في الثلاثين من أغسطس التقى المرشد الإيراني علي خامنئي، بالرئيس إبراهيم رئيسي وأعضاء حكومته، بمناسبة أسبوع الحكومة الوطنية، دون أن تتضمن تصريحاته أية إشارة إلى المفاوضات النووية، وهو ما يُبقي العديد من الأسئلة مفتوحة حول موقف طهران من العروض التي قدمها الأميركيون لتوقيع الصفقة النووية. ويمكن إرجاء هذا الصمت، الجدير بالملاحظة في اعتبار أن خطابات أسبوع الحكومة الوطنية السابقة تناولت ملف إيران النووي، إلى احتمال عدم حسم صناع القرار في طهران موقفهم بشأن الصفقة النووية المحتملة.
ويشير لورانس نورمان، الصحفي في وول ستريت جورنال الأميركية، والذي يتابع من فيينا المفاوضات النووية عن قرب، هذا الغموض الإيراني، بالقول إنه سمع من مسؤولين غربيين مطلعين على المفاوضات "ملخص من كلمة واحدة حول توقعاتهم بشأن رد إيران: لا شيء... ويضيف نورمان: نادراً ما عرفت في الأشهر السبعة عشر الماضية حالة من عدم اليقين من المسؤولين الغربيين بشأن المسار التالي لإيران. أحياناً، كانت الافتراضات خاطئة، وفي كثير من الأحيان ربما (دقيقة). لكن نادراً ما رد الكثير من المسؤولين بكلمة: لا نعرف".
من شأن الموقف الإيراني، حيث تنتظر أميركا رد الإيرانيين على عرضها، أن يقود إلى صفقة أو يعلق المفاوضات، وإن كان من المبكر الحديث عن سيناريو انهيار المحادثات، حتى في حال ردت إيران سلباً على العرض الغربي. لكن الواضح، حسب المعلومات القادمة من فيينا وبروكسل هو أن المفاوضين لن يعودوا إلى فيينا إلا للتوقيع على اتفاق نهائي. وقال مصدر أوروبي لموقع المونيتور الأميركي إنه من غير المرجح أن يعود المفاوضون الأمريكيون والإيرانيون إلى فيينا لحل خلافاتهم المتبقية في جولة محادثات جديدة وأنه في المرة القادمة ستشهد فيينا اجتماعاً وزارياً في المفاوضات النووية فقط لاعتماد الاتفاقية المقبل "إذا حصل اتفاق" بالفعل.
وبما أن الغرب ألقى بالكرة في الملعب الإيراني، فإن رد طهران سيحدد مصير المفاوضات التي يقول مسؤولون غربيون وإيرانيون إنها باتت أقرب إلى الصفقة، خاصة بعد تسوية الخلافات حول ملفي الضمانات الأميركية بعدم الانسحاب من الصفقة مستقبلاً وقضية شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب، وهي ملفات يلمح المسؤولون الأميركيون من خلالها إلى أن إيران قدمت تنازلات بشأنها. وقد أثارت طهران ملفا خلافيا آخر، مع إعلان رئيسي يوم التاسع والعشرين من أغسطس بأنّ إحياء الاتفاق مرتبط بإقفال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف المواقع الإيرانية المشتبه بأنها شهدت أنشطة غير مصرّح عنها، وهو ما يثير توتراً مع الغرب والوكالة التابعة للأمم المتحدة. وفي حين تعدّ إيران هذا الملف "سياسياً"، تدعوها دولا غربية إلى التعاون مع الوكالة لوضع حد لهذه الشكوك.
وفي ظل الضغوط الداخلية من الجمهوريين وحتى من قبل معسكر من الديمقراطيين إلى جانب الضغوط الخارجية من قبل إسرائيل وشركاء آخرين في دول الخليج العربية لا نعتقد بأن إدارة الرئيس جو بايدن- في ظرف يجعلها تغض النظر عن مسألة رفض إيران تقديم بيانات موثوقة تقنياً عن الأنشطة النووية غير المعلنة، ما قد يثبت عدم امتثالها لمعاهدة حظر الانتشار النووي.
هذا الملف أساسي في تحديد مصير المفاوضات التي بلغت مراحل حاسمة اليوم. تقول كيلسي دافنبورت هي مديرة سياسة عدم الانتشار في رابطة الحد من الأسلحة: "لا يمكن للوكالة الدولية للطاقة الذرية تسوية نصف الحقائق أو إغلاق التحقيق قبل الأوان- تعد معالجة المواد النووية أمراً بالغ الأهمية لتقديم ضمانات بعدم وجود تحويل للمواد النووية ويجب على إيران الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالضمانات". وتضيف دافنبورت في تغريدة، يوم الثلاثين من أغسطس أنه "بما أن هذا التحقيق لن ينتهي، فإنه يتعين على طهران ألا تجعله يصبح الأداة الأخيرة التي من شأنها قتل خطة العمل الشاملة المشتركة".
إن السيناريو المتشائم يرسم اعتقادا واسعا بين كثير من الخبراء مفاده أن عقد صفقة نووية جديدة، وما يتبع ذلك من حصول إيران على مكاسب مالية ضخمة وخروجها من عزلتها الدولية، سيمنح صناع القرار في إيران فرصة كبيرة لتطوير برنامجهم الدفاعية، الصاروخية والجوية وغيرها، ويعزز ميزانيتهم الخاصة بدعم الميليشيات الموالية في المنطقة التي ستوسع أنشطتها بشكل يزيد من مصادر التهديد الإقليمية.