عانت البرازيل من عزلة في عهد جايير بولسونارو وتراجعت مكانة هذا البلد العملاق من حيث المساحة والذي كان يحظى بقدر كبير من الاحترام في خلال سنوات الرئيس اليميني المتطرف الأربع في السلطة، وفق ما يقول المحللون بشأن سجلّه الدبلوماسي. يستند هؤلاء إلى نهجه الأيديولوجي في العلاقات الدولية ومخالفاته الأعراف الدبلوماسية وإهاناته وهفواته.
في لندن التي كان يزورها لحضور جنازة الملكة إليزابيث الثانية، خاطب الأحد بولسونارو الذي يقوم بحملة لإعادة انتخابه، حشدًا من أنصاره من على شرفة مقرّ السفير البرازيلي. وترى فرناندا مانيوتا منسقة العلاقات الدولية في مؤسسة (FAAP)
في ساو باولو أن "البلد يعيش عزلة دولية نسبية وأزمة مكانة خطيرة". وتشرح أن "القرارات متركزة لدى الرئاسة": جايير بولسونارو و"أبناؤه وأقرب مستشاريه الذين يشكّلون الجناح الأكثر تمسّكًا بالأيديولوجية في الحكومة".
تقول فرانس برس أن هذا الرئيس الذي لم يسافر إلا قليلًا، خاصم جزءًا من المجتمع الدولي في مسألتَي البيئة
وحقوق الإنسان واصطدم بالصين والعالم العربي، كما اقترب من بعض الدول المعزولة.
يرى المؤرخ في
جامعة ساو باولو رودريغو غويينا سواريس أنه لم يُعد يُنظر إلى السياسة الخارجية
البرازيلية على أنها "وسيلة للترويج الاقتصادي إنما كوسيلة لبناء تحالفات
يمينية متطرفة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية". وقد شعرت الصين أول شريك تجاري
للبرازيل، بالاستياء بسبب تصريحات متهوّرة صدرت عن برازيليا.
وتشير فرناندا
مانيوتا إلى أنه لم تتمّ المصادقة على الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والسوق
الجنوبية المشتركة (ميركوسور) "بسبب عداء متبادل". وتضيف أن البرازيل "فقد دوره
كدولة رائدة في الاندماج الإقليمي في أميركا الجنوبية" إذ إن علاقاته توتّرت
مع جارته الأرجنتين بعد أن اعتبر بولسونارو أن الشعب الأرجنتيني اختار رئيسه
"بشكل سيء".
لقد تسببت
مسألة الحرائق الهائلة التي اجتاحت غابة الأمازون عام 2019، بتوتير العلاقات بين
البرازيل وأوروبا. وكذلك تسمّمت العلاقات إلى حدّ اللاعودة مع الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون بعد أن سخر بولسونارو من شكل زوجته بريجيت ماكرون.
والشهر الماضي،
توجّه وزير الاقتصاد البرازيلي باولو غيديس لفرنسا التي وصفها بأنها
"تافهة" بالقول "فلتذهب إلى الجحيم" في حال لم تتعامل بشكل
جيّد مع بلاده.
يلفت غويينا سواريس إلى أن هذا أمر "غير مسبوق في الدبلوماسية البرازيلية، وحتى في الدبلوماسية ككلّ". وكان بولسونارو يراهن في كلّ شيء على الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب. ويقول فيليب لوريرو من معهد العلاقات الدولية في جامعة ساو باولو، إن "اصطفاف البرازيل مع الولايات المتحدة برئاسة ترامب غير مسبوق"، لكنه كان "اصطفافًا مع نهج ترامب".
لقد ظلت العلاقات الثنائية مع واشنطن باردة جدًا منذ وصول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، رغم أن بولسونارو كان من بين أول القادة الذين اعترفوا بفوزه في الانتخابات الرئاسية في وقت كان ترامب مصرًّا على حصول تزوير انتخابي. ويؤكد لوريرو أن ذلك "كان أيضًا مخالفة خطيرة للتقليد الدبلوماسي البرازيلي بعدم التدخل" في شؤون دول أخرى.
وقضى تعيين
إرنستو أراوجو، وهو دبلوماسي غامض ومتعصّب، عام 2019 وزيرًا للخارجية على الوزارة
الضعيفة أصلًا. وأحدث أراوجو المولع بترامب والمناهض للعولمة
والمشكك في جدوى قضية المناخ والمعادي للصين، تغييرًا جذريًا في التوجّه العام
للبلاد.
وفي
حال انتُخب رئيسًا في أكتوبر، ينوي الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا
(2003-2010) جعل البرازيل مجدّدًا قوة فاعلة دولية أساسية. ترى مانيوتا أن لولا الذي غالبًا ما
يحظى بشعبية في الخارج أكثر من الداخل، يُفترض أن "يقترح حوارًا مع كافة
الدول ويعيد إحياء التعاون بين دول الجنوب مع أميركا اللاتينية وإفريقيا" وهو
أمر تجاهله بولسونارو.
كذلك ينوي لولا إعادة إطلاق الاندماج الإقليمي
ومشاركة بلاده في الهيئات المتعددة الأطراف وفي الجهود الرامية إلى مكافحة التغيّر
المناخي. ويوضح غويينا سواريس أنه يُفترض أن يقوم الزعيم
اليساري "بإعادة التفاوض بشأن أحكام التحالف مع الولايات المتحدة" إضافة
إلى تحديد سياسة فعلية حيال الصين والتقرب من الاتحاد الأوروبي عن طريق قضية
البيئة".