يائير لبيد ، رئيس وزراء إسرائيل

تقديرات

الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا

27-Oct-2022

يبدو أن الموقف الإسرائيلي يشهد حالة من حالات إعادة تقييم الموقف تجاه الحرب في أوكرانيا، فبعد أن كان زعيم اليمين "بنيامين نتنياهو"، يتبنى موقفا محايدا، بينما اليسار والوسط الليبرالي بزعامة رئيس الوزراء "يائير لبيد" يؤيدان كييف، أصبح الأول يبدي الآن استعداده لدعم أوكرانيا بالسلاح بشرط أن يعود إلى منصبه السابق كرئيس للحكومة.

وجاء تصريح "نتنياهو" في مقابلته مع صحيفة USA Today بأنه في حال عودته إلى منصبه كرئيس للوزراء سوف يقوم بدراسة إمكانية توريد أسلحة لأوكرانيا، من قبيل الدعاية لنفسه والاستفادة من حجم التأييد الشعبي داخل إسرائيل المؤيد لأوكرانيا. ومن المحتمل أنه يريد الاستفادة في معركته السياسية بكسب تيار اليسار بعد أن تظاهر حوالي 200 ناشط منه أمام مقر رئيس الحكومة في القدس يوم 16 أكتوبر احتجاجا على قرار الامتناع عن تزويد أوكرانيا بالقبة الحديدية ووسائل الدفاع الجوي، بعدما تم كشف مساندة إيران لروسيا بطائرات مسيرة. وكان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي "دميتري مدفيديف" قد خير تل أبيب في 18 أكتوبر، بين استمرار علاقاتها مع موسكو أو دعمها كييف، وتحذيرها من تداعيات تزويد الأخيرة بصواريخ مضادة للطائرات.

في الواقع، ومنذ الأيام الأولى للحرب، أدان "لبيد"، وكان وزيرا للخارجية آنذاك، موقف موسكو، مستخدما لهجة ومفردات تشبه إلى حد بعيد تلك التي يستخدمها القادة الغربيون. بينما حاول رئيس الوزراء آنذاك "نفتالي بينيت"، التعبير عن موقفه بالتعاطف مع المدنيين الأوكرانيين. ويبدو أنه كان هناك تقاسما حذرا ومتفقا عليه في المواقف، حتى تتضح الصورة كاملة أمام السلطات في إسرائيل.

كانت رسائل الحكومة الإسرائيلية مبهمة عن قصد منذ البداية. "بينيت" تجنب إدانة بوتين أو روسيا، بينما تحدث وزير الخارجية آنذاك "يائير لبيد" بشكل أكثر وضوحا، فمثّل القناة الإسرائيلية الرئيسية لانتقاد موسكو، حتى أنه عرض مساعدات إنسانية لأوكرانيا، لكنه لم يلوح بمساعدات عسكرية أو حتى الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد موسكو.

في تقرير مشترك لكل من "إليوت أبرامز" و"جدعون فايس" نشره موقع "مجلس العلاقات الخارجية" في واشنطن، تبين أن إسرائيل تواجه ضغوطا داخلية وخارجية منذ اللحظات الأولى للحرب، لدعم أوكرانيا بموقف واضح. تقريبا 76% من سكانها يؤيدون أوكرانيا في الحرب. وفي الوقت ذاته، تعد إسرائيل موطنا لحوالي 1.2 مليون مهاجر روسي، وهو ما قرب الكرملين إلى تل أبيب. ومن المعروف أن "بوتن" ينظر إلى اللغة والثقافة كمفاتيح لتوسيع دائرة نفوذ الاتحاد الروسي. وقد طورت إسرائيل منذ أواخر التسعينيات علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع موسكو، حتى أن حملة إعادة انتخاب نتنياهو لعام 2019 استخدمت صورا له مع بوتين في الإعلانات.

إن تقدير الموقف الإسرائيلي من الحرب في أوكرانيا يجعلنا نضع الأزمة السورية ضمن الأسباب التي تجعل تل أبيب تلجأ إلى بعض الحياد، أو على الأقل لا تقدم دعما لكييف يهدد روسيا وطموحاتها في أوكرانيا. فإسرائيل تتردد في انتقاد "بوتن" بشدة نظرا لدعمه للدولة السورية، حيث تتواجد القوات الروسية والإيرانية على حد سواء إلى جوار قوات الجيش السوري. ومن الواضح أن هناك تنسيق بين تل أبيب وموسكو، يُمَكن القوات الإسرائيلية من تفادي الاشتباك مع القوات الروسية، حينما تضرب أهدافا إيرانية في سوريا. فإسرائيل تعتبر الوجود الروسي في دمشق بمثابة ضابط على نفوذ إيران وبالتالي حماية مهمة لأمن إسرائيل، وليس من السهل عليها التضحية بذلك. في الوقت نفسه، شهد العقد الماضي تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وأوكرانيا، كما أدى انتخاب "زيلينسكي" كأول رئيس يهودي لأوكرانيا إلى تنشيط العلاقات الثنائية، ولن تضحي بذلك أيضا.

إن مصلحة إسرائيل في عدم لفت الأنظار، والالتزام بالصمت تجاه الحرب في أوكرانيا قدر الإمكان، نظرا لتشابك علاقاتها مع موسكو وكييف. لذلك تُظهر كافة التصريحات حبلا دبلوماسيا مشدودا تسلكه، في محاولة منها للموازنة في علاقاتها مع الولايات المتحدة أكبر حليف لها، مع الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا، وفي ذات الوقت لا تفقد تلك العلاقة المميزة مع أوكرانيا.

في النهاية، نعتقد أن التصريحات المتضاربة في إسرائيل حول الحرب في أوكرانيا منسقة، ولم تكن متناقضة، بل متكاملة، لحماية أمن إسرائيل. فتل أبيب تخشى أن يغلق "بوتن" الطريق أمام عملياتها في سوريا، فتتدفق الأسلحة الإيرانية إلى سوريا، ومن ثم لبنان، مما يضع إيران بشكل أساسي على حدود إسرائيل، وهو في اعتقادنا السبب الأهم خلف هذا الموقف الإسرائيلي تجاه الحرب في أوكرانيا، ومن المحتمل أن يكون تغيير المواقف حول الحرب في الوقت الراهن مجرد مناورة لكسب أوراق سياسية وامتصاص غضب الرأي العام الإسرائيلي المتعاطف مع أوكرانيا.

162