دخلت الحرب مرحلة شرسة بعد المواجهات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله وزادت الأمور تعقيدا لبنان، بتحول الصراع المنخفض المستوى بين إسرائيل وحزب الله إلى هجمات صاروخية وجوية مركزة، مهد لذلك تفجيرات أجهزة البيجر والووكي توكي الخاصة بعناصر الحزب، وقد تداعت الأمور سريعا إلى ما نراه من كارثة مروعة نتيجة الهجمات بين الطرفين ما يوحي بتوسع رقعة الحرب .
ومنذ اندلاع
الحرب في غزة في السابع من أكتوبر، يتبادل حزب الله وإسرائيل القصف بشكل يومي عند
الحدود اللبنانية الإسرائيلية. ويستهدف حزب الله بشكل رئيسي مواقع عسكرية
إسرائيلية، في هجمات يشنّها من جنوب لبنان يقول إنها "دعما" لغزة
و"إسنادا" لمقاومتها.
وقد اتهم سمير
جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، أحد أبرز الأحزاب المسيحية، حزب الله الأحد بـ
"مصادرة قرار اللبنانيين" وأضاف "هذه الحرب لا يريدها اللبنانيون
ولم يكن للحكومة رأي فيها وكلمة. هذه حرب لا تخدم لبنان ولم تفد غزة ولم تخفف من
معاناتها وأوجاعها قيد أنملة".
ووفقا للخبير السياسي بول روجرز، فإنه على الرغم من حجم الأضرار التي
حدثت على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في إسرائيل، ولكن يبدو أن نتنياهو عازم على التصعيد
حتى لو وصل الأمر إلى حرب إقليمية كبرى، وذلك بالرغم من أن التعليقات التي وردت في
وسائل الإعلام الإسرائيلية من قبل ضباط عسكريين متقاعدين وبعض الساسة تشير إلى أن جيش
الدفاع لا يريد حربا برية في لبنان، وأقصى ما تريده هو تنفيذ غارات جوية مكثفة على
البنية الأساسية اللبنانية، وخاصة في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله (Open Democracy: 12 September).
إذا حاولنا فهم من يطلق النار على من في الشرق الأوسط، فسيبدو الأمر
كأنه شبكة معقدة من الأزمات التي تطورت إلى مواجهات عسكرية لا تنتهي. فمنذ السابع
من أكتوبر عام 2023، وبدء الحرب بين إسرائيل وحماس، أصبحت المنطقة تجتذب الصراعات
بشكل متزايد. لقد انهالت إيران على إسرائيل بالصواريخ والمسيرات، وانخرطت الأردن
في الدفاع عن سمائها، وتكرر استهداف تل أبيب لمواقع سورية، وأشعل الحوثي البحر
الأحمر، كما قصفت إيران باكستان بشكل غير متوقع، وتفاقم الصراع في السودان وتبلور
إلى شكل لا يوحي بنهاية قريبة، وتحاول كل من مصر وإثيوبيا الدفاع عن مصالحهما في
القرن الإفريقي بالتواجد العسكري، وتوتر بين القيادة العسكرية المصرية وتل أبيب
بسبب تمركز قوات إسرائيلية في محور فيلادلفيا، وأخيرا تهديدات إسرائيلية باجتياح لبنان،
فضلا عن تأزم الموقف في ليبيا وجنوب الصحراء.
وهكذا، يعيش
الشرق الأوسط في خضم مستويات غير مسبوقة من التوتر، لا مثيل لها في الذاكرة الحديثة.
وفي مختلف أنحاء المنطقة. وقد تؤدي أربع نقاط اشتعال رئيسية على الأقل إلى إثارة
حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ديناميكيات الصراع بين إسرائيل
ولبنان، أصبح البحر الأحمر والعراق وسوريا ساحات للمواجهة الممتدة من غزة. وقد
يتصاعد العنف في أي من هذه النقاط الساخنة بسرعة إلى مواجهة أوسع نطاقا.
إن المتابع للشأن الصومالي، سيكتشف أن هناك حالة من القلق الدولي تجاه
تقارير تحدثت عن تواصل يتم بين الحوثيين في اليمن وحركة الشباب الصومالية، وقد
تحدثت أيضا عن كشف المخابرات الأميركية عن محادثات جرت بين الطرفين
لتزويد حركة الشباب بالأسلحة، وهو تطور مثير للقلق يهدد بزيادة زعزعة الاستقرار في
منطقة تشهد بالفعل أعمال عنف (وكالة أنباء
الشرق الأوسط: 11 يونيو). وأكد ذلك تصريح محمد كاهن وزير داخلية
صوماليلاند في مؤتمر صحفي أذاعته وسائل إعلام مختلفة في 23 سبتمبر، بأن الحوثيين
أقاموا تحالفا بالفعل مع الشباب، ودعا الحكومة الصومالية إلى ضرورة التعامل العاجل
مع الأمر، مما يؤكد تنامي العلاقة بين الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة
العربية وفروع القاعدة في القرن الإفريقي.
وعلى الرغم من
قيام تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة لمنع تهديدات الحوثيين للبحر الأحمر ودول القرن
الإفريقي، ولكن حتى الآن، يبدو أن جماعة الحوثي محصنة ضد الضغوط الدولية، وأنها تستمتع
بالاهتمام العالمي الواسع النطاق بها، بينما تحصد أيضا فوائد محلية من خلال الدعم
الشعبي المعزز بخطابات الحوثي العنترية حول نصرة غزة والقضاء على إسرائيل. ما يجعلنا نرجح أن منطقة القرن الإفريقي ستشهد لا محالة اضطرابات كبيرة
في المستقبل القريب، قد تزيد الضغوط الاقتصادية التضخمية العالمية بشكل أكثر حدة،
إضافة إلى توترات سياسية غير مسبوقة في المنطقة.
ومنذ بداية
العام الجاري، سعت الولايات المتحدة دون جدوى إلى ردع ضربات الميليشيات المدعومة
من إيران على أهداف أميركية في العراق وسط حالة من ضبط النفس اتسمت بها واشنطن، ومن
المرجح أن البنتاغون يأمل في استعادة الردع دون إثارة تصعيد أكبر، ولكن من يضمن
ذلك؟
أما سوريا فتتعرض منذ السابع من أكتوبر الماضي، لهجمات إسرائيلية
متكررة ضد مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني، ما جعل التوتر يزداد بين تل أبيب
وطهران بشكل غير مسبوق، ويعجل بمواجهة وسط تهديدات إسرائيلية منذ شهور باجتياح
لبنان والقضاء على ميليشيا حزب الله الموالية لطهران. كما أن صعود داعش على مسرح
الأحداث في أكثر من حدث منذ بداية العام ينبئ بعودة محتملة للتنظيم، الذي سيستمر حتما في
استغلال نقاط ضعف بيئة إقليمية مليئة بالتوتر، وبطبيعة الحال فمثل هذا الاستغلال يزيد
من احتمالات سوء التقدير والتصعيد غير المقصود.
ومنذ اغتيال
زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران ارتفعت وتيرة التوترات الجيوسياسية، حيث يخشى
العالم من تحرشات إيرانية غير متوقعة قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد وتوسع الحرب في
جميع أنحاء المنطقة. الأمر الذي دعا زعماء العالم إلى القيام بنشاط دبلوماسي مكثف
لحث إيران على الحد من ردها. كما اتخذت الولايات المتحدة خطوة حظيت بتغطية إعلامية
واسعة النطاق لزيادة قواتها العسكرية الكبيرة بالفعل في المنطقة، لدرجة أن البنتاغون
أمر بإرسال غواصة نووية مسلحة بصواريخ كروز إلى الشرق الأوسط، حسب ما أعلنته صحيفة
نيويورك تايمز في 12 أغسطس الماضي.
وإجمالاً، قد
يكون هناك قلق جدي بشأن احتمال اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط كنتيجة طبيعية
للحروب الإسرائيلية القائمة ضد حماس وحزب الله، ولكن هناك بالفعل حرب أوسع نطاقا
جارية في السودان واليمن، فضلا عن احتمالات التصعيد بين مصر وإثيوبيا بعد إرسال
القاهرة لقوات عسكرية إلى جمهورية الصومال، وتورط الولايات المتحدة بشكل كبير من
خلال دعمها العسكري القوي لإسرائيل، وإقحام نفسها في اليمن مع حلفائها الغربيين.
على أية حال،
فإن مخاوف الولايات المتحدة إزاء تصاعد العنف في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، جعل
استراتيجيتها تركز على تكثيف الجهود الدبلوماسية إلى جوار المشاركة العسكرية لردع أي
محاولات للتصعيد والعمل على استعادة الاستقرار في المنطقة، لأن صناع السياسات في واشنطن
يسعون إلى إيجاد توازن دقيق بين التدابير الحركية الرامية إلى ردع المزيد من
الهجمات والجهود الدبلوماسية المكثفة لمنع انتشار الصراع خارج غزة.
وفي البيئة
المضطربة الحالية، من الواضح أن التحدي الذي يواجه الجميع في مختلف بؤر التوتر في
المنطقة يتلخص فيما إذا كانت الدبلوماسية قادرة على التغلب على الديناميكيات
المتعددة التي تجر المنطقة إلى عمق الصراع أم لا.
وفي ظل الحالة
الضبابية وعدم اليقين الذي يحيط بالأحداث، تزداد المخاوف من أن الصراعات المتفرقة
التي تشهدها المنطقة ربما تتوسع وتنصهر في حريق إقليمي كبير، فلا توجد أي دلائل حتى الآن تشير إلى أن هذه الحرب سوف تتضاءل. بل إن
التعزيزات العسكرية الأميركية الحالية والتوترات مع إيران، وازدياد نشاط الجماعات
الإرهابية في القرن الإفريقي واليمن وتحالفاتها، مع وجود صراعات مسلحة لا تنال
اهتماما كافيا كالحرب في السودان، تجعل من المرجح أن تتوسع رقعة الحرب أكثر، ما لم
تنتصر المشورة الحكيمة لقيادات المنطقة.