افتتحت الانتخابات التشريعية في بنغلاديش، في يناير الجاري، قائمة الانتخابات الطويلة المرتقبة سنة 2024، التي وصفت بـ"سنة الانتخابات" حيث ستفتح صناديق الاقتراع في 75 دولة... أي ما يعادل نصف سكان الأرض سيدلون بأصواتهم ويختارون ممثليهم، محددين بذلك ملامح المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في دولهم، وهي مشاهد ستتفاعل إقليميا ودوليا لتساهم بدورها في تشكيل مسارات النظام الدولي الذي يعيش مرحلة "مخاض" حساسة وصعبة.
وفي حين لم تأت الانتخابات الأولى في بنغلاديش بجديد يغير من الحسابات الجيوسياسية، حيث فازت الشيخة حسينة بولاية خامسة، رغم مقاطعة المعارضة لهذه الانتخابات، وهي نتيجة كانت متوقعة من قبل أغلب المتابعين... فإن انتخابات أخرى كفيلة بتغيير الحسابات الجيوسياسية وتعديل الخطط، وهنا نتحدث بالتحديد على الانتخابات الرئاسية في أميركا التي يعود فيه الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب إلى الصورة، رغم المحاكمات التي يخوضها.
في الواقع لا يقتصر تأثير الانتخابات الأميركية على نتائجها، بل على حملات المرشحين في ظل احتدام التنافس والاستقطاب بين الأحزاب وداخل الأحزاب في الولايات المتحدة. وبما أن الانتخابات ستكون في الربع الأخير من سنة 2024 فإن الأرباع الثلاث الأولى من السنة ستكون بالغة الحساسية، وقد يتم فيها اتخاذ قرارات كثيرة مبنية على الحملات الانتخابية. وعلى الأرجح أن الانتخابات ستؤثر على السياسات الأميركية تجاه الحرب في غزة، وحكومة نتنياهو، والدعم لأوكرانيا، والحرب التجارية مع الصين.
وتتوجه الأنظار إلى روسيا في 17 مارس 2024، حيث يأمل الغرب وأميركا في أن تؤدي هذه الانتخابات لنتيجة يتمناها ، مع أن الفرضية الأقوى على الإطلاق تقول بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيفوز بهذه الانتخابات، مجددا بقاءه على رأس الاتحاد الروسي لست سنوات إضافية.
جنوبا تشهد دولتان محوريتان في آسيا انتخابات متباينة في الهند وباكستان. إذ ستجري الهند الانتخابات العامة في مايو 2024 ، وسيتم انتخاب أعضاء مجلس الشعب الذي من المقرر أن تنتهي فترة ولايته في 16 يونيو 2024. هذه الانتخابات سيدخلها حزب بهاراتيا جاناتا كالعادة مراهنا على شعبية ناريندرا مودي رئيس الوزراء الهندي الذي يسعى للفوز بولاية ثالثة، تقول الترجيحات بأنه الأقرب من الفوز بها.
أما في باكستان فالوضع لن يكون بهذه السلاسة، في ظل وضع اقتصادي معقد، وغليان سياسي واجتماعي، قد تفجره انتخابات أقصي فيها عمران خان، وأعيد فيها نواز شريف للصورة. وفي حين نتيجة الانتخابات تبدو متوقعة كذلك في باكستان، فإن الرهان كبير على الجيش الباكستاني القوي لمواجهة اضطراب الشارع والسيطرة عليه لمنع أي انزلاق نحو فوضى أوسع في وقت تتزايد فيه هجمات تحريك طالبان وداعش خراسان الإرهابيين وتشتد فيه قبضة الفقر نتيجة الفشل الاقتصادي.
في الشرق الأوسط الكبير، ستكون الانتخابات في تركيا محط أنظار، إذ لطالما أثرت الانتخابات على سياسات داخلية وخارجية محورية لتركيا. الانتخابات البلدية المرتقبة في تركيا تعتبر مهمة "شخصية" بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان الذي سيرمي بثقله لاستعادة بلدية إسطنبول والعاصمة أنقرة من تحالف الأمة بقيادة حزب الشعب الجمهوري... في سبيل ذلك قد يسعى أردوغان لمغازلة بعض الدول من أجل تنشيط السياحة، وقد يرحل المزيد من اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري باعتبار ورقة اللاجئين كانت الأكثر تأثيرا في خسارته لإسطنبول في انتخابات 2019 حتى بعد جولة الإعادة.
إيران بدورها ستكون على موعد مع الانتخابات التشريعية للبرلمان المؤلف من 290 مقعدا في الأول من مارس 2024، إلا أن هذه الانتخابات لن تكون ذات أهمية كبرى، ولن تشهد تغييرا ملموسا مثيرا للانتباه. إذ يستمر تحييد الإصلاحيين والوسطيين.. وسط توقعات بعزوف انتخابي قد يكون الأكبر في تاريخ إيران. من جهة أخرى، ستجري إيران أيضا انتخابات أكثر أهمية وهي تلك المتعلقة بمجلس الخبراء، وهو هيئة مكونة من 88 عضوا من الفقهاء الإسلاميين مكلفة بتعيين المرشد الأعلى والإشراف عليه. ومن الممكن أن يأتي المرشد الأعلى القادم من بين أعضاء هذا المجلس.
على الصعيد العربي، وفي شمال أفريقيا تحديدا، ستكون دولتان محوريتان على موعد مع الانتخابات في الربع الأخير من سنة 2024. إذ تنتظر الجزائر انتخابات رئاسية في ديسمبر 2024، لدى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون حظوظ واضحة في الفوز بولاية ثانية فيها.
ومن المرتقب أن تجرى انتخابات رئاسية في أكتوبر في تونس بعد النهاية المفترضة للولاية الأولى للرئيس قيس سعيد. فوفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، "بما أن تونس أقرت دستورا جديدا في 2022 بنظام رئاسي مطلق. من الممكن أن يقول سعيّد أن دورته الحالية بدأت بعد الموافقة على الدستور الجديد وبالتالي -حسب هذا المنطق- فإن ولايته بخمس سنوات تنتهي في 2027. وما يزيد في غموض المشهد عدم إعلان هيئة الانتخابات عن رزنامة أو موعد إجراء هذه الانتخابات في انتظار موقف واضح من الرئيس سعيّد."