تركيا وبريكس: تحليل الدوافع والاحتمالات

تقديرات

تركيا وبريكس: تحليل الدوافع والاحتمالات

25-Jun-2024

كانت الزيارات التي قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى الصين في الفترة من 3 إلى 5 يونيو الجاري، وإلى روسيا في يومي 10 و11 يونيو، سبباً في إعادة إشعال المناقشات حول إمكانية انضمام تركيا إلى مجموعة "بريكس". 

وقد صرح "فيدان" لوكالة "شينخوا"، بأن تركيا ترغب في أن تصبح عضواً في المجموعة، وأنها تراقب تطوراتها. ورحبت موسكو بذلك، فقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن روسيا ترحب باهتمام تركيا بالانضمام إلى بريكس، وسيكون موضوع عضويتها على جدول أعمال القمة المقبلة، ولكن من غير المرجح تلبية توقعات جميع الدول المهتمة (Xinhua: 4 June). كما رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه وزير الخارجية التركي بانضمام أنقرة إلى المجموعة، وتعهد بتقديم الدعم الكامل لتطلعات تركيا في الاتحاد الأوروبي. 

ولكن حلفاء تركيا في الغرب لديهم أصوات مختلفة حول هذا الموضوع، حيث أعرب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا جيف فليك، في لقاء مع صحيفة المونيتور، عن أمله في ألا تنضم تركيا إلى بريكس، لكنه أشار إلى أن ذلك لن يغير تحالفها مع الغرب. كما أن الاتحاد الأوروبي لديه تحفظات أيضاً بشأن سعي أنقرة للحصول على تعامل أكثر استقلالية في تحديد إستراتيجيتها من خلال بريكس، حيث تراه اتجاهاً محتملاً، ولكنه متناقض مع سياستها الخارجية في سياق علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي (Al-Monitor: 11 June 2024).

لقد أثار اهتمام أنقرة المتزايد بـ"بريكس" تساؤلات حول ما إذا كانت تنجرف أكثر بعيداً عن الغرب، حيث تزامن ذلك مع إعلان بوتين حضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي ستعقد في كازاخستان، في الفترة من 3 إلى 4 يوليو المقبل. وكان أردوغان قد أعرب في عدة لقاءات إعلامية عن رغبة بلاده في الانضمام إلى الناديين اللذين تقودهما الصين.

كما أنه في المشهد الديناميكي للسياسة العالمية، يمثل طلب تركيا للانضمام إلى بريكس خطوة إستراتيجية متوازنة، لإعادة تشكيل مستقبلها، وتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها لتحسين سياستها الخارجية. ورغم أن تركيا تبدو مستعدة للانضمام إلى المجموعة، فإن العديد من الشكوك لا تزال قائمة، بما في ذلك مدى الدعم الروسي والصيني لأنقرة، والمناقشات الداخلية حول العضوية وردود الفعل من حلفاء تركيا الغربيين. وبينما تؤيد روسيا عضوية تركيا، تعرب الولايات المتحدة وحلفاء آخرون عن مخاوفهم بشأن التحول المحتمل لأنقرة في السياسة الخارجية. 

ولكن لماذا تريد تركيا الانضمام إلى بريكس في الوقت الذي ترغب فيه أن توطد تحالفها مع الغرب؟ في الواقع ينبع هذا الاهتمام التركي بالمجموعة من ضرورات إستراتيجية متعددة تتوافق مع أهدافها الأوسع، بما في ذلك التنويع الاقتصادي والنفوذ الجيوسياسي والمواءمة الإستراتيجية. وتعكس هذه الأهداف رغبة تركيا في تعزيز دورها على الساحة العالمية وتأمين شراكات أكثر تنوعاً في المجالين الاقتصادي والسياسي.

في رأي مراد يشيلتاش، أستاذ السياسة الدولية في قسم العلاقات الدولية بجامعة العلوم الاجتماعية في أنقرة، يتمثل أحد الدوافع الأساسية لمحاولة تركيا الانضمام إلى مجموعة بريكس في التنويع الاقتصادي. فتقليدياً، حافظت تركيا على علاقات اقتصادية قوية مع الاقتصادات الغربية، ومع ذلك، فإن التقلبات الاقتصادية والتوترات السياسية والنزاعات التجارية كشفت أخطار الاعتماد المفرط على هذه العلاقات. كما تهدف تركيا، من خلال عضويتها، إلى توسيع نطاق تفاعلاتها الاقتصادية الإقليمية والعالمية، والوصول إلى أسواق جديدة وتعزيز العلاقات التجارية مع الاقتصادات الناشئة الكبرى. ومن الممكن، حسب حديث يشيلتاش مع جريدة ديلي صباح التركية، أن تؤدي هذه الإستراتيجية إلى تحفيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي، وبالتالي التخفيف من تعرض تركيا للتقلبات الاقتصادية الناجمة عن التأثيرات الغربية. بالإضافة إلى توفير منصة أكثر بروزاً لتركيا تؤثر بها في المشهدين الاقتصادي والسياسي العالميين، مما يعزز نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب (Daily Sabah: 14 June 2024). 

يرى الخبراء الأتراك أن بلادهم ستعزز بريكس رغم أن المجموعة تعد مكتفية ذاتياً، فهي تتكون بالكامل من اقتصادات الدول النامية، وتضم أقوى الاقتصادات الواعدة مثل الصين والهند وروسيا، حيث تبلغ الطاقة الإنتاجية للصين -حسب آخر تقديرات بوابة المجموعة الإلكترونية- 33% من إجمالي الإنتاج العالمي، ويعيش 41.1% من سكان العالم في دول بريكس. وتغطي الدول الأعضاء في المنظمة 26.7% من مساحة اليابسة في العالم، و40% من احتياطيات الفحم في العالم، و25% من موارد الغاز الطبيعي، و41% من إنتاج النفط العالمي موجودة في دول بريكس. كما أن جزءاً كبيراً من المواد الخام المستخدمة في التقنيات الجديدة موجود لدى الأعضاء. كل هذا يعني أن المجموعة تتمتع بالاكتفاء الذاتي من حيث الطاقة والمواد الخام الأخرى.

ومستقبلياً يتوقع الباحث الاقتصادي التركي سرحات لطيف أوغلو أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي سيتضاعف خلال العقود الخمسة المقبلة، وسيشكل اقتصاد الصين وحده 20% من الاقتصاد العالمي، وستحتل الهند المركز الثاني. وستهبط الولايات المتحدة إلى المركز الثالث، وستنخفض حصة الاتحاد الأوروبي في الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 17% إلى 9%. وسوف تنمو الاقتصادات الناشئة السبعة الكبرى، والمعروفة باسم E7 (تركيا والصين وروسيا وإندونيسيا والبرازيل والهند والمكسيك)، بمعدل ضعف معدل اقتصادات مجموعة السبع الغربية. ووفقاً لتوقعات تقرير مؤسسة "برايس ووترهاوس كوبرز" للعالم 2050، ستكون ست دول من مجموعة السبعة الكبار من بين الاقتصادات العشرة الأوائل آنذاك، وأن تركيا إحداها، كما أن التوقعات الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي وبعض البنوك الاستثمارية تضع تركيا ضمن أفضل 10 اقتصادات بحلول عام 2050 (United World: 14 June 2024). وبالتالي إذا صدقت هذه التوقعات، فإن انضمام تركيا إلى المجموعة سيكون خطوة تاريخية، وسوف تستفيد كل من تركيا ودول المجموعة بشكل كبير من ذلك. 

تعد بريكس مناورة دولية تكميلية تتوافق مع هدف تركيا المتمثل في تعزيز نظام دولي أكثر استقراراً وشمولاً. بالإضافة إلى ذلك، تشمل أهداف السياسة الخارجية الأوسع لأنقرة تعزيز دورها ونفوذها داخل مختلف المنظمات متعددة الأطراف. وتدعم عضوية المجموعة هذا الهدف، من خلال دمج تركيا في تحالف يسعى لإصلاح الحوكمة العالمية. 

على أية حال، يمكن النظر إلى انضمام تركيا المحتمل إلى بريكس بأوجه متعددة. فمن الناحية الإستراتيجية قد ترى روسيا والصين أن ضمها خطوة يمكن أن تعزز النفوذ العالمي للمجموعة، وتفيد اقتصادياً أيضاً في تعزيز فرص التجارة والاستثمار ضمن إطارها. وسياسياً تشترك روسيا والصين وتركيا في علاقات معقدة تتميز بالتعاون والمنافسة. وبالطبع، قد يُنظر أيضاً إلى عضوية أنقرة كوسيلة لتعزيز اصطفاف سياسي بشأن قضايا دولية محددة.

وأخيراً، من الممكن أن تكون عضوية بريكس بمثابة ثقل إستراتيجي موازن لتحالفات تركيا التقليدية مع الغرب، مما يمكنها من ملاحقة سياسة خارجية أكثر استقلالية وحزماً. ومن شأن هذا النفوذ الجيوسياسي المعزز أن يزيد قوتها التفاوضية داخل المنظمات الدولية المختلفة، وبالتالي تعزيز مكانتها على المسرح العالمي. وسواء تحقق أملها في العضوية أم لا، فإن هذا السعي في حد ذاته يؤكد طموحاتها الإستراتيجية ويعكس المشهد المتطور لأجندة السياسة الخارجية لتركيا. 


24