في خطوة نادرة وغير مسبوقة، استند الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة يوم الأربعاء (6 ديسمبر). يهدف هذا القرار إلى تحذير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رسمياً بشأن التهديد العالمي الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة.
غوتيريش يحث على "وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية" منذ 18 أكتوبر، لكن مجلس الأمن لم يتخذ قراراً بعد بسبب الخلافات بين أعضائه الدائمين، وقد استخدمت الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي لإسرائيل، حق النقض (الفيتو) ضد أحد القرارات، في حين منعت روسيا، التي أعربت عن قلقها بشأن تصرفات إسرائيل، صدور قرار آخر.
حول المادة 99
هي أداة دبلوماسية نادراً ما تستخدم، وهي الواردة في الفصل الخامس عشر من ميثاق الأمم المتحدة، تسمح لأـمين عام الأمم المتحدة بلفت انتباه مجلس الأمن إلى "أي قضية من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم التهديدات القائمة لصون السلم والأمن الدوليين"، والهدف من هذه المادة هو إصدار تحذيرات بشأن التهديدات الجديدة للسلم والأمن الدوليين، مع التركيز على المسائل التي لم يتم إدراجها بعد على جدول أعمال المجلس.
من خلال تفعيل المادة 99، يكتسب الأمين العام للأمم المتحدة الحق في التحدث في مجلس الأمن دون الحاجة إلى دعوة من دولة عضو. ضمن هذا السياق، وجه الأمين العام رسالة موجهة إلى مجلس الأمن يوم الأربعاء 6 ديسمبر، أعرب من خلالها عن قلقه العميق إزاء استمرار افتقار المجلس إلى التحرك والتدهور الشديد للوضع في غزة، وأشار إلى أن الأزمة المتصاعدة أجبرته على تفعيل المادة 99.
سلطت الرسالة الضوء على الظروف الصعبة في غزة، محذراً من احتمال انهيار النظام العام وانهيار النظام الإنساني وغياب الحماية الفعالة للمدنيين، وقال: إن "على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية استخدام كل ما في وسعه من نفوذ.. لوضع حد لهذه الأزمة". وحث "أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية"، مجددا مناشدته "للإعلان عن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية".
لجوء الأمين العام إلى هذه المادة، يعني أن الأمم المتحدة بدأت تأخذ مخاطر حدوث أزمة إقليمية كبيرة على محمل الجد ، خاصة مع تزايد إمكانية امتداد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس، لتشمل دولا عديدة أبرزها لبنان وسورية واليمن والعراق، حيث تتواجد في هذه الدول ميليشيات موالية لإيران وتدعم الأخيرة حركة حماس بالإضافة إلى وجود قوات أميركية بجانب هذه الميليشيات وسط زيادة مستوى التوتر والاشتباكات بين الطرفين في هذه الدول.
تجارب استخدام هذه المادة
للمرة الأولى لجأ الأمين العام تريغفي لي (1946-1952) إلى هذه المادة تجاه الوضع في شبه الجزيرة الكورية في عام 1950.
أعقبه الأمين العام داغ همرشولد (1953-1961) تجاه أزمة الكونغو عام 1960 ، والوضع في تونس عام 1961.
استخدمها الأمين العام يو ثانت (1961-1971)، تجاه الوضع في باكستان الشرقية تجاه الولايات الهندية المجاورة في عام 1971.
ولجأ أيضاً إلى هذه المادة، الأمين العام كورت فالدهايم (1972-1981) تجاه الوضع في لبنان عام 1976، وقام أيضاً بذلك الأمين العام خافيير بيريز دي كوييار (1982-1991) تجاه الوضع في لبنان عام 1989.
فعالية المادة 99
على الرغم من أن الوثائق الرسمية للأمم المتحدة تصف المادة 99 بأنها ذات وظيفة وقائية تتمثل في زيادة الوعي على المستوى الدولي بأن الأزمة الحادة بالفعل قد تتفاقم، إلا أنه وبشكل دائماً يتم التأخر في اللجوء إليها كما يحدث الآن تجاه الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وذلك يعود إلى الانقسام بين القوى الدولية وخاصة التي لها الحق في استخدام حق الفيتو ضد أي قرار في مجلس الأمن الدولي.
ويعتبر مجلس الأمن أقوى هيئة في الأمم المتحدة، ويتكون من 15 عضواً، وهو مكلف بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين. وإذا تم العمل بناءً على نصيحة غوتيريش وتم تبني قرار لوقف إطلاق النار سيكون هناك فرصة كبيرة لإنهاء التصعيد، وسيكون لديها صلاحيات إضافية تحت تصرفها لضمان تنفيذ القرار، بما في ذلك سلطة فرض عقوبات أو التفويض بنشر قوة دولية، لكنه لا يمنح غوتيريش أي صلاحيات لإجبار مجلس الأمن على تبني قرار.
إذاً هذه المادة تمكن الأمين العام للأمم المتحدة من فرض النقاش وجمع الأطراف مع بعضها وتشجيعها على التوصل إلى نوع من التسوية ، لكن بسبب وجود حق الفيتو فإن الطريقة الوحيدة لاعتماد قرار ما، يجب صياغته وفق آراء جميع الأطراف وإقناع الأعضاء الخمسة الدائمين (الصين – روسيا – المملكة المتحدة – الولايات المتحدة – فرنسا) بعدم استخدامها حق الفيتو.
المادة 99 في إنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس
لمعرفة إذا ما كان اللجوء إلى هذه المادة يمكن أن يساهم في إنهاء الحرب في غزة فإنه يجب مراجعة التجارب السابقة التي تم اللجوء فيها إلى هذه المادة، فمثلاً تم استخدام هذه المادة في عام 1960 وعلى إثرها تم اعتماد قرار يدعو لانسحاب القوات البلجيكية من الكونغو وأرسلت قوات حفظ سلام أممية لرعاية ذلك إلا أن الحرب استمرت، وتم اغتيال رئيس الوزراء باتريس لومومبا بعدها لتتعمق الأزمة بشكل أكبر في السنوات التي أعقبت ذلك.
كما فشلت هذه المادة أيضاً عندما دعا مجلس الأمن إلى إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في عام 1979، وتم تفويض فالدهايم "باتخاذ كافة التدابير المناسبة" لتحقيق ذلك. لكن الرهائن ظلوا محتجزين لمدة 444 يوماً، وقُتل اثنان منهم. ولم يتم إطلاق سراح الباقين إلا بعد توقيع اتفاقيات الجزائر عام 1981. علاوة على ذلك دعا مجلس الأمن جميع الأطراف في لبنان إلى العمل من أجل وقف إطلاق النار في عام 1989، بعد استخدام المادة 99 آخر مرة، لكن الصراع استمر.
وفيما يخص الصراع الحالي بين إسرائيل وحركة حماس، فإن هناك العديد من المؤشرات على عدم إمكانية الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار ، وذلك نظراً لعدة أسباب، أبرزها الرفض الإسرائيلي لذلك وخاصة بعد لجوء الأمين العام للأمم المتحدة للمادة 99 حيث عبرت إٍسرائيل عن رفضها لذلك وهاجمت الأمين العام بشكل حاد، بالإضافة إلى الدعم من قبل الولايات المتحدة الأميركية للقرار الإسرائيلي بحسم المعركة عسكرياً والقضاء على حماس أو دفعها للتنازل والخروج من غزة.
وتواجه إدارة بايدن مواجهة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث قد تشعر بأنها مضطرة لاستخدام حق النقض لحماية إسرائيل من خلال رفض الدعوات لوقف إطلاق النار الإنساني الفوري في غزة، فالثمن الدبلوماسي الذي يتعين على الولايات المتحدة أن تدفعه مقابل استخدام حق النقض ضد دعوة وقف إطلاق النار هو ثمن باهظ، لكن واشنطن تعتقد أن وقف إطلاق النار سيترك حماس راسخة في غزة. وهي تؤيد بدلاً من ذلك وقف إطلاق النار طالما استمرت حماس في إطلاق سراح المزيد من الرهائن الذين احتجزتهم في هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر (الغارديان – 7 ديسمبر).
خلاصات
الهدف الأساسي من المادة 99 هو التعامل مع الحالات التي تواجه فيها ديناميكيات مجلس الأمن صعوبات في التوصل إلى اتفاق بشأن مناقشة الصراعات الناشئة، وذلك لأن لفت انتباه المجلس إلى الحالات التي تشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين من شأنه أن يدفع أعضاء المجلس إلى التركيز على دورهم في منع نشوب الصراعات، وتفعيل مجموعة أدوات منصوص عليها في الفصل السابع. وهذا قد يدفع المجلس إلى اتخاذ خطوات فعالة (موقع قناة الحرة – 7 ديسمبر).
على الرغم من صعوبة التوصل إلى اتفاق ناتج عن اللجوء إلى المادة 99 بسبب الخلاف بين القوى الدولية ورفض الأطراف المتحاربة، كما أن واشنطن رفضت بشكل مطلق مناقشة قرار يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي، إلا أنه حتى وفي حال تم التوصل إلى ذلك وتطور الأمر وصولاً إلى إرسال قوات حفظ سلام أممية فمن المستبعد أن ينجح ذلك في إنهاء الصراع بشكل دائم حيث سيندلع القتال بأي لحظة وبحضور القوات الأممية.
عليه من المتوقع أن يستمر القتال في الفترة الحالية مع التوقع أن تخف حدته وأن لا تتوسع رقعته خاصة مع الإصرار الإسرائيلي وبتشجيع من الولايات المتحدة الأميركية، على أنه من الضروري تغيير الوضع في غزة من خلال القضاء على حماس أو دفعه للتنازل والخروج من القطاع.