سعد الحريري إلى لبنان .. دلالات ورمزية العودة في ظرف ملتهب

تقديرات

سعد الحريري إلى لبنان .. دلالات ورمزية العودة في ظرف ملتهب

16-Feb-2024

عاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى بيروت للمشاركة في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، التي كما كان متوقّع حشد لها شعبيا، وحضر الآلاف من اللبنانيين إلى ساحة الشهداء في وسط بيروت لدعم خط سعد الحريري وما يمثّله من اعتدال ووسطية على المستوى السياسي والديني.

ووسط الحشود الشعبية والشخصيات التي توافدت من مختلف المناطق إلى وسط بيروت، زار الرئيس الحريري في 14 فبراير (ذكرى الاغتيال) ضريح والده، ورافقه الوزيرة السابقة، ورئيسة مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة، بهية الحريري، وعمّه شفيق الحريري، حيث قرأوا الفاتحة عن روحه وأرواح رفاقه. وبعد ذلك وجّه الحريري كلمة إلى الجمهور ومشى بينهم وحياهم كعربون تقدير على مجيئهم إلى الساحة. 

ولدى مغادرته، تحدّث الحريري إلى وسائل الإعلام متوجها إلى الحشود من بيت الوسط، فقال: "أريد أن أشكر كل الناس التي أتت من كل لبنان، وأريد أن أقول لهم، أنا أينما كنتُ، سأبقى إلى جانبكم ومعكم، وفي النتيجة مثلما تقولون (كل شي بوقتو حلو)، وسعد الحريري لا يترك الناس." وأضاف: "قولوا للجميع إنكم عدتم إلى الساحة، ومِن دونكم ليس هناك بلد ماشي. نبض البلد هنا، حافظوا على النبض، حافظوا على البلد، ونحن سوياً وأنا إلى جانبكم، وكل شي بوقتو حلو".

وطالما ترافق مع الحشد الشعبي للمناسبات في لبنان سؤال ما هي الحالة التالية للأوضاع الحالية؟ هل ثمّة تسوية تلوح في الأفق؟ أم هي المواجهة؟ أم أنّ الحريري لم يحزم أمره للعودة إلى المشاركة في الحياة السياسية اللبنانية كما نقل عن زوّاره، أو الموضوع لا يتجاوز التكهّنات. 

لقد أجاب الحريري عن هذه التساؤلات ولو بشكل غير مباشر من خلال لقائه على قناة العربية الحدث. لكن قبل تناول ما قاله الحريري في المقابلة، من المهم الحديث عن الحريري وفق الأوضاع الحالية.

إن شخصية سعد الحريري وتاريخه لا توحي بالمواجهة، فهي إن دلّت تدل على إمّا تسوية معيّنة أو عنوان لمرحلة بعد مرحلة. ولكن يروّج البعض إلى أنّ الحريري بدون ظهير إقليمي ، ليستنتجوا عدم عودته إلى الحياة السياسية أو أنّه في حال عودته، فسيكون ضعيفا، لا سيّما وأنّه خسر الكثير من أوراق سلطته كما تدعي الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، كما "فقد نفوذه في تيار المستقبل الذي يترأسه، وتأثّرت التزاماته سلبا تجاه التيار ومؤسساته المختلفة. ويفتقر الحريري أيضا إلى آلة إعلامية قوية ضد حزب الله وحلفائه."لكن هؤلاء المحللين نسوا أنّ الحريري  يتمتع بعلاقات إقليمية ودولية مميزة. 

ويتوفّر للمراقب المعطيات الدالة على التحرّك السياسي للحريري في المستقبل من خلال زياراته ولقاءاته والدعوة الشعبية لحضور ذكرى اغتيال الحريري الأب. كان أبرز لقاءات الحريري لقاءه السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون، التي قالت بعد اللقاء الذي دام 45 دقيقة: "كان اللقاء ممتازًا". إن زيارة السفيرة الأميركية للحريري لم يكن من أجل تقديم واجب العزاء أو السلوان، وإنّما تدل على اهتمام أميركي بشخص الحريري، إمّا أن يكون أدى هذا الاهتمام إلى قدوم الحريري إلى لبنان، وإمّا أن يحمل هذا الاهتمام صورة سياسية يكون الحريري بارزا فيها، وتحمل تسوية ما.

في المقلب الآخر، التقى الحريري سفير روسيا الكسندر روداكوف، الذي وجه إليه دعوة لزيارة موسكو، وحضه على العودة إلى العمل السياسي. وقال السفير الروسي بعد اللقاء: "ناقشنا بعض المواضيع الداخلية والإقليمية، ونحن نسعى لإيجاد الحلول في لبنان ونعتبر أن دور دولة الرئيس مهم جدا في هذا الإطار...روسيا ترحّب بزيارة الحريري، ونعتقد أنه سيلبّي دعوتنا، وموسكو منفتحة على جميع الأطراف وسوف ننادي لإيجاد الحل للجمهورية اللبنانية".وتخللت لقاءات الحريري عدداً من السفراء الذين عرض معهم التطورات الإقليمية والأوضاع في لبنان.

خلال مقابلة الحريري على قناة الحدث مساء 14 فبراير، أكّد الحريري على أمرين أساسيين، وأولهما الاعتدال والوسطية مقابل التطرف الذي يأخذ المنطقة اللااستقرار والمواجهة والدماء، وثانيهما السلام الذي يعزز من ازدهار المنطقة اقتصاديا. وكأنّ الحريري كان يقول أنّه مشروع سلام، وفي حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، فلن يكون للحريري دور في هذه المرحلة، أمّا إذا استغل لبنان وضع تصفير المشكلات في المنطقة، فسيعود إلى العمل السياسي ضمن معادلة السلام كرجل دولة. 

الحريري الذي كان قد اعتكف عن النشاط السياسي منذ عامين تقريبا يعود للمشاركة في الحدث السياسي برمزيته التي حملت دلالات مشروع ضد مشروع آخر في لبنان والمنطقة من الصعب أن تكون عودته عودة اشتياق للبنان وشعبه فحسب، وإنّما ستحمل في طيّاتها أبعادا سياسية ستظهر معالمها في الأيام المقبلة تباعا. 


297