نشرت مجلة "أوراسيا" تقريرا ناقشت فيه التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة (FTA) الذي حدث مؤخرا بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) والجمهورية الإسلامية الإيرانية. واعتبرت المجلة التي تركز على شؤون أوراسيا التوقيع "علامة بارزة في التكامل الاقتصادي الإقليمي لإيران. وتأكيد على التنازلات الكبيرة التي قدمتها طهران في المجالات التنظيمية والتعريفية. إلى جانب عضويتها الوشيكة في مجموعة البريكس، فإن الاتفاقية ستساعد طهران على التحرك الاستراتيجي نحو مشاركة أعمق مع الأسواق الأوراسية".
هذه الاتفاقية تأتي في إطار الاستراتيجية الاقتصادية التي أطلقتها إيران، ردا على انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني. حيث أعلنت طهران عن رؤية جديدة لـ "اقتصاد المقاومة" ، بالموازاة أو دعما لاستراتيجية "الصبر الاستراتيجي التي طبقها سنة 2018، للتعامل مع "استراتيجية الضغط الأقصى" التي أطلقها ترامب خلال فترة رئاسته.
تقوم الرؤية الإيرانية على فك العزلة الاقتصادية، وتحويل إيران إلى عقدة أساسية في خطوط العبور، وسلاسل التوريد العالمية، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي، وعلى الانفتاح الاقتصادي ضمن المحيط الإقليمي الإيراني، وهو انفتاح تخدمه خطوط عبور متشعبة "تحرر" الاقتصاد الإيراني من قبضة العقوبات الأميركية والغربية. هذه الاستراتيجية بدأت في التبلور في ولاية حسن روحاني الثانية، التي شهدت إطلاق عدد كبير من المعابر وخطوط النقل، وتوقيع الاتفاقية الأبرز أو اتفاقية الـ 400 مليار دولار مع الصين، والتي تعزز محورية إيران ضمن مبادرة الطريق والحزام الصينية.
وتتوسع هذه الاستراتيجية اليوم بدبلوماسية إيرانية أكثر مرونة، وببعض البراغماتية الاقتصادية المثيرة للانتباه، والتي يعتقد بأن إيران قد تبنتها، أو سمحت بها، بدفع من المنافسة الشرسة التي تواجهها طهران في وسط آسيا والقوقاز، من قبل القوى الأبرز في المنطقة تركيا وروسيا. فضلا عن ظهور قوى جديدة غربية وعربية تنافس اقتصاديا بقوة كبيرة وبرؤى استراتيجية وازنة.
يتكون الاتحاد الاقتصادي الأوراسي من روسيا، وبيلاروسيا، وقيرغيزستان، وكازاخستان، وأرمينيا، وفيما تحتضن العاصمة الروسية موسكو المقر الرئيسي للاتحاد، فإن الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يعتبر سوقا موحدة متكاملة تضم 180 مليون شخص ويزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن 5 تريليون دولار أمريكي. وفي 25 ديسمبر 2023، عقد المجلس الاقتصادي الأوراسي الأعلى اجتماعا في سان بطرسبرغ. وعقب المنتدى، تم التوقيع على اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والدول الأعضاء فيه من جهة وجمهورية إيران الإسلامية من جهة أخرى.
وتهدف اتفاقية التجارة الحرة إلى رفع مستوى التجارة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، مع التركيز على قطاعات الزراعة والصناعة والقطاعات غير الجمركية. وتلغي الاتفاقية رسوم الاستيراد الجمركية على ما يقرب من 90% من مجموعة السلع الأساسية، الأمر الذي يعكس تنازلات طموحة من جانب إيران ويخلق بيئة مواتية للتجارة.
وفقا لمجلة أوراسيا ريفيو، فإن "الاتفاق جاء نتيجة للتنفيذ الناجح والفعالية للاتفاقية المؤقتة منذ عام 2019، والتي على الرغم من تغطيتها المحدودة في البداية، فقد سهلت زيادة كبيرة في التجارة المتبادلة من 2.4 مليار دولار في عام 2019 إلى 6.2 مليار دولار في عام 2022. مما أدى إلى نمو كبير في التجارة المتبادلة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران. كما تشير الشروط الحصرية للسلع الزراعية والصناعية، إلى جانب الاتفاقيات الإضافية في القطاعات غير الجمركية، إلى نهج شامل لتعزيز التعاون الاقتصادي مع روسيا وآسيا الوسطى والقوقاز.
وتضيف المجلة نفسها في تقييم متفائل، وتحليل للتغير الواضح في المقاربة الإيرانية للملف الاقتصادي "تدل اتفاقية التجارة الحرة على تحرك استراتيجي من جانب إيران نحو تكامل اقتصادي أعمق داخل المنطقة الأوراسية، وهي خطوة تتماشى مع عضوية البلاد المقبلة في مجموعة البريكس.
إن التركيز على السلع الزراعية والصناعية، إلى جانب اتفاقيات القطاعات غير الجمركية، يعكس نهجا شاملا للتعاون الاقتصادي. ولا تعمل الاتفاقية على ترسيخ مكانة إيران في الأسواق الأوراسية فحسب، بل توفر أيضا فرصا كبيرة لدول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي للوصول إلى السوق الإيرانية المتنوعة وتعزيز النمو الاقتصادي. ولم يسبق أن قدمت طهران لأي دولة في العالم امتيازات ذات نطاق مماثل في الجزأين التنظيمي والتعريفي. ستساهم هذه الخطوة المهمة في تطوير الحزام الاقتصادي بين الشمال والجنوب".