حقق حزب الكومينتانغ في تايوان فوزا كبيرا في الانتخابات المحلية التي جرت في 26 نوفمبر 2022، حيث اختار الناخبون رؤساء الحكومات والمشرعين على ثلاثة مستويات محلية من الحكومة. أظهرت النتائج أن حزب الكومينتانغ فاز بأربع من البلديات الرئيسية الست - تايبيه ومدينة تايبيه الجديدة وتايوان في الشمال وتايتشونغ في وسط تايوان.
تمثل هذه النتائج خيبة أمل للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، الذي لم ينجح سوى في الحفاظ على خمس بلديات ومدن ومقاطعات فقط من أصل 22 في البلاد. على خلفية أداء حزبها الضعيف في الانتخابات، استقالت رئيسة تايوان تساي إنغ وين من رئاسة الحزب الحاكم، معترفة بأن الحزب فشل في إلهام الناخبين ويحتاج إلى "مراجعة شاملة".
يعيد عدد من الخبراء هزيمة الحزب الحاكم إلى خطئه في قراءة الناخبين ومواضع تركيزهم في هذه الانتخابات. إذ كان أغلب الناخبين، كما تعكس النتائج، مهتمين بقضايا محلية أكثر من النزاع مع الصين الذي ركزت عليه قيادات الحزب. وبحسب الخبراء، كانت الطريقة التي تعامل بها الحزب الحاكم مع جائحة كوفيد 19، أحد أهم العوامل التي أدت إلى الخسائر التي تكبدها.
في السياق، يقول وانغ كونغ يي رئيس جمعية تايوان الدولية للدراسات الاستراتيجية، ومقرها تايبيه، إن النتائج تشير إلى أن الناخبين يعاقبون إدارة تساي. ويوضح بأن الكثيرين من الناخبين غير راضين عن بعض سياسات الحزب الديمقراطي التقدمي وأن الناخبين مستاؤون من سوء تعامل حكومة تساي مع جائحة كوفيد-19، على الرغم من أن تايوان كانت في البداية موضع إشادة دولية لإدارتها للمرض"، كما أن اعدادا كبيرة من الناس في تايوان ترى أن الفشل في تأمين إمدادات كافية من اللقاح، كان سببا رئيسيا في وفيات كوفيد في الجزيرة، وفقا لوانغ، (ساوث تشاينا مورننغ، 26 نوفمبر 2022).
من جهة أخرى، انتقد البعض ربط انتخابات محلية بقضايا وجودية ومخاطر دولية، مثل ييه ليه وانغ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تايوان الوطنية، الذي يرى أن المجتمع الدولي والحزب الحاكم قد "بالغوا في تقدير مستوى المخاطر أكثر مما ينبغي، إذ رفعوا الانتخابات المحلية إلى مستوى دولي، وربطوها ببقاء تايوان"، (الغارديان، 26 نوفمبر 2022).
نعتقد أن لدى البعض مبرارات كافية لفهم الانتخابات المحلية من منظور النزاع الأكبر بين الصين وتايوان، وأن نتيجة الانتخابات المحلية تحمل توابع أوسع نطاقا، مثل زيادة شعبية حزب الكومينتانغ، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الصين، والتي انعكست في التصريحات الرسمية الصادرة عن بكين عقب إعلان نتائج الانتخابات التي رحبت بها، قائلة إنها "كشفت أن الرأي العام السائد في الجزيرة يدعم السلام والاستقرار والحياة الجيدة"، (نيكاي، 27 نوفمبر 2022).
وعلى الرغم من الانتصارات التي حققها حزب الكومينتانغ في الانتخابات المحلية الأخيرة، حذر محللون من قراءة النتائج على أنها تحول أوسع في الرأي العامة يمكن أن يدفع الحزب الديمقراطي التقدمي، الذي تعتبره الصين العقبة الرئيسية أمام الوحدة، خارج السلطة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يناير 2024.
وبحسب ناثان باتو، الزميل الباحث في أكاديمية سينيكا في تايبيه: "ستمنح نتائج الانتخابات حزب الكومينتانغ الكثير من الثقة، ولكن إذا كانوا يعتقدون أن هذا يعني أن مواقفهم (تجاه الصين) الآن أكثر شعبية لدى الناخبين، فمن المحتمل أن يكونوا مخطئين. تشير جميع بيانات استطلاعات الرأي التي لدينا إلى أن حزب الكومينتانغ أقل شعبية بكثير من الحزب الديمقراطي التقدمي، وأن مواقفهم تجاه الصين أقل شعبية بكثير من الحزب الديمقراطي التقدمي. لديهم فقط سياسيون محليون أكثر شعبية في مناصبهم في الوقت الحالي"، (فايننشال تايمز، 27 نوفمبر 2022).
استنادا إلى المعطيات السابق تناولها، نرى في تقديراتنا أن نتيجة الانتخابات المحلية الأخيرة في تايوان تفرض سيناريوهان، فيما يتعلق بتداعياتها المحتملة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في البلاد في عام 2024، هما:
الأول، وقوف مسيرة انتصارات حزب الكومينتانغ المعارض عند مستوى الانتخابات المحلية، حيث تتفوق الشؤون الداخلية في أهميتها على الشؤون الخارجية.
الثاني، استمرار الحزب المعارض في حشد زخم الناخبين حوله، وتمكنه من تحقيق مكاسب في انتخابات عام 2024. تحقيق هذا السيناريو يمثل مهمة صعبة أمام الحزب، نظرا لاختلاف أغلب الناخبين مع موقفهم تجاه الصين. غير أن المزيد من الناخبين قد يتوجهون نحو الحزب أكثر في حال:
1/ تفاقم التداعيات الاقتصادية للنزاع مع بكين الذي يقوده الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم.
2/ عمل حزب الكومينتانغ على تهميش الأصوات الداعمة للتوحيد مع الصين، والاعتماد على المرشحين الذين يقدمون الحزب على أنه أكثر قدرة في تخفيض التوترات مع بكين، وليس تابعا لها.