مقالات تحليلية

زيارة زيلينسكي إلى واشنطن: مطالب أوكرانية وتوقعات الاستجابة الأمريكية

22-Dec-2022

في أول زيارة خارجية للرئيس الأوكراني  فولوديمير زيلينسكي منذ بدء الحرب على بلاده  التقى في البيت الابيض بالرئيس جو بايدن وأجريا محادثات أعقبها مؤتمر صحفي للرئيسين. وفي خطاب  ألقاه في الكابيتول شدد زيلينسكي أمام أعضاء الكونغرس الأميركي على أنّ المساعدات الأميركية لكييف "ليست صدقة" بل "استثمار" في الأمن العالمي.

تأتي هذه الزيارة في ظل تطورات حرجة تشهدها الحرب الروسية الأوكرانية من جهة، وكذلك واشنطن والغرب من جهة أخرى نتيجة التداعيات الخطيرة لهذه الحرب، والتي اتسع نطاق تأثيرها ليشمل العالم بأكمله، الأمر الذي يجعل التوقعات من نتائج هذه الزيارة كبيرة، لا سيما لجهة إمكانية حصول كييف على مزيد من الدعم الأمريكي النوعي، لاسيما عسكرياً واقتصادياً لمواجهة الحرب الروسية عليها.

فمع اقتراب الحرب من عامها الأول، أصبح الدعم الدولي لأوكرانيا على المحك، حيث ساهمت العقوبات المفروضة على موسكو في ارتفاع أسعار الطاقة، لا سيما في أوروبا التي تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز الروسي، ما أدى إلى تصاعد الأصوات الأمريكية والأوروبية المشككة بمدى صوابية السياسية التي تنتهجها أمريكا وأوروبا تجاه روسيا.

وما يزيد من أهمية هذه الزيارة أنها تأتي في لحظة حرجة تمر بها أوكرانيا، فرغم الانتصارات العسكرية النسبية الأخيرة التي تمكنت من تحقيقها في مواجهة موسكو، إلا أن البلاد تعاني من التداعيات الخطيرة للحرب الروسية، والتي أدت إلى تدمير شبه كامل للبنى التحتية وشلل في الاقتصاد بعد استهداف القوات الروسية على مدى أسابيع قطاع الطاقة في أوكرانيا، وإغراق الملايين في الظلام في درجات حرارة شتوية أقل من الصفر، وتوقف الخدمات الأساسية للمواطنين، لاسيما في ظل انقطاع التيار الكهربائي عن كامل البلاد، وفقدان العديد من المواد الغذائية، وزيادة أعداد النازحين والمهاجرين، ومن هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية فورية ممن بقي في أوكرانيا.

هذا الوضع يجعل أوكرانيا بأمس الحاجة إلى مزيد من الدعم الأمريكي والغربي معاً لمساعدتها على البقاء واستمرار قدرتها على مواجهة موسكو. لا سيما وسط مخاوف كييف من عدم موافقة الجمهوريين، المستعدون للسيطرة على مجلس النواب، على تقديم حزم مساعدات ضخمة جديدة لأوكرانيا.

كذلك تمثل الزيارة إقراراً واضحاً بأهمية علاقة أوكرانيا مع الولايات المتحدة واعترافاً بالدور الريادي والأساسي الذي أدته واشنطن في تمكين كييف التصدي للقوات الروسية عبر الدعم العسكري الذي قدمته لها، وقيادة المعسكر المناوئ للتدخل الروسي في فيها،  الأمر الذي يدفعها إلى محاولة الحصول على المزيد من هذا الدعم، لاسيما لمواجهة التطورات النوعية العسكرية التي باتت تستخدمها موسكو في عملياتها العسكرية خاصةً ما يتعلق منها بالطائرات المسيرة التي باتت تشكل تهديداً شديد الخطورة على قلب موازين المعركة في أوكرانيا.

المطالب التي يحملها زيلينسكي إلى واشنطن

تحليل أهمية وتوقيت الزيارة يُظهر بأن أبرز ما يحمله الرئيس زيلينسكي إلى واشنطن خلال لقائه مع الرئيس بايدن في البيت الأبيض، إلى جانب أعضاء رئيسيين في فريق الأمن القومي الأمريكي، يتركز في مناقشة الاستراتيجية الممكنة حول الطريق إلى الأمام في ساحة المعركة، إلى جانب التدريب والقدرات التي يوفرها الشركاء الغربيون لأوكرانيا، وتأثير العقوبات التي فرضوها على روسيا والمساعدات الاقتصادية للشعب الأوكراني.

هذا الوضع  يعكس بشكل واضح رغبته الرئيس الأوكراني بضمان معرفة حجم ونوعية الدعم الذي يمكن لواشنطن أن تقدمه لها لا سيما خلال عام 2023،  وذلك في ظل غياب أي أفق لحلول سياسية محتملة على الرغم من الضغط الأمريكي والأوروبي على موسكو والعقوبات التي تم فرضها عليها، ويطلب الرئيس الأوكراني تقديم المزيد من الدعم العسكري النوعي (أسلحة دفاعية متطورة) لتعزيز المرونة والقدرات الدفاعية لأوكرانيا. 

زيلينسكي سيعمل على كسب تأييد أعضاء الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب من أجل الحصول على دعم لإقرار المزيد من المساعدات الاقتصادية لبلاده في ظل الظروف البالغة الصعوبة التي تمر بها، لا سيما وأنَّ الزيارة تأتي في وقت يستعد فيه المشرّعون الأمريكيون للتصويت على مشروع قانون شامل للإنفاق، يتضمن 44.9 مليار دولار من المساعدات الطارئة لأوكرانيا وشركاء حلف شمال الأطلسي، (فرانس24، 2022)

 ومن المتوقع إلى حد كبير أن يعارض عدد كبير من الجمهوريين هذا الإجراء، بعد مطالبات لهم بتوفير تصور لانتهاء الحرب، حيث ستتراجع شعبية دعم أي عملية عسكرية لا نهاية لها، خاصة وسط ترجيحات تفيد بأن يمارس مجلس النواب، بعد انتقال الأغلبية للجمهوريين عقب الانتخابات النصفية، مزيداً من التدقيق بشأن المساعدات المقدمة لأوكرانيا، بعدما ذكر زعيم الجمهوريين بمجلس النواب كيفين مكارثي إنهاء عهد "الشيك على بياض" لأوكرانيا. الأمر الذي سيتعين على إدارة الرئيس بايدن تقديم حجج أكثر قوة لاستمرار تقديم المساعدات المالية والعسكرية خلال 2023، وربط تقديم هذه المساعدات بمصالح الولايات المتحدة.

الاستجابة الممكنة-المحتملة من واشنطن 

انطلاقاً من أن الولايات المتحدة تُعدُّ حليفاً قوياً لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، لا سيما وأن حجم المساعدات التي قدمتها لها، حتى الآن، تزيد عن 65 مليار دولار، بينها 20 ملياراً كأسلحة ومساعدات عسكرية (من بينها ذخائر مدفعية، وذخائر لأنظمة صواريخ سام للدفاع الجوي، وأنظمة هيمارس)، فإنه من الواضح أن الاستجابة الأمريكية لمطالب زيلينسكي ستتضمن إظهار رسالة أساسية بالتزام واشنطن المستمر تجاه كييف، وأنها ستقف إلى جانبها طالما استلزم الأمر ذلك، وتقديم الدعم الأساسي للشعب الأوكراني، خاصةً بعد أن أصبح بايدن الآن في موقف أقوى، بعد خروجه من الانتخابات النصفية منتصرا، يحظى بدعم أكبر في الكونغرس ويسيطر على مجلس الشيوخ.

هذه الرسالة ستظهر بشكل واضح من خلال تقديم واشنطن ما يقرب من ملياري دولار كمساعدة أمنية إضافية إلى كييف، وتزويدها بحزمة أسلحة جديدة لكييف تشمل لأول مرة نظام دفاع جوي جديد متطور، بما في ذلك صواريخ باتريوت أرض-جو، التي أثبتت قدراتها على نطاق واسع في السنوات الأخيرة في العراق والخليج(فرانس24، 2022)، وهي ما تحتاجه كييف للحد بقوة من فعالية الضربات الروسية عليها، وتمكنها من حماية بنيتها التحتية الحيوية ضد الهجمات الروسية،  لا سيما وأن كييف كانت قد طالبت واشنطن مراراً أن تزودها بها لدرء الهجمات الجوية الروسية ، (الشرق الأوسط، 20 ديسمبر 2022).

وبرغم أن بطاريات صواريخ باتريوت، على عكس أنظمة الدفاع الجوي الأصغر، تحتاج إلى أطقم أكبر بكثير تتطلب عشرات الأفراد لتشغيلها بشكل صحيح بعد تدريبهم لفترة زمنية تمتد لعدة أشهر، فإن الدعم الأمريكي سيشمل تدريب الجيش الأوكراني على استخدام هذا السلاح، وهو الأمر الذي يبدو أنه ستقوم به المتحدة تحت ضغط الهجمات الجوية شبه اليومية من روسيا، أو ربما في قاعدة للجيش الأمريكي في دولة أخرى يبدو أن ألمانيا هي الأكثر ترشيحاً لذلك.

توقعات نتائج التنسيق الأمريكي-الأوكراني

 مع تصاعد الحرب الروسية على أوكرانيا وتزايد التوقعات بإطالة أمدها، وبالتالي استمرار نتائجها وتداعيات الخطيرة، لا سيما على أوروبا، والموقف الحرج لواشنطن التي تشهد تعالياً للأصوات داخلها بضرورة وضع تصور لنهاية هذا الحرب، لاسيما وسط عدم رغبتها الانخراط المباشر في العمليات العسكرية ضد روسيا حتى لا تذهب الحرب إلى صدام عسكري مباشر مع موسكو، فإنه يبدو أن واشنطن راغبة أن تأخذ المعركة إلى مكان آخر لا تكون فيه منفردة في حال الخيار الأسوأ المتعلق بوقوع صدام عسكري مباشر مع موسكو.

هذا الأمر سيجعل من واشنطن تنتهج إلى حد ما ذات السياسة التي تقوم بها موسكو عبر ضم أقاليم أوكرانية إليها لتصبح تحت سيادتها، وبالتالي يصبح أي اعتداء عليها بمثابة اعتداء على موسكو، تماماً كما حدث خلال عملية ضم أقاليم لوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، بعد إجراء استفتاءات داخلية بإشراف روسي رغم عدم الاعتراف بها دولياً. ستسعى واشنطن إلى سحب هذه السياسة على أوكرانيا عبر ضمها إلى حلف الناتو، أو على أقل تقدير إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي سيشكل استمرار الحرب الروسية عليها اعتداءً مباشراً على الناتو أو على الاتحاد الأوروبي. 

لذلك يبدو أن من أبرز نتائج التنسيق الأمريكي-الأوكراني في مواجهة موسكو هو انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي كخيار أول، أو إلى حلف الناتو كخيار ثان أشد خطورةً، وبالتالي سيشكل هذا الخيار انعكاساً للحالة الدفاعية لأوكرانيا، خاصةً وأن أي تسوية سياسية بين موسكو وكييف ستتضمن تقديم الأخيرة تنازلات كبيرة لروسيا، وهو الأمر الذي تعارضه وبشدة واشنطن وأوروبا، خاصةً وأنهم لم يروا حتى الآن أي مؤشر على أن الرئيس بوتين مستعد لخفض تصعيد الصراع، وانطلاقاً من أن الرئيس زيلينسكي لا يستطيع إنهاء الحرب عن طريق التفاوض والتسوية السياسية مع موسكو من دون موافقة ودعم واشنطن، لذلك فإن خيار تصعيد العقوبات الاقتصادية على روسيا تعزز موقفه على طاولة المفاوضات، من خلال رفع التكاليف التي تتحملها روسيا لمواصلة القتال.

الرد الروسي المتوقع على زيارة زيلينسكي إلى واشنطن

سياسياً، لن تقابل موسكو زيارة زيلينسكي إلى واشنطن، خاصةً في ضوء الدعم المتوقع أن يحصل عليه لاسيما عسكرياً، بالارتياح، حيث من المتوقع أن ينعكس ذلك في تصعيد الخطاب السياسي الروسي، والتوعد باتخاذ خطوات فعلية في حال تم تزويد كييف بمنظومة صواريخ باتريوت، خاصةً وأن موسكو كانت قد حذرت واشنطن مراراً من خطر حدوث اشتباك عسكري مباشر في حال تقديمها مساعدات عسكرية للجيش الأوكراني،  ومن أن العتاد الذي تزود به الولايات المتحدة أوكرانيا سيكون أهدافاً مشروعة للضربات الروسية (بي بي سي، 5 أكتوبر 2022)، فكيف سيكون الحال إذا كانت هذه المساعدة العسكرية ستتضمن منظومة الباتريوت التي ستعيق الضربات الجوية الروسية، وتشكل تهديداً واستهدافاً لها. أي أنها ستمثل "تهديداً مباشراً" لموسكو، الأمر الذي سيدفع موسكو إلى وضع واشنطن في خانة الشريك المباشر في الصراع، (القدس العربي، 22 ديسمبر 2022).

عسكرياً، ستفهم موسكو أن مساعدة واشنطن الكبيرة لأوكرانيا بمنحها نظام باتريوت للدفاعات الجوية المتطورة إنما تمثل تحدياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لذلك ستعمل على مراقبة نتائج ما سيتمخض عن اللقاء بين الرئيس الأمريكي بايدن والأوكراني زيلينسكي عن كثب، لاسيما ما يتعلق بمخرجاته الفعلية التي تتعلق بالمساعدات العسكرية التي ستعطى لكييف، وستستمر حتى يتبين فعلياً ذلك في حشد جنود الاحتياط استجابة لإعلان التعبئة الجزئية للجيش الذي اتخذته، وكذلك ستواصل تطوير إمكاناتها العسكرية بما في ذلك "الاستعداد القتالي" لقواتها النووية، تمهيداً لأي تصعيد أمريكي، لاسيما فيما إذا قامت واشنطن بتسليم كييف الباتريوت فعلياً، الأمر الذي سيدفع موسكو إلى اتخاذ خطوات تصعيدية سيكون من ضمنها رفع حالة التعبئة للجيش إلى الكلية، وإمكانية إقدامها على استهداف تلك المنظومة في حال تم ايصالها إلى أوكرانيا، أو العمل على تعطيلها، حتى ولو أدى ذلك إلى تصعيد حدة الصراع إلى مستويات أعلى، أو إلى صدام عسكري مباشر أكثر شمولاً يمكن أن تنخرط فيه واشنطن أو حلف الناتو.

وفي خطوة يمكن اعتبارها بالأولى، ألغى الرئيس بوتين مؤتمره الصحفي العام الموسع، الذي يعقده مع وكالات الأنباء الروسية في نهاية كل عام عبر تقنية الفيديو، واستبدله باجتماع عسكري موسّع وكبير لوزارة الدفاع، سيضم حوالي 15 ألف مسؤول عسكري عبر تقنية الفيديو في رسالة واضحة لتوجه السياسة الروسية نحو المزيد من العسكرة خلال العام المقبل، سيتمّ خلال الاجتماع عرض نتائج أنشطة القوات المسلّحة الروسية في العام 2022 وسيتم تحديد المهمّات للعام المقبل، وبلا شك سيتضمن ردوداً على لقاء الرئيسين بايدن وزيلينسكي، ( اندبندنت عربية، 21 ديسمبر 2022)

فضلا عن ذلك سترد موسكو على التنسيق الأمريكي الأوكراني برفع مستوى علاقاتها وتعاونها العسكري مع إيران، لاسيما في إطار الحصول على الطائرات الإيرانية بدون طيار، والتي باتت موسكو تستخدمها مؤخراً في أوكرانيا، مقابل تزويدها لطهران بـ “مكونات عسكرية متقدمة"، الأمر الذي يشكل تهديداً بالغ الأهمية بالنسبة لواشنطن، وقد يدفعها إلى التمهل أو مراجعة قرارها بمنح كييف منظومة الباتريوت مقابل توقف موسكو عن تزويد إيران بتلك "المكونات العسكرية المتقدمة" التي تستخدمها لتطوير برنامجها النووي. لذلك قد تغض واشنطن الطرف عن تسليم كييف منظومة الباتريوت، أو تؤجله إلى أمد غير معلوم، في حال توقفت موسكو عن استخدام الطائرات المسيرة في عملياتها العسكرية في أوكرانيا.

خلاصات

يبدو واضحاً من ترتيبات زيارة الرئيس الأوكراني ، خاصة وأنها تأتي في أواخر أيام العام الجاري، والتي عادةً ما تكون أيام عطلة مخصصة لأعياد نهاية العام في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الهدف منها هو توجه واشنطن إلى تصعيد الضغط على موسكو مع بداية العام الجديد 2023، من خلال اتخاذ خطوات تصعيدية واستفزازية تجاهها، ربما يتم الإعلان عنها خلال لقاء بايدن وزيلينسكي، بهدف وضع الخطوط الكبرى للتحرك تجاه موسكو مع بداية العام المقبل 2023، خاصة وأن الزيارة تجسد في أحد مظاهرها إقراراً بالدور الكبير الذي قدمته واشنطن لكييف ووقوفها إلى جانبها في الحرب، وتمكينها من التصدي للقوات الروسية.

علاوة على ذلك ينظر إلى الزيارة بأنها ربما تشكل استفزازاً وتصعيداً سياسياً واضحاً من قبل واشنطن تجاه موسكو مع بداية عام جديد، وترسل رسالة إلى روسيا عن توجه سياستها الخارجية خلال العمل المقبل نحوها، والتي يبدو أنها حسمت باتجاه المزيد من التصعيد العسكري، الذي يقوم على أن الولايات المتحدة ستدعم أوكرانيا "طالما اقتضت الضرورة.

هذه الضرورة تبنى على سلوك موسكو أكثر من حاجة أوكرانيا، وهو الأمر الذي ستتلقفه موسكو بشكل واضح وقد ترد عليه بالمثل برسائل استفزاز نحو  واشنطن سواء في أوكرانيا أو مناطق أخرى،  مثل الشرق الأوسط أو إيران أو ربما الصين.

50