في منتصف يناير الماضي، أعلن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، تقديم موعد الانتخابات إلى يوم 14 مايو، بعد أن كان مقررا عقدها في 24 يونيو (صحيفة زمان التركية، 18 يناير 2023). ولعل أكثر صفة مشتركة في مجمل التقارير التي تناولت الانتخابات هي أنها "مصيرية"، والسبب يعود إلى أن النتيجة بجميع احتمالاتها سوف تمثل مرحلة جديدة لدولة طالما أثارت الجدل على المستويين الداخلي والخارجي. وتأتي هذه الانتخابات بعد أكثر من عقدين على حكم إسلامي ذو نزعة قومية عزز نفوذه على جميع منافذ الحكم، شهدت خلالها تركيا أزمة اقتصادية غير مسبوقة وانهيارا كبيرا لعملتها.
أردوغان يتغلب على المعضلة الدستورية
جرت الانتخابات العامة التركية السابقة في عام 2018، وكانت بمثابة انتقال للبلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، تلك التي أسفرت عن فوز "أردوغان"، الذي شغل منصبه تحت مظلة النظام البرلماني منذ عام 2014. وفي الوقت ذاته، فقد حزب العدالة والتنمية أغلبيته للمرة الأولى منذ يونيو عام 2015، فاعتمد على حزب الحركة القومية بزعامة "دولت بهجلي" كشريك ائتلافي، حتى يستطيع تمرير تشريعاته. وعلى الرغم من نفي "أردوغان" عزمه إجراء انتخابات مبكرة لضمان ترشيح نفسه لفترة ثالثة، لكنه أعلن في 9 يونيو 2022 ترشحه، مما أثار غضب المعارضة. (Washington Post: 9 June 2022)
ودستوريا يتولى رئيس تركيا مهامه بعد الحصول على أغلبية مطلقة، وإذا لم يؤمن ذلك تجرى جولة إعادة بين أكثر المرشحين اللذين تم التصويت عليهما في الجولة الأولى. وتم إدخال هذا النظام لأول مرة في عام 2014. (Turk Press: 28 March 2023) وفي النظام الرئاسي يخضع الرئيس لحدود زمنية للخدمة، تتمثل في قضاء فترتين متتاليتين على الأكثر، مدة كل منها خمس سنوات. ونظرا لأن "أردوغان" يقضي فترته الأولى بعد تغيير النظام الرئاسي، فإنه بذلك يصبح مؤهلا لولاية جديدة، ما يعني أن فترة حكمه من عام 2014 إلى عام 2018 لن تحتسب. وهكذا دبر "أردوغان" وحزبه خطة تتيح له لأن يكون مرشحا رئاسيا لمرة ثالثة في عام 2023. (وكالة أنباء نورث برس السورية، 11 إبريل 2023)
خريطة التحالفات الحزبية في 2023
يتم انتخاب الأعضاء في البرلمان التركي بنظام نسبي في 87 دائرة انتخابية مع قوائم حزبية مغلقة أو كمرشحين مستقلين. وقد نشرت اللجنة العليا للانتخابات برئاسة "أحمد ينر" خريطة توزيع المقاعد، وأشارت إلى أن حصة إسطنبول من النواب تبلغ 98 نائبا، وأنقرة 36 نائبا، وإزمير 28 نائبا، وبورصة 20 نائبا، وأنطاليا 17 نائبا، وأضنا 15 نائبا، وقونيا 15 نائبا، أما باقي الولايات فتتراوح حصصها ما بين نائب واحد و14 نائبا. كما تبلغ حصة مجموع الولايات التي تضررت جراء الزلزال، وهي 11 ولاية، 96 مقعدا (15 أضنا، و14 شانلي أورفا، و11 هتاي، و4 عثمانية، و2 كيليس، و14 غازي عنتاب، و8 كهرمان مرعش، و6 ملاطية، و5 أديامان، و12 ديار بكر، و5 إيلازيغ). (وكالة أنباء الأناضول: 3 مارس 2023)
وتتكون خريطة التحالفات الحزبية من أربعة تكتلات، هي (تحالف الجمهور) ومرشحه الرئاسي "رجب طيب أردوغان"، ويشمل (حزب العدالة والتنمية، حزب الحركة القومية، حزب الاتحاد الكبير، حزب الرفاه الجديد، حزب الهدى بار). و(تحالف الأمة) ومرشحه "كمال كلتشدار أوغلو"، ويشمل (حزب الشعب الجمهوري، الحزب الجيد "الخير"، حزب السعادة، حزب المستقبل، حزب التقدم والديمقراطية "ديفا"، الحزب الديمقراطي). و(تحالف العمل والحرية) الذي لا يطرح مرشح رئاسي، ويشمل (حزب الشعوب الديمقراطية، حزب العمل، حزب الحركة العمالية، حزب عمال تركيا، حزب اتحاد الجمعيات الاشتراكية، حزب الحرية المجتمعية). و(تحالف أتا القومي المتطرف) ومرشحه "سنان أوغان"، ويشمل (حزب النصر، حزب التحالف التركي، حزب العدالة، حزب بلادي). أما حزب البلد فيرشح "محرم إنجه" خارج أي تحالفات. (دراسة عن الانتخابات التركية، معهد الدوحة، 4 إبريل 2023)
ولخص الكاتب السياسي "عماد أبو الروس" التوزيعات المستهدفة للتحالفات والأحزاب التركية، وذكر أن الوزراء على رأس قائمة تحالف الجمهور، فضمت 15 وزيرا من الحكومة، بالإضافة إلى شخصيات عامة، وشخصيات حزبية. أما تحالف الأمة، وهو التحالف الرئيسي للمعارضة، فقد ضمت قائمته أعضاء من حزب الشعب الجمهوري الذي رشح 11 من قادته، و113 محاميا، و28 طبيبا، و53 مهندسا، و25 معلما، و18 متقاعدا، و16 صيدليا، و55 رجل أعمال، و8 صحافيين، و8 أكاديميين، و10 مزارعين، وموسيقيا واحدا، ومختارا واحدا، وسفيرا سابقا واحدا، واثنين من العمال. وتقدمت بقية أحزاب التحالف بـ 76 شخصا (24 حزب السعادة، 25 الديمقراطية والتقدم، 19 المستقبل، 3 الحزب الديمقراطي، و5 من حزب الجيد). وفي تحالف العمل والخير قرر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي دخول البرلمان ضمن قوائم حزب اليسار الأخضر (عماد أبو الروس، موقع عربي 21: 10 إبريل 2023). وقرر تحالف أتا القومي خوض الانتخابات البرلمانية بترشيح رؤساء الأحزاب المشاركة فيه. (الأنباء الكويتية: 12 مارس 2023)
المرشحون الرئاسيون
يتنافس الرئيس "أردوغان"، مرشح تحالف الجمهورية، و"كمال كلتشدار أوغلو"، مرشح تحالف الأمة بقيادة، في الانتخابات الرئاسية التركية، وإلى جانبهما "محرم إنجه" و"سنان أوغان"، اللذان من الممكن أن يسهما في تأجيل حسم النتيجة إلى الجولة الثانية. وقد حددت اللجنة العليا للانتخابات أسماءهم، ويمكن التعريف بهم على النحو التالي:
- رجب طيب أردوغان:
من مواليد 26 فبراير 1954، أدى اليمين الدستورية كرئيس في 28 أغسطس 2014، ليصبح الرئيس الثاني عشر لتركيا. وتعرض آنذاك لانتقادات عنيفة بعد أن صرح بأنه لن يحافظ على تقليد الحياد الرئاسي (صحيفة Nediyor التركية، 14 أغسطس 2014). وتذكر الكاتبة التركية "يليز جندميش" أنه أكد شكوك المعارضة بأنه سيستمر في متابعة أجندته السياسية الخاصة، وأن رئيس وزرائه "أحمد داود أوغلو" سيكون منصاعا. كما أثارت هيمنة مؤيديه في الحكومة التكهنات بأنه ينوي السيطرة عليها (The Wall Street Journal: 29 AUG. 2014). وفي عام 2018 أعيد انتخابه رئيسا. (BBC: 25 June 2018) ثم قام بترشيح نفسه لعام 2023 في ظروف سياسية واقتصادية حرجة. (موقع bianet التركي، 27 يناير 2023)
وتتمثل أبرز نقاط برنامجه الانتخابي في تعزيز الاستثمارات السياحية، ورفع حجم التجارة الخارجية إلى تريليون دولار، وزيادة الدخل السنوي بمعدل نمو 5.5%، وتوفير 6 ملايين وظيفة جديدة، ورفع نصيب الفرد من الدخل إلى 16 ألف دولار سنويا، فضلا عن تعهده بإعادة هيكلة النظام الرئاسي وفق الاحتياجات المتغيرة. (Arabic RT: 11 April 2023)
- كمال كلتشدار أوغلو:
من مواليد عام 1948، خريج أكاديمية العلوم التجارية في أنقرة. بدأ عمله السياسي عام 1999 داخل الحزب اليساري الديمقراطي، قبل أن ينتقل لحزب الشعب الجمهوري، وينتخب نائبا في البرلمان في عام 2002. ثم أعيد انتخابه عام 2007، وأصبح بعدها نائبا لرئيس الكتلة البرلمانية لحزبه حتى تولى زعامته في مايو 2010. (موقع Radikal التركي: 23 مايو 2010)
من أهم إنجازاته الحزبية مساهمته في دخول "حزب الجيد" إلى البرلمان التركي، بعد أن سمح لبعض أعضاء حزبه بالانضمام إليه عام 2018، ثم تحالف مع رئيسته "ميرال أكشنير" ليشكلا تكتلا للمعارضة في البرلمان. (صحيفة Hurriyet التركية: 22 إبريل 2018)
وتتلخص وعوده الانتخابية في تعهداته بتحسين معيشة المواطن، كعدم تحصيل ضريبة من محدودي الدخل وتنظيمها للموظفين، وتغيير شريحة الدخل للعاملين، وإعادة ضبط ضريبة الإيجار المقتطعة. (صحيفة T24 التركية: 30 إبريل 2023)
- محرم إنجه:
من مواليد العام 1964، خريج قسم الفيزياء بكلية التربية بجامعة أولوداغ بمدينة بورصة. يمارس السياسة منذ عام 2002، حيث انتخب نائبا برلمانيا عن حزب الشعب الجمهوري، واستمر فيه حتى عام 2011. ثم ترشح عن الحزب في انتخابات الرئاسة عام 2018. وبعد الانتخابات قوبل طلبه برئاسة الحزب بالرفض، فانشق عنه وأسس حزب البلد.
ويعد "إنجه" من أشد معارضي "كلتشدار أوغلو"، وينتقد الحكومة والرئيس في بعض الإجراءات، ويدعمه في الصناعات الدفاعية وملفات البحر المتوسط وسياسته في ليبيا (صحيفة Hurriyet Daily News التركية: 3 مايو 2018). وبالنسبة لبرنامجه الانتخابي فقد تعهد بأنه سيحكم تركيا بـ 300 شخص ذكي، دون النظر إلى انتماءاتهم. وأنه سوف يخصص 2٪ من الدخل القومي لدعم الزراعة. (صحيفة Dunya التركية: 9 إبريل 2023)
- سنان أوغان:
من مواليد 1 سبتمبر 1967، تخرج في كلية العلوم الإدارية بجامعة مرمرة، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من موسكو. دخل عالم السياسة مع حزب الحركة القومية المتطرف، وتمكن بواسطته دخول البرلمان عام 2011 نائبا عن ولاية اغدر. ومعروف عنه مواقفه العنصرية ضد الأجانب، مما قربه من زعيم حزب النصر العنصري.
وقبل أيام من ترشيحه من تحالف أتا أعلن "أوغان" وعوده الانتخابية قائلا: "أعد مواطني تركيا بحد أدنى للأجور يقيهم من الفقر، واعتبارا من 14 مايو، سنقوم بتنفيذ سياساتنا ورفع الحد الأدنى للأجور فوق خط الفقر ليصل إلى أكثر من 30 ألف ليرة تركية. (موقع Onedio التركي: 11 إبريل 2023)
البرنامج الانتخابي للمعارضة التركية
يتمثل العامل المشترك في برامج تحالفات المعارضة في ضرورة الانتقال إلى النظام البرلماني، وجعل الرئاسة 7 سنوات لمرة واحدة دون تجديد. ومن خلال مسودة السياسات التي أصدرتها "طاولة الستة" التي تضم رؤساء أحزاب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، وحزب الديمقراطية والتقدم، وحزب المستقبل، والحزب الديمقراطي، وحزب السعادة (صحيفة الشرق الأوسط: 23 أغسطس 2022)، نرى أن المعارضة عازمة على محو آثار الأردوغانية وسياساتها. كما وعدت بإجراءات وتغييرات في السلطة.
أيضا تتبنى قوى المعارضة إلغاء مشروع قناة إسطنبول المضر للبيئة، وسن قوانين للتطوير العقاري، ومنح مرونة إضافية لجذب المستثمرين، ورفع ضرائب رأس المال. واعتماد التقنيات والميكنة والذكاء الاصطناعي، وتطوير البرمجيات، والتحول الأخضر، والسياحة الصحية، والإنتاج الإعلامي. واتخاذ خطوات جريئة لجعل إسطنبول مركزا ماليا عالميا.
طبيعة الناخب ومحددات الخطاب الدعائي
حسب الإحصائيات الرسمية يحق لأكثر من 64 مليون تركي المشاركة في الاقتراع، منهم 3 ملايين مغتربون. وقد انطلقت يوم الخميس 27 إبريل الماضي عملية التصويت للمقيمين في الخارج، وتستمر حتى 9 مايو المقبل، وسجل 3.4 ملايين مغترب تركي أسماءهم للمشاركة. وتضم ألمانيا أكبر عدد للناخبين الأتراك في الخارج، حوالي 1.5 مليون ناخب، تليها فرنسا 397 ألفا، ثم هولندا 286 ألفا.
وتظهر الاستطلاعات أن الفئة العمرية المعروفة بالجيل Z المولودين في عصر التكنولوجيا، سيلعبون دورا في الانتخابات، بتأثيرهم القوي في وسائل التواصل الاجتماعي، وحاجتهم إلى التغيير والتحرر. كما تظهر أن الرئيس يتخلف قليلا عن منافسه العلماني "أوغلو". (القبس الدولية الكويتية: 29 إبريل 2023)
وتركز التحالفات المعارضة في حملاتها على الناخبين المترددين، الذين يمثلون 10% من الناخبين، وهم الذين ترددوا في الكشف عن تفضيلهم لمنظمي الاستطلاعات، ويتخذون قرارهم بناء على عاطفتي الخوف والحماس. يرى الباحث "برهان دوران" أنه بعد أن عززت الأحزاب قواعد ناخبيهما، فإن البحث جاري عن طرق لكسب الناخبين المترددين، وبينما يضاعف "أردوغان" حضوره للاحتفالات اليومية أمامهم، تفتقر المعارضة للرؤية التي تقنع هؤلاء بانتخابهم. ويرى "دوران" أيضا أن من المتوقع وقوف معظم الناخبين الصامتين، الذين لا يستطيع المستطلعون التكهن بنواياهم، إلى جانب "أردوغان"، فهم الذين يفضلون إبقاء الوضع كما هو خوفا من التغيير. (جريدة الصباح اليومية: 26 إبريل 2023) ويبدو أن الجميع متفقون على أن الناخبين المترددين والصامتين هم الذين سيحسمون الانتخابات، وسيشكلون موجة كبيرة يتطلع الجانبان لحيازتها.
وفي محاولات إقناع الناخبين تعتمد الأطراف المتنافسة استراتيجية خطاب التكفير والتخوين والتحريض والكراهية، فكل طرف يصب اتهاماته على الآخر، إضافة إلى محاولة شراء الأصوات بأساليب تحط من كرامة المواطن لأنها تخاطب احتياجاته المادية وليس إرادته الحرة. وبينما يتهم "أردوغان" المعارضة بالكفر وانحدار بعضهم من الطائفة العلوية، يرى معارضوه أنه فتح الدولة للمهاجرين، وأنه عرض أمن البلاد للخطر. (المركز الكردي للدراسات، 25 إبريل 2023)
خاتمة
لو افترضنا سقوط "أردوغان" وخسارته، فهذا يعني بدء مرحلة من المحاسبة والمحاكمات وفتح الملفات الكبرى التي تزعم المعارضة تورط الرئيس فيها، مثل وقائع نهب المال العام، وجرائم عصابات الدولة العميقة، وتمويل الإرهاب، داخل وخارج البلاد. والمتابع لما يحدث في تركيا سيعي حجم الاستقطاب والاحتقان، والمأزق الكبير لسلطة "أردوغان"، الذي جمع كل خيوط اللعبة السياسية في يده بغية التجذر والديمومة. ومع انتقادات المعارضة له فهو يخوض معركة انتخابية تحدد مصيره ومصير حزبه، لأنه في حال خسارته سيتعرض لا محالة للملاحقة القانونية.
ومن الملاحظ أن معالجة آثار الزلزال الذي أثر على 13 مليون مواطن، تبرز كميدان مشترك للتنافس بين كافة الأطراف السياسية، وتضع رهانا عليها لضمان كسب أكبر عدد من الأصوات. ومن الواضح أن الانتخابات ستكون تنافسية للغاية، لكن هل تنفذ المعارضة في حال فوزها في الانتخابات مسودة السياسات المعلنة؟ وما هو مصير "أردوغان" إذا خسر؟