مع احتدام المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في جنوب المحيط الهادئ، تسعى القوتان إلى توسيع نطاق نفوذها من خلال جذب دول المنطقة نحو فلك كل منهما.، بهدف تعزيز شبكة علاقاتها وزيادة ثقلهما في المعادلة الاستراتيجية الإقليمية والدولية. إحدى أهم الساحات في هذا السياق تتمثل في الدول الجزرية في المحيط الهادئ، بالغة الأهمية خاصة على المستوى الأمني. وقد برزت في السنوات الأخيرة مظاهر تسارع جهود تقارب كل من واشنطن وبكين مع هذه دول، وتجلى آخرها في استضافة الرئيس الأميركي جو بايدن قمة لزعماء دول جزر المحيط الهادئ، 25-26 سبتمبر 2023.
برز قبل انعقاد القمة التقدم الذي نجحت بكين في تحقيقه في هذا المجال، مع تقرير رئيس وزراء جزيرة سليمان، ماناسيه سوجافاري، عدم حضور القمة، وإرسال وزير الخارجية بدلا منه. وقد أعربت واشنطن عن "شعورها بخيبة أمل" تجاه هذا القرار، بحسب ما قاله مسؤول بإدارة بايدن. يحمل غياب سوجافاري عن القمة إشارات مهمة تعكس ميل بلاده إلى الصين، مع العلم أن الدولتين قد وقعتا في عام 2022 اتفاقية أمنية هي الأولى من نوعها في المنطقة، مما أثار مخاوف في أستراليا ونيوزيلندا، وكلاهما حليفان للولايات المتحدة، بشأن قاعدة عسكرية صينية محتملة في الجوار.
ومؤخرا، تحدث سوجافاري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، 22 سبتمبر 2023، حيث أشاد بالتعاون مع الصين في مجال التنمية ووصفه بأنه "أقل تقييدا وأكثر استجابة ومواءمة لاحتياجاتنا الوطنية"، وقال إن بكين هي الشريك الرئيسي لبلاده في البنية التحتية. أضاف أنه توصل إلى تفاهم مع الرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارة قام بها إلى الصين في يوليو من أجل تحقيق التنمية في جزر سليمان من خلال اتباع سياسات الصين، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق ومبادرة الأمن العالمي.
مسؤول كبير في البيت الأبيض، أكد على ارتباط التحركات الأميركية الأخيرة في المنطقة بالتنافس المتزايد مع الصين، قائلا: "لا شك في أن هناك دورا لعبته جمهورية الصين الشعبية في كل هذا... إن مواقف الصين ونفوذها، بما في ذلك في هذه المنطقة، يمثل عاملا يتطلب منا الحفاظ على تركيزنا الاستراتيجي"، (فرانس24، 2023). وقد انعكست الجهود الصينية في التقارب مع دول المنطقة في رحلة وزير الخارجية وانغ يي المطولة إلى المنطقة في مايو 2022. إضافة إلى ذلك، وفي سياق استراتيجية بكين لبناء شبكة من الدول النامية للوقوف إلى جانبها في المنتديات العالمية مثل الأمم المتحدة، أصبحت الصين واحدة من أكبر المقرضين لدول المحيط الهادئ.
في المقابل، تتمحور مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها فيما يتعلق بدول المنطقة حول موقع هذه الجزر الاستراتيجي، مما يجعل من انجرافها إلى فلك الصين تعزيزا لموقف بكين في المعادلة الأمنية في المنطقة، إذ يمنح أي وجود عسكري هناك الصين القدرة على تهديد طرق التجارة في أستراليا ونيوزيلندا، كما يمكن أن تكون أجزاء من الولايات المتحدة، مثل غوام وهاواي، عرضة للخطر. علاوة على ذلك، تعد المنطقة جزءا من استراتيجية "سلسلة الجزر" الأمنية لواشنطن، التي تعتبر جزءا من الخطوط الدفاعية بين آسيا والولايات المتحدة، (واشنطن بوست، 25 سبتمبر 2023).
احتدام المنافسة بين الصين والولايات المتحدة يحمل بلا شك تبعات مزدوجة في طبيعتها على الدول الجزرية في جنوب المحيط الهادئ. من جهة، يمكن أن يساهم هذا التنافس بشكل إيجابي في تطوير البنية التحتية في دول المنطقة وجذب الاستثمارات إليها وإنعاش اقتصاداتها، ومن جهة أخرى، قد يحول التسليح المتزايد للتنافس الصيني الأميركي المنطقة إلى بؤرة مضطربة، ويجعل من دولها محل للضغوطات من كلتا القوتين لإجبارها على اتخاذ مواقف أكثر انحيازية، مما يؤثر بالسلب على قدرتها في تكوين علاقات تعود عليها بالفائدة مع كلا الجانبين.