يرى الباحث الأكاديمي ايال جيرتمان، أن بطولة كأس العالم لكرة القدم، لم تعد مكاناً لجلب المهارات الفنية للاعبين الأكثر موهبة وحسب، بل قد تكون أيضًا أفضل جهاز لقياس ما يجري في العمق من متغيرات مؤثرة على العالم ككل، وأوروبا بشكل خاص، منوهاً في تقريره الذي نشرته صحيفة يسرائيل هيوم في 20 نوفمبر 2022 ، إلى أن مؤسس كرة القدم جول ريميه، لم يكن يتوقع حتى في أحلامه، أن تتحول بطولة كرة القدم إلى حلبة مصارعة عالمية واختبارًا حقيقيًا لـ فحص ظاهرة الهجرة العالمية التي تغلغلت في المجتمعات الغربية.
قال التقرير إنه عام 1930 كان جميع المشاركين في الفرق الأوروبية من أصول محلية، إلا إن ذلك تغير في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فقد شهدت الجنسية الموحدة التي ميزت معظم الدول القومية تحولات جذرية، وكان لذلك تأثير شبه فوري على عالم كرة القدم، وبالتالي بدأت التساؤلات حول من يمثل الفريق المحلي، تظهر للعلن.
وتابع التقرير بالقول أن الفرق الوطنية، باتت تضم الآن عددًا من الأقليات العرقية من المهاجرين، بعد أن أصبحت أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، بوتقة ينصهر فيها اللاجئين الباحثين عن مكان آمن، وكانت كرة القدم، بمثابة تذكرة لدخولهم المجتمع الذي هاجروا إليه، من خلال الانضمام إلى الفرق الوطنية.
ضرب التقرير أمثلة على ذلك، بداية من بريطانيا التي بعد أن أنهت سيطرتها على المستعمرات البعيدة، كان عليها أن تتعامل مع تجنيس أعداد كبيرة من رعايا تلك البلاد، وعلى الرغم من أن كرة القدم الإنجليزية كانت سريعة في تبنيهم، إلا أن اللاعبين ذوي البشرة السوداء لم يكونوا جزءاً من المنتخب الإنجليزي الوطني، إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، ويعانون حتى يومنا هذا من بعض أشكال العنصرية.
أما في فرنسا، فقد استقبلت أيضاً، وفقاً للتقرير أعدادًا كبيرة من المهاجرين، وتم تسمية الفريق الوطني الفرنسي الذي فاز بكأس العالم 1998 بـ بلاك بلانك بور، أي أسود وأبيض وعربي، وكان ذلك انعكاسًا حقيقيًا للاندماج العرقي، ولكن بالمقابل برز سؤال من هو الفرنسي، حيث لا يزال الكثير من الفرنسيين، يرفضون اعتبار اللاعبين الذين سيمثلون المنتخب الفرنسي من أصول مهاجرة في قطر، فرنسيين حقيقيين، رغم أنه منتخب وطني ولد نجومه على الأراضي الفرنسية.
وهذا الحال ينطبق على الفريق الهولندي الذي يعاني من الانقسام العرقي، ويلفت التقرير إلى أن الفريق الألماني هو الأكثر تعقيداً، فقد بدأ الجيل القادم من المهاجرين الأتراك اللعب في المنتخب الوطني الألماني ، وتبع ذلك الجيل الأفريقي، مما أحدث تغييراً في تشكيلة المنتخب، والذي يضم أيضًا لاعبين من أصل بولندي، وعلى الرغم من أن المنتخب الوطني لا يزال يُعتبر فريقًا مشهورًا ومحبوبًا بين الألمان ، إلا أن العنصرية ومعاداة السامية بدأت في السنوات الأخيرة تطارد الدوري الألماني، ويزعم الكثيرون أن هذا مجرد مظهر من مظاهر قضية اجتماعية أوسع بكثير.
عمليتان أخريان يقول التقرير أنه كان لهما تأثير عميق على كرة القدم الأوروبية هما سقوط الستار الحديدي وحرب البلقان. حيث يشارك اللاعبون من أصول روسية وصربية وكرواتية وألبانية حاليًا في المنتخبات الوطنية الأوروبية.
ويشير كاتب التقرير إلى أن مسألة الجنسية تحتل حاليًا مكان الصدارة مع كأس العالم في قطر، لذلك من المهم أن نأخذ في الاعتبار المناخ السياسي الحالي الذي ستُلعب فيه المباريات: الحرب بين روسيا وأوكرانيا ، والاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت إيران وصعود الحكومات اليمينية في أوروبا.
وختم جيرتمان بالسؤال عما إذا كانت مباريات المونديال ستتحول إلى أرض خصبة لمختلف الأنشطة السياسية، في كل مرة يطلق الحكم صافرة المباراة وتبدأ المباراة، بالنسبة للعديد من القادة في أوروبا، تعتبر المنافسة منصة دعائية جيدة لإظهار تفوقهم على الدول الأخرى، ولكن بالمقابل خلال هذه البطولة ، قد نحصل على إجابة على السؤال الشائك حول ما إذا كان ، يقف الجميع وراء المنتخب الوطني داخل كل دولة في أوروبا عام 2022.