ناقش اجناسيو ماردونيس الخبير الاستراتيجي في الأمن البحري في الأمريكيتين، أبعاد انتقال مركز الثقل الجيوسياسي من المحيط الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ، ودور البحر في إبراز قوة الدول، من خلال رصد الاستثمارات الصينية البحرية في أمريكا الجنوبية.
انطلق ماردونيس في تقريره التحليلي الذي نشره موقع المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية RUSI، في 15 نوفمبر 2022، من رصد التأثيرات الجيوسياسية على المستويات المحلية والوطنية، لـ ميناء تشانكاي العملاق في البيرو، والذي تقوم ببنائه شركة كوسكو الصينية للملاحة البحرية ، حيث يضم 11 مرسى قادرًا على استقبال سفن أكبر سعة من باناماكس.
وهذا ما قد ينعكس على الموانئ التشيلية الهامة مثل سان أنطونيو وميناء ميغيلونس، إضافة إلى قربه من محور الأمازون متعدد الوسائط للممر الشمالي الشرقي المحيطي الذي ينضم إلى البرازيل مع بيرو لن يجعل من دولة الأنديز مركز توزيع في المحيط الهادئ فحسب، بل يربطها أيضًا بساحل المحيط الأطلسي الأمريكي.
ومن هنا يحذر الخبير التشيلي في الأمن البحري من استضافة العديد من دول أمريكا اللاتينية، مثل الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وتشيلي وكوستاريكا والإكوادور والمكسيك ونيكاراغوا وبيرو وفنزويلا، لمشاريع طورتها وتسيطر عليها الشركات الصينية، وأنه بالنظر لطموح الصين في أن تصبح قوة عالمية من خلال مبادرات مثل الحزام والطريق، فإن اهتمامها بقطاعات معينة تعد استراتيجية للاقتصادات المحلية، يدق ناقوس الخطر بشأن نواياها الحقيقية.
وتابع يقول: تشير استثمارات الشركات الصينية سواء كانت خاصة أم عامة، إلى اهتمام واضح بمشاريع البنية التحتية المتعلقة بتحسين قدرة أمريكا اللاتينية على تصدير التعدين والمواد الخام الزراعية، ومنذ عام 2015، دخلت استثمارات جديدة حيز اهتمامها في قطاعي الطاقة والاتصالات، بما في ذلك شبكات 5G والكابلات البحرية، كما تم الحديث عن إنشاء قناة بين المحيطات عبر نيكاراغوا من شأنها تخفيف الازدحام في قناة بنما.
وأشار ماردونيس، إلى أهمية موقع ميناء بيرو الجديد وقدرته التنافسية، حيث أنه لا يقدم فقط مزايا لوجستية، بل هو أيضاً يلبي الشروط الأمنية للبضائع والشاحنات التي فُقدت سابقًا في ميناء كالاو أحد أهم الموانئ في البلاد والذي يقع غرب العاصمة ليما، مضيفاً أن ميناء تشانكاي حاليا في مرحلته الأولى من البناء ، ويخطط لتشغيل أول رصيف شحن عام في الربع الأول من العام المقبل، و الأرصفة الثلاثة المتبقية، ستكون قادرة على استقبال أحدث سفن الحاويات بطول 400 متر في الربع الأول من عام 2024 ، مع مهمة نقل مليون حاوية مكافئة و ستة ملايين طن من البضائع السائبة. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة هذه المرحلة الأولى 1.3 مليار دولار.
في معرض حديثه عن شركة كوسكو الصينية للملاحة البحرية، لفت ماردونيس، إلى أنها تعتبر المالك الأكبر لمجمع ميناء تشانكاي ، وهي أول مشغل أعمال متكامل في العالم، تمتلك 12.2% من سوق الحاويات،وهي أكبر مشغل للموانئ العالمية ، بحصة أكبر بنسبة 20% من أكبر ثلاثة مشغلين آخرين، وكانت قد أشارت إلى أنه بمجرد الانتهاء من أعمال بناء الميناء ، فإنها ستعمل فقط في بيرو، مما يخلق تكلفة أعلى للتجارة الخارجية للبلدان الأخرى في المنطقة ويؤثر بالتالي على المنافسين الإقليميين مثل تشيلي، التي يعتبرها ماردونيس، إحدى الطرق للتقليل أو إبطال جزء من حركة النقل البحري القادمة من الصين إلى تشانكاي، من خلال الاستثمار في تطوير الموانئ التنافسية.
ولكن مع ذلك يعترف ماردونيس، بصعوبة المنافسة عند حديثه عن مشروع الميناء الخارجي المخطط له في ميناء سان أنطونيو التشيلي، والذي إذا نجح في اجتياز جميع مراحل التصميم، فإنه لن يدخل حيز التشغيل إلا في عام 2032 ، عندما يكون ميناء تشانكاي قد دخل بالفعل بكامل طاقته من خلال 15 واجهة لرسو السفن ومجمع صناعي ولوجستي يغطي 877 هكتارًا.
وختم تقريره يقول: في عالم انتقل فيه مركز الثقل الجيوسياسي من المحيط الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ، يعد البحر عنصرًا مهمًا في إبراز قوة الدول، ويبدو أن بيرو قد فهمت ذلك من خلال بناء ميناء تشانكاي العملاق، مما أدى إلى إزاحة اللاعبين البحريين الرئيسيين الآخرين في المنطقة.