الوضع الإنساني
في السودان بعد الحرب مأساوي ومقلق للغاية، وملايين السكان باتوا بحاجة إلى
المساعدات الإنسانية العاجلة، فهذه الحرب المدمرة تسببت في نزوح ملايين الأشخاص
داخل البلاد وخارجها، وتدمير البنية التحتية والمرافق الصحية والتعليمية، وانتشار
الأمراض ،والمجاعة، والفيضانات.
مؤخرا نددت
مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإفريقية الدبلوماسية الغانية مارثا
أما أكيا بوبي أمام مجلس الأمن الدولي بتمدد النزاع في السودان إلى أجزاء أخرى من
البلاد ، وقالت إن السودان يواجه "كوارث إنسانية متفاقمة وأزمة حقوق إنسان
كارثية". أكيا ذكرت أن الأمم المتحدة لم تتمكن سوى من تقديم "مساعدات
حيوية" لـ 4,1 ملايين سوداني، أو "22% فقط من المحتاجين الذين حددتهم
المنظمات الإنسانية عام 2023".
قبلها ندد منسّق
الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث بـ “أعمال العنف الشديدة"
ضدّ المدنيين وقال غريفيث خلال "المنتدى الإنساني حول السودان" الذي
شارك فيه ممثلون للجيش والدعم السريع ويترأسه مكتب الأمم المتحدة للشئون
الإنسانية، إنه بعد ما يقرب من سبعة أشهر
على اندلاع الحرب "فإن نحو 25 مليون شخص في السودان يحتاجون الآن مساعدات
إنسانية".
هذا الوضع يتطلب
مراجعة داخلية بين الأطراف المتحاربة للآثار المدمرة لهذه الحرب، وضغطا من المجتمع
الدولي والدول الاقليمية التي يهمها استقرار الدولة السودان بما يعيد الاطمئنان
لشعبه ، فحتى الآن تبدو إرادة المجتمع الدولي لمعالجة القضايا الإنسانية والأمنية
في السودان غير كافية ، والاهتمام العالمي يظل حاسماً لمنع الصراع من التصاعد إلى
حرب إقليمية. ولذلك، فإن الضغط المستمر على المدى الطويل من قبل المجتمع الدولي
ودول الإقليم والمنظمات المعنية، هو أمر أساسي.
ففي هذه الحرب
تعمل الولاءات القبلية والعرقية والدينية على تغذية التجنيد والدعم لكلا الجانبين،
وهذا بدوره يهدد بإشعال صراع قبلي وعرقي أكثر عمومية وشراسة، خاصة في دارفور، وهذا
البعد ظل حاضرا في كل حروب السودان ومغذيا لها ، وهو يتأثر بالعوامل السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والدينية، ومرتبطا بإشكالات الإقصاء والتمييز والاستغلال والنهب،
والتهميش، والتمزيق والتقسيم.
لكن فوق ذلك كله،
يجب على المتحاربين احترام القانون الدولي الإنساني والالتزام بالمبادئ الأساسية
للحماية والمساعدة الإنسانية وعدم استهداف المدنيين أو المنشآت المدنية بشكل مباشر
أو غير مباشر، وتجنب الهجمات العشوائية أو التي قد تسبب خسائر مدنية زائدة عن
المنفعة العسكرية المتوقعة، ضرورة تمييز
بين المقاتلين والمدنيين وبين الأهداف العسكرية والمدنية.
كما يجب تقديم
الإغاثة الإنسانية بشكل محايد ومستقل وبدون تمييز، والسماح بوصول الجهات الإنسانية
إلى المناطق المتضررة وتسهيل عملها، فضلا عن أهمية احترام حقوق الإنسان والحريات
الأساسية للمدنيين وعدم ارتكاب أي انتهاكات أو انتهاكات ضدهم.
ونرى أنه من
المهم الانخراط بشكل حقيقي وصادق في حوار سياسي بناء وحسن نية لإنهاء النزاع
وتحقيق السلام والمصالحة، وتلزمه شروط على رأسها الالتزام الحقيقي والصادق
بالانتقال المدني واحترام حقوق الإنسان والدستور والقانون، علاوة على الاعتراف
بالتنوع السياسي والاجتماعي والثقافي والديني للشعب السوداني، والاحترام المتبادل
والثقة والصدق والشفافية بين الأطراف المشاركة.
كما يجب
الاستماع بتفهم وتسامح وتعاون إلى وجهات النظر والمطالب والمخاوف المختلفة، والبحث
عن النقاط المشتركة والحلول الوسط والتنازلات المقبولة، والالتزام بتنفيذ ومراقبة
ومراجعة الاتفاقات المتوصل إليها، والاستفادة من الدعم، والوساطة، والإشراف الدولي
، والإقليمي.
فالقتال
العنيف الذي اندلع في السودان منذ 15 أبريل ليس سوى غيض من فيض، ففي حين أن نتائج
هذه الحرب كارثية بالنسبة للشعب السوداني، فإن الآثار المترتبة على حرب طويلة
الأمد يمكن أن تكون خطيرة للغاية على الاستقرار الإقليمي.