في 4 إبريل 2023، أصبحت فنلندا العضو الـ 31 في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في ما تم وصفه بأسرع عملية تصديق انضمام عضو جديد في تاريخ التحالف الحديث. خلال حفل رسمي في مقر الناتو في بروكسل، تحدث الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ قائلا إنه "منذ ما يقرب من 75 عاما، قام هذا التحالف العظيم بحماية دولنا... والآن بعد أن عادت الحرب إلى أوروبا، قررت فنلندا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وأن تكون جزءا من أنجح تحالف في العالم".
يمثل انضمام فنلندا إضافة استراتيجية للتحالف العسكري، الذي يمثل أحد أهم الأطراف المؤثرة على مسار الحرب الجارية في القارة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا. بالنسبة للناتو، الانضمام الأخير يضاعف الحدود بين التحالف وروسيا، الطرف الآخر في المعادلة الأمنية الأوروبية، في خطوة تغير الحسابات العسكرية من منطقة البلطيق إلى القطب الشمالي. في السياق، يقول جيمي شيا، المسؤول السابق في الناتو والخبير في مركز أبحاث تشاتام هاوس بلندن: "سيجد الناتو الدفاع الجماعي ضد روسيا أسهل الآن، مع المزايا المصاحبة للوصول إلى الأراضي الفنلندية"، (فوا نيوز، 31 مارس 2023).
علاوة على المزايا الجغرافية، أصدر مركز ويلسون بواشنطن، في نوفمبر الماضي، تقريرا أورد ثلاثة مجالات رئيسية أخرى يستفيد فيها الحلف من فنلندا، تتضمن التالي:
1/ قوات الاحتياط: يقول المركز إن فنلندا يمكنها حشد 900 ألف من أفراد الاحتياط الذين تم تدريبهم في قواتها المسلحة.
2/ الوصول إلى التكنولوجيا: التقرير أشار إلى سجل فنلندا القوي في مجال الأمن السيبراني، وكونها موطن شركة نوكيا، التي تمثل واحدة من ثلاثة مزودين رئيسيين للبنية التحتية للجي 5 في العالم، إلى جانب إريكسون السويدية وهواوي الصينية.
3/ قوات المدفعية: يذكر التقرير أن قوات المدفعية الفنلندية هي الأكبر والأفضل تجهيزا في أوروبا الغربية، حيث تتفوق في حجمها على تلك التي تمتلكها بولندا وألمانيا والنرويج والسويد معا.
في المقابل، تضمن عضوية فنلندا في الناتو وصولها إلى موارد الحلف بأكمله في حالة تعرضها لهجوم، علما بأن هلسنكي قد قدمت طلب الانضمام للحلف مدفوعة بالمخاوف الأمنية التي انتشرت في الدول المجاورة لروسيا بعد إطلاقها عمليتها العسكرية في الأراضي الأوكرانية. نشير هنا إلى أن الحرب في أوكرانيا دفعت بالرأي العام إلى دعم الانضمام للناتو، بعد أن كان أغلب الفنلنديين يفضلون عدم الانخراط في الحلف، تفاديا لأي تصعيد محتمل مع روسيا.
تعتبر أهم مزايا الانضمام إلى الحلف بالنسبة لفنلندا هي الحماية التي يوفرها مبدأ المادة 5 من الناتو، الذي ينص على أن الهجوم على عضو واحد في الناتو هو هجوم على جميع الأعضاء. هذا المبدأ يمثل حجر الأساس في التحالف المكون من 30 عضوا، منذ تأسيسه في عام 1949 ليكون ثقل موازن للاتحاد السوفيتي. فضلا عن ذلك، فإن عضوية الناتو تدمج القوات الفنلندية بشكل أفضل في التدريب والتخطيط مع حلفاء الناتو، وهي عملية ستكون أقل صعوبة بالنسبة لفنلندا بسبب خبرتها في العمل مع الحلف، إذ كانت قواتها تشارك بانتظام في مناورات الناتو في السابق بموجب وضع الشريك.
روسيا، على الجانب الآخر، هي الخاسر الأكبر من انضمام فنلندا، الذي يمثل ضربة مباشرة إلى مكانتها في التوازن الأمني الأوروبي. تجد موسكو اليوم حدودها محاطة بشكل أوسع من قبل الناتو. قبل انضمام فنلندا، شاركت روسيا حوالي 1,215 كيلومترا من الحدود البرية مع خمسة أعضاء في الناتو. هذا الرقم تضاعف بعد الانضمام، مما يفاقم الخطر الأمني الذي يشكله الحلف من المنظور الروسي.
لقد أطلقت موسكو تحذيرات بخصوص انضمام فنلندا على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر جروشكو الذي قال لوكالة الأنباء الحكومية الروسية (RIA Novosti)، في 3 إبريل 2023: "سنعزز قدراتنا العسكرية في الغرب والشمال الغربي إذا نشر أعضاء الناتو قوات ومعدات على الأراضي الفنلندية". وبعد الإعلان عن انضمام فنلندا رسميا قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن انضمام فنلندا سيجبر موسكو على "اتخاذ تدابير مضادة لضمان أمننا، تكتيكيا واستراتيجيا"، (سي ان ان، 4 إبريل 2023).
يأتي انضمام فنلندا رسميا في إطار محاولة إعادة تشكيل المعادلة الأمنية في أوروبا على خلفية الحرب في أوكرانيا. من جهة، يسعى الناتو بقيادة الولايات المتحدة إلى التوسع أكثر، واكتساب قدرة أكبر على تهديد روسيا من خلال ضم فنلندا. ومن جهة أخرى، تسعى موسكو إلى تعزيز مكانتها ضمن هذه المعادلة بعدة طرق، أهمها يتمثل في ضم المناطق الشرقية من أوكرانيا، ونشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.
في تقديرنا، ستتجه روسيا أكثر نحو توظيف النشر الاستراتيجي لقدراتها النووية في مواجهة التوسع الأخير لحلف الناتو، خاصة وأن قدرتها على تخصيص عدد أكبر من الجنود والقدرات العسكرية التقليدية على حدودها مع فنلندا، تبقى مقيدة إلى حد كبير بسبب الحرب في أوكرانيا. علاوة على البدء في نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا، فقد سبق وأن صعدت روسيا من موقفها النووي في الشمال، بعد أن نقلت العديد من القاذفات ذات القدرة النووية إلى شبه جزيرة كولا قبل التدريبات النووية في أكتوبر الماضي، التي تضمنت اختبارات لجميع الأفرع الثلاثة للثالوث النووي الروسي في القطب الشمالي.