في تصريح يظهر التشاؤم حول المستقبل الاقتصادي والاجتماعي وحتى الأمني في الاتحاد الأوروبي، ويعبر عن الخشية من انتهاء عصر الرفاهية الأوروبية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الأزمة الحالية (المتمثلة في أزمتي الطاقة والمناخ اللتين تهددان التنمية الاقتصادية) تشير إلى نهاية الوفرة وما نعيشه حالياً هو نوع من نقطة التحول الرئيسية أو الاضطراب الكبير.
هناك من ينظر إلى تصريح ماكرون على أنه تكتيك يهدف إلى تهيئة الفرنسيين لتقبل إجراءات قاسية فيما يخص تقنين الطاقة في المنازل والأماكن العامة خلال الفترة المقبلة، ولا يعني أفول عصر الرفاهية الأوروبي بمعناه الأشمل. قد يكون هذا الافتراض محتملاً، لكنه يحمل أيضا الكثير من علامات القلق بشأن المستقبل الأوروبي.
خمسة إلى عشرة فصول شتاء رهيبة ستواجه أوروبا إذا لم يتم اتخاذ إجراء لكبح الأسعار. هذا هو توقع وزير الطاقة البلجيكي تينه فان دير ستراتن الذي تحدث يوم الثامن والعشرين من أغسطس (وللمرة الثانية في أسبوع) حول المدة التي قد تستمر فيها أسعار الطاقة المرتفعة في أوروبا. هذا، بالطبع، في حال استمرار انخفاض الإمدادات الروسية عند المستويات الحالية، أو حتى تفاقمها.
لقد انخفضت إمدادات الغاز من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 70٪ منذ يونيو مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، ما يعني الاضطرار إلى إيجاد بدائل لما يقرب من ثلث إمدادات الغاز.
لذلك، قد لا يتعلق الأمر بمواجهة فصل الشتاء القاسي المقبل فقط، بل ما هو أبعد من ذلك في الواقع. فعلى الرغم من تزايد الحديث عن أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ستواجه شتاءا قاسياً وتحديات اقتصادية عديدة في ظل أزمة الطاقة، يحذر الكثير من الخبراء الأوروبيين، مثل رئيس وكالة الفضاء الأوروبية جوزيف أشباتشر من أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن موجات الحر والجفاف التي يمكن أن تقزم أزمة الطاقة في أوروبا. قال أشباتشر في تصريحات حديثة: "نحن قلقون للغاية بشأن أزمة الطاقة في الاتحاد الأوروبي اليوم، لكن هذه الأزمة صغيرة جداً مقارنة بتأثير تغير المناخ.. النظام البيئي بأكمله يتغير بسرعة كبيرة جداً في أوروبا وتغض النظر عن موقف أسرع بكثير مما توقعه العلماء حتى قبل بضع سنوات".
إن قضيتي الطاقة وتغيير المناخ، كأزمتين في أوروبا، تتأثران ببعضهما البعض، لذا فإن تفاقم إحداها سيؤثر على الأخرى والعكس صحيح. فمثلاً، هدد ارتفاع الحرارة تشغيل المفاعلات النووية في فرنسا، التي تواجه صعوبات في شطف المفاعلات بسبب درجة حرارة الماء، وأعاقت النقل النهري للفحم الضروري لإنتاج الكهرباء في ألمانيا (انخفض نهر الراين في بلدة إمريش إلى مستوى قياسي، ما أجبر القوارب التي تبحر بعمق شديد على تفريغ حمولتها من الفحم بحثاً عن طرق نقل أخف). وقد وثقت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية كيف أن احتياطيات المياه التي تحتاجها محطات الطاقة الكهرومائية في النرويج - المسؤولة عن توليد 90٪ من الكهرباء في البلاد - أقل بكثير من المستويات المعتادة، وهي الأدنى في آخر 25 عاماً. هذا الوضع تحديدا مع عوامل أخرى يزيد من الحاجة إلى الغاز من جهة.
ويتحدث بعض الخبراء عن أن الاتحاد الأوروبي قد طوى أو سيطوي صفحة الاعتماد على الطاقة الروسية، وهذا الوضع الناشئ له تكلفته العالية. حيث أن هذا الخيار الأوروبي لا بد أن ترافقه اضطرابات قد تؤدي إلى انفلات أمني في بعض الدول، وحتى سقوط حكومات نتيجة الاحتجاجات والغضب الشعبي في حال استمرت الصعوبات المعيشية، في دول الاتحاد.
لقد أدت أزمة تكلفة المعيشة المتفاقمة في جميع أنحاء أوروبا بالفعل إلى إضرابات عمالية في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا في قطاعات النقل العام والصحة والطيران، طلباً لرفع الأجور في مواجهة التضخم المتصاعد. ولتجنب هذا الغضب، اتخذت عدة دول إجراءات داخلية، أو أخرى بموافقة المفوضية الأوروبية لبيع الطاقة بشكل أرخص للمستهلك. لكن هذا الخيار يطرح معضلة جديدة على بروكسل، ويثير أسئلة حول الجهة التي ستمول مصادر الطاقة الأحفورية.
في ذلك ترى كلاوديا كمفرت من المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية بأن وضع حدّ لأسعار الطاقة ليس الحل ، وأن تمويل الطاقة على المدى البعيد "سيصبح مكلفاً لخزانة بروكسل"، عدا عن أنه سيدفع الاتحاد الأوروبي بعيداً من التحول إلى الطاقة الخضراء.
من وجهة النظر المتفائلة فإن أزمة أسعار الطاقة وتغيير المناخ في أوروبا، وفي ظل تراجع الخيارات لمواجهة الأزمتين، ستزيد من توجه الأوروبيين إلى تسريع عملية تقليل الاعتماد على النفط والغاز والفحم. ويرى أصحاب هذه الرؤية أن الاتحاد الأوروبي، أكثر استعداداً اليوم من معظم مناطق العالم لتسريع عملية تقليل الاعتماد على الطاقة ومواجهة تغير المناخ.