كامالا هاريس: هموم الداخل الأميركي والقضايا الخارجية

تقديرات

كامالا هاريس: هموم الداخل الأميركي والقضايا الخارجية

12-Aug-2024

 عندما قرر الرئيس جو بايدن الانسحاب من الترشح لدورة ثانية في الانتخابات القادمة في نوفمبر 2024، فتح البابَ أمام نائبته كامالا هاريس لتصبح المرشحةَ المؤكدةَ من الحزب الديمقراطي. ثم أصبح هذا الترشيح واقعا بعد أن اختارها مندوبو الحزب الديمقراطي كمرشحة للحزب بشكل رسمي بعد تصويت عبر الإنترنت استمر على مدار 5 أيام، إذ حصلت خلاله على حوالي 4600 صوتا، أي ما يمثل نحو 99 بالمئة من المندوبين المشاركين.

كانت هاريس المرشحة الوحيدة المؤهلة للحصول على الأصوات بداخل الحزب الديمقراطي ، في وقت لم يكن فيه أي مرشح مؤهل بحلول الموعد النهائي لبدء التصويت. والمعروف عن هاريس اهتمامها بالقضايا الداخلية مثل قضايا العمال والعنف خاصة والصحة الإنجابية، ولكن بالنسبة للسياسة الخارجية لا توجد مؤشرات حول قدرتها كرئيس في الشؤون الدولية، والسؤال هنا ما هي المعايير التي يجب أن تتوفر لكي يكون نائبُ الرئيس متمكناً في الشؤون الدولية؟

في 22 يوليو 2024 قال أرون مونز المحاضر والباحث في مدرسة السياسة العامة بجامعة ميرلاند، في مقال له نشرته فورين بوليسي: بعد نهاية السبعينات وفي عهد الرئيس جيمي كارتر ونائبه ولتر مونديل، أصبح نائب الرئيس شريكاً وليس مجرد إضافة وموظف احتياطي في أوقات الكوارث.

مع ذلك لكي يكون نائب الرئيس قادراً على الوصول إلى الرئيس أو التعامل مع الشؤون السياسية، يعود الأمر إلى قرار الرئيس، وهو أمر لا يقرره الدستور أو القانون، وعندما كان بايدن نائباً للرئيس قال "أنا الموظف الأعلى أجراً في الحكومة".

يقول مونز: الموظف الجيد تكون لديه مبادئُ فعالةٌ وقادراً على التعرف على جوانب النقص والضعف في الإدارة وملء الفراغ، وقد كان نواب الرؤساء في السنوات الأخيرة تحت الطلب في كل الأوقات، ويُحدثون توازناً في السياسة ويعملون كبدلاء ورُسل وفي تصريف بعض القضايا المهمة، ويشاركون في مجموعة المهمات، لقد قام مونديل بمساعدة الرئيس كارتر في الجوانب القانونية، واستفاد من علاقاته بإسرائيل واليهود الأمريكيين، وأدى دوراً في السياسة الخارجية وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد.

أما خلال فترة الرئيس ريجان فقد كان نائب الرئيس جورج بوش يمتلك خبراتٍ متعددةً، ويسد الفراغ في سياسة الرئيس ريجان الفوضوية الخاصة بالأمن القومي. وقد أدى آل غور دوراً مهماً خلال فترة الرئيس كلينتون في العلاقات مع روسيا. كما قام نائب الرئيس ديك تشيني خلال فترة الرئيس جورج بوش بهندسة العمليات السرية والاستخباراتية، ومراقبة عمليات الإرهاب بجانب وظيفته كوزير للدفاع. وخلال فترة الرئيس أوباما قام نائبه جو بايدن بحماية الرئيس من محاصرة وزارة الدفاع له خلال حرب أفغانستان.

لقد واجهت هاريس صعوبات عديدة في فترة بايدن، فمنذ السبعينات كان معظم الرؤساء يأتون من خارج واشنطن، وكانوا يميلون إلى اختيار معاونين ومستشارين على اطلاع ببيئة العمل في العاصمة، يساعدونهم في القضايا المرتبطة بالعلاقات الدولية.

في الطرف الآخر كان بايدن يمتلك خبرة طويلة كعضو في مجلس الشيوخ ومعظم خبرته في الشؤون الدولية، إضافة إلى ثماني سنوات كنائب للرئيس أوباما، ولم يكن يحتاج لمساعدة، وكان لديه معاونون متمكنون رافقوه عشرات السنوات. أما هاريس فهي قادمة من خارج واشنطن منذ أربع سنوات، وهي سياسية جيدة، لكن فقط في ولاية كاليفورنيا، لذلك كانت فرصها محدودة لملء الفراغ في عهد بايدن على ندرة تلك الفرص، وخلال تجربتها مع بايدن، لم يكن لها فريق متمكن يعرفها ويعرف واشنطن.

إن التدرج في تغيير فريق عملها جاء بعدد من الأفراد الأقوياء في مدينة يعد فيها الأشخاص هم السياسة. كانت أول مستشارة لهاريس للأمن القومي هي نانسي ماكلدوني سفيرة أمريكا السابقة في بلغاريا، وقد تركت الوظيفة في مارس 2022، وحل مكانها نائبها فيليب غوردون الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية وعمل في مجلس الأمن القومي خلال فترة أوباما، وكانت لديه خيارات كثيرة في فترة بايدن، واختياره للبقاء مع هاريس يعني أنه شخص لا يحب الركود.

خلال فترة أوباما، كان مستشار نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي أيضاً يعمل نائباً مساعداً للرئيس، وهي وظيفة تأتي في المستوى الثاني في ترتيب وظائف البيت الأبيض. وقد أُطلق على غوردون خلال فترة بايدن لقب مساعد الرئيس، وكانت مساعدته هي ربيكا ليسنر، التي كانت تشغل وظيفة أكبر مدير بالإنابة للتخطيط الإستراتيجي في مجلس الأمن القومي، حيث عاصرت تطوير إستراتيجية الأمن القومي في إدارة بايدن. وكان لهاريس كاتب متخصص في الشؤون الخارجية إضافة إلى مستشار عسكري.

في الواقع لم يتم إبعاد هاريس من كل العمليات والقرارات، وقد كانت لها إسهاماتها، وكان العديد من أعضاء فريق بايدن الذين عملوا معه يعرفون التحديات التي قابلتها، مع أنه دائماً ما يتوقع أن يقدم نواب الرؤساء نصائحهم بطريقة مستترة لتأكيد عدم تسربها، في وقت تعمل فيه الإدارة بطريقة متماسكة، وإلى أن تتم كتابة المذكرات وتصنيف المعلومات لن يُعرف على وجه الدقة تأثير هاريس.

إن أفضل قضية خارجية ارتبطت بها هاريس هي قضية الهجرة والحدود، وهي قضية تُظهر مناطق قوتها وضعفها، وقد عينها بايدن للتعامل مع الهجرة غير الشرعية بعد أن قدمت مقترحاتٍ للعمل مع دول أمريكا الوسطى لمخاطبة جذور القضية، ولم تسعَ للتكليف وعندما قبلت حاولت أن تحافظ على مسافة بينها وبين موضوع أمن الحدود، وذلك لم يمنع الجمهوريين من وصفها بقَيْصر الحدود، وتسبب ذلك في مقابلة كارثية لها في قناة "إن بي سي"، وقد حاولت هاريس أن تتجنب الحديث عن الحدود عندما سئلت ما إن كانت قد زارت الحدود، وعندما أصرت مقدمة البرنامج قالت هاريس: "أنا لم أزر حتى أوروبا، ولا أدري ما الهدف من سؤالك".

إن الجهد الذي بذلته لتجنب ربط نفسها بقضية الحدود لفت الأنظار لعوز هاريس لمهارات الاتصال، لكن مع الوقت استطاعت أن تبنيَ علاقاتٍ مع دول أمريكا الوسطى أفرزت نتائجَ. فقد أثمرت الشراكة بين القطاعين الخاص والعام جمعَ أكثرَ من 5 بلايين دولار لصالح السلفادور وغواتيمالا وهندوراس، وأسهمت تلك الجهود في مساعدة الإدارة للقيام بعملية انتقال سلمي للسلطة بعد انتخابات حزبية في غواتيمالا.

هناك نجاحات أخرى ذات تأثير، في عهد ترامب، فقد أُعيد تأسيس مجلس الفضاء القومي، الذي كان تحت رئاسة نائب الرئيس مايك بنس وقد حلت هاريس مكانه، ومن هذا الموقع أشرفت على العمليات الفنية المعقدة وتطوير القوانين التجارية للفضاء، عبر "اتفاقية أرتيمس Artemis Accords" التي تضع معايير عامة للسلوك في الفضاء. وفي أبريل 2022، أعلنت هاريس إنجازاً دبلوماسياً بالتزام الولايات المتحدة بعدم إجراء تجارب أسلحة مضادة للفضاء، مما يساعد على التخلص من مخلفات الفضاء، وهي خطوة وضعت كلاً من روسيا والصين في موقف الدفاع.

لقد قامت هاريس بتمثيل الولايات المتحدة كمبعوث دبلوماسي في الخارج، وهو ما كان يقوم به نواب الرؤساء، مثلاً قدم مونديل خطاباً أمام العالم لإنقاذ الأشخاص المعلقين في القوارب (Boat People) الذين كانوا من ضحايا حرب فيتنام. وفي نوفمبر 2021، زارت هاريس فرنسا رسمياً لحضور ذكرى يوم الهدنة، ولكن أيضاً لتحسين العلاقات الأمريكية الفرنسية، وكانت العلاقات مضطربة بعد أن توقيع صفقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا حرمت فرنسا من صفقة بناء غواصات مربحة مع أستراليا.

كانت هاريس على علاقة جيدة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واستطاعات إقناع الفرنسيين بالتوقيع على اتفاقية أرتيمس التي تسهل التعاون في الفضاء.

منذ ذلك الوقت التقت بعدد كبير من الزعماء الأجانب في الداخل والخارج، خاصة عندما مثلت الولايات المتحدة في مؤتمر ميونخ للأمن 2022 و2023.

هذا العرض لجهد هاريس في السياسة الخارجية لا يعد مؤشراً لرؤية إستراتيجية عالمية، غير أن عملها كان يعبر عن تطوير مهارات في صناعة السياسىة والمهمات التنفيذية بجانب تعلم الأدوات المتاحة في مكتبها. 

52