في فترة زمنية قصيرة نسبيًا، انتقلت الصين من الركود التكنولوجي لتصبح واحدة من أكبر الاقتصادات الرقمية في العالم. وعلى خلفية قاعدتها التي تضم ما يقرب من مليار مستخدم للإنترنت، نمت مبيعات التجارة الإلكترونية في الصين إلى 1.7 تريليون دولار في عام 2020، وهو رقم يعادل 30 في المئة من إجمالي مبيعات التجزئة في الصين.
منتدى شرق آسيا الأسترالي تناول، كيف أصبح الاقتصاد الرقمي، جزءًا مهمًا من العلاقات بين الصين ودول الخليج، منوهاً إلى أهمية أن ذلك يأتي في ظل التنافس الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين من أجل السيطرة على البنية التحتية الرقمية والابتكار التكنولوجي، فـ الاقتصاد الرقمي الصيني، يُعد من بين أكثر الاقتصادات حيوية في العالم، حيث احتل المرتبة الثانية عالميًا في عام 2021 بقيمة 7.1 تريليون دولار أمريكي.
وأضاف المنتدى في تقرير نشره على موقعه في 7 أكتوبر 2022، أن اقتصادات دول الخليج اعتمدت تاريخيًا على صادرات الطاقة لتحقيق الازدهار الاقتصادي، لكن صعود التقنيات الرقمية خلال العقد الماضي أدى إلى قيام دول الخليج بتنويع اقتصاداتها من خلال تطوير القطاعات المالية والصناعات القائمة على المعرفة.
ولفت التقرير الذي كتبه مردخاي شزيزا الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية بجامعة عسقلان، إلى أن التعاون الرقمي بين الصين ودول الخليج يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة لبكين في تنافسها مع الولايات المتحدة لتحقيق التفوق الاستراتيجي في المنطقة.
وعن تأثير مبادرة طريق الحرير الرقمي DSR الصينية، على منطقة الخليج، قال التقرير أنه يمكن لها إضافة 255 مليار دولار أمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي وخلق 600 ألف فرصة عمل متعلقة بالتكنولوجيا في دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2030.
أما المشاريع المرتبطة بالمبادرة التي تعد الذراع التكنولوجي لمبادرة الحزام والطريق، فقد استعرض التقرير ما قامت به الشركات الصينية من استثمارات رقمية في منطقة الخليج، حيث تعمل شركة هواوي مع المملكة العربية السعودية لتطوير بنية تحتية رقمية للحج، كما دخلت الشركة في شراكة مع مسؤولين في دبي للمساعدة في تحديث مطارها وتعاونت مع هيئة كهرباء ومياه دبي لـ بناء الألياف البصرية والمراقبة بالفيديو، وفي الكويت تلقت هواوي إذنًا لتقديم خدمات الحوسبة السحابية في الكويت في يوليو 2022، ووقعت شركة علي بابا أيضًا صفقات لتخزين البيانات السحابية في عُمان، كما افتتحت شركة سينس تايم الصينية للذكاء الاصطناعي مقرًا إقليميًا لها في أبوظبي في عام 2019.
وعن ردة الفعل الأمريكية حيال الوجود الإقليمي المتزايد للصين، لفت التقرير إلى أن الولايات المتحدة قامت بالضغط على دول الخليج لاختيار أحد الجانبين، فهي ترى أن بعض جوانب التعاون الرقمي مع الصين يضر بأمنها القومي، بالمقابل تحاول دول الخليج التي تتفهم المخاوف الأمريكية، تجنب الوقوع في صراع قوى عظمى،لذلك تقوم بتنويع دعمها الاقتصادي والعسكري لتجنب الاعتماد المطلق على واشنطن أو بكين، فـ انتقاء أحد الجانبين يخاطر بفقدان دول الخليج لـ شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة أو شراكتها التكنولوجية مع الصين.
وفي المقارنة بين القدرات العسكرية لكل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية يشير التقرير إلى أن الصين لا تتمتع بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إبراز القوة العسكرية العالمية لأنها تفتقر إلى الامتداد العالمي ومعاهدات الدفاع الخارجية والقواعد العسكرية الخارجية، كما أن الصين لا تملك الأموال اللازمة لتحل محل واشنطن بصفتها الضامن الأمني للخليج العربي، ولكن مع أهمية هذه النقطة، يرى التقرير أن الولايات المتحدة تثبت أنها شريك صعب المراس على نحو متزايد، مما يزيد من صعوبة الوضع الذي تواجهه دول الخليج، في موازنة شراكتها الأمنية الحيوية مع الولايات المتحدة، مع المحافظة على العلاقات الرقمية المزدهرة مع الصين.
وفي الاحتمالات المستقبلية لهذا الصدام العالمي في منطقة الخليج، يرى التقرير أن دعوات واشنطن لإبطاء انتشار التقنيات الصينية تعقد البيئة التجارية للشركات الصينية، مما قد يستدعي رداً صينيا على ذلك، من خلال القيام بضغط دبلوماسي واقتصادي للترويج لنفسها على حساب الولايات المتحدة، مما يجعل من الصعب على دول الخليج الحفاظ على شراكات موازية، واختتم التقرير بالقول : تتوقع واشنطن في عصر التنافس الجيوستراتيجي، من حلفائها الخليجيين اتخاذ خيارات قاسية، وهنا يجب على دول الخليج إدارة علاقاتها الرقمية مع الصين مع إدراك أن مخاوف واشنطن سوف تضع قيودًا على شراكاتها التكنولوجية الجديدة.