تداعيات إيقاف إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا

تقديرات

تداعيات إيقاف إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا

06-Jan-2025

 توقفت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا بشكل نهائي صباح الأربعاء (1 يناير)، بعد انتهاء مدة عقد مبرم بين كييف وموسكو نهاية العام 2019، ما يثير قلق بلدان عديدة في شرق أوروبا. وفي بيان نشرته على تطبيق تلغرام، قالت شركة الطاقة الروسية غازبروم إنها توقفت عن إرسال الغاز بسبب انتهاء الاتفاق الأربعاء، وقالت الشركة في بيانها: "بسبب الرفض المتكرر والصريح من الجانب الأوكراني لتمديد هذه الاتفاقيات، حُرمت شركة غازبروم من القدرة الفنية والقانونية على توريد الغاز عبر أراضي أوكرانيا ابتداء من 1 يناير 2025. ومنذ الساعة 8:00 بتوقيت موسكو، لم يُنقل الغاز الروسي عبر أراضي أوكرانيا". وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد أشار في مؤتمر صحفي في 19 ديسمبر إلى أن الاتفاق لن يُمدد، وقال: "هذا جيد. سننجو، غازبروم ستنجو".

في عام 2019، توصل الجانبان إلى اتفاق لمواصلة نقل الغاز الروسي حتى نهاية عام 2024. وكانت موسكو ملزمة بضخ نحو 40 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً عبر نظام نقل الغاز الأوكراني أو دفع الفَرق لكييف في حالة عدم التمكن من ضخه. وفي عام 2022، أرسلت موسكو أيضاً نحو 300 ألف برميل من النفط يومياً عبر خط أنابيب دروجبا (الصداقة) الذي يعبر جزءٌ منه أوكرانيا.

بعد إطلاق العملية العسكرية الروسية الشاملة في فبراير 2022، دعا المسؤولون الأوكرانيون حلفاءهم الأوروبيين إلى تقليص واردات الغاز من روسيا إلى حد كبير وقطعها في نهاية المطاف، وهو مصدر إيرادات رئيس لموسكو كان يساعد في تمويل آلتها الحربية، وفقاً لما تراه أوكرانيا والغرب، ومع ذلك استمرت شحنات النفط والغاز الروسية في عبور الأراضي الأوكرانية. وقال المسؤولون الأوكرانيون إنهم بحاجة إلى الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية، ليُظهروا للأوروبيين أنهم شركاء تجاريون جديرون بالثقة.

في سبتمبر 2022، تسبب انفجار في إتلاف خطي أنابيب نورد ستريم 1 و2، لكنه ترك فرعاً واحداً من نورد ستريم 2 قيد التشغيل. ولطالما اشتكت أوكرانيا من أن نورد ستريم سيسمح لروسيا بتجاوز الأنابيب الأوكرانية ويمنحها قبضة خانقة على إمدادات الغاز الأوروبية. في العام الماضي، أوضح المسؤولون الأوكرانيون أنهم لن يجددوا عقد العبور مع روسيا، وهو ما تسبب في احتكاك مع بعض جيران أوكرانيا الذين يتلقون الغاز الروسي بأسعار مخفضة عبر خط الأنابيب، وكانوا قد دفعوا إلى تمديد الصفقة.

لقد قطعت موسكو إمدادات الغاز عن أوروبا بعد حرب أوكرانيا في عام 2022، مما أدى إلى ارتفاع فواتير الطاقة وإجبار العديد من الحكومات على الكشف عن حزم الطوارئ لمساعدة الشركات والمواطنين المتعثرين، ورداً على ذلك، قللت معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اعتمادها على الغاز الروسي، رغم أن ثلاث دول هي: النمسا والمجر وسلوفاكيا، استمرت في شراء كميات كبيرة من الطاقة من روسيا.

يرى محللون أن قرار كييف تعليق تدفق الغاز عبر خط الأنابيب الذي كان يحمل الغاز السوفيتي ثم الروسي إلى أوروبا عقوداً من الزمن، هو جزء من حملة أوسع لتقويض قدرة موسكو على تمويل جهودها الحربية، والحد من قدرة الكرملين على استخدام الطاقة للضغط على أوروبا، وقال وزير الطاقة الأوكراني هيرمان جالوشينكو في بيان "هذا حدث تاريخي، روسيا تخسر أسواقها وستتكبد خسائرَ ماليةً".

ويعد خط الأنابيب عبر أوكرانيا، الذي تم بناؤه في الحقبة السوفيتية لنقل الغاز السيبيري إلى الأسواق الأوروبية، آخر ممر رئيس للغاز الروسي إلى أوروبا بعد تخريب خط أنابيب نورد ستريم إلى ألمانيا عام 2022، ربما من قبل أوكرانيا، وإغلاق طريق عبر بيلاروسيا إلى بولندا.

ويصر زعماء الاتحاد الأوروبي على أنهم قادرون على التعامل مع مشكلة عدم مرور الغاز عبر أوكرانيا، قائلين إن الاتحاد عمل على مدى السنوات الثلاث الماضية على خفض اعتماده على الغاز الروسي، وخفض الواردات أربعة أضعاف. ووفقاً لمؤسسة بروغل البحثية في بروكسل، فإن 5% من واردات أوروبا من الغاز جاءت عبر أوكرانيا، استناداً إلى بيانات الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024.

تقول روسيا، التي تنقل الغاز إلى أوروبا، إن دول الاتحاد ستعاني أكثر من غيرها من تحول الإمدادات وستخسر أوكرانيا ما يصل من رسوم العبور إلى مليار دولار سنوياً من روسيا بسبب التوقف، وفقاً لرويترز، في حين أنه من المتوقع أن تخسر شركة غازبروم ما يقرب من خمسة مليارات دولار من مبيعات الغاز.

ورغم تراجع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بشكل كبير منذ بداية الحرب في أوكرانيا، فإن الدول الواقعة في الشرق ما زالت تتلقى إمداداتٍ كبيرةً من موسكو، حيث تعد سلوفاكيا والنمسا ومولدوفا من بين أكثر الدول عرضة للخطر بسبب التوقف. كانت هذه الدول الأوروبية هي الأكثر اعتماداً على الغاز الروسي في عام 2023، وفقاً لشركة Rystad Energy، حيث استوردت سلوفاكيا حوالي 3.2 مليار متر مكعب في ذلك العام، وحصلت النمسا على 5.7 مليار متر مكعب، وحصلت مولدوفا على ملياري متر مكعب.

وفي الأسابيع الأخيرة، ندّدت سلوفاكيا والمجر اللتان تعتمدان بشكل كبير على الغاز الروسي، بتداعيات هذه الخطوة التي من شأنها قطع الغاز تماماً عنهما في نهاية العام، مع عدم وجود حلول بديلة فورية ذات موثوقية، وحذر رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو من العواقب الوخيمة التي ستترتب على وقف عبور الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا.

كانت الصفقة المنتهية تمثل نحو 5% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، وفقاً لمركز أبحاث بروغل ومقره بروكسل، وكانت تزود النمسا والمجر وسلوفاكيا بشكل أساسي. والآن، بعد انتهاء صلاحيتها، تتلقى أوروبا الغاز عبر خط الأنابيب من روسيا عبر مسار واحد: خط أنابيب ترك ستريم، الذي يمر عبر تركيا ويصل إلى بلغاريا وصربيا والمجر، وفقاً لمركز بروغل.

وقال هيننج غلويستين، رئيس الطاقة والمناخ والموارد في مجموعة أوراسيا، إن انتهاء الاتفاق "لم يكن مفاجئاً"، لكن يتوقع أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الغاز الفورية عندما تعيد الأسواق فتح أبوابها، ومن غير المرجح حدوث ارتفاع كبير في الأسعار كما حدث خلال تخفيضات الإمدادات الروسية السابقة، حيث استعد مستوردو الاتحاد الأوروبي لهذا السيناريو منذ فترة طويلة، حسبما قال لشبكة "سي إن إن"، مضيفاً أن معظم أوروبا شهدت بداية معتدلة للشتاء.

ورغم أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى خفض عائدات روسيا من مبيعات الغاز بنحو 6.5 مليارات دولار سنوياً، فإنها تحمل أيضاً أخطاراً بالنسبة لأوكرانيا. فقد تقرر موسكو قصف شبكة خطوط الأنابيب الأوكرانية، التي نجت إلى حد كبير من الهجمات حتى الآن، خاصة بعد أن أصبح لديها القليل من الحوافز لتركها دون أن تُلحق بها أذى، كما يقول المحللون العسكريون. وفي ذروتها، كانت روسيا تزود أوروبا بنحو 40% من الغاز، لكن هذه النسبة انخفضت بشكل حاد في السنوات الثلاث الماضية، ولم يمثل خط الأنابيب الذي يمر عبر أوكرانيا سوى نحو 5% من واردات أوروبا من الغاز في العام الماضي (نيويورك تايمز – 1 يناير).

أوقفت أوكرانيا تدفق الغاز الروسي إلى العديد من الدول الأوروبية في اليوم الأول من العام الجديد، مما أنهى هيمنة موسكو التي استمرت عقوداً من الزمن على أسواق الطاقة في أوروبا. تمثل هذه الخطوة نهاية لاتفاقية النقل التي استمرت خمس سنوات بين روسيا وأوكرانيا، حيث لم يرغب أي من الطرفين في التوصل إلى اتفاق جديد وسط الحرب المستمرة.

وتصر النمسا على أنها مستعدة جيداً لتحمل تداعيات ذلك، لكن رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو هدد بقطع إمدادات الكهرباء عن أوكرانيا المجاورة. وتأتي هذه الخطوة الأوكرانية نتيجة لعثور الاتحاد الأوروبي على مصادر بديلة للغاز الطبيعي المسال من قطر والولايات المتحدة، فضلاً عن الغاز المنقول عبر الأنابيب من النرويج، منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا.

97