مقالات تحليلية

كتيبة البراء على رأسها: دور مليشيات الإخوان في حرب السودان

23-Apr-2024

تحت عنوان دور الإخوان في حرب السودان كتب نجيب يماني مقالاً نشره في الثاني والعشرين من إبريل الجاري بصحيفة عكاظ السعودية، جاء فيه: أمرُ هذه الحرب أجلى وأوضح من أي محاولة للتحرز والاحتياط، والطرف الذي ما زال يذكي أوارها، ويعمل على استمرارها معروف ومكشوف، ودوره أكثر وضوحاً في نسف كل فرص الوصول إلى حل.. ويستطيع أدنى متابع للشأن السوداني أن يشير بإصبع الاتهام الدامغ إلى الإخوان في هذه المأساة التي يعيشها الشعب السوداني.


مليشيات الإخوان المسلمين

لقد ظلت مليشيات الإخوان المسلمين تتحكم في سير بعض المعارك وتُبرز انتصاراتها وتحتفل بها. منها كتيبة البراء بن مالك التي ظهرت بشكل واضح في حرب السودان، مثلها مثل كتائب الإسلاميين الجهادية (البرق الخاطف - أنصار الله) الأخرى التي ألحقت بسجلات إدارة الاحتياط في القوات الخاصة المنبثقة من قوات الدفاع الشعبي المحلولة بأمر ثورة ديسمبر عام 2019.

وبحسب دراسة للمعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف، تم تشكيل قوات الدفاع الشعبي في السودان بوصفها كياناً قانونياً في نوفمبر عام 1989، وبلغ عددها نحو 100 ألف مقاتل، قبل أن تُحل ويتم تحويلها إلى قوات احتياط تابعة لوزارة الدفاع في السابع من يناير 2020.


كتيبة البراء بن مالك

تتميز كتيبة البراء بأنها أكثر عدداً وصوتها أقوى بحكم أن معظم قادتها من الجيل الجديد لشباب الإسلاميين الحانقين على القوى الديمقراطية التي أسقطت نظامهم.  وقد اختفى نشاط الكتيبة وخمد نتيجة للأجواء السلمية التي خلقتها ثورة ديسمبر، لتعاود نشاطها من خلال تنظيم المظاهرات التي كانت تدعو لها بقايا النظام السابق (نظام البشير) باسم "الزحف الأخضر".

زادت وتيرة نشاط الكتيبة عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث بدأت تنظم الشباب، ورُصدت لعناصرها عدد من الاجتماعات معظمها في مناسبات اجتماعية وهم يحملون الأسلحة الخفيفة دون أن يكون هناك تفسير لهذه الظاهرة أو تدخُّل من قبل السلطات لحسمها.. تم إنشاء أول صفحة لكتيبة البراء على "فيسبوك" بتاريخ نوفمبر 2021، بعدها بدأ نشاطها يتوسع ونجحت قيادتها في الاتصال بالشباب وقسمت عضوية الخرطوم إلى ثلاثة قطاعات موزعة على مدن (الخرطوم، أمدرمان، الخرطوم بحري).


ظهور اللافتة

 ظهرت لافتة البراء بن مالك عند استقبال الناجي مصطفى بالنيل الأبيض وهو من غلاة الإسلاميين السودانيين، ومن خلال احتفالية الاستقبال نشر فيديو لأعضاء من الكتيبة يطلقون تهديدات لكل من يفكر في التطبيع مع إسرائيل، وكان ذلك في الفترة نفسها التي التقى فيها رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بكمبالا، على إثر هذه الخطوة أُعتقل الناجي مصطفى ليُطلَق سراحه وهو الآن يقاتل في صفوف الجيش.


إفطارات للتعبئة 

ازداد نشاط كتيبة البراء في شهر رمضان الذي انطلقت فيه الحرب، حيث ظهرت لأفرادها فيديوهات وهم يحملون "السيخ والملتوف" واشتبكوا مع الثائرين من الشباب في إفطار أقيم بمنطقة كوبر كان يحمل اسم الرئيس المعزول عمر البشير في رمضان 2023. كما نظموا إفطاراً في التاسع من رمضان يحمل اسم الكتيبة، تحدث فيه رئيس المؤتمر الوطني المحلول أنس عمر وطالبهم فيه بالاستعداد، فضلاً عن عدد من الإفطارات التي أخذت طابع التدريب العسكري والتمارين والأناشيد الجهادية.


أوامر الانخراط في الحرب

بعد ساعات من انطلاق الرصاصة الأولى من الحرب في منتصف إبريل 2023، كتب قائد الكتيبة على صفحته بفيسبوك: "أوامر التسليح صدرت خلاص"، ونشر على صفحة قوات الاحتياطي المركزي فيديو يؤكد استلامهم السلاح من مخازن الجيش السوداني، رغم أن أوامر الاستنفار لمقاتلي الاحتياط صدرت بعد أكثر من شهر من ذلك.

وفي أواخر يونيو 2023، عادت الكتيبة إلى الواجهة من جديد، بعد انتشار مقاطع لعملياتها على الأرض. وفي 4 يوليو 2023، انتشر فيديو يُظهر احتشاد قواتها وقوات كتائب شعبية أخرى في معسكر "نسور الاحتياطي المركزي".

كما لوحظ أن الصفحة الرئيسية لحزب المؤتمر الوطني على فيسبوك قامت بنشر عدد من الفيديوهات الداعمة للكتيبة، وهو الأمر الذي يعزز فرضية إدارتها من داخل الحزب المنحل.


الإعداد والتدريب

تقوم كتيبة البراء بن مالك بإعداد مقاتليها منذ عام 2019، ولها اتصالات مع بعض الضباط في المخابرات العسكرية السودانية. وتقاتل الجماعة بشكل نشط إلى جانب القوات المسلحة السودانية في معاركها المستمرة ضد قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب في 15 إبريل 2023، وتكبدت العديد من الضحايا في مواقع مختلفة. 

الكتيبة لها تمثيل في فرقتين عسكريتين على الأقل، هما سلاح المدرعات والسلاح الطبي. كما أن لها وجوداً في موقع ثالث، وهو قوات الاحتياطي المركزي، والآن انتشرت في كل من سلاح المهندسين ومنطقة كرري العسكرية والإذاعة والتلفزيون.

وتروج الكتيبة بقيادة المصباح أبوزيد طلحة لأيديولوجية إسلامية متشددة، وقد أصيب خلال الأيام الأولى للحرب فزاره الفريق البرهان، في مستشفى بمدينة عطبرة بشمال السودان. وتظهر مقاطع الفيديو المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي أبو زيد وهو يردد شعارات متشددة ويدعو إلى "الجهاد" ضد قوات الدعم السريع.

 القيادي الآخر للكتيبة، هو أنس عمر الذي أشرنا إليه، وقد تم احتجازه من قبل قوات الدعم السريع في 16 مايو 2023. كما يقودها محمد الفضل عبد الواحد عثمان رئيس الفكر والتأصيل بالحركة الإسلامية الذي سبق أن أقسم على الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وقد قُتل أثناء الحرب في يونيو 2023، حيث لقى نحو خمسين شخصاً من العناصر المحسوبة على نظام البشير مصرعهم في معارك بقيادة المدرعات العسكرية بضاحية الشجرة جنوب الخرطوم من بينهم عدد من القيادات المنتمية لكتيبة البراء. وقتها عبّر رئيس الحركة الإسلامية علي كرتي عن حزنه علناً على مصرع محمد الفضل.


التسليح والمعدات

تظهر بعض مقاطع الفيديو لكتيبة البراء أن القدرات التسليحية يغلب عليها التسليح الشخصي، سواء الأسلحة الخفيفة أو المتوسطة. لكن تشير بعض المنشورات على صفحة "إدارة الاحتياط - القوات الخاصة"، إلى امتلاك قوات الاحتياط أسلحة نوعية، وطائرات مسيرة. 

ورغم عدم الإشارة إلى حصول كتيبة البراء على أسلحة نوعية، مقارنة بتسليح عناصرها الخفيف والمتوسط، فإنها قد تلجأ إلى توظيف الوضع الراهن المضطرب في السودان، للتجهيز لشراء أسلحة من الخارج، إذا امتلكت التمويل الكافي للقيام بذلك.

وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى علاقة هذه الكتيبة بتنظيم الإخوان، خاصة مع بدء الانخراط في المواجهات، وإشارة بعض قيادات التنظيم إلى امتلاكها كتائب مسلحة تسمى "كتائب الظل"، وتحديداً تصريحات الأمين العام السابق للحركة الإسلامية، علي عثمان محمد طه، عام 2018.


تصريحات الكباشي 

في 29 مارس 2024، أكد نائب قائد القوات المسلحة السودانية شمس الدين الكباشي أن مجموعات مثل كتيبة البراء "تحتاج إلى سيطرة أفضل"، وفي 2 إبريل 2024، قُتل 15 شخصاً وأصيب أكثر من 50 آخرين بعد هجوم بطائرة مسيرة في عطبرة، استهدف مأدبة إفطار نظمتها مليشيا البراء الإسلامية. ولم تعلن قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع على مسافة 300 كيلومتر عن أقرب معسكر لها.


خلاصات

كتيبة البراء ليست وحدها التي تخوض المعارك مع الجيش، فهناك كتائب جهادية أخرى ذات علاقة بالحركة الإسلامية تشاركها مثل: (كتيبة الشهيد أنس، والبرق الخاطف، وكتيبة الطيارين، وجنود الحق، وعبد الله جماع، وأنصار دولة الشريعة).

ورغم محاولات القوات المسلحة السودانية إخفاء دور الجهاديين عبر إظهار لواء البراء حتى تمحو آثار الكتائب الأخرى الأكثر تطرفاً مثل كتيبة أنصار دولة الشريعة التي تنتمي للسلفية الجهادية، واجهت الحكومة ضغوطاً من المجتمع الدولي، وهو ما جعل البرهان يشير إلى أن صوت البراء أصبح ضخماً ويثير قلق المجتمع الدولي. وعطفاً على تصريحات البرهان ونائبه الكباشي سارع قائد كتيبة البراء المصباح طلحة إلى تأكيد أنهم يعملون تحت إمرة الجيش، وتسليحهم من القوات المسلحة.

ومن الواضح أن الجهاديين الإسلاميين يمثلون أكبر عقبة أمام أي محاولة لوقف الحرب ويتلقون أوامرهم من مدنيين خارج القوات المسلحة. وقد زادهم قوةً قرارُ للبرهان بتكوين المقاومة الشعبية التي أصبحت معينهم الجديد، خاصة أن كل القيادات التي تعمل في الاستنفار يتم اختيارها من حزب المؤتمر الوطني المحلول ورديفته الحركة الإسلامية السودانية.

في المقابل ورغم الظهور الطاغي للإسلاميين ومساندتهم للجيش، فإن التوتر بين الطرفين بدأ يظهر على السطح، خاصة بعد دخول حركات دارفور ساحة القتال وتركها الحياد وانحيازها للجيش بعد فشل الإسلاميين في تحقيق نصر حاسم على قوات الدعم السريع.

هذا بالإضافة إلى كثافة الضغوط على حكومة الأمر الواقع من قبل المجتمع الدولي، خاصة بعد دخول إيران كطرف في حرب السودان، في وقت ينشط فيه الحوثيون باليمن وتتصاعد حدة النزاع بين طهران وتل أبيب في المنطقة. 


twitter icon threads icon 173