بين واشنطن وبكين

تقديرات

بين واشنطن وبكين

23-Jun-2023

على الرغم من أن فرص تحسن العلاقات الصينية الأميركية معقدة وحساسة وقليلة للغاية مع تمدد واشنطن في بحر الصين الجنوبي والاقتراب من تايوان، إلا أنه يعتمد على عوامل عديدة، مثل المصالح المشتركة والخلافات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والإنسانية. ولا يمكن التنبؤ بمستقبل هذه العلاقات بسهولة، لكن يمكن مناقشة المسألة من عدة زوايا قد تكون المفتاح لفهم هذه الحالة المعقدة.

منذ أن عقد الرئيس "بايدن" ونظيره "شي" أول قمة افتراضية مباشرة بينهما في 16 نوفمبر 2021، أصبحت التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم تتصاعد حول قضايا مثل تايوان، والشؤون التجارية، وحقوق الإنسان، وأزمة أوكرانيا. وقال "بايدن" إنه على الدولتين مسؤولية ضمان أن المنافسة لن تضل طريقها لتتحول إلى صراع مفتوح، وأن جميع الدول لابد أن تتعامل وفقا لنفس القواعد. وذكر أن واشنطن سوف تنهض للدفاع عن مصالحها وقيمها ومصالح وقيم حلفائها. ومن جانبه، قال "شي" إن هناك حاجة لدى الدولتين لتحسين الاتصال ومواجهة التحديات معا. وأشار إلى أن العلاقات الأميركية الصينية الجيدة تعد ضرورة لمواجهة التحديات العالمية، كالتغير المناخي، وكوفيد، والأزمة الاقتصادية (BBC: 16 Nov. 2021).

لقد كان المبدأ الذي سارت عليه واشنطن خلال السنوات الأخيرة هو "فك الارتباط" Economic Decoupling بما يعني عدم الاعتماد على منتجات الصين، من أجل ألا يبقى الغربيون أسرى طموحاتها. وأصبح هذا المبدأ مرادفا لعملية التحول إلى نظامين منفصلين بدرجة متزايدة ومستمرة. واشنطن تسعى إلى منع الواردات الصينية وحماية أمنها القومي، بينما تهدف بكين إلى تحقيق مزيد من الاستقلال عن الغرب وسيطرته (Global Times: 17 Nov. 2020). ومع ذلك، تغير الأمر قليلا مؤخرا، فإذا نظرنا إلى مستقبل هذا المبدأ، سنجده غير واقعي وسيضر بكل من البلدين، لأن لديهما هياكل اقتصادية متكاملة وترابطا عالميا. كما أن فك الارتباط سيؤثر على صناعات محددة، مثل الكيماويات والأجهزة الطبية، من خلال خفض حصتهم في السوق وقدرتهم التنافسية. ولذلك تروج إدارة "بايدن" أحيانا إلى عدم المخاطرة بالصراع مع بكين، وإبقاء قنوات التواصل مفتوحة لتفادي سوء الفهم (Fortune: 17 Jan. 2023). 

ومن الواضح أن هناك اهتماما صينيا بترسيخ مفهوم السلام الدائم مع واشنطن، وقد دعاها وزير الخارجية الصيني "تشين غانغ" في أكثر من مناسبة إلى تصحيح تصوراتها عن بكين، والعودة إلى العقلانية في التعامل معها، لأن استقرار العلاقات ضروري للسلام والتنمية في العالم، بشرط احترام مصالح الصين وخطوطها الحمراء. ويتضح من خلال دراسة لموقع Brookings أن قادة الصين يواجهون ضغوطا اجتماعية واقتصادية وصحية متزايدة في عام 2023، ومن المتوقع أن يسعوا إلى تهدئة بيئتهم الخارجية للتركيز على التحديات المحلية. كما أنهم سيودون تقديم صورة لشعبهم بأنهم يحظون بالكرامة والاحترام في الخارج، ولا يوجد ما يؤكد هذه الرمزية أكثر من العلاقات الصينية الأميركية، فكثيرا ما تكون طريقة القيادة الصينية في إدارة العلاقات مع واشنطن عاملا في تهدئة الداخل وتقييم أدائهم فيه (Brookings: 4 Jan. 2023). 

ورغم صعوبة إدارة ملف العلاقات الأميركية الصينية، فإن التحديات العالمية المعاصرة تتطلب التعاون فيما بينهما، وإيجاد حالة توازن بين المصالح المحلية والاحتياجات العالمية، ستكون أولوية عليا لإدارتي بايدن وشي. ولكن مع وجود مجالات تعاون مهمة من الممكن أن تزدهر على الرغم من الخلافات، مثل مجالات الصحة العامة، والرعاية الاجتماعية، وعدم الانتشار النووي، والتبادل التعليمي، سوف تكون هناك أيضا تحديات رئيسية في مجالات حقوق الإنسان والتجارة والأمن، بالإضافة إلى التعامل مع الضغوط المحلية التي من الممكن أن تؤثر عل القادة بالسلب أو الإيجاب.

ويبدو، مع أهمية مستقبل العلاقات الأميركية الصينية، لكن لا يوجد حديث من الجانب الصيني حول ما إذا كان يمكن التوفيق بينهما وإيجاد سبل مصالحة شاملة أم لا. وربما يكون هذا دليلا على أن بكين لا ترغب في الحديث عن آفاق العلاقات المشتركة بشكل علني، لكن المؤكد أنها لا تسعى للتحدي أو التغيير أو الاستبدال، وإنما للتطور والتعاون والتكامل. وحتى مع استمرار إطار التنافس الشامل بين البلدين، فقد تظهر فرص لواشنطن تعزز أوجه تعاون مثمرة مع الصين في العام المقبل.





39