منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، توالت شحنات الأسلحة الغربية إليها، لكن ضمن سياسة اتسمت بدايةً بحذر الغرب الشديد في المفاضلة بين البعد السياسي والبعد العسكري.
فقد تم إعلاء الاعتبار للبعد الأول خشية تأجيج الصراع مع روسيا، وتجنب أي تدخل مباشر يجعله يبدو كطرف في الصراع معها. فقيدت في البداية مبيعات الأسلحة إلى كييف، وتم رفض مدها بأنواع متعددة من الأسلحة الهجومية، رغم مطالبات كييف بالمزيد منها كماً ونوعاً. لكن، ومع اتساع نطاق الحرب وطول زمنها، وتراجع القدرات العسكرية لكييف.
وأمام خشية الغرب من حدوث خلل لصالح موسكو، تحولت السياسة الغربية إلى العمل على المحافظة على التوازن بين كييف وموسكو. لقد منحت تلك الأسباب الغرب حجةً قويةً لتقديم أسلحة أكثر تطوراً للأوكرانيين (معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري"، 14 مارس، 2022).
لعبت الأسلحة الغربية، دوراً حاسماً في تعزيز قدرات كييف الدفاعية. حيث تشير أحدث الأرقام إلى أن إجمالي المساعدات العسكرية الغربية بلغت 8 مليارات يورو، وهو ما يُعادل نسبة 45% من حجم المساعدات الأمريكية المقدمة إلى كييف (Independent, 12 December, 2022).
تضمنت أحدث الإصدارات الجديدة أو المحدثة والمطورة من الأسلحة القديمة من الصواريخ الموجهة متوسطة المدى، والصواريخ "الفرط صوتية"، ومنصات إطلاق الصواريخ، والأنظمة التكنولوجية والمعلوماتية، بعضها يدخل الخدمة للمرة الأولى. الأمر الذي حول أوكرانيا إلى ساحة تجارب لأسلحة الدول الغربية. أثار ذلك قلق موسكو، ورفع درجة مطالباتها للغرب بوقف إمداد كييف بالأسلحة المتطورة. في المقابل، حولت الأزمة الأوكرانية حركة إمداد السلاح الغربي إلى "حرب استنزاف" لها من رصيدها من مخزونات المدفعية والذخيرة والدفاع الجوي لدول الناتو، فنحو ثلثي دول الحلف قد استنفدت مخزوناتها من الأسلحة بشكل شبه كامل على نحو قد يستغرق سنوات لتعويضه (نيويورك تايمز، 27 نوفمبر، 2022).
أولاً: أهم الأسلحة الغربية التي حصلت عليها أوكرانيا
الأسلحة الأمريكية: تعد واشنطن المزود الأول لأوكرانيا بالأسلحة، حيث بلغت القيمة الإجمالية لمساعداتها أكثر من 16.8 مليار دولار. بحسب كانسيان كولونيل المسؤول السابق عن مشتريات الأسلحة في وزارة الدفاع الأمريكية فإن واشنطن سلمت أوكرانيا نحو ثلث مخزونها من راجمات الصواريخ المتعددة (بلومبيرغ، 10 أكتوبر، 2022). أما أبرز الأسلحة الأمريكية المقدمة فهي نظام الصواريخ الموجهة هيمارس "HIMARS- M- 124" الذي يصنف كوحدة سلاح متنقلة وراجمة صواريخ دقيقة التوجيه. يمكنها إطلاق صواريخ عدة دقيقة التوجيه في وقت متزامن. تحمل الواحدة منها 6 صواريخ، عيار 227 ملم، وتعمل بنظام تحديد المواقع العالمي “GPS” بمدى يصل إلى 80 كم. قادرة على ضرب الأهداف البعيدة بدقة وسرعة، ومزودة بجراب كبير قادر على حمل صاروخ تكتيكي من نوع "إيه تي إيه سي إم إس"(ATACMS) يبلغ مداه 300 كيلومتر.
منح هذا النظام الجيش الأوكراني القدرة على ضرب أهداف حيوية للجيش الروسي بدقة عالية، لاسيما سلسلة اللوجستيات الروسية التي كانت تنقل الذخيرة إلى الجبهة، وهي إحدى نقاط الضعف الروسية. كذلك من بين الأسلحة الأمريكية صواريخ جافلين "Javelin"، المحمولة والموجه والمضاد للدروع وهي منظومة متطورة موجهة ذاتياً، بمدى فعال يصل إلى 2500م، وإلى مدى أقصى يصل إلى 4750 متراً. يزن الواحد منها مع وحدة إطلاقه 22 كلغ، ويمتلك باحثاً حرارياً يوجه تلقائياً نحو الهدف. وهي ذات مدى بعيد وقدرة تدميرية كبيرة. كذلك قدمت واشنطن صواريخ ستينغر "Steinger" المضادة للطائرات والمروحيات، والتي تفوق سرعتها سرعة الصوت بمدى فعال يصل إلى 5 كم. توجه بالأشعة تحت الحمراء والليزر، وبقدرة تتبع للهدف دون حاجة للتوجيه ضمن مدى يصل إلى 8 كم. يبلغ طول الواحد منها متراً و52 سم، ويزن رأسه الحربي 3 كلغ.
من بين الأسلحة الأمريكية أيضاً مدافع هاوتزر M198 (عيار 155 ملم) التي تعد من أبرز الأسلحة التي حققت للجيش الأوكراني تقدماً كبيراً، مع قطعة مدفعية ميدانية متنقلة تستخدم لإطلاق النار من خلال مسارات عالية نسبياً، يمكنها إطلاق ما يصل إلى 4 دفعات في الدقيقة الواحدة، وبمدى فعال يصل إلى 30 كم. أما أبرز الأنواع التي حصلت عليها كييف مدفع (M777) الذي يستخدم قذائف من عيار 155 مليمتر، دقيقة التوجيه، ويعتمد على نظام (GPS) في التوجيه، ما يسمح له بتحديد مواقع الأهداف بسهولة ودقة. كذلك مدرعة برادلي M2 المخصصة لنقل الجنود، ومزودة بمدفع من عيار 25 مم ورشاش آلي، وعدة قذائف موجهة مضادة للدروع. وهي تمتلك القدرة على الغوص وعبور الحواجز المائية حتى عمق 1,20 متر، تصل سرعتها إلى 65 كم في الساعة، وتقطع مسافة 400 كيلومتر.
تعد "برادلي" بحسب بات رايدر الناطق باسم البنتاغون قاتلة المدرعات، وقد لعبت دوراً مهماً في المعارك التي يخوضها الجيش الأوكراني. أما جون كيربي الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي فاعتبرها ذات أهمية كبيرة في حرب المناورات بالأسلحة المشتركة (DW، 6 يناير، 2023). أما من بين أبرز الطائرات التي قدمتها أمريكا لكييف طائرات سويتشبلاد (Switchblade) بدون طيار، والتي تعد مركبة جوية تستخدم مرة واحدة بحجم حقيبة ظهر، ويمكنها إخراج المركبات المدرعة من المعركة عن طريق التحليق فوقها والاصطدام المباشر بها لتفجيرها بأسلوب "الكامي كاز" (موقع انسايدر، 27 مارس، 2022). وهي من بين أهم الأسلحة المنتظر وصولها إلى أوكرانيا خلال عام 2023، منظومة صواريخ الباتريوت التي يعتقد أنها ستغير قواعد الاشتباك عبر تمكين أوكرانيا من التصدي لهجمات الصواريخ الباليستية الروسية قبل تحليقها فوق أجوائها.
الأسلحة الفرنسية: من بين أبرزها دبابة AMX-10 RC، مدرعة قتالية ذات دفع رباعي، مزودة بمدفع كبير من عيار 105 مم. تستخدم لاستطلاع أرض المعركة، تصل سرعتها إلى 85 كم/سا، وتستطيع قطع مسافة 800 كيلومتر (DW، 11 يناير 2023). كذلك دبابة MX-10-RC: مركبة استطلاع وقتال مسلحة ذات قدرة عالية على التحرك (DW، 4 يناير، 2023). كذلك قدمت فرنسا سلاح قيصر Caesar، وهو مدفع من عيار 155 ملم، مركب على شاحنة مدرعة، قادر على إطلاق 6 طلقات في الدقيقة من مسافة 40 كيلومتراً. مكن هذا المدفع الجيش الأوكراني من استهداف مواقع القيادة الروسية وقطع المدفعية والدبابات والعربات المدرعة، (الجزيرة، 21 أوغسطس، 2022).
الأسلحة الألمانية: من بين أبرزها دبابات غيبارد Gepard، وهي مدرعات مجهزة برادار ومدفعين آليين مضادين للطائرات من عيار "35 ملم ". يمكنهما إطلاق 550 طلقة في الدقيقة، بمدى يصل إلى 6.5 كيلومترات، وسرعة 70 ميلاً في الساعة. تتمتع بنظام إلكتروني معقد وبنظامي النيران والرادار. ثبتت فعاليتها ضد طائرات المروحيات الروسية المصفحة مثل "Mil Mi 24 Hind"، و"Mill Hind" (القناة الألمانية الأولىARD ، 14 مايو، 2022).
يضاف إلى أنواع الأسلحة الألمانية المرسلة مدرعة ماردر، وهي عربة مشاة قتالية مصفحة، متعددة الاستخدام. تستخدم كناقلة جند، وتوفر الدعم الناري والحماية من نيران العدو، مزودة بمدفع آلي عيار 20 مم وقذائف موجهة من طراز ميلان التي يمكن إطلاقها على أهداف أرضية وجوية، لديها نظام تهوية وقائي للحماية من هجمات الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، ونظام غوص هيدروليكي، حيث يمكنها الغوص وعبور حواجز مائية بعمق مترين (دويتشه فيلا، 11 يناير 2023). علاوة على مدفع هاوبيتز 2000: وهو مدرعة مصفحة ذاتية الدفع عيار 155 ملم، سعة مخزنها 60 طلقة، وتستطيع إطلاق ثلاث طلقات خلال 10 ثوان، وإطلاق ما بين 9 و10 جولات في الدقيقة. قادرة على تدمير الهدف على مسافة تتراوح بين 30 و56 كيلومتراً. على عكس الدبابات العادية، تطلق هاوبيتز من وضعية الثبات، تصل سرعتها القصوى إلى 60 كيلومتر في الساعة، وتستطيع عبور العوائق المائية بعمق 1,5 متر (القناة الألمانية الأولىARD ، 14 مايو، 2022).
كما أرسلت ألمانيا صواريخ 3 المحمولة على الكتف المضادة للدروع والتحصينات، يمكن إطلاقها على أهداف ثابته حتى مسافة 400 متر وعلى أهداف متحركة حتى 300 متر. تستطيع اختراق المدرعات المصفحة حتى سُمك 300 مم، كما يمكن تزويد نفس القاذف بصواريخ أخرى مضادة للتحصينات البيتونية المسلحة حتى سُمك 240 مم. (DW، 2 جون، 2022). بالإضافة إلى بطارية Iris-TSLM: صواريخ أرض جو قادرة على اعتراض أي هدف ضمن دائرة نصف قطرها حوالي 25 كيلومتراً (وول ستريت جورنال، 26 جولاي، 2022).
كذلك تدرس برلين إمكانية إرسال دبابة ليوبارد 2 التي تعد من أهم الأسلحة الألمانية، وتستخدم ضد تشكيلات العدو المدرعة. مزودة بمدفع عيار 120 ملم، ويمكنها الرمي وهي تتحرك، وبقدرة إصابة أهداف متحركة وثابتة. تصل سرعتها إلى 60 كيلومترا/سا، بمحرك قوته 1500 حصان، قادرة على عبور مجاري مياه بعمق 4 أمتار، وتؤمن الحماية من الأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية لطاقهما مدة 48 ساعة (القناة الألمانية الأولى، 14 مايو، 2022).
الأسلحة البريطانية: من بين أبرزها صواريخ (NLAW) المخصصة لاستهداف الدبابات، والقادرة على الوصول لهدف يبعد عنها مئات الأمتار، وذات القدرات التدميرية الكبيرة. وهي ذات فاعلية كبيرة في مواجهة الدبابات الروسية (Daily Mail, 27 Yanayer, 2022). كما تعد من أحدث الأسلحة الموجودة حالياً، من حيث كونها أول نظام صاروخي يمكن للجندي المنفرد أن يطلقه، ويقضي على أية دبابة قتال رئيسية بطلقة واحدة فقط بضربها من أعلى. كما أرسلت لندن صواريخ (AT4) التي يطلق عليه "قاهرة الدبابات"، وهي تعد أهم الصواريخ في فئة مضادات المدرعات والدبابات، تعمل بنظام الطلقة الواحدة، تتميز بدقتها في إصابة الهدف وإعطابه، وهي تستخدم في حرب الشوارع، لسهولة حملها ونقلها بين المباني وإطلاقها، حيث لا يتجاوز وزنها 8 كيلوغرامات (ديلي ميل، 27 يناير، 2022).
من ضمن الأسلحة البريطانية المرسلة أيضاً صواريخ (NLAW) وهو سلاح خفيف مضاد للدبابات مخصص للحروب داخل المدن. سهل الاستخدام، يمكن حمله على الكتف. يقوم بتتبع هدف في نطاق نصف ميل عبر نظام تقني يوجه الصاروخ نحو الهدف. يمتلك هذا السلاح خاصية إطلاق النار بزاوية 45 درجة. لعب هذا السلاح دوراً بالغ الأهمية في وقف أرتال الدبابات الروسية وصدها عن اجتياح كييف (موقع انسايدر، 27 مارس، 2022).
كذلك تضمنت قائمة الأسلحة البريطانية صواريخ (LAW M72) المضادة للدبابات، والقادر على ضرب التحصينات العسكرية في حرب الشوارع، (ديلي ميل، 27 يناير، 2022). فضلاً عن أنظمة صواريخ إم 270 بعيدة المدى ومتعددة الإطلاق، ذات ذخائر دقيقة من النوع إم 31 التي يُعد نظامها مشابهاً لقاذفات هيمارس الأمريكية. يصل مداها 50 ميلاً، وسرعتها 64 كم/سا. قادرة على إطلاق 12 قذيفة في الدقيقة الواحدة. وبحسب الخبير جاك واتلينغ من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، أن أنظمة صواريخ إم 270 هي بالضبط ما تحتاجه أوكرانيا لأنها تبقيها بعيدة عن نطاق أنظمة المدفعية الروسية (بي بي سي، 13 أغسطس، 2022).
كما أرسلت بريطانيا صواريخ بريمستون 1 المخصصة لاستهداف الدروع وقطع سير المدفعية والزوارق. توجه بواسطة رادار ذي موجات ملليمترية، ويصل مداها الفعال إلى 20 كم، وسرعتها القصوى إلى 1610كم/سا، ويصل وزن رأسها الحربي إلى 6.3 كلغ. وبحسب الخبير العسكري الأمريكي كريس كارلسون أن هذا النوع من الصواريخ يسبب أضراراً كبيرة للعدو (بي بي سي، 13 أغسطس، 2022). تضاف إلى ما سبق صواريخ ستارستريك التي تعد من أنظمة الدفاع الجوي، ذات القدرة العالية على استهداف الطائرات، بمدى يصل إلى 7 كم، وسرعة تصل إلى 5000 كم/سا. تتمتع بنظام توجيه شبه آلي، ولا يمكن إيقافها باستخدام العديد من التدابير المضادة. أرفقت هذه الصواريخ بمركبات ستورمر لتكون بمثابة منصة إطلاق متنقلة لها، تصل سرعتها القصوى إلى 80 كم/سا، ومداها إلى 640 كم. (بي بي سي، 13 أغسطس، 2022). كذلك أرسلت بريطانيا عربات ماستيف المدرعة، وهي مدفع رشاش ثقيل، مقاوم للألغام الأرضية والمتفجرات المرتجلة. تبلغ سرعتها القصوى 105كم/سا. وقد لعبت ماستيف دوراً فعالاً في إقليم دونباس. تضاف إلى ما سبق صواريخ ستار سريك المضادة للطائرات، وطائرات مسيرة مخصصة "للضربات الدقيقة" ضد الجيش الروسي (لوفيغارو، 13 أبريل، 2022).
الأسلحة التركية: طائرات بيرقدار المسيرة (TB2) المختصة بمهاجمة الدبابات، كما تستخدم للمراقبة، ويطلق عليها "القاتل الصامت" كونها تتحرك دون صوت، وتفاجئ الهدف بقصفه. وبحسب الخبير العسكري بول شار يمكن أن تكون الطائرات المسيرة فعالة للغاية في أوكرانيا بسبب قدرتها على التحليق على ارتفاع منخفض (الحرة، 18 مارس، 2022).
ثانياً: دور الأسلحة الأوروبية في تغيير ميزان القوة
يعتبر إيان أنتوني، مدير برنامج الأمن الأوروبي في معهد استكهولم للسلام أن أي نظام تسليح لن يكون قادراً لوحده على حسم نتيجة الحرب الحالية (دويتشه فيلا، 14 مارس، 2022). يبرز هذا الطرح من خلال تحليل نوعية الأسلحة الغربية المرسلة لأوكرانيا، والتي تعد بمجملها دفاعية، الغرض منها تعزيز قدرات كييف على الدفاع فقط دون منحها القدرة على الهجوم، حيث ستمنح توريدات الأسلحة الغربية أوكرانيا فرصة لاستغلال الأخطاء الروسية وزيادة تعطيل هجوم موسكو، إلا أنه في المقابل لن تقلب المعركة لصالح كييف لأن ذلك يتطلب الأسلحة الهجومية الثقيلة، وهو أمر حتى الآن غير متاح مع عدم رغبة الناتو في المخاطرة بالدخول بحرب مباشرة مع روسيا. لهذا السبب تزن الدول الغربية بعناية شديدة أنظمة الأسلحة التي ترسلها إلى أوكرانيا (دويتشه فيلا، 2 يونيو، 2022).
صحيح أن المعدات العسكرية الغربية تسهم بشكل كبير في الحد من التقدم الروسي، وترفع معنويات الجيش الأوكراني، بحسب جوزيف هينروتين رئيس تحرير مجلة "دي إس آي (لوفيغارو، 13 أبريل، 2022)، وتغير كفة التفوق الروسي في بعض مراحل الحرب، وتجعل تكتيكات المواجهة تتغير لصالح كييف، إلا أنها لم تقلب ميزان المعركة لصالح الأخيرة. فالغرب يبدو واضحاً أنه مهتم باستنزاف الجيش الروسي وإشغالهم بمحيطهم لأطول فترة ممكنة، بالشكل الذي يلحق به خسائر تسهم في تحييده، لذلك تقتصر المساعدات على تقديم الأسلحة الدفاعية وغير الاستراتيجية (معهد دراسات الحرب-واشنطن، 20 مارس، 2022)، بالتالي إطالة مدة الحرب عبر تحويلها إلى حرب عصابات ومعارك كر وفر في المدن الأوكرانية. هذا الأمر يبرز من أن أغلب الأسلحة المرسلة غربياً (الصواريخ الحديثة المضادة للدبابات والطائرات المسيرة التي تعد أهم الأسلحة المرسلة) تناسب هذا النوع من الحروب (ديلي ميل، 27 يناير، 2022). يضاف إلى ذلك أن الجنود الأوكرانيين ليسوا على دراية بكيفية استخدام الكثير من الأسلحة المرسلة، والتدريب على الأنظمة المعقدة مثل دبابات "غيبارد" وهاوبتزر وصواريخ الباتريوت يستغرق نحو 6 أشهر، الأمر الذي يعني عدم دخول هذه الأنواع إلى الاستخدام الفعلي لفترة زمنية طويلة (دويتشه فيلا، 2 يونيو، 2022).
من الواضح أن الأسلحة الغربية ستعزز وجود الناتو في دول أوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا وأوكرانيا، حيث تبلغ قوته هناك نحو 40 ألف جندي، مع التخطيط لرفعها لنحو 300 ألف. كما يمتلك نحو 100 طائرة مقاتلة في حالة تأهب قصوى، و120 سفينة، من بينها ثلاث مجموعات من حاملات الطائرات، تقوم بدوريات في البحار من أقصى الشمال إلى شرق البحر المتوسط (بي بي سي، 27 ديسمبر 2022).
هذا الأمر بحد ذاته يمكن أن يقلب التوازن الاستراتيجي ضد روسيا. كذلك أصبحت أوكرانيا ساحة مثالية تختبر فيها دول الناتو فعالية أحدث أسلحتها وأنظمة معلوماتها على أرض المعركة الواقعية، وليس فقط في مناورات عسكرية تجريها بين حينٍ وآخر. تمكن الإشارة هنا إلى اختبار الناتو "سلاحه الثمين الجديد" الذي يعد أحد أبرز أسلحته الثقيلة الاستراتيجية الجديدة، وهو نظام معلومات يُعرف باسم "دلتا". الذي يعد شبكة على الإنترنت، يمكن استخدامها من قبل القوات العسكرية والمسؤولين المدنيين، لتتبع وتبادل تفاصيل تتعلق بالقوات الروسية، تجمع بين الخرائط في الوقت الفعلي وصور أصول القوات الروسية، وصولاً إلى عدد الجنود المتنقلين وأنواع الأسلحة التي يحملونها عبر أقمار المراقبة الصناعية والطائرات من دون طيار ومصادر حكومية أخرى، لتقرير أين وكيف يجب أن تهاجِم القوات الأوكرانية. لقد تم اختبار هذا السلاح الجديد بكفاءة في أوكرانيا، والذي يبدو أنه سيكوّن الشكل الجديد لحروب الأجيال القادمة (نيويورك تايمز، 16 نوفمبر، 2022).
رغم تفاؤل عدد من الخبراء العسكريين بأن الأسلحة الغربية ستسهم في انتصار أوكرانيا واستعادة جميع أراضيها بحلول ربيع 2023 على أبعد تقدير، كما توقع الخبير العسكري أندري بيونتكوفسكي (رويترز، 26 ديسمبر، 2022)، إلا أن هذا الأمر يبدو غير ممكن مع تيقن الغرب حجم التحدي التاريخي الذي يمثله الروس، ومع طبيعة الأسلحة الغربية المرسلة التي تعطي لكييف القدرة فقط على الدفاع عن نفسها. بالإضافة إلى تصاعد الضغط الداخلي الشعبي الغربي بسبب ارتفاع تكاليف الحرب، وتداعياتها الخطرة على الأوضاع الاقتصادية والمعاشية.
ثالثاً: استعدادات روسيا للتعامل مع الأسلحة الغربية
مع تدفق شحنات الأسلحة الغربية إلى كييف، يبدو أن العلاقة بين روسيا والغرب وصلت إلى مرحلة المواجهة التي يبدو أنها مرشحة للاستمرار لفترة أطول (Independent, 12 December, 2022). لذلك ستلجأ موسكو إلى تغيير استراتيجيتها في ظل عدم امتلاكها القوة الكافية التي تحتاجها للقتال على جبهات متعددة، وستعمل على تقييم عملياتها العسكرية وترميم مخزوناتها الحربية من الأسلحة، الأمر الذي سيدفعها خلال الفترة المقبلة إلى تحاشي دخول المدن الأوكرانية (كما حدث عند انسحابها من مراكزها قرب كييف ومدن أخرى في شمال أوكرانيا مؤخراً)، والتركيز على حرب استنزاف، كسباً للوقت، تستهدف فيها البنى التحتية، والجيش الأوكراني باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لإلحاق الخسائر بالجيش الأوكراني.
كذلك ستركز موسكو على استهداف إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا، وستعتبرها أهدافاً مشروعة، خاصةً وأن المجال الجوي فوق أوكرانيا يخضع الآن لسيطرة الطائرات المقاتلة الروسية التي يمكن أن تعترض الشحنات عن طريق الضربات الجوية والضربات الصاروخية، ما يزيد من خطر المواجهة المباشرة بين موسكو والناتو. وستعزز روسيا من تعاونها مع حلفائها، وفي مقابل دعم الناتو لكييف بالطائرات المسيرة، ستتجه موسكو إلى مزيد من التعاون العسكري مع إيران للحصول على طائراتها المسيرة التي حققت لها إنجازات مهمة في أوكرانيا. كذلك، ورداً على انتشار الناتو في دول أوروبا الشرقية، ستعمد موسكو إلى استكمال إعادة نشر قوات ومنظومات دفاع جوي صاروخية مضادة للطائرات في بيلاروسيا.
رغم وجود مخاوف من أن يؤدي استمرار أوكرانيا والغرب في التصعيد إلى دفع روسيا إلى استخدام السلاح النووي ضد هدف محتمل في أوكرانيا، أو لاستعراض القوة فحسب، كما توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً (ناشيونال إنترست، 3 يناير، 2023)، إلا أن هذا الأمر يبقى بعيداً عن الحدوث في ظل نتائجه الخطرة على اندلاع حرب مباشرة بين موسكو والناتو. الأمر الذي يتجنبه الطرفان منذ بدء الحرب في أوكرانيا، إلا أن هذا الاحتمال يبقى قائماً إذا شعرت موسكو بأن الغرب سيدعم قوة أوكرانيا لشن هجمات فعلية عليها، فمبادئ استخدام السلاح النووي في روسيا تجيز استخدامه في حال تعرُّض البلاد لعدوان يهدد وجود الأمة، وإن أدى ذلك إلى كارثة عالمية.