بعد إعادة سيطرة قوات الأمن الفدرالية البرازيلية، يوم الأحد، على القصر الرئاسي ومقري البرلمان والمحكمة العليا، على أثر اقتحامها من قبل أنصار الرئيس السابق "جايير بولسونارو"، ما تزال قوات الأمن تُلاحق المشاركين والداعمين لمحاولة الانقلاب، بناءً على مرسوم الرئيس البرازيلي الحالي "إيناسيو لولا دا سيلفا "، الذي اتهمهم بـ "النازيين والفاشيين".
يحتجّ المتظاهرون على عودة دا سيلفا رئيسًا للبرازيل بعدما فاز على بولسونارو في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 30 أكتوبر ، ويروج هؤلاء إلى أن الانتخابات الرئاسية قد تمت سرقتها، فيما دعا المتشددون منهم علانية إلى انقلاب عسكري من أجل إعادة بولسونارو إلى السلطة، فيما يسعى البعض إلى بث الفوضى من خلال التخريب والهجمات العنيفة على أمل إثارة رد فعل عسكري.
ويتولى لولا منصبه للمرة الثالثة بعد إحباط محاولة إعادة انتخاب بولسونارو اليميني المتطرف. وتمثل عودته إلى السلطة تتويجا لعودة سياسية تثير حماسة المؤيدين وتغضب المعارضين في دولة شديدة الاستقطاب. وقال لولا في خطابه الذي ألقاه في المجلس الأدنى بالكونغرس بعد التوقيع على الوثيقة التي تنص على تنصيبه رسميا رئيسا "رسالتنا إلى البرازيل هي رسالة أمل وإعادة بناء (...) إن الصرح العظيم للحقوق والسيادة والتنمية الذي بنته هذه الأمة قد تم هدمه بشكل منهجي في السنوات الأخيرة. سنوجه كل جهودنا لإعادة بناء هذا الصرح".
مؤشرات عديدة، يُمكن قراءتها حول المحاولة الانقلابية في البرازيل، على رأسها، تورط مسؤولين في دوائر صناعة القرار، إذ أعلنت السلطات عن اعتقال وزير الأمن العام، وحاكم العاصمة البرازيلية "برازيليا"، ناهيك، عن اتهامات لما أسماه البرازيليون بـ "التراخي الأمني" خلال تعاملها مع اقتحام أنصار الرئيس السابق "بولسونارو".
تواجد الرئيس البرازيلي السابق، في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب الصحف المحلية البرازيلية، والعالمية، خلق الكثير من التكهنات لدى الخبراء، والناشطين البرازيليين، بوجود مؤامرة تُحيكها واشنطن، ويُظن البعض، بأن الأمر مُبالغ فيه، إذ من جهة، لا بصمات أمريكية، ومن جهة أخرى، لا مصلحة للولايات المتحدة بتنفيذ مؤامرة على دولة في الجنوب الأمريكي، لا تُشكل تهديداً على أمنها القومي، داخلياً وخراجياً.
أخذت المحاولة الانقلابية البرازيلية، صدى عالمياً وإقليمياً، كون البرازيل لا تشهد أحداثاً وتحركات عسكرية، بهدف الانقلابات، بالإضافة إلى أن طبيعة الحدث نفسه، تُشكل تهديداً للعديد من الأنظمة إقليمياً (في جنوب أمريكا)، وستتضاعف مخاوفهم، في كل تطور تتحدث عنه نتائج التحقيق البرازيلية، وتكاد لا تخلوا من تورط مسؤولين مدنيين وأمنيين بنفس الوقت.
قراءة الوضع الاقتصادي في البرازيل، لعلها تُوضح وتُبدد نظرية المؤامرة، إذ تواجه الدولة ترديا في لوضع الاقتصادي، على أثر العديد من العوامل السياسية والصحية، على رأسها ما خلفته جائحة كورونا، والغزو الروسي على أوكرانيا، بدءا من مُضاعفة أعداد المُتعطلين عن العمل، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، وبروز دور أكبر للعصابات المُنظمة، ضد المحلات التجارية، والاستثمارات، والأفراد. مع كل ذلك، فقد تكون الأوضاع المعيشية مُجرد عاملاً في دعم أو دفع المحاولات الانقلابية.
قد يكون الانقلاب العسكري في البرازيل شيئًا من الماضي. وقد ينجذب بولسونارو إليه فقد كان رجلاً عسكريًا وكان لديه ميل للقيادة الشمولية. ولكن ما يعيد هذا الأمر اليوم هو الشعور بالحنين الذي يسود جانب من البرازيل أحيانًا. حينما يتحدث العديد من غير الأيديولوجيين بشكل عرضي بحنين عن فترة الانقلاب العسكري.
وبينما تتورط النخبة السياسية البرازيلية في العديد من فضائح الفساد الضخمة، تكشف العديد من تقارير الشوارع البرازيلية عن رغبة كبيرة بين الجماهير في استعادة السلطة الاستبدادية للأسف الشديد. لأنها، حسب رأيهم، أنقذت البلاد من رعب أكبر. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن 51٪ من البرازيليين يعتقدون أن الشوارع كانت أكثر أمانًا أثناء الانقلاب. مع ذلك، ولأن صورة رجال الجيش الأقوياء لم تتحطم، كما كان الحال في الأرجنتين، فإن البرازيليين يخشون بشدة من مشاركة الجيش في السياسة.