في موقف يحمل العديد من الاحتمالات، شدد الرئيسي الصيني "شي جين بينغ" على فتح آفاق جديدة للاستعداد للحرب في تفتيش قيادة المنطقة الشرقية لجيش التحرير الشعبي بمقاطعة جيانغسو في 6 يوليو الجاري. وأشار إلى أنه مع دخول العالم فترة جديدة من الاضطراب والتحول، فإن الوضع الأمني في الصين يواجه حالة عدم استقرار وعدم يقين متزايدة. ودعا ممثلو الضباط والجنود إلى اليقظة ضد الأخطار المحتملة والجهود الشاملة للوفاء بواجب القتال الذي من الممكن أن يتم تكليفهم بها، وتعزيز التخطيط للحرب والقتال، ونظام القيادة للعمليات المشتركة، وتكثيف التدريب في ظل ظروف قتالية حقيقية لرفع قدرات القوات على القتال والنصر. وقال إنه يجب النظر في القضايا العسكرية والتعامل معها من منظور سياسي (Xinhua: 6 July 2023).
تزامن حديث "شي" مع زيارة وزيرة الخزانة الأميركية "جانيت يلين"، تلك الزيارة التي جاءت بعد تحذير الرئيس الصيني خلال كلمته أمام منظمة شنغهاي من حرب باردة جديدة تقودها واشنطن (صحيفة الجريدة الكويتية: 7 يوليو 2023). هدفت زيارتها إلى تحسين العلاقات التجارية التي زعزعها التنافس المتزايد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. وقد استقبلها رئيس مجلس الدولة الصيني "لي تشيانغ" الذي صرح بأنه يأمل في أن يتبنى الجانب الأمريكي موقفا عقلانيا وعمليا من القضايا المشتركة. وقال إن تسييس التعاون الاقتصادي أو توسيع مفهوم الأمن عليه لا يفيد التنمية الاقتصادية للبلدين. وفي المقابل، حاولت "يلين" طمأنة بكين بأن الجانب الأميركي لا يسعى إلى قطع سلاسل التوريد، وليس لديه أي نية لإعاقة عملية التحديث في الصين، وأنه يجب السعي إلى تحقيق المنافع المتبادلة بين الدولتين بشكل يعزز استقرار العلاقات (Xinhua: 7 July 2023).
من الواضح أن المخاوف الصينية ازدادت بعد أن بدأ الجيش الأميركي تدريبات عسكرية واسعة تحت اسم "روح التحالف الحادي عشر" في بولندا. وهي المرة الأولى منذ جائحة كوفيد-19 التي تجري فيها واشنطن تدريبات واسعة في أوروبا. ما يثير بالتأكيد مخاوف بكين، خاصة وأن السفير الأميركي في بولندا ادعى مؤخرا أن واشنطن قد تنقل أسلحة نووية سبق نشرها في ألمانيا إلى بولندا، بما يهدد من تصاعد الأحداث في أوروبا. ومن المعروف أن واشنطن قررت في عام 2022 نشر رؤوس نووية في أستراليا مما أثار حفيظة الصين (CCTV: 6 July 2023).
على أية حال، قد تكون الزيارة الودية لوزيرة الخزانة الأميركية لبكين محاولة لطمأنة الصين من أن واشنطن لا تضمر أية نوايا سيئة، وأنها تفصل موقفها من أزمة أوكرانيا عن علاقاتها مع الصين، وأن أي تحركات في أوروبا لن تضر هذه العلاقة ما دامت بكين تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف. وإنها تفصل تماما بين العلاقات الاقتصادية والمصالح المشتركة وتحفظاتها في مسألة تايوان.
ويمكن إرجاع دعوة الرئيس الصيني للجيش بالاستعداد إلى عدة أسباب محتملة، قد يكون ذلك بسبب التوترات والتحديات الأمنية التي تواجه الصين على المستوى الداخلي والخارجي، مثل التهديدات الإرهابية والتوترات الإقليمية. أو حاجة بكين لتحسين قوات الدفاع للتأكيد على القدرة العسكرية للبلاد والحفاظ على الاستقرار الداخلي. وقد يرغب "شي" أيضا في استعراض قدرات جيشه وتحسين جاهزيته لحفظ النفوذ والتأثير الإقليمي للصين في المنطقة، ومواجهة أي تطورات للحرب في أوروبا واحتمالات امتدادها لآسيا.
وعلى الرغم من كثرة الاحتمالات، ولكن في اعتقادنا أن حديث "شي" لقادة جيشه لن يذهب خارج إطار التشجيع ورفع الروح المعنوية في هذه الفترة المضطربة عالميا، إلا أنه سيفتح بابا للكثير من التحليلات ومحاولات التفسير. ونعتقد أن الصين على ما يبدو لا تسعى لخوض حرب واسعة، وإذا قررت استعادة تايوان فسوف تكون ضربتها خاطفة مدروسة بدقة لتحقق نتائج سريعة تفتح الباب للأحاديث والتصريحات الدبلوماسية وليس للرد العسكري، وإن كنا لا نعتقد أن "شي" يفكر في هذه الخطوة الآن، فهو يخشى من تداعيات كبيرة لأي خطوة يخطوها في هذا السبيل على اقتصاد دولته في هذه المرحلة التي يحاول خلالها تحقيق خطته الاقتصادية كاملة. وإذا كانت المواضيع الخلافية كثيرة بين الجانبين، إلا أنها تتحرك بهامش ضئيل لن يؤدي إلى تعديل سياسات البلدين بسهولة.