في تصعيد لأزمة الحرب في السودان أعلنت الحكومة السودانية في الـ 9 من يونيو الجاري رسمياً إن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس بات شخصاً غير مرغوب فيه. قالت وزارة الخارجية السودانية في بيان:" إن حكومة السودان أخطرت الأمين العام للأمم المتحدة رسمياً بإعلان فولكر بيرتس، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان “يونتاميس” شخصاً غير مرغوباً فيه". ,r] جاء القرار بعد ساعات من عقد المبعوث الاممي اجتماعات في أديس أبابا مع مسؤولين في الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيقاد، كما شارك في جلسة إحاطة دبلوماسية استضافتها بعثة المملكة المتحدة في اثيوبيا لمناقشة الأوضاع في السودان.
لقد ظل رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان يتهم فولكر بيرتس بعدم الحياد وبعث خطاباً الشهر الماضي لأمين عام الأمم المتحدة انطونيو غويتريش طالبه بتبديل مبعوثه “للحفاظ على العلاقة التي تربط المؤسسة الدولية بالسودان”. قال البرهان إن فولكر “منح انطباعاً سالباً عن حيادية الأمم المتحدة واحترامها لسيادة الدول، وكان سلوكه يتسم بنسج التعقيدات وإثارة الخلافات بين القوى السياسية”، مما أدى إلى أزمة منتصف أبريل الماضي” في إشارة لموعد نشوب الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
مع ذلك جدد الأمين العام للامم المتحدة ثقته في مبعوثه الخاص الى السودان وأبلغ مجلس الأمن بذلك، فيما جدد المجلس تفويض البعثة لست أشهر تنتهي في ديسمبر المقبل.
لكن في العاشر من يونيو الجاري أعلنت بعثة الأمم المتحدة بالسودان، تقديم كليمنتاين نكويتا سلامي نائبة رئيس البعثة أوراق اعتمادها للحكومة، وذكرت البعثة الأممية، في بيان، أنّ "نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، والمنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية كليمنتاين نكويتا سلامي، قدمت اليوم أوراق اعتمادها لدى وزارة الخارجية السودانية". وأضاف: "اتفق الجانبان على التعاون الإنساني والتنموي المشترك لمصلحة شعب السودان". وقد طرحت تساؤلات عن دورها ومهتمها في السودان وهل ينهي الجدل حول بقاء فولكر وذهابه
رد الفعل
بالعودة إلى فولكر ، لم تصمت الأمم المتحدة إزاء بيان الخارجية السودانية، بل ردت معلنة على لسان المتحدث بإسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك أن اعتبار الحكومة السودانية موفد المنظمة الدولية شخصاً "غير مرغوب فيه" "يتنافى" ومبادئ الأمم المتحدة و"لا يمكن تطبيقه"، لافتاً إلى أن صفة الألماني فولكر بيرتس "لم تتبدل".
وقال دوجاريك إن "صفة السيد بيرتس لم تتبدل راهناً ويبقى موقف الأمين العام كما عبر عنه أمام مجلس الأمن الأسبوع الفائت"، في إشارة إلى "الثقة المطلقة" التي عبر عنها أنطونيو غوتيريش تكراراً حيال موفده إلى السودان. وأضاف المتحدث "يذكر الأمين العام بأن مبدأ الشخص غير المرغوب فيه لا ينطبق على العاملين في الأمم المتحدة، وإثارته تتناقض مع التزامات الدول عملاً بميثاق الأمم المتحدة"
قرارات أممية
وعود على بدء، في الثالث من يونيو 2020، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 2524 (2020)، والذي أنشأ بموجبه بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، وهي بعثةٌ سياسية تختصُ بتقديم الدعم لـ (السودان) خلال انتقاله السياسي لحكم ديمقراطي، ولمدة 12 شهراً بشكل مبدئي.
وفي الثالث من يونيو 2021 تبنى مجلس الأمن القرار 2579 (2021) الذي يقضي بتمديد تفويض يونيتامس لمدة 12 شهراً اضافياً ولغاية 3 يونيو 2022.
وفي الثالث من يونيو 2022 جدد مجلس الأمن الدولي مرةً أخرى تفويض بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (اليونتامس) لعامٍ آخر ولغاية الثالث من يونيو 2023 وفقاً للقرار الذي يحمل رقم 2636 (2022).
وقد كان رئيس مجلس الوزراء السوداني السابق د. عبدالله حمدوك تقدم بطلب في يناير من العام 2020 للأمم المتحدة تكوين لبعثة سياسية تحت الفصل السادس تساعد السلطة الانتقالية بالسودان.
منذ البداية تحفظ المكون العسكري في مجلس السيادة على طلب حمدوك، فيما يخص البعثة ورأى ضرورة تنفيذ قرار خروج قوات (يوناميد) من دارفور حسب القرار الأممي، الذي نص على خروج (يوناميد) بالتزامن مع دخول بعثة الأمم المتحدة الفنية والسياسية، وأوضح أن موافقته على البعثة الأممية مشروطة بدخلولها وفق البند السادس بدون قوات عسكرية، وبشرط إخلاء السودان من القوات الأجنبية.
اللجنة الوطنية:
في يوليو 2020 قررت الحكومة السودانية، تشكيل لجنة للتنسيق مع البعثة الأممية السياسية (يونيتامس)، لدعم المرحلة الانتقالية في البلاد، وأصدر حمدوك، قراراً بتشكيل اللجنة برئاسة السفير عمر الشيخ الحسين، وضمت اللجنة ممثلين عن وزارات الخارجية، والداخلية، والحكم الاتحادي، والمالية، وهيئة الاستخبارات العسكرية، وجهاز المخابرات العامة في السودان.
إختيار رئيس البعثة:
تحدي الاتفاق على البعثة ليس فقط هو الذي واجه غوتريش بل واجه الرجل تحدياً آخر هو: (من الذي سيترأسها؟)، فقد امتنعت روسيا والصين عن تأييد تعيين الدبلوماسي الفرنسي جان كريستوف بليارد، لرئاسة البعثة السياسية الأممية لدعم التحول الديمقراطي ومساندة عملية السلام في السودان، إلى جانب الدبلوماسي الجنوب أفريقي نيكولاس هاسيوم، المبعوث الخاص للأمم إلى السودان.
وقد أوردت مجلة «فورين بوليسي» في 20 يوليو 2020 أن روسيا والصين تقفان ضد تعيين بليارد على الرغم من الدعم الذي أبداه حمدوك للأخير ليتولى البعثة السياسية. كتبت المجلة أن الدبلوماسي الفرنسي «اعترضت عليه الصين وروسيا لاحقاً، على أساس أنه يفتقر إلى دعم الجيش السوداني». وقد ضمت قائمة غوتريش كل من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للقرن الأفريقي بارفيت أونانغا من الغابون، وكبير الموظفين في الاتحاد الأفريقي عبد الله ديوب من مالي، ومرشحاً من النيجر هو إيشاتوا داودا، إلى جانب مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية فولكر بيرتس، والدبلوماسي والسفير الإيطالي السابق في إثيوبيا غوسيبي مستريتا.
فولكر رئيساً للبعثة:
في 7 يناير 2021 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تعيين فولكر بيرتيس ممثلاً خاصاً له في السودان ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية (يونيتامس). ويتمتع بيرتيس بخبرة تمتد لخمسة وعشرين عاماً في مجال الأبحاث والعلاقات الدولية والدبلوماسية، بما في ذلك في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى خبرة كبيرة في مجال حل النزاعات والشؤون الجيوسياسية الإقليمية.
وعمل، في الفترة بين عامي 2005 و2020، رئيساً تنفيذياً للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. وبين عامي 2015 و2018، عمل مساعداً للأمين العام ثم كبير مستشاري المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا، بما في ذلك رئيس مجموعة الدعم الدولية لمجموعة العمل المعنية بوقف إطلاق النار، نيابة عن الأمم المتحدة. كما كان باحثاً ورئيس إدارة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية بين عامي 1992 و2005.
التفويض:
بحسب التفويض الممنوح لها تقوم (يونيتامس) بتقديم الدعم لـ (السودان)، من خلال العديد من المبادرات السياسية والتنموية وتلك الهادفة لبناء السلام، وبما يتضمن تقديم العون للسودانيين في تحقيق أهداف وثيقة الإعلان الدستوري لشهر أغسطس 2019، وتنفيذ الخطة الوطنية لحماية المدنيين.
وتتضمن الغايات الاستراتيجية لبعثة يونيتامس، وبما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة:
*المساعدة في الانتقال السياسي والتقدم باتجاه حكم ديمقراطي وتعزيز وحماية حقوق الانسان واستدامة السلام، بما يستجيب للأهداف رقم 5 و10 و16 و17.
*دعمُ مسارات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية، بما يستجيبُ للأهداف رقم 8 و10 و11 و13 و12 و16 و17.
*تقديم العون لبناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون، وعلى وجه الخصوص في دارفور وفي المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) بما يستجيبُ للأهداف 5و10و11و16و17.
*دعمُ إتاحة المساعدات الاقتصادية والتنموية، وتنسيق المساعدات الإنسانية من خلال ضمان نهج تكاملي لوكالات الأمم المتحدة والتمويل
والبرامج المتاحين من خلالها؛ ومن خلال التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وبما يستجيبُ لجميع أهداف التنمية المستدامة.
رفض من الإسلاميين وتهديدات:
منذ توليه مهامه ظل فولكر يتعرض لهجوم متواصل من تيارات إسلامية وأخرى محسوبة على النظام الإخواني السابق والتي نظمت احتجاجات أمام مقر البعثة للمطالبة بطرده كما وصلته تهديدات بالتصفية.
في مارس 2023 كشف فولكر عن تلقيه تهديدات بالتصفية ممن قال:" إنهم متطرفون ساخطون على أداء البعثة، لكنه أظهر لا مبالاة حيالها، وإعتبرها تصرفات لا تعبر عن ثقافة الشعب السوداني، ولا الدين الإسلامي، كما تحدث عن شعوره بالارتياح في السودان".
في المقابل لا يختلف رأي الدبلوماسية السودانية عن رأي التيارات الإسلامية، ويظهر ذلك جلياً في مقال نشره موقع (الإندبندنت عربية) في الـ3 من يونيو الحالي للسفير عمر دهب المندوب السابق للسودان بالأمم المتحدة بعنوان (فولكر عرض لمرض) يقول فيه :"إن بيرتس لعب دوراً لا تخطئه العين في العملية السياسية بالسودان من غير أن يصيب أياً من الأهداف المنوط بها ويضيف بأن السيد فولكر داخله شعور قوي بأن حالة الانقسام والتوهان ستعينه وقد تَدَعَّم ذلك الشعور بعد إبرام "الاتفاق الإطاري" وتأييد قائد قوات الدعم السريع له في خضم هذا الشعور الذي اعتراه نسي فولكر أو تناسى طبيعة البعثات السياسية القائمة على مبدئين جوهريين، وهما الحياد وإشراك الجميع تماماً.
في المقابل، أغفل حمدوك فسحة التحرك والتحكم التي تتيحها له هذه البعثة الأممية، باعتبارها إحدى البعثات السياسية الخاصة في نظام عمليات السلام في الأمم المتحدة، ولو أخذ بها لكان قد دعم القرار الوطني ودعم سلطته الوطنية في إرساء نظام انتقالي واضح المعالم يقوم بدوره في إرساء وضمان مستقبل مستقر للديمقراطية في السودان. وقد ضل الرجلان كل في اتجاهه، بدليل ما أسهما فيه مع غيرهما في ما وصلت إليه الأحوال اليوم في مشهد هذه الحرب المستعرة. والأمر الأكثر خطورة اليوم هو سعي فولكر لتوريط البلاد مع الأمم المتحدة ومن ورائها المجتمع الدولي وبأسهما شديد على المستضعفين".
ظل فولكر يدافع عن نفسه باستمرار، وذكر في مقال مطول كتبه مطلع أكتوبر 2022 نشرته صحف سودانية (السوداني – الجريدة) ذكر أنه يرفض اتهامه بالانحياز لقوى سياسية بعينها، وقال:" سنستمر في البقاء غير منحازين لأي طرف، إلا أننا لن نكون أبدًا محايدين فيما يتعلق بقيمنا الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي وهي من واجبات التفويض الممنوح لي من مجلس الأمن وهو مساعدة السودان في انتقال بقيادة مدنية نحو الديمقراطية والسلام". وشدد على أنه لا ينبغي أن يكون هناك مكان لانقلابات عسكرية مستقبلية في السودان لكون الديمقراطية والمشاركة هما السبيلان لتحقيق الاستقرار والسلام الدائمين.
خلاصات:
من الواضح أن المجتمع الدولي والقوى الداعمة للديمقراطية في السودان ليس لديها أي تحفظات على فولكر، ويجسد ذلك حديث اللواء كمال إسماعيل الخبير الاستراتيجي ورئيس حزب التحالف السوداني لـ(موقع الحرة) في الخامس من يونيو الحالي مبدياً تعجبه واستغرابه، من طلب البرهان باستبداله، مشيراً إلى أن بيرتس جاء إلى السودان بطلب من "الحكومة المدنية" وقتها، وخلال فترة عمله بذل المبعوث الأممي "جهودا كبيرة"، ولم يكن "السبب وراء اندلاع الحرب"، لكنه سهل الوصول إلى "الاتفاق الإطاري" الذي كان حوله "بعض الخلافات.
وفي الشق الآخر يرجع الخبير الاستراتيجي، بابكر يوسف في حديثه لـ(موقع الحرة)، أسباب الطلب لكون بيرتس "مهندس الاتفاق الإطاري" لانتقال السلطة إلى المدنيين الذي تسبب بالاقتتال الدائر حالياً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويعتبر "الاتفاق الإطاري" هو نقطة الخلاف بين البرهان، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، وقوى الحرية والتغيير - المركزي. وحسب يوسف فإن البرهان يعتبر قوى الحرية والتغيير بمثابة الجناح السياسي والحاضنة لقوات دعم السريع.