ريشي سوناك .. تحديات وظرف استثنائي

تقديرات

ريشي سوناك .. تحديات وظرف استثنائي

31-Oct-2022

في ظرف استثنائي شغل "ريشي سوناك" منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة خلفا لليز تراس التي استقالت بعد 44 يوما من توليها المنصب في 20 أكتوبر 2022. وسوناك سياسي بريطاني من أصول هندية، شغل قبل ذلك منصب وزير الخزانة من 13 فبراير 2020 إلى 5 يوليو 2022، والأمين العام للخزانة من 24 يوليو 2019 إلى 13 فبراير 2020. وهو نائب في مجلس العموم عن ريتشموند منذ عام 2015. وأخيرا زعيما لحزب المحافظين، ورئيسا للوزراء في 25 أكتوبر الجاري.

ومن المقدر أن يواجه "سوناك" ظروفا اقتصادية وسياسية مختلفة عن تلك التي عاشها كوزير للمالية. فقد تجاوز معدل التضخم وفقا لبيانات مركز الإحصاء الوطني البريطاني 10.1%، وهو أعلى معدل في 40 عاما، مما دفع بنك إنجلترا إلى رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، ولن يتمكن البنك بذلك من شراء الديون الحكومية ليخفض الفائدة، وسيضطر بدءا من نوفمبر لبيع حيازاته من السندات ببطء.

يطرح تقرير كتبته "إيش نيلسون" لنيويورك تايمز في 24 أكتوبر، بعض القضايا الملحة التي يتعين على "سوناك" حلها. أهمها كيفية دعم الأسر التي تعاني من ضغوط بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، نتيجة الحرب الأوكرانية.. قد يجبر ذلك الحكومة على ضخ عشرات المليارات من الجنيهات لإبقاء فواتير الطاقة منخفضة. ولخفض مستويات الديون، يجب اتخاذ قرارات صعبة للغاية بشأن الإنفاق والضرائب، خاصة وأن "سوناك" سوف يبدأ منصبه بانخفاض حاد في مقياس النشاط الاقتصادي البريطاني، حيث سجلت صناعة الخدمات في 24 أكتوبر أسوأ انخفاض شهري لها منذ يناير 2021، ما انخفض مؤشر نشاط الخدمات والصناعة التحويلية إلى 47.2 نقطة. والمعروف أن القراءة أقل من 50 تعني تقلصا في النشاط، فضلا عن تغيير وكالة التصنيف الائتماني "موديز" نظرتها لبريطانيا إلى سلبية. يميل التصنيف الائتماني المنخفض إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي.

إن الظرف الذي وضع "سوناك" نفسه فيه صعب لا محالة، من ترويض التضخم وتوحيد حزبه إلى فحص ملف الهجرة، وتهدئة العمال الساخطين وتبرير الإنفاق الدفاعي، وتحسين تكاليف المعيشة، وضبط الدين، وغيرها من الأمور التي ستصعب الطريق عليه كثيرا. وقد حاولت "ليز تراس" بالفعل إزالة الفوضى الاقتصادية، لكن دون جدوى. وهكذا يتعين على "سوناك" التوصل إلى خارطة طريق قوية لرعاية البلاد خلال الأزمة الاقتصادية وإعادة الطمأنينة في الأسواق.

ومن أهم التحديات خلال الأيام المقبلة إضراب عمال السكك الحديدية، حيث يستعد العمال لشن إضرابات جديدة متتالية حول الأجور والوظائف والظروف التي تهدد بمزيد من تعطيل الخدمات، ووفقا لصحيفة "إيفيننج ستاندرد"، 26 أكتوبر، تم تحديد موعدها لتبدأ من يوم 5 نوفمبر المقبل لتستمر حتى 9 نوفمبر. وقد صوت كذلك موظفو التعليم العالي في المملكة المتحدة لصالح الإضراب بشأن الأجور وظروف العمل والمعاشات التقاعدية. فضلا عن إضرابات قطاعات أخرى يتم الإعداد لها، وتشير التقديرات إلى إمكانية إضراب أكثر من 70 ألف موظف في 150 جامعة قبل عيد الميلاد. وهكذا، يتعين على رئيس الوزراء الجديد إجراء مناقشات مع العمال الساخطين والتعمق في مظالمهم.

لن تكون التحديات الاقتصادية وحدها هي التي سوف يواجهها "سوناك"، ولكن ستقع على عاتقه أيضا مهمة توحيد حزب المحافظين الذي يتزعمه. الخلافات في حزب المحافظين واضحة. وبالرغم من تشديد المعارضة الهجوم عليه، لكنه طالب بتشكيل "جبهة موحدة". أيضا هناك ملف الهجرة العالق منذ فترة طويلة دون حل، وكان "سوناك" قد تعهد في وقت سابق بأنه سيشدد الضوابط على الهجرة إلى المملكة المتحدة، حسب ما نشرته صحيفة "إنديا توداي" في 25 أكتوبر. وقال إنه سيطبق حدا أقصى سنويا لأعداد اللاجئين مع تشديد تحديد من هم المؤهلون للحصول على اللجوء.

ووفقا لتقارير وزارة الدفاع البريطانية، حسب نيويورك تايمز، 24 أكتوبر، قدمت المملكة المتحدة هذا العام مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 2.3 مليار جنيه إسترليني، ومع ازدياد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه المساعدة العملاقة، وكيف سيتعامل "ريشي" مع هذا الملف المهم؟ قد يتعين عليه تبرير الإنفاق للدفاع عن أوكرانيا أمام الناخبين الذين يعانون من أزمة مالية غير مسبوقة.

على أية حال، إذا نجح "سوناك" في تخفيض أسعار الفائدة، سوف تُحل معظم المشكلات التي تعاني منها بريطانيا في هذه الفترة. ستؤدي المعدلات المنخفضة إلى تقليص مقدار الأموال التي ستحتاج الخزانة إلى وضعها جانبا لسداد مدفوعات أسعار الفائدة، مما قد يخفف من خفض الإنفاق وزيادة الضرائب، فضلا عن ضبط ميزانية الدفاع والمساعدات، وإعادة النظر في ملف اللاجئين، وتحسين مستوى معيشة العمال والموظفين. ولكن هل سينجح في تحقيق ذلك في ظل الأزمات العالمية المتزايدة؟

26