مقالات تحليلية

رفع الحظر الأمريكي عن كتيبة آزوف الأوكرانية: دوافع وتأثيرات

20-Jun-2024

رفع الحظر الأمريكي عن كتيبة آزوف الأوكرانية: دوافع وتأثيرات

في 11 يونيو 2024 قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة رفعت الحظر المفروض على توفير الأسلحة الأمريكية والتدريب لكتيبة آزوف الأوكرانية، حيث إن "وحدة آزوف" اجتازت معايير قانون "ليهي"، الذي يحظر على الولايات المتحدة تقديم المساعدات العسكرية لأي وحدات أو قوات أجنبية ارتكبت انتهاكات لحقوق الإنسان، وإنه لم يتم إثبات انتهاكها حقوق الإنسان وبالتالي يحق لها تلقي المساعدة العسكرية من الولايات المتحدة.

تعد كتيبة آزوف من بين الوحدات القتالية الأكثر فعالية وشعبية في أوكرانيا، لكن لطالما ما تم التركيز على جذبها مقاتلين من الدوائر اليمينية المتطرفة، وقد وانتُقدت بعض تكتيكاتها، وهذا ما أدى إلى منع الولايات المتحدة هذه الكتيبة من استخدام الأسلحة الأمريكية، مستشهدة بأيديولوجية النازيين الجدد لبعض مؤسسيها.

ما هي كتيبة آزوف؟

نشأت الكتيبة عام 2014 كواحدة من العديد من أفواج المتطوعين التي تم إنشاؤها لمحاربة ما سمي الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا، وسرعان ما أصبحت وحدة رسمية منفصلة تابعة لوزارة الداخلية، ثم أصبحت فيما بعد وحدة تابعة للحرس الوطني.

الأعضاء الذين تم دمجهم من الكتيبة في الحرس الوطني الأوكراني تحت اسم لواء القوات الخاصة الثاني عشر، ينفون أي ارتباط لهم بالحركات اليمينية المتطرفة، أو ارتكابهم أي ممارسات تدل على وجود أصول متطرفة. لكن هذه التهم حول أصول الكتيبة وبعض قادتها منحت فرصة لروسيا لإظهار أن الجيش الروسي يقوم بمعركة ضد النفوذ النازي في أوكرانيا. وقد منعت الولايات المتحدة الفوج من تلقي أسلحة أمريكية بسبب صلاته المزعومة باليمين المتطرف، وفي عام 2016، اتهم تقرير للأمم المتحدة فوج آزوف بـ"نهب ممتلكات المدنيين، مما أدى إلى النزوح" في شرق أوكرانيا.

تم حظر المساعدة الأمريكية للكتيبة بموجب قانون ليهي قبل حوالي عقد من الزمن، بسبب المخاوف بشأن مؤسسها، القومي المتطرف أندريه بيليتسكي، وأعضاء آخرين متعاطفين مع النازيين. ووُصِف بعض أعضائها بأنهم يمينيون متطرفون ومعادون للأجانب.

"وحدة أو كتيبة آزوف" هي تشكيل شبه عسكري تم تأسيسه على يد أندريه بيلتسكي عقب الثورة الأوكرانية عام 2014، التي شهدت الإطاحة بالحكومة التي كانت متهمة في ذلك الوقت بالولاء لروسيا، من مجموعة كانت تسمى "باتريوت أوكرانيا" والجمعية الوطنية للنازيين الجدد.

التشكيل تبنى، منذ لحظة انطلاقه، أفكاراً يمينية قومية متطرفة، وغالباً ما تطرق في بياناته إلى شخصيات أوكرانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، كانت محسوبة على التيار القومي المتحالف في ذلك الوقت مع ألمانيا النازية، ويذكر أن لبيلتسكي، تصريح مثير للجدل في 2010 أعلن فيه أن هدف أوكرانيا الأساسي يجب أن يكون "قيادة العالم الأبيض في حرب صليبية نهائية ضد الساميين"، ولطالما نفى المتحدثون باسم الوحدة الالتزام "التام" بالأيديولوجية النازية، لكن في 2015 قال أحد مسؤولي آزوف إن "10 إلى 20% من المقاتلين هم من النازيين" (مونت كارلو الدولية – 12 يونيو 2024).

أهمية هذه القوات

ينظر الكثيرون في أوكرانيا إلى مقاتلي آزوف كأبطال قوميين، ولا يزال العديد من جنودها محتجزين لدى روسيا كأسرى حرب، وسط اتهامات بأن الأوكرانيين تعرضوا للتعذيب في الأسر. 

بعد الهجوم الروسي في فبراير 2022 أصبحت الكتيبة رمزاً للمقاومة الأوكرانية، حيث صمد العديد من مقاتليها للدفاع عن مصنع أزوفستال للصلب في مدينة ماريوبول لعدة أشهر، وقد أدى الدفاع عن ماريوبول دفع اللواء إلى مستوى جديد من الشهرة والاحترام داخل المجتمع الأوكراني، فقد صمد خلال الحصار في ظل نقص في الذخيرة لأسابيع في مصنع الصلب بالمدينة الساحلية الجنوبية رغم الهجمات المدمِّرة من القوات الروسية. 

لذلك يتم الترحيب بهم كأبطال، ويتم تذكرهم لدفاعهم عن المصنع مترامي الأطراف الذي أصبح رمزاً للمثابرة الأوكرانية في الحرب ضد روسيا، ويخرج الناس إلى الشوارع للمشاركة في مسيرات أسبوعية تطالب بالإفراج عن مئات من أسرى حرب آزوف الذين ما زالوا في روسيا (تايم الأمريكية، 11 يونيو 2024).

ما معنى هذا القرار؟

يعني هذا القرار بالدرجة الأولى إلغاء الحظر المفروض منذ عقد من الزمان على كتيبة آزوف كما أشرنا، وفق قانوني "ليهي" الذي يحظر على الولايات المتحدة توريد الأسلحة أو المساعدات المالية "لوحدات من قوات الأمن الأجنبية عندما تكون هناك معلومات موثوقة تشير إلى تورط تلك الوحدة في ارتكاب جرائم جسيمة وانتهاكات لحقوق الإنسان". قالت وزارة الخارجية إنها خلصت إلى أنه "لا يوجد دليل على انتهاك جسيم لحقوق الإنسان من قبل لواء آزوف الثاني عشر".

وهذا يشير إلى تغير الموقف الأمريكي وتطوره فيما يخص التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يدل ذلك على أن واشنطن والغرب يخططون لتقديم مزيد من الدعم للقوات الأوكرانية بهدف إخضاع روسيا التي تواصل هجومها. 

في هذا السياق، تأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تتقدم فيه روسيا شرقاً، بعد أن سيطرت على قرية في منطقة دونيتسك مؤخراً وتنطلق هذه الخطوات الأمريكية والغربية من كون بعض التحليلات ترى أن أي دعم معنوي أو مادي للقوات الأوكرانية سينعكس على الواقع العسكري في الميدان، حيث يبدو أن الهجوم الروسي باتجاه الشمال قد توقف بعد أن عززت كييف قواتها هناك، وهذا ما أكدته الكتيبة في بيان أعقب صدور القرار الأمريكي، والذي جاء فيه أن "تلقي الأسلحة الغربية والتدريب من الولايات المتحدة لن يؤدي فقط إلى زيادة القدرة القتالية لآزوف، ولكن الأهم من ذلك أنه سيسهم في الحفاظ على حياة وصحة أفراد اللواء".

التعويل العسكري والميداني على هذا القرار كان يعبر عنه الاهتمام الأوكراني، حيث كان إلغاء الحظر أولوية بالنسبة للمسؤولين الأوكرانيين الذين يقولون إن اللواء كان من الممكن أن يكون أكثر فعالية أثناء دفاعه عن أزوفستال إذا تمكن من الوصول إلى المعدات الأمريكية. يقول مسؤول أوكراني، إن وزير الخارجية دميترو كوليبا أثار موضوع الحظر مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن عندما زار كبير الدبلوماسيين الأمريكيين كييف الشهر الماضي.

وحتى صدور قرار وزارة الخارجية، كان هناك بند في قانون المخصصات الأمريكي يحظر على قوات آزوف إرسال مقاتلين إلى التدريبات العسكرية الغربية أو الحصول على الأسلحة المشتراة بأموال أمريكية، ومن المرجح أن يؤدي رفع الحظر إلى تعزيز القدرة القتالية للواء في وقت صعب خلال الحرب ضد الغزو الروسي. وتعاني أوكرانيا من نقص مستمر في الذخائر والأفراد (تايم الأمريكية، 11 يونيو 2024).

ومن أبرز الفوائد التي ستجنيها كييف من رفع الحظر الأخير، هو أن الكتيبة أصبحت ملهمة للكثير من المواطنين الأوكرانيين بمعزل عن الذين يرتبطون بشكل مباشر بالقوات والحكومة الأوكرانية، وبالتالي تسعى من خلال ذلك للحصول على مزيد من الدعم الشعبي من خلال تجنيد مزيد من المواطنين، حيث يعد نقص الكوادر البشرية من أبرز التحديات التي تعاني منها القوات الأوكرانية. علاوة على أن هذه القوات التي يؤمل أن ينضم إليها المواطنون، ستمنح مزيداً من الشرعية والقوة المعنوية للقوات الأوكرانية والعمليات العسكرية ضد روسيا.

في هذا السياق استحوذت الأوضاع التي يعيشها سجناء آزوف على قلوب وعقول الأوكرانيين، وأصبحت عبارة "حرروا آزوف" صيحة حاشدة شائعة في الاحتجاجات في كييف؛ لذلك استغلت آزوف وضعها الجديد كلواء منذ العام الماضي فأطلقت حملة تجنيد مكثفة في جميع أنحاء البلاد جلبت أكثر من 5000 جندي جديد خلال شهرين. وكان الناجون من أزوفستال من بين أولئك الذين أجروا مقابلات ودربوا المجندين، الذين تم استجوابهم بشأن دوافعهم وخلفياتهم ولياقتهم البدنية قبل الاختيار (واشنطن بوست، 12 يونيو 2024).

لكن في المقابل، لا يمكن التعويل كثيراً على هذه الخطوة، لأن عدد هذه القوات وحتى بعد حملات التجنيد، لن يكون كافياً إلى حد كبير لمواجهة الهجوم الروسي في حال لجأ إلى الرد على ذلك من خلال تصعيد العمليات العسكرية، حيث لا يستبعد أن يكون هذا الإجراء الأمريكي ضمن الخطوات التي تقوم بها واشنطن لإرضاء أوكرانيا والغرب، فهي تزيد نطاق الضغوط على روسيا ومن يساعدها، بالإضافة إلى تقديم آمال ووعود بمنح مزيد من الدعم العسكري لكييف، كي لا تنجر واشنطن أو الدول الغربية إلى مشاركة مباشرة في الحرب الأوكرانية الروسية.

خلاصات

بالدرجة الأولى، تنطلق القرارات والخطوات الأمريكية من رغبة في ممارسة مزيد من الضغوط على روسيا، خاصة أن أغلب التقييمات التي تجريها الأوساط الغربية تنتقد ضعف السياسات الأمريكية والأوروبية وضعف الدعم للقوات الأوكرانية، حيث ترى أن مثل هذه السياسات والإجراءات لم تنجح في تحقيق أي من أهدافها، فقد تمكنت روسيا من التعامل مع هذه السياسات.

 لذلك لجأت واشنطن إلى القيام بمزيد من الخطوات التي تريد من خلالها فرض ضغط واقعي على روسيا، بالإضافة إلى توصيل رسائل إيجابية إلى الحلفاء في أوكرانيا والغرب، فضلاً عن إظهار القوة في الموقف والقرار خاصة أن الإدارة الأمريكية مقبلة على أهم انتخابات. 


20