باتريوت الأميركية في أوكرانيا

تقديرات

باتريوت الأميركية في أوكرانيا

26-Dec-2022

أعلنت واشنطن في 21 ديسمبر، أنها سترسل صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا، في خطوة يقول الخبراء إنها ستعزز القدرات الدفاعية لكييف، وتقلل من خطر الهجمات الروسية التي لا هوادة فيها. ولكن هل يمكن أن تؤثر في مسار الحرب؟ وهل يتجاوز الهدف منها البعد العسكري والأمني؟

خلال الأيام الأولى من الصراع، ناشدت أوكرانيا الناتو للحصول على قدرات دفاع جوي متقدمة، وصرحت واشنطن من جانبها بأن باتريوت لن تكون مطروحة أبدا على الطاولة. وأفاد موقع Defense One في 10 مارس 2022 أنها رفضت لأن القوات الأمريكية ستحتاج إلى دخول أوكرانيا لتشغيل تلك المنظومة المعقدة، فهي ليست نظاما مألوفا لدى الأوكرانيين. ومن المعروف أن البطارية الواحدة تحتاج إلى 90 جنديا لتشغيلها. ولو تقرر الاعتماد على أوكرانيا في تشغيلها، فمن المحتمل أن يستغرق الأمر شهورا لتدريب جيشها على ذلك. فضلا عن أنها ليست مصممة لمكافحة العديد من الأسلحة التي تطلقها روسيا على أوكرانيا.

ذكر الخبير الاستراتيجي "بيتر زيهان" لموقع Straight Arrow News أنه بعد أن احتدمت المعارك، وازدادت مناشدات "زيلينسكي" للغرب، وضع الأمريكيون عدة معايير لدعمه بالأسلحة، كوجوب أن يكون نظام الأسلحة غير مهم لأنظمة الدفاع الأميركية، وأن تكون التكنولوجيا قديمة، كما يجب أن تكون شيئا يمكن للأوكرانيين العمل عليه وحدهم. لكن مع تقدم وتيرة الحرب تغيرت الأمور وتقرر أن يكون باتريوت بأيدي الأوكرانيين، مما يحتمل معه التأثير على مسار الحرب. وقد دعا ذلك القيادة الروسية إلى التصريح بأنه قرار استفزازي، وقد يكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها، وأن بطاريات باتريوت أصبحت هدفا مشروعا.

وحدد التقرير الذي أصدره "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" CSIS في واشنطن، 16 ديسمبر، السبب الأساسي لقرار واشنطن. فخلال الحرب الباردة، بنى الجيش الأميركي وجيوش الناتو الأخرى دفاعات جوية أرضية قوية لمواجهة القوات الجوية السوفيتية. ولكن مع نهاية الحرب الباردة، لم تعد هناك حاجة لوحدات الدفاع الأرضية. والخصوم المحتملين مثل إيران أو العراق أو كوريا الشمالية لديهم قوات جوية ضعيفة يمكن التعامل معها من قبل القوات الجوية الأميركية بسهولة، فتم إلغاء تنشيط معظم وحدات الدفاع الجوي، ولذلك هي لا تستخدم باتريوت في أغلب الأحوال. ولكن حسب بيانات وزارة الدفاع الأميركية، فبالرغم من أن بطاريات باتريوت لا تنتشر بعدد كبير في قواعد الجيش الأميركي. وبالتالي فإن كل بطارية هي سلعة ثمينة، لكن زادت أهميتها مع نشر وحدات أميركية إضافية في أوروبا الشرقية بعد حرب أوكرانيا.

ومن جانب آخر فإن إرسال بعضها إلى كييف، يعد تعبيرا عن الالتزام السياسي بقدر ما هو دفعة للقدرات الأوكرانية. باتريوت يمثل مقاربة غير تصعيدية للتهديد الجوي. علاوة على ذلك، لا يتخطى أيا من الخطين الحمر لروسيا، وهما إدخال جنود الناتو إلى أوكرانيا، أو غزو الوطن الروسي. لكنه سيجعل العمليات الجوية الروسية أكثر صعوبة. كما أن واشنطن تريد إحداث حالة من توازن القوى في المعركة الدائرة، فبمجرد نشر باتريوت، سيتم توفير قدرة من شأنها سد بعض الثغرات في الدفاعات الجوية الأوكرانية، وليست كلها. وهو ما يرجح أن قيمة قرار واشنطن يكمن في محاولة طمأنة القيادة والشعب الأوكرانيين بأنهم ليسوا وحدهم، فضلا عن استفزاز روسيا.

قال "جون سبنسر"، رئيس وحدة دراسات حرب المدن في منتدى سياسات ماديسون، لموقع The Hill أن منظومة باتريوت ستحمي كييف التي لم يكن باستطاعة الجيش الأوكراني حمايتها. ولذا هي ورقة رابحة، لكنها تتطلب تدريبا كبيرا. وأضاف أنه واثق من أن هذا التحدي كان ضمن خطط البنتاغون الاحتياطية. ويبدو أنه تم تدريب الأوكرانيين بالفعل في دولة ثالثة طوال الشهور السابقة من الحرب.

وبالإضافة إلى كافة الآراء السابقة، نرى أنه منذ أن تم نشر منظومة صواريخ باتريوت لأول مرة خلال حقبة الثمانينيات، أصبحت من الأصول الاستراتيجية التي شكلت العمود الفقري للدفاع الجوي والصاروخي للجيش الأميركي، وعنصرا رئيسيا لإبراز قوته، لكن بالإضافة إلى كونه سلاحا عسكريا حاسما، فقد أصبح أيضا رمزا سياسيا رئيسيا لالتزام واشنطن تجاه الشركاء، أكثر من كونه صاروخ اعتراض، فهي تمنحه لتنفيذ سياسات ومصالح.

ويبدو أن القصف الصاروخي الروسي لكييف في أكتوبر الماضي، ومنح طهران محركات الطائرات المسيرة لموسكو، لم يكن فقط لترويع المدنيين وتدمير البنية التحتية والاقتصاد في أوكرانيا، ولكن أيضا لتقويض قدراتها الدفاعية الجوية وإضعافها قبل المرحلة التالية من الحرب. وإلى جانب المكاسب السياسية، فقد يكون ذلك هو الدافع لإرسال باتريوت. فبالنظر إلى احتياجات أوكرانيا في هذه المرحلة من الحرب، أصبح من الصعب جدا استمرار رفض تزويدها بقدرات خاصة.

19