منذ يونيو الماضي ومخاوف بولندا وجارتيها لاتفيا وليتوانيا، تزداد من إمكانية توسع نشاط مجموعة فاغنر داخل حدود بلادهم، خاصة بعد تواجدها الذي بات رسميا في بيلاروسيا. حيث قال الرئيس البولندي "أندريه دودا" إن وجود المجموعة في بيلاروس يمثل تهديدا محتملا للدول المجاورة الواقعة على الجناح الشرقي لحلف الناتو (France24: 28 JUNE 2023).
وقد تعهد "بريغوزين" زعيم فاغنر بحماية بيلاروسيا من توغلات محتملة وتعزيز جيشها منذ أن أرسل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" قوات المجموعة إليها بعد محاولة تمردها ضد القيادة العسكرية لموسكو الشهر الماضي، مما أثار مخاوف بشأن الاستقرار في جميع أنحاء أوروبا الشرقية. وفي المقابل قال رئيس الوزراء البولندي "ماتيوس موراوسكي" أنه تم نقل قوات بولندية شرقا على بعد نحو 45 كيلو مترا من الحدود مع بيلاروسيا، ولم يحدد عدد أو نوع القوات المتمركزة هناك، لكنها حسب بعض التقديرات تصل إلى 1000 مقاتل كاملي العتاد (DW: 22 July 2023).
وكان المشرع الروسي "أندريه كارتابولوف" قد اقترح في وقت سابق أثناء لقاء في قناة حكومية روسية، أن يرسل بوتين مجموعة فاغنر إلى بيلاروسيا للتحضير لهجوم ضد بولندا والسيطرة على ممر سوالكي الاستراتيجي، وعزل دول البلطيق عن بقية أوروبا (Newsweek: 15 July 2023). والمعروف أن هذا الممر باختصار يعد قنبلة روسية مفخخة في قلب أوروبا، من الممكن أن يسخر الناتو كل إمكانياته للدفاع عنه، فهو ممر استراتيجي أرضي يصل بيلاروسيا بكالينينغراد، الجيب الروسي في أوروبا. ويتسم بكثافة سكانية متناثرة جنوب غرب الحدود بين ليتوانيا وبولندا.
على أية حال، جاء رد بوتين على تصريحات وإجراءات بولندا ليزيد من توتر الموقف، لاسيما بعد أن اتهم وارسو، دون دليل، بالرغبة في غزو أوكرانيا والاستيلاء على جزء كبير منها، وأنها كانت تحلم بأراضي بيلاروسيا، وحذرها خلال اجتماع متلفز لمجلس الأمن الروسي من شن هجوم على بيلاروسيا (Newsweek: 22 July 2023). وفي اليوم التالي اجتمع مع نظيره البيلاروسي "لوكاشينكو" في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، وصرح الأخير بأنه منع فاغنر من التوجه إلى وارسو. فقدمت بولندا احتجاجا شديدا إلى روسيا، ضد ما وصفته بأنه تهديد من موسكو ضد دولة ذات سيادة وعضو في الناتو (BBC: 23 July 2023).
هذه المخاوف لم تكن بهذه القوة عندما كانت فاغنر ترتكز على الحدود بين روسيا وأوكرانيا، حين لم تكن قريبة من حدود دول البلطيق مع بيلاروسيا. وهو من وجهة نظرنا، قلق ينبع في الأساس من قلة المعلومات حول حجم تسليح وعدد المرتزقة بالقرب من حدود بولندا، وقلق آخر من الجهل بطبيعة مهمتها، ومدى ما يمثلونه من تهديد، خاصة وأن "بريغوزين" لا يمكن التنبؤ بنواياه بعد أن شعر بقوته واحتياج روسيا لمجموعته التي باتت تشكل تهديدا غير متحكم فيه لروسيا نفسها.
وفي اعتقادنا أنه كلما ازدادت مساحة فاغنر العسكرية، زادت معها طموحاتها السياسية، وهذا أمر مقلق للأمن والسلم الأوروبي، بل والعالمي، لأن المجموعة منتشرة في كل بقعة ساخنة تتواجد فيها روسيا، سواء في أوروبا أو إفريقيا وآسيا.
وعلى الرغم من مشروعية مخاوف بولندا وجارتيها، لكن من غير المحتمل أن تعتدي فاغنر على أي منها ولو حتى بتحرشات بسيطة، لأن هذه الدول أعضاء في حلف الناتو، الذي سيكون ملزما بالرد والدفاع عنها، وهو ما لا تستطيع فاغنر مواجهته، ويترتب على ذلك التأكيد على أن ادعاءات بوتين عن نوايا وارسو، وحديث "لوكاشنكو" عن منعه فاغنر من التوجه إلى بولندا، هو من قبيل المشاكسة والتهديد، الذي ربما يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية ستتضح طبيعتها في المستقبل القريب، ولكن من المستبعد تماما، وفقا للظروف الحالية، أن تسمح روسيا للمجموعة بالتحرش بدولة عضو في حلف الناتو.