روسيا وحظر التجارب النووية

تقديرات

روسيا وحظر التجارب النووية

09-Oct-2023

في 6 أكتوبر الجاري قال مبعوث روسيا لدى منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBTO) "ميخائيل أوليانوف" إن موسكو ستسحب تصديقها على المعاهدة الذي تم عام 2000، وهي خطوة نددت بها واشنطن ووصفتها بأنها تعرض "المعيار العالمي" ضد تفجيرات التجارب النووية للخطر. وفي محاولة لطمأنة الرأي العام العالمي قال "أوليانوف" في منشور له على موقع X "إن الهدف هو أن نكون على قدم المساواة مع الولايات المتحدة التي وقعت على المعاهدة، لكنها لم تصدق عليها حتى الآن. والإلغاء لا يعني النية لاستئناف التجارب النووية".

 من المعروف أن محادثات حظر التجارب النووية التي حضرتها 44 دولة في عام 1996، حسب بيانات الموقع الرسمي للمعاهدة، انتهت بتوقيع 41 دولة من الدول التي شاركت في التفاوض، وامتناع 3 دول هي "كوريا الشمالية، والهند، وباكستان"، وصدقت عليها 36 دولة، فيما امتنعت 5 دول من الموقعين عن التصديق عليها، هي "الصين، والولايات المتحدة، ومصر، وإيران، وإسرائيل".

سبق تصريح "أوليانوف" تلميحات من الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في 5 أكتوبر الجاري، خلال الكلمة التي ألقاها أمام "منتدى فالداي الدولي" الذي عقد في منتجع سوتشي، وسط انتقادات شديدة اللهجة للغرب، بأنه قد اقترح انسحاب بلاده من الاتفاقية وإلغاء التصديق عليها. وأضاف "لست مستعدا للقول الآن ما إذا كنا نحتاج فعلا أم لا إلى إجراء اختبارات". وهو الأمر الذي دعا "فياتشيسلاف فولودين"، رئيس مجلس الدوما، إلى التصريح على موقع المجلس، ثم على قناته في "تليغرام: 6 أكتوبر" بأنه سيتم النظر في مسألة إلغاء التصديق على المعاهدة في الاجتماع القادم للمجلس. ومن وجهة نظره أن العالم قد تغير، والتحديات الحديثة تتطلب حلولا جديدة.

ويبدو أن كلا من موسكو وواشنطن سوف تستأنفان تجاربهما النووية المتوقفة منذ عام 1992، فقد نشرت شبكة سي ان ان في 23 سبتمبر الماضي صورا بالأقمار الصناعية لأعمال تجديد وبناء في أرخبيل "نوفايا زيمليا" بالقطب الشمالي، الذي كان موقعا للتجارب النووية في الفترة السوفيتية. وفي المقابل وجد معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري، نشاطا في ساحة قديمة للتجارب الأمريكية في صحراء نيفادا، بالإضافة إلى نشاط صيني في موقع بالقرب من مقاطعة شينجيانغ. كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن روسيا بصدد اختبار صاروخ مجنح جديد بمحرك نووي من طراز "بوريفيستنيك" فائق المدى. وهو ما يثير القلق من بدء عصر جديد للتجارب النووية المتطورة.

من الواضح أن عدم تصديق بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة على المعاهدة لم يدخلها حتى الآن حيز التنفيذ، وهو ما يمكن أن تراه موسكو عدم جدية وسوء نية، وأنه يجب عليها ضمان أمن روسيا بأية وسيلة. خاصة وأنه منذ بداية العملية الروسية في أوكرانيا، ألمح الكرملين أكثر من مرة إلى احتمال استخدام روسيا للأسلحة النووية أو على الأقل استئناف التجارب النووية. وقد تؤدي تداعيات هذا القرار إلى تفاقم التوترات بين روسيا والغرب بشأن الحرب في أوروبا والنزاعات حول الحد من الأسلحة بين أكبر القوى النووية في العالم، خاصة وأن هذا التوتر المتزايد لم يحدث منذ أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962.

والمؤكد الآن أن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، أصبحت هشة بشكل متزايد مع تصاعد التوترات الدولية، وقيام القوى النووية بتوسيع أو تحديث ترساناتها وتجديد الحرب الباردة، دون النظر إلى تبعاتها الخطيرة التي تهدد مستقبل البشرية. وبالتالي ينبغي أن تؤخذ التهديدات الروسية الدبلوماسية المتكررة على محمل الجد، خاصة وأن المعاهدة واحدة من الاتفاقيات القليلة المتبقية لإدارة المخاطر النووية.


35