2022).
ويرى بعض الخبراء بأن المحكمة لم تكرس عبر هذا الحكم حقاً منهجياً في إعادة المواطنين لاسيما المرتبطين بالحركات الجهادية قائلة: "ترى المحكمة أن المواطنين الفرنسيين المحتجزين في مخيمات شرق سوريا لا يحق لهم المطالبة بمزايا حق عام في إعادتهم إلى البلاد، (موقع بيان اليوم، 15 سبتمبر 2022).
وفي ندوة افتراضية نظمها موقع "عين أوروبية على التطرف"، هناك من رأى بأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تبنت الحياد، استناداً إلى حجة أن فرنسا لا قدرة لها على إعادة مواطنيها إلى الوطن، "وبشأن مسألة ما إذا كانت الجنسية تعطي لهؤلاء الأشخاص الحق في دخول فرنسا تهربت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من التقرير في ذلك، وفعلت ذلك بطريقة غامضة عمداً لتجنب أن يكون لها تأثير مخيف في العمليات الإنسانية، أي أنه لو اتخذت المحكمة موقفاً أكثر حزماً، لكانت خلقت وضعاً تظهر فيه أن قدرة العمليات الإنسانية على إخراج الأطفال من المخيمات تعني القدرة على إعادتهم إلى الوطن، وبالتالي تفرض التزاماً بإعادة جميع المواطنين في المخيمات إلى أوطانهم، مما يوفر هيكلاً تحفيزياً للدول لعدم القيام بأي شيء على الإطلاق لتجنب مسؤولية هذا الالتزام الأكبر"،( موقع عين أوروبية على التطرف، 1 أكتوبر 2022).
لكن بالرغم من التأويل الذي يحاول أن يجد لفرنسا مخرجاً من هذه المعضلة القانونية والسياسية فإن فرنسا تجد نفسها محرجة بسبب الضغط المستمر من مؤسسات المجتمع المدني الفرنسي والأوروبي، وكذلك تباين مواقف الدول الأوروبية نفسها في طريقة معالجة هذا الإشكال.
خاتمة
إن النقاش العام في فرنسا خصوصاً حول عودة المواطنين الفرنسيين من داعش إلى وطنهم، ليس مرتبطاً بالتكييف القانوني أو الحقوقي، وإنما بوضع سياسي ملتهب وصراع بين الأحزاب ذات المرجعيات المتباينة، كما أن الاتجاه السائد للرأي العام الفرنسي يميل إلى مقاضاة الجهاديين الفرنسيين في العراق أو سوريا.
لكن في المقابل هناك نقاش إنساني وحقوقي يدعو إلى تبني سياسة خاصة مع الأطفال القاصرين وأمهاتهم، والنظر في المصلحة الفضلى للطفل. وهو المبدأ الذي تعمل به جل الدول الأوروبية عند إعادة الأطفال من المخيمات، وهذا الوضع يطرح إشكال "التعارض مع القاعدة القانونية المتمثلة في إبقاء الأطفال مع والديهم"، (موقع عين أوروبية على التطرف، 1 أكتوبر 2022).
وهناك تيار من السياسيين والحقوقيين والمثقفين يطالب السلطات الفرنسية بالتخلي عن سياسة المماطلة والتعامل مع كل حالة على حدة، واعتماد نهج شامل يقضي بتمكين جميع الفرنسيين في العراق وسوريا من العودة إلى وطنهم ومحاكمتهم في بلدهم.
وفرنسا مدعوة إلى تسريع العودة، تفادياً للضغط المتزايد من طرف المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، كما هي مطالبة بتسوية هذا الأمر، والعمل على مقاضاة الداعشيين الفرنسيين في ترابها، وتأهيل القاصرين، والعناية بالأطفال نفسياً وتربوياً واجتماعياً، تفادياً أن يتحولوا مستقبلاً إلى جيل جديد من المقاتلين الأجانب الإرهابيين؛ وإلحاق الضرر بمصالح فرنسا.
المراجع
وهيبة إبراهيم، جهاديو فرنسا أمام معضلة العودة، موقع أوريان 21، 13 إبريل 2021.
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين فرنسا وتطلب منها النظر في طلبات عائلات مقاتلي تنظيم الدولة بسوريا، الجزيرة نت، 14 سبتمبر 2022.
ملف "المقاتلون الأجانب ومعضلة استعادتهم – هل من تغير في مواقف دول أوروبا؟"، المركز الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 3 ديسمبر 2021.
"أطفال داعش" بمخيمات شمال سورية يواجهون خطر البقاء عالقين 30 عاماً"، موقع العربي الجديد، 23 مارس2022.
"دعوات لإجلاء أطفال عناصر داعش من المخيمات السورية"، موقع الشرق الأوسط، 26 مارس 2022.
فرنسا.. مطالبات حقوقية بإعادة عاجلة للفرنسيين من مخيمات سوريا"، موقع RT، 26 أغسطس 2022.
"رسالة داعشية" لفرنسا.. محاولة للتجنيد بأنامل نسائية"، سكاي نيوز عربية، 27 أغسطس 2021.
"فرنسا تصادق على معاهدة التصدي "للمقاتلين الإرهابيين الأجانب"، موقع 24i، 10 أغسطس 2017.
وحدة الدراسات والتقارير، "المقاتلون الأجانب في فرنسا الأسس القانونية والتشريعات، المركز الأوروبي لدراسة ومكافحة الإرهاب والاستخبارات، بتاريخ 22 أكتوبر 2021.
"باريس.. آلية قانونية لمحاكمة إرهابيي داعش الأجانب"، موقع الرأي، 13 مايو 2019.
نص قانون مكافحة الإرهاب" موقع الجمعية الوطنية الفرنسية، 17ديسمبر 2015
http://www.logifrance.guv.fr/affichetexte
فرنسا تناقش مشروع قانون مكافحة الإرهاب وتقر قرار منع سفر الجهاديين" موقع newsi24، 17 سبتمبر 2014.
وليد كاصد الزيدي، الإسلاموية المتطرفة في أوروبا، دراسة حالة الجهاديين الفرنسيين في الشرق الأوسط، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، (لبنان، الطبعة الأولى، 2017).
هل من طريق أمام أوروبا للتعامل مع ملف عودة المقاتلين وأسرهم"، موقع عين أوروبية على التطرف، 1 أكتوبر 2022.
فرنسا.. 1450 داعشياً ومحاكمات في خطة العودة" موقع سكاي نيوز عربية، 22 سبتمبر 2022.
"المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين فرنسا"، موقع بيان اليوم، 15 سبتمبر 2022
Plana Radenivic ; ¨Boris cyrulnik au JDD : ¨ne pas rapatrier les enfants de djihadistes est une menace pour notre sécurité¨, le journal du Dimanche, Le 15 janvier 2022.
Anne Songa, ¨Ne ratez pas : ¨Les enfants de Daech¨, Télébos, 19 septembre 2017.