
تدفع حالة الاضطراب التي تسيطر على حكومة ليز تراس الكثيرين إلى التساؤل حول ما إذا كانت رئيسة الوزراء البريطانية، التي لم تكد تكمل 6 أسابيع في منصبها الجديد، ستتمكن من الصمود أمام الأزمات المتتالية التي تعصف بحكوماتها. ففضلا عن الضربة التي وجهتها خطتها إلى الاقتصاد البريطاني من خلال خفض الضرائب، يهدد رجوع تراس عن عدد من وعودها الأخرى بشكل مباشر استمرارها في منصبها الحالي.
محاولات تراس الأخيرة الرامية إلى تعديل مسار عجلة الاقتصاد البريطاني ، لم يتم النظر إليها بصورة إيجابية على أنها تعديل ضروري لمسار سياسات ثبت عدم جدواها، فقد تمحور تركيز قراءات الخبراء على الخلل الواضح في تقدير المخاطر المصاحبة لتلك السياسات منذ البداية. وتعالت التساؤلات حول مبرر بقاء تراس في منصبها بعد أن تم الرجوع عن الخطط التي بنت عليها حملتها الانتخابية.
دق وزير المالية الجديد، جيريمي هانت، المسمار الأخير في نعش وعود تراس، بعد عرضه خطته لتدارك الأزمة أمام البرلمان في 17 أكتوبر 2022، قائلا: "سنعكس تقريبا جميع الإجراءات الضريبية المعلنة في خطة النمو قبل ثلاثة أسابيع"، مضيفا: "أخشى أنه سيتعين اتخاذ قرارات أكثر صعوبة بشأن كل من الضرائب والإنفاق، ضمن جهودنا في الوفاء بالتزامنا بخفض الديون على المدى المتوسط". علاوة على ذلك، قال هانت إن خطة دعم فواتير الطاقة للأسر لن تستمر لمدة عامين، كما سبق ووعدت تراس، ولكنها ستستمر حتى أبريل القادم فقط.
جلسة البرلمان التي أطلق فيها هانت هذه التصريحات، عكست حالة الحكومة المتزعزعة. إذ لم تحضر تراس الجلسة في بدايتها للرد على أسئلة زعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر، حول إقالة وزير المالية السابق كواسي كوارتنغ. بدلا عن ذلك، تولت زعيمة مجلس العموم بيني موردونت الرد على ستارمر، بينما انضمت تراس للجلسة في نهاية تصريحات موردونت، وبقيت لمدة نصف ساعة تقريبا، مكتفية بمشاهدة بيان هانت الذي أعقب ذلك.
تناول تقرير نشرته منصة بلومبيرغ في 17 أكتوبر 2022، أنه حتى أقرب مؤيدي رئيسة الوزراء يتساءلون إلى أي مدى يمكن أن تستمر قيادتها. ووفقا لوزراء ومساعدين في حكومتها، طلبوا عدم ذكر أسمائهم وهم يناقشون مستقبلها، فإن تراس تستعد لمواجهة المزيد من التحديات لمنصبها في الأيام المقبلة.
لكن على الرغم من ذلك، تحدث تقرير بلومبيرغ عن شكوك كل من حلفاء تراس ومعارضيها داخل حزب المحافظين حول إمكانية عزلها عاجلا، فبينما دعاها خمسة نواب من حزبها علنا إلى الاستقالة، سيحتاج ابعادها من منصبها إلى اتفاق ثلثي النواب في الحزب على تغيير قواعد القيادة فيه. لذلك، فإن تراس قد تكون محمية حتى انتهاء عامها الأول في المنصب.
اعتذار رئيسة الوزراء البريطانية الأخير في مقابلة مع بي بي سي، على ما وصفتها بـ"الأخطاء" السابقة، يمكن اعتباره انعكاسا لإحساسها بالخطر الداهم على منصبها. حيث إن استطلاعات الرأي الأخيرة تعكس تفوق حزب العمال المعارض على حزب المحافظين الحاكم. فقد وضع استطلاع مؤسسة الاستطلاعات (Redfield and Wilton Strategies) في 17 أكتوبر 2022، المعارضة في المقدمة بواقع 36 نقطة، وهي أكبر نسبة تقدم لأي حزب منذ 25 عاما.
هذا الوضع بات يشكل تهديدا كبيرا على حزب المحافظين، أوضح طبيعته مقال افتتاحي في صحيفة صنداي تايمز، نقلته واشنطن بوست في 17 أكتوبر 2022، ورد فيه: "لقد حطمت تراس سمعة حزب المحافظين من حيث الكفاءة المالية، وأذلت بريطانيا على الساحة الدولية... يجب على كبار المحافظين الآن العمل من أجل المصلحة الوطنية، وإخراجها (تراس) من داوننغ ستريت في أسرع وقت ممكن". الافتتاحية ذاتها وصفت هانت بـ "رئيس الوزراء الفعلي".
ويتوقف استمرار تراس في منصبها على اتفاق الحزب المحافظ على بديل لها، وفق ما نقلته واشنطن بوست عن جوناثان تونج، أستاذ السياسة في جامعة ليفربول، 17 أكتوبر 2022، الذي يرى أنه إذا استمرت تراس، "فهذا فقط لأن كبار حزب المحافظين لم يتمكنوا من الاتفاق على بديل". تونج شدد على أن "موقفها السياسي لا يمكن الدفاع عنه على الإطلاق... لقد قامت بحملتها على أساس برنامج التخفيضات الضريبية، والنمو الاقتصادي. تم تفكيك كل عنصر من عناصر ذلك من قبل جيريمي هانت".
يتبين مما تقدم، أن بقاء تراس يضرب شعبية حزب المحافظين ويهدد موقعه حزبا حاكما في بريطانيا، ويمكن القول إن الحزب قد يعمل على إبعاد تراس لتدارك للأزمة، كما حصل مع رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون. غير أن العائق الأساسي أمام ذلك، هو محاولة الحفاظ على وحدة الحزب التي تضررت إلى حد كبير، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة في حكومة جونسون. عليه، من الممكن أن يقرر كبار الحزب إبقاء تراس، حتى يتم ترتيب الأوراق خلف الكواليس والاتفاق على بديل يلتف الحزب حوله.