أتت محاولة اغتيال دونالد ترامب خلال تجمع انتخابي في الهواء الطلق لتظهر التوترات السياسية المسيطرة على المجتمع الأميركي وسط استقطاب شديد. وحسب كريس لاسيفيتا العضو البارز في حملة المرشح الجمهوري عبر منصة اكس "منذ سنوات واليوم أيضا، يطلق ناشطون من اليسار ومانحون ديموقراطيون وحتى جو بايدن تصريحات وأوصافا عنيفة حول إطلاق النار على دونالد ترامب". كما اتهم النائب الجمهوري ستيف سكاليز الذي تعرض في 2017 لإطلاق نار كاد يودي بحياته، الديمقراطيين بتأجيج "خطاب ناري".
يرى مراقبون أن محاولة اغتيال ترامب، مؤشر على أن الديمقراطية الأمريكية وصلت إلى حالة صعبة. وتقريباً اتجهت كل وسائل الإعلام والمعلقين الأمريكيين، في تعليقاتهم على محاولة الاغتيال، إلى القول إن ما جرى يشكل تهديداً للديمقراطية الأمريكية.
ورغم تأكيد العديد من المسؤولين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري أن العنف لا مكان له في الولايات المتحدة، وأن ما جرى ليس له تأثير على الديمقراطية الأمريكية، إلا أن كثيراً من المحللين الأمريكيين يحذرون من أن السياق والأجواء المتوترة هذه، تضع الديمقراطية تحت السؤال المصيري: «إلى أين؟».
المراقبون يرون أن هذا الهجوم، الذي أثار صدمة في مختلف أنحاء العالم، يمكن أن يضفي اضطراباً على حملة الانتخابات الرئاسية في بلد يشهد استقطاباً شديداً. وقع الحادث، بينما كان الرئيس السابق يلقي خطاباً أمام حشد من مؤيديه في تجمّع انتخابي في ولاية بنسلفانيا، ما من شأنه أن يزيد حدّة التوتر السياسي، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
بعد ساعات من الهجوم، أكّد ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشال»، أنّ «الله وحده منع وقوع ما لا يمكن تصوّره». وقال «في هذه اللحظة، من المهم أكثر من أيّ وقت مضى، أن نقف متحدين، وأن نُظهر طبيعتنا الحقيقية كأمريكيين، ببقائنا أقوياء ومصمّمين وعدم السماح للشر بأن ينتصر»، مؤكداً أنّه سيحضر المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، الذي يبدأ غداً في ميلووكي في ولاية ويسكونسن.
منذ سنوات طويلة، يتهم المعسكر الديموقراطي دونالد ترامب بإشاعة جو سياسي لا يحتمل. وحذر الرئيس الديموقراطي جو بايدن مرات عدة من خطر حصول "فوضى". ولطالما أطلق المرشح الجمهوري تصريحات نارية يتعمّد فيها الاستفزاز. فخلال حملته الانتخابية الأولى للوصول إلى البيت الأبيض، أكثر ترامب من التصريحات المناهضة للمكسيكيين التي وصفهم بأنهم "مغتصبون"، واتُّهم بإذكاء كراهية عنيفة ضد المهاجرين.
لقد تعرض ترامب لانتقادات شديدة بعد تجمع لليمين المتطرف في شارلوتسفيل في العام 2017 قام خلاله مؤيد للنازيين الجدد بمهاجمة حشد في تظاهرة مضادة دهسا بسيارته. ترامب الذي كان رئيسا للبلاد ندد يومها بالعنف "من الجانبين"، الأمر الذي عرضه لاتهامات بالتساهل مع اليمين المتطرف. في وقت لاحق، أدت حركة الاحتجاجات التي أعقبت قتل جورج فلويد إلى انقسامات عميقة في البلاد بين مؤيدين لعناصر الشرطة وآخرين مؤيدين للسود.
وتركت مشاهد انصار ترامب في مبنى الكابيتول، عرين الديموقراطية الأميركية، في السادس من يناير 2021 وهم يرفعون أعلام ترامب والكونفدرالية مع كتابات على الجدران تدعو إلى قتل صحافيين، وصمة لا تمحى على ولايته الانتخابية. وقالت شخصيات عدة حمل عليها ترامب، من السناتور ميت رومني إلى المستشار الطبي السابق للبيت الأبيض خلال جائحة كوفيد أنتوني فاوتشي، إنها اضطرت إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية بعد تهديدات من جانب أنصار للمرشح الجمهوري.
البرلمانية سوزان كولينز قالت في العام 2022 "لن أفاجأ إن تعرض سناتور أو نائب للقتل". أتى ذلك قبل أسابيع قليلة على هجوم استهدف زوج النائبة الديموقراطية نانسي بيلوسي من جانب رجل مسلح بمطرقة كان يبحث عن رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة.
وكتبت هذه الأخيرة السبت عبر منصة اكس "كوني شخصا تعرضت عائلته لعنف سياسي، انا مخولة أكثر من غيري القول إن هذا العنف لا مكان له في مجتمعنا" مضيفة "اشكر الرب على سلامة الرئيس السابق ترامب".
وأعمال العنف التي تطال برلمانيين أميركيين ليست بجديدة. في يناير 2011، تعرضت الديموقراطية غابي غيفوردز لمحاولة اغتيال كادت تودي بها عندما أصيبت برصاص في الرأس عن مسافة قريبة خلال لقاء في توسون. إلا ان الكثير من الخبراء يجمعون على أن أعمال العنف هذه كثرت مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في يناير 2017، بغض النظر عن مسؤوليته فيها من عدمها.
اعتبرت جيل ستاين مرشّحة حزب الخضر للانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في نوفمبر، أنّ محاولة اغتيال الرئيس السابق دونالد ترامب السبت هي أحد أعراض نظام أميركي "مضطرب". وكانت ستاين، التي تخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة، تعقد مؤتمراً في ميلووكي قبل مؤتمر الجمهوريين الذي يُعقد من 15 إلى 18 يوليو، عندما أخبرها أحد مساعديها بما حدث في باتلر في بنسلفانيا، حيث كان دونالد ترامب يشارك في تجمّع انتخابي.
وإلى جانب التعبير عن اشمئزازها من الهجوم على منافسها السياسي، أشارت الطبيبة في حديثها إلى فرانس برس إلى الأزمة البنيوية التي تعصف بالولايات المتحدة، بحسب تعبيرها. وتفيد شرطة الكابيتول المكلفة حماية أعضاء الكونغرس أن التهديدات التي تطال هؤلاء أكثر من تضاعفت بعد تنصيب الملياردير الجمهوري. وخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة رصد الكثير من المراقبين ارتفاعا في التهديدات.