يو إس إس جورجيا

تقديرات

عصر الغواصات: ومستقبل السيطرة على البحار

04-Sep-2024

ظهور الغواصة الأميركية ( يو إس إس جورجيا ) في البحر المتوسط مؤخرا، تسبب في سيل من المقالات والدراسات في الدوائر ومراكز الدراسات الاستراتيجية حول مستقبل الغواصات النووية وقرب تراجع دور حاملات الطائرات في السيادة على البحار، باعتبار أنها تمثل عماد أساطيل البحار في المستقبل كبديل لحاملات الطائرات، لأنها أقل تكلفة ولا تحتاج لجيش من الأفراد لتشغيلها بجانب قدرتها الضخمة على حمل وإطلاق المئات من الصواريخ ذات الدقة العالية، مع امكانيات التخفي لفترات طويلة.

لقد أدت المخاطر الناجمة عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر ، ومع تصاعد المواجهات في غزة بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى تدفق الأساطيل الغربية وفي مقدمتها الأساطيل الأميركية إلى منطقة الشرق الأوسط وفاء لالتزام اميركي بالدفاع عن إسرائيل وردعاً لأي تصعيد إيراني في المنطقة .

في عام 1956 وصلت البوارج الأميركية إلى سواحل لبنان خلال فترة الرئيس كميل شمعون حينما تدخل الأسطول السادس الأميركي لأول مرة في دولة عربية، وتم تعزيزه بسفينة تحمل اسم (يو إس إس ماهان) بعد الاضطرابات التي حدثت في لبنان، بعد رفض شمعون قطع العلاقات الدبلوماسية مع دول غربية خلال العدوان الثلاثي على مصر في قناة السويس من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.

في كتابه "سيطرة القوة البحرية على التاريخ" الذي صدر في عام 1890 قال الفريد ماهان ، الذي شغل منصب مدير الأكاديمية البحرية الأميركية ، أن قوى البحر هي الأكثر حصانة وهي التي تتحكم في حركة التجارة خلال فترات الحرب والسلام ، وقال إن سبب تفوق انجلترا وانتشارها في العالم يعود إلى قوتها البحرية .

المعروف أن انجلترا قد بنت مجدها الاستعماري بفضل قوتها البحرية التي مكنتها من السيطرة على البحار حتى سواحل جزر الهند الشرفية والخليج ، ويقف تمثال هوراتشيو نيلسون أمير البحرية البريطانية في ميدان الطرف الأغر شاهداً على عصر إنجلترا الذهبي قي القرون من السابع والثامن إلى التاسع عشر .

المعروف أن معركة الطرف الأغر هي التي انتصر فيها الأسطول البريطاني على الفرنسيين عام 1805 قبالة سواحل إسبانيا ، وكان نيلسون ضمن الذين حاربوا في معركة أبوقير البحرية قرب الأسكندرية بين إنجلترا وفرنسا.

حاليا لم المملكة المتحدة سيدة بحار العالم ، كما أنها ليست الدولة الأولى في بناء حاملات الطائرات بعد أن انتقلت الريادة إلى الولايات المتحدة الأميركية ، ولكنها وفقاً  لبراندون جيه ويتشرت المحلل الجيوسياسي في واشنطن تايمز، لدى المملكة المتحدة غواصات من فئة فانغارد التي دخلت الخدمة  منذ تسعينيات القرن العشرين، وهي تعتبر حجر الزاوية في الردع البحري النووي للمملكة المتحدة وهي مجهزة بصواريخ ترايدنت وصواريخ باليستية تحمل رؤوس نووية وبريطانيا تعتبر من دول الثالوث النووي التي لديها قدرة على استخدام السلاح النووي من الجو والبر والبحر مثل روسيا وفرنسا والولايات المتحدة .

نظرية ماهان حول القوة البحرية التي قامت عليها قوة الولايات المتحدة مبنية على افول نجم القوة البحرية البريطانية،  خاصة بعد انسحاب بريطانيا من شرق السويس عام 1971 مفسحة الطريق لتوغل واشنطن في منطقة الخليج .

لقد بدأت البحرية الأميركية بسفينة واحدة منذ غام 1775 تحمل اسم (يو إس إس) ، وقامت ببناء أول حاملة طائرات عام 1922 وهي تخمل إسم ( يو إس إس لانجلي ) وتوالى بناء الحاملات التي تنتشر في بحار العالم وأشهرها تحمل أسماء رؤساء الأميركيين مثل أبراهام لينكولن وروزفلت وأيزنهاور وترومان ، و تعتبر( يو إس إس لينكولن ) من أكبر حاملات الطائرات الأميركية .

تواجه صناعة حاملات الطائرات الأميركية الآن حتى تلك التي تعمل بالطاقة النووية تحدياً جديداً من قبل الصين لدرجة أن بعض المراقبين يعتبرونه تهديداً للسيادة الأميركية على البحار،  فقد دشنت الصين ثلاث حاملات طائرات اخرها الحاملة ( فوجيان ) التي تتميز ببعض الميزات التقنية لا تتوفر في الحاملات الأميركية .

هذا الأمر سبب قلقاً أمام سرعة تفوق الصين في هذا المجال الجديد بالنسبة لها، ويتوقع أن يزيد عدد هذه الحاملات من حيث العدد ويتجاوز كل تملكه كل من روسيا والولايات المتحدة خلال السنوات القادمة، ومعركة الصين الرئيسية هي مع الولايات المتحدة حول تايوان ، ولكنها تعتقد أنها سوف تكسب المعركة بالطرق السلمية وليس عن طريق الحرب، وأن الغرض من توسعها البحري هو حماية مصالحها التجارية .

بعض الذين يعملون في مراكز الدراسات الاستراتيجية يعتقدون أن عصر بناء الحاملات قد ولى وأن المستقبل هو لبناء الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية مثل الغواصة (يو إس إس جورجيا) التي انضمت مؤخراً لمجموعة الأسطول الأميركي في البحر المتوسط دعماً للدور الأميركي في حماية اسرائيل. 

تمتلك الولايات المتحدة العشرات من حاملات الطائرات التي تمثل مطارات عائمة استطاعت أن تمدد الحدود الأميركية إلى حيث توجد المصالح الأميركية وتحيط هذه الأساطيل الان بكل منطقة الشرق الأوسط من كل جانب حيث توجد في البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج عدن والتي تشرف عليها قيادة الأسطول الخامس والقيادة المركزية الأميركية التي تدير حركة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، وتمثل هذه الأساطيل خاصة حاملات الطائرات قوة ردع أميركية تنتشر حتى بحر الصين في اطار الصراع الدائر بين واشنطن وبكين.

يشير خبراء الاستراتيجية إلى ان المستقبل في البحر لم يعد لسيطرة حاملات الطائرات، ولكن للغواصات التي تمتلك فيها الولايات المتحدة خبرة طويلة كما تقول مايا كارلين الخبيرة في الشئون الدفاعية ومجلة ( ذا ناشونال انترست )، أن الولايات المتحدة تمتلك العشرات من الغواصات من أشهرها خمس اجيال من الغواصات التي تحمل الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز وتوماهوك وهي غواصات من طراز أوهايو وتايفون وكولمبيا ودلتا وفانغارد ، وتعتبر كل من اوهايو وكولمبيا من أقوى الغواصات في الترسانة الأميركية.

من المؤكد حالياً ، خاصة في كل من البحرين الأحمر والمتوسط حيث مسرح الأحداث الحالية في منطقة الشرق الأوسط، لا توجد قوة بحرية منافسة للولايات المتحدة في هذه المنطقة بخلاف القوة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري،  وهو وجود محدود مقارنة بالوجود الأميركي.

 لذلك يثير الحشد الأميركي للأساطيل الذي حدث مؤخراً في المنطقة دهشة الكثير من الخبراء ويبدو أنه وسيلة ردع مقصود بها ارسال رسائل للداخل الأميركي والخارج معاً مع قرب موعد الانتخابات التي تريد فيها الإدارة الديمقراطية ارسال رسائل سياسية تعبر عن الالتزام الصارم بأمن اسرائيل ضد إيران مع تطمين لدول المنطقة و حرصاً على أصوات اليهود الذين يمثلون عدداً مؤثرا من الداعمين وأصوات الناخبين ، والمعروف أن معظم اليهود الأميركيين ينتمون وداعمين للحزب الديمقراطي.  

 

346