تظل التقارير حول التطورات على الأرض في أوكرانيا تتوالى
بشكل مستمر، خاصة منذ بدء كييف هجومها المضاد خلال الأيام الماضية. يهدف الهجوم،
الذي لايزال في مراحله الأولية، إلى استعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا في
جنوب البلاد. ويقدر أن تستمر هذه العملية لأسابيع، أو حتى أشهر قادمة، وفق ما ذكره
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، 12 يونيو 2023، خلال مؤتمر صحافي في قصر الإليزيه
إلى جانب المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس البولندي أندريه دودا.
في خضم المعارك الضارية، تتسارع وتيرة التغيرات على الأرض،
فبعد تحقيق الجيش الأوكراني مكاسب في المرحلة الافتتاحية من الهجوم، وردت تقارير
حول هجمات مكثفة قامت بها القوات الروسية في 13 يونيو 2023، في منطقة أعلنت
أوكرانيا في وقت سابق أنها استعادت فيها عدة قرى. قال متحدث باسم الجيش الأوكراني
إن الروس هاجموا بوابل من الطيران والمدفعية، مضيفا أن إحدى القرى في مركز القتال،
ماكاريفكا، تحولت إلى أنقاض.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 13 يونيو 2023، في
مقابلة مع مراسلين حربيين ومدونين عسكريين، أن الجيش الأوكراني تكبد خسائر فادحة
مقارنة بالجيش الروسي جراء المعارك الجارية. واعترف بوتين بأن الهجمات عبر الحدود
من أوكرانيا كانت مدمرة، مشيرا إلى أن روسيا قد تضطر إلى إقامة "منطقة
آمنة" على الجانب الأوكراني من الحدود لمنع مدفعياتها من الوصول إلى روسيا.
وقال بوتين أن بلاده منفتحة على محادثات سلام بشأن أوكرانيا، مشددا أن السبيل
الوحيد لوقف الصراع هو أن توقف الدول الغربية إمداداتها من الأسلحة إلى كييف،
مجددا اتهامه للغرب بالسعي لإلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا، وقال إن موسكو
لديها "خطة سلام" خاصة بها لهذا البلد.
قابل ذلك، حديث الرئيس الفرنسي عن تكثيف الدعم العسكري من
شحنات الأسلحة والذخائر المقدمة لأوكرانيا، وأنه يأمل بأن يكون الهجوم العسكري
الأوكراني المضاد ضد القوات الروسية ناجحا قدر الإمكان وأن يؤدي إلى محادثات. وأشاد
ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أثناء لقاء له بالرئيس بايدن في
البيت الأبيض بهجوم أوكرانيا المضاد، قائلا: "كلما زادت قدرة الأوكرانيين على
تحرير أراضيهم، كلما كانت لهم يد أقوى على طاولة المفاوضات".
ويتساءل الأستاذ المشارك للعلوم السياسية في جامعة بيردو
الأمريكية كايل هاينز، في مقال بمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، 13
فبراير 2023: "ماذا لو تبين أن النصر الكامل غير قابل للتحقق عسكريا؟" ويوضح:
إن تجنب المفاوضات، يوحي بأنه إذا ما تمت، فإنها على الأرجح ستكون محدودة النطاق
من أجل تفادي "مكافأة العدوان الروسي". يجادل هاينز أنه بدلا عن مفاوضات
ضيقة، سيكون على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتبنوا أوسع نهج ممكن في أي محادثات
مع روسيا. يؤدي ذلك في رأيه إلى زيادة الضغط الغربي قصير المدى على موسكو، ما يمكن
أن يقود إلى تسهيل السلام في حال قام طرف آخر، غير أوكرانيا، بمنح بوتين
"فوزا" يحفظ له ماء الوجه في الداخل.
مواقف وتصريحات الجانبين، الغربي والروسي، تعكس أن المرحلة
الحالية من الحرب في أوكرانيا تحمل أهمية محورية لمصير الأزمة. يشير تزامن المعارك
الضارية مع الحديث عن ارتباطها بأي مفاوضات في المستقبل، إلى أن المرحلة الحالية
من المعارك على الأرض، قد تكون الدفعة الأخيرة من طرفي الصراع لضمان مواقف أكثر
قوة على طاولة المفاوضات. في تقديرنا، يبدو أن الانخراط في مفاوضات لحل الأزمة غير
مرجح في المستقبل المنظور، إلا أن الإشارات من كلا الجانبين توحي باقتراب مرحلة
تقبل طرفي النزاع وصول الوسائل العسكرية إلى طريق مسدود.