مقالات تحليلية

تفسير حالة التوتر في إسرائيل على خلفية خطط تعديل النظام القضائي

29-Mar-2023

شهدت إسرائيل خلال الأيام والأسابيع الماضية حالة توتر هي الأكبر في تاريخها وذلك على خلفية اندلاع احتجاجات شعبية رافضة لخطة "إصلاح القضاء" التي يرى فيها كثيرون بأنها تهدد "ديمقراطية إسرائيل". وعلى الرغم من محاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تهدئة المتظاهرين، إلا ان هذه الأحداث الأخيرة دفعت للحديث حول انقسام كبير داخل المجتمع الإسرائيلي وإمكانية اندلاع حرب أهلية.

نتنياهو أكد، أنه حصل على موافقة أغلبية أعضاء حكومته على تأجيل التعديلات القضائية، لمنع اندلاع حرب أهلية في إسرائيل، وأضاف في كلمة، أن الحكومة ستعطي فرصة لتمرير التعديلات القضائية عبر إجماع واسع، حيث قال: "أنا اعطيت فرصة حقيقية للتفاوض"، وأوضح أنه قرر تأجيل التعديلات القضائية لهذه الدورة من الكنيست حتى الوصول لإجماع، كذلك أشار إلى انه سيتم مناقشة التعديلات القضائية في الدورة القادمة من الكنيست (روسيا اليوم، 27 مارس).

احتجاجات المتظاهرين الإسرائيليين ازدادت حدة وذلك بعد إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت في 26 مارس، حيث شهدت يومها شوارع إسرائيل في تل أبيب والقدس وبئر السبع وغيرها من المدن ليلة عنيفة، بفعل الاحتجاجات غير المسبوقة التي تخللها عنف وشغب، واشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، فقد رشق المتظاهرون الإسرائيليون عناصر الشرطة بالحجارة.

خلفية الأزمة

التنبؤ بحدوث تظاهرات وازدياد الانقسام في الداخل الإسرائيلي بدأ منذ فوز اليمين المتطرف بالأغلبية في انتخابات نوفمبر 2022 وتشكيل نتنياهو تحالف من الأحزاب الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل، حيث دعت الحكومة الجديدة منذ الأيام الأولى لها إلى إجراء تعديلات على سلطات القضاء، إذ ترى قوى اليمين بأن المحكمة العليا جزء من اليسار وتهمش شرائح عديدة من المجتمع إلا أن شرارة الاحتجاجات قد اندلعت بعد إعلان وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين في 4 يناير عن خطة "لإصلاح القضاء" تتبناها الحكومة الجديدة وتحدّ من سلطات المحكمة العليا.

الحكومة الحالية تريد إجراء تعديلات على القضاء تهدف للحد من صلاحيات المحكمة العليا فيما يخص إصدار أحكام ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية وفي الوقت نفسه تمنح نواب أحزاب الحكومة الائتلاف مزيداً من الصلاحيات في تعيين القضاة، حيث يتم حالياً اختيار القضاة عبر تشكيل لجنة باتفاق ما بين السياسيين والقضاة إلا أن الخطة الجديدة تمنح الحكومة الائتلافية رأياً حاسماً بشأن ذلك.

تعتبر "الضوابط والتوازنات" الإسرائيلية هشة نسبياً، ليس لها دستور، وإنما "قوانين أساسية" تهدف إلى حماية قواعدها الديمقراطية ومجلس برلماني واحد تسيطر فيه الحكومة على الأغلبية، وبالنسبة لمنتقدين، فإن التغييرات ستضعف حال إقرارها المحاكم وتسلم السلطة المطلقة للحكومة، الأمر الذي يعرض الحريات المدنية للخطر مع آثار كارثية على الاقتصاد والعلاقات مع الحلفاء الغربيين.

 كما أن النظر إلى القضاء باعتباره غير مستقل، من شأنه تجريد إسرائيل من أحد خطوط دفاعها الرئيسية في القضايا القانونية الدولية، ويخشى منتقدون من أن يسعى نتنياهو لاستغلال الضغط على القضاء من أجل تجميد أو إلغاء محاكمته، وهو ما ينفيه رئيس الوزراء. من جهتها، تقول المعارضة أيضاً إن حلفاءه القوميين يريدون إضعاف المحكمة العليا لإقامة المزيد من المستوطنات على أراض يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم فيها. وتريد الأحزاب اليهودية المتشددة في الائتلاف إقرار قانون يعفي طائفتهم من الخدمة في الجيش ويخشون أن تفسد المحكمة هذا الأمر إذا لم يتم تقليص صلاحياتها (فرانس 24- 27 مارس).

يعتقد، يوسي يوناه، أستاذ الفلسفة، وعضو الكنسيت السابق، أن الحزمة المطروحة بصيغتها الحالية، "تضعف قدرة المحكمة العليا على مراجعة القوانين، وحماية الديمقراطية الإسرائيلية"، وحذر، من أن إقرار الحزمة بشكلها الحالي يعني "أننا لن نعود قادرين على وصف إسرائيل بأنها ديمقراطية حرة" (الحرة، 10 مارس).

معطيات تشير إلى خطورة المرحلة 

على الرغم من أن الاحتجاجات ليست الأولى في المنطقة وإسرائيل تحديداً إلا أنها تختلف كثيراً عن سابقاتها وذلك لعدة عوامل:

دعوات لشلل تام في إسرائيل:

التجاوب السريع مع دعوات العصيان والشلل العام اشار إلى أن هذه الاحتجاجات تحظى بتأييد واسع داخل الشارع الإسرائيلي بالإضافة إلى أن كثير من موظفي ومسؤولي المؤسسات الحكومية يدعمون هذه التظاهرات وبالتأكيد هناك من رفضها لذلك هناك إمكانية أن يحدث نوع من الانقسام أو الانشقاق إلى حد ما داخل هذه المؤسسات، بالإضافة إلى أن هذا الشلل سيتسبب بانهيار اقتصادي في البلاد.

دخول الجيش على خط الاحتجاجات:

المؤشر الأهم على خطورة المرحلة هو تأييد الكثير من قادة الجيش وضباطه لهذه الاحتجاجات ومشاركتهم فيها بالإضافة إلى أن مشاركتهم في العصيان وعدم تنفيذهم للتعليمات وإيقاف العمل يتسبب بقلق للقيادة الإسرائيلية من أن يتطور الأمر إلى مرحلة انقسام المؤسسة العسكرية بشكل فعلي.

وبالإضافة إلى المظاهرات العامة، قام عدد متزايد من جنود الاحتياط العسكريين باتخاذ إجراءات احتجاجًا على الحكومة. قال 200 طيار من سلاح الجو الإسرائيلي و100 طبيب في الاحتياط العسكري وعشرات الأفراد من وحدة 8200 المرموقة فرع المخابرات إنهم سيرفضون الخدمة احتجاجاً، وانضموا إلى مئات من العسكريين الآخرين الذين تعهدوا بالفعل بهذا التعهد، أو توقفوا عن الظهور. ويضم المحتجون العسكريون بعضاً من نخبة العسكريين، بمن فيهم كبار الطيارين القتاليين. (ذا تايمز أوف إسرائيل، 28 مارس).

التخوف من حرب أهلية:

ما يعزز مخاوف الأوساط الإسرائيلية هو الحديث عن إمكانية اندلاع حرب أهلية ويعود أسباب ذلك إلى أن الخلاف الإسرائيلي الحالي يحمل طابعاً إيديولوجياً وفكري إلى حد ما وذلك بين اليمين واليسار وسط انقسام الجيش حول دعم كل طرف منهم.

يحذر المراقبون من أن الحرب الأهلية قد تكون قادمة إلى إسرائيل. في الواقع، لقد وصلت الحرب الأهلية بالفعل. في الأسابيع العشرة الأولى فقط من هذا العام، أسفر العنف الدموي في جميع أنحاء البلاد عن مقتل ما يقرب من مائة قتيل وآلاف الجرحى، إلى جانب موجات من العصيان المدني الجماعي وأزمة دستورية تلوح في الأفق. يأتي كل هذا بعد فترة مضطربة غير مسبوقة في السياسة الإسرائيلية - خمس انتخابات غير حاسمة في أربع سنوات فقط، من الضروري أن ننظر إلى الأزمة في "إسرائيل" ليس كنهاية عملية بل كبداية لحرب سياسية ممتدة، فما يكمن وراءها في النهاية ليس فقط طابع النظام - الديمقراطي الليبرالي مقابل الاستبداد القومي العرقي - ولكن أيضاً الطابع الأساسي للدولة التي يحكمها هذا النظام. إن التفكير في هذه الأزمة على أنها أزمة هوية بالإضافة إلى أنها أزمة حقوق يعني النظر إلى حالة تاريخية مماثلة؛ حيث تواجه دولة حرباً أهلية بسبب قوانين لا يمكن تحملها من قبل نصف مواطنيها؛ وهي مشكلة يمكن حلها فقط من خلال تحويل المعتقدات الأساسية حول ما هي البلاد ومن ينتمي إليها. (فورين بوليسي، 26 مارس).

مألات الأزمة.. تهدئة مبدئية ولكن

في رضوخ جزئي لمطالب المعارضين، أعلن نتنياهو مساء الإثنين 27 مارس "تعليق" العمل في العملية الجارية أمام الكنسيت بهدف تعديل النظام القضائي وفي خطاب إلى الأمة بعد إجرائه مشاورات سياسية مع عدد من شركائه في الائتلاف الحاكم، قال نتانياهو إنّه تقرّر تأجيل المصادقة النهائية على مشاريع القوانين المثيرة للجدل إلى حين موعد انعقاد الدورة البرلمانية المقبلة والتي ستنطلق بعد احتفالات عيد الفصح (5-13 أبريل).

عقب ذلك، أعلن اتحاد العمال في إسرائيل تعليق الإضراب المفتوح، فيما رحب عدد من الزعماء السياسيين بالخطوة التي من شأنها إفساح المجال للحوار.

وفي وقت رحب بالقرار كل من زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق بيني غانتس، والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت، قالت زعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلي إن "خطاب نتنياهو مليء بالأكاذيب والتحريض ولا يجب أن نقع في فخه لأنه يكسب الوقت على حساب ديمقراطيتنا ويجب أن يستمر ويتعزز الاحتجاج". وعلى الرغم من ذلك إلا أنه وبحسب ما يتوقع إلى حد كبير فإن المشاكل والخلافات ستستمر كون الائتلاف الحاكم لديه خطط عديدة يرفضها المعارضون.

في هذا السياق تتزايد المخاوف في إسرائيل من عواقب موافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تشكيل "حرس وطني" يتبع لوزير الأمن القومي المتطرّف إيتمار بن غفير، فيما حذر البعض من أن هذه الخطوة تعتبر أكثر خطورة من قانون التعديل القضائي الذي قسم إسرائيل وتسبب في احتجاجات عارمة لم تهدأ إلا بعد الإعلان عن تعليق المشروع، واعتبر معارضون لهذه الخطوة أن نتنياهو وافق بذلك على إقامة ميليشيا بقيادة زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف بن غفير (ميدل إيست أونلاين – 28 مارس).

يبدو أن الإعلان أدى إلى تهدئة بعض التوترات التي أججت اضطرابات استمرت ثلاثة أشهر. لكنها فشلت في معالجة القضايا الأساسية التي أدت إلى استقطاب الأمة، وتعهدت الحركة الاحتجاجية المناهضة للحكومة بتكثيف جهودها، في خطابه الذي ألقاه في وقت الذروة، اتخذ نتنياهو، الذي رفض في السابق الدعوات لتأجيل التشريع، نبرة أكثر تصالحية مما كانت عليه في الخطب الأخيرة. واعترف بالانقسامات العميقة في البلاد وقال إنه كان يضغط على زر التوقف "لمنع حدوث شرخ في الأمة" (ديلي ميل – 28 مارس).

خلاصات:

على الرغم من بوادر الهدوء عقب إعلان نتنياهو تجميد العمل بتعديل النظام القضائي إلا أن طبيعة الأحداث الأخيرة التي شهدتها إسرائيل لم تكون مسبوقة، حيث تعدت مرحلة الخلاف والصراع السياسي ووصلت إلى مرحلة اختبار لبنية الدولة التي تحدث الكثير عن أنها مهددة بالتفكك وذلك نتيجة للدعوات إلى العصيان والتمرد من الموظفين وقادة الجيش والقوى الأمنية.

لن تصل الأمور إلى مرحلة الانهيار أو قد لن تصل إلى حرب أهلية إلا أن الانقسام المجتمعي سيتزايد ويتعمق بشكل أكثر وذلك على وقع الاختلافات الجوهرية والفكرية بين اليمين الحاكم والوسط واليسار المعارض وهذا ما يجعل الظروف مواتية لاندلاع أحداث جديدة وبأن يكون خطر الحرب الأهلية دائماً موجود. 


85