التطبيع التركي السوري

تقديرات

التطبيع التركي السوري

02-Jan-2023

في 31 ديسمبر 2022 تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن إجرائه اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف حول تفاصيل اجتماع منتظر على مستوى وزراء الخارجية مع الجانب السوري. إذ من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا في النصف الثاني من يناير الجاري، في الجولة الثانية من المحادثات الرسمية بين أنقرة ودمشق بوساطة روسية. انعقدت الجولة الأولى في موسكو، حيث اجتمع وزراء دفاع تركيا وسوريا وروسيا، إلى جانب رؤساء استخباراتهم. اجتماع وصفته وكالة أسوشيتدبرس بـ “محادثات غير معلنة سابقا" في 28 ديسمبر 2022.

يأتي هذا التقارب التركي السوري بعد تهديدات تركية متتالية بشن عملية عسكرية برية في سوريا، في أعقاب انفجار وقع في وسط اسطنبول أسفر عن مقتل ستة أشخاص، في نوفمبر 2022، حيث شنت أنقرة عدة غارات جوية ضد قواعد الجماعات المسلحة الكردية في شمال سوريا والعراق، قالت إنها تستخدم لارتكاب هجمات إرهابية على الأراضي التركية. وعلى الرغم من الرفض الدولي، أبقت أنقرة خيار هجوم بري جديد مفتوحا لإنشاء "خط أمني" قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه سيحمي حدود تركيا و"يضمن في نهاية المطاف السلامة الإقليمية لسوريا والعراق".

في مؤتمر صحفي، 29 ديسمبر 2022، رد أوغلو على سؤال حول توغل بري تركي محتمل في سوريا، قائلا إنه في حالة وجود تهديد، فإن حملة عسكرية برية أو جوية "لا تزال على جدول الأعمال" بالتوازي مع عملية التقارب مع النظام السوري. في رأينا، يعكس ذلك التعليق منح أنقرة الأولوية في الفترة الحالية لعملية التقارب مع دمشق على حساب أي عملية عسكرية في العمق السوري. ويرى الصحفي والمحلل السياسي مراد يتكين أن خيار الهجوم البري التركي تم تعليقه، على الأقل في الوقت الحالي، مضيفا "مع ذلك، إذا شن حزب العمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب هجوم جديد، فسيعود (خيار التوغل البري) إلى الطاولة"، وفق ما تقرير له على منصة (Yetkin Report)، 28 ديسمبر 2022.

نتوقع أن يكون لملف الأكراد الدور الأكبر في عملية التقارب السوري التركي، نظرا لأهميته البالغة بالنسبة لكل من دمشق وأنقرة من جهة، وتشارك الطرفين وجهات النظر حول التهديد الذي تمثله النزعات الانفصالية الكردية من جهة أخرى. ينعكس ذلك بوضوح في تصريحات أوغلو بخصوص حزب العمال الكردستاني، وما تعتبره أنقرة فرعه السوري، المتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية، إذ قال: "يشكل حزب العمال الكردستاني- وحدات حماية الشعب - تهديدا لنا (أنقرة)، لكنهم يشكلون تهديدا أكبر لدمشق بسبب أجندتهم الانفصالية". وتابع: "النظام السوري يتفهم هذا التهديد جيدا، لكننا لم يكن لدينا أي تعاون ملموس في مكافحته بسبب صراعاته معنا".

من جهة أخرى، يشكل ملف اللاجئين السوريين أهمية خاصة بالنسبة لأردوغان، نظرا لتدهور الحالة الاقتصادية في تركيا. تستضيف تركيا ما لا يقل عن 3.7 ملايين لاجئ سوري، وهو أكبر عدد من اللاجئين في العالم. وقد أصبح وجودهم نقطة ضعف لحكومته، مع التغير في المشاعر العامة ضدهم في ظل تصاعد المشاكل الاقتصادية والبطالة في تركيا. في رأينا، يسعى أردوغان إلى التوصل إلى آلية لإعادة اللاجئين إلى سوريا قبل الانتخابات القادمة، ما سيدعم موقفه أمام الناخبين من خلال منحه إنجازا داخليا يمكنه الارتكاز عليه.

لقد أبدت واشنطن معارضتها للتقارب السوري التركي على لسان متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أدلى بتصريحات لمنصة كردستان 24، ندد فيها بالمصالحة من قبل أي طرف مع دمشق، قائلا: "سياستنا لم تتغير... نحن لا ندعم الدول التي ترفع مستوى علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة تأهيل الدكتاتور بشار الأسد"، (Kurdistan24، 30 ديسمبر 2022). ونرى أن الاعتراض الأميركي على التقارب بين أنقرة ودمشق يعود في أغلبه إلى عاملين:

الأول، يتمثل في أرجحية أن يكون إحدى نتائج التقارب المحتملة هو إطلاق موسكو ودمشق يد أنقرة في عملياتها العسكرية ضد الأكراد في سوريا، الحليف الأول لواشنطن على الأرض في مواجهة داعش.

الثاني، نجاح جهود الوساطة الروسية بين تركيا وسوريا ستأتي بنتائج تتعارض بالكامل مع الجهود الغربية، بقيادة واشنطن، لإضعاف مكانة موسكو دوليا، إذ سيترتب على ذلك إبراز فعالية النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من العقوبات المفروضة على موسكو منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

دمشق من جهتها، ستستفيد من التطبيع مع أنقرة من عدة أوجه، منها إعادة تأهيل النظام السوري على الساحة الدولية، ومواجهة الأكراد المدعومين من قبل الولايات المتحدة وكبح نزعاتهم الانفصالية. غير أن النظام السوري في رأينا، لا يزال حذرا من منح تركيا، وبالخصوص أردوغان، أي تنازلات قبل أن تبدو له جدية أنقرة في تغيير نهجها نحو دمشق، بما يؤكد لها أن التوجه نحو التقارب ليس مجرد محاولة من أردوغان لتحصيل إنجازات داخلية تخدمه في حملته الانتخابية القادمة. 

40