مقالات تحليلية

الأزمة السياسية في العراق .. تأجيل المواجهة

01-Sep-2022

لم يشهد العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 حياة سياسية صحية مستقرة، بل ظلت تتعاوره الأزمات وتسوده الاضطرابات، إلى أن بدا أنَّ النظام السياسي الموروث عن سنوات الاحتلال الأولى وصل حدود تحمله القصوى بنهاية عام 2021. لقد أبانت الانتخابات التشريعية التي أجريت في أكتوبر الماضي عن تحولات واضحة على مستوى اتجاهات الناخبين ورهانات النخب، وعن انقسامات عميقة في المجتمع السياسي المليشياوي، على نحو حال واقعياً دون ترجمة مخرجات العملية الانتخابية على أرض الواقع، وأصبح يضع النظام بمجمله على المحك.

الاختناق الحاد الذي آل إليه المشهد السياسي العراقي، والذي تفاقم منذ الانتخابات الأخيرة، هو في الحقيقة نتيجة طبيعية لما يمكن وصفه بـ"حالة الصراع" بين النخب السياسية والدولة. إذ استطاعت تلك النخب التي ظهرت محلياً بشكل أساسي بعد عام 2003، وكان الكثير من أطرها وكوادرها في المنفى، تجريد الدولة من أهم خصائصها التقليدية وهي احتكار القوة. فمعظم القوى السياسية والتيارات المتصارعة الآن على الساحة العراقية لديها أذرع عسكرية وأمنية خاصة بها، أو موالية لها، تستخدمها أحياناً بشكل يثير أسئلة حول سيادة العراق وما إذا كانت الحكومة في بغداد تتمتع بالفعل بالسيطرة على القرار الأمني، وتملك قرار السلم والحرب. كما أن العامل الخارجي لا يمكن إغفاله، فالعراق ظل على مدى العقدين الماضيين ولا يزال ساحة رئيسية لصراع إرادات ومشاريع قوى خارجية، إقليمية وعالمية. 

ارتباطاً بالخلفية المشار إليها، تحاول هذه الورقة البحثية، تفكيك عناصر الأزمة السياسية الراهنة في العراق، عبر إبراز جذورها الداخلية وارتباطاتها الإقليمية والدولية، وتعيد رسم مشهد الصراع من خلال عرض مراكز القوة الرئيسية فيه ومحددات تفاعلها خلال الفترة الأخيرة. وتختتم الورقة باستشراف السيناريوهات المحتملة للأزمة السياسية العراقية في ظل المعطيات الحالية. 

أبعاد الأزمة السياسية العراقية 

الأزمة السياسية الحالية في العراق، هي نتاج تراكمات تشكلت خلال العشرين سنة الماضية، وأدت إلى فشل الدولة في الاحتفاظ بخصائص رئيسية لا تستقيم دونها، مثل خاصية احتكار القوة العمومية، كما فشلت إلى حد بعيد في تقديم خدمات معقولة في عدة مجالات حيوية، الأمر الذي خلق حالة من الغضب في الشارع يتم التعبير عنها من وقت لآخر عبر احتجاجات غاضبة من أداء النخبة الحاكمة. كل هذا كان يتم بتحفيز من حالة الاستقطاب بين إيران المتغلغلة في النسيج الديني والثقافي العراقي، والولايات المتحدة التي احتلت البلاد عام 2003، وأسقطت نظام الحكم، ولا تزال تتمتع بحضور عسكري فيها، رغم إعلان الانسحاب مؤخراً. الوضع الحالي، الذي انتهى إليه المشهد العراقي، تمكن قراءته في سياقات محلية وأخرى خارجية:

أولاً: على المستوى المحلي، وفيما يتم تقديم الأزمة السياسية الراهنة على أنها عملية كسر عظم متبادلة بين القوى، التي تمثل أتباع الطائفة الشيعية، المتنافسة على السلطة والمناصب، من التيار الصدري والإطار التنسيقي؛ إلا أن المسألة أعمق من ذلك بكثير. صحيح أن تشكيل الحكومة هو محور الصراع بين الطرفين، لكن دوافع كل طرف تختلف عن دوافع الطرف الآخر كما تختلف سقوف المطالب والرهانات.

الدوافع والاعتبارات التي تحرك التيار الصدري يمكن فهمها، في سياق خصومته القديمة مع بعض رموز الاتجاه المقابل، الإطار التنسيقي، وبالتحديد مع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، كما يمكن إدراج التوجهات الوطنية التي يتبناها زعيم التيار الصدري، رجل الدين البارز مقتدى الصدر، ويعلنها بشكل مستمر خلال خطبه، وعبر تغريداته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ضمن تلك الاعتبارات. مقتدى الصدر ورغم أن له صلات قوية داخل إيران، وربما تلاقى مع أجندتها في مراحل معينة من مسيرته السياسية، كما هو الحال مثلاً حين دخلت القوات التابعة له في مواجهات عنيفة مع القوات الأمريكية في العراق عام 2014، أو حين انخرطت في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إبان اجتياحه مناطق واسعة من العراق بداية من عام 2014، إلا أنه مع ذلك يعلن رفضه سيطرة طهران على القرار العراقي من خلال المليشيات والأحزاب السياسية الموالية لها، ويدعو إلى إقامة علاقات متوازنة مع دول الإقليم، وربط العراق أكثر بعمقه العربي.  

على الطرف المقابل يتخندق "الإطار التنسيقي" وهو تجمع سياسي يضم القوى الرئيسية التي تمثل أتباع المذهب الشيعي في العراق، باستثناء التيار الصدري. وتشترك مكونات الإطار التنسيقي إلى حد بعيد في الولاء لإيران والتماهي مع مشروعها الإقليمي، ومن هذا المنطلق ترفض احتمال إبعادها عن السلطة، فمن خلال السلطة وحدها تستطيع حماية المكتسبات السياسية والمادية التي راكمتها خلال العقدين الأخيرين، وبفقد السلطة ستجد نفسها في حالة انكشاف أمام الخصوم الداخليين والخارجيين.

رهانات الكتلتين ظهرت جلية في الفترة التي أعقبت انتخابات أكتوبر 2021. حيث كان "الإطار التنسيقي" يدفع فقط باتجاه إشراكه في الحكومة، الأمر الذي يضمن له حماية المكتسبات، وأن يكون حاضراً ومشاركاً في صناعة السياسات العمومية العراقية. أما الصدر فقد ظل متمسكاً بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، استطاع أن يضمن لها تأييد قوى رئيسية تمثل المكونين السني والكردي، والهدف من كل ذلك هو تطبيق مشروعه السياسي الخاص الذي يقدمه على أنه مشروع وطني يرفض ارتهان العراق لأي جهة خارجية، أو بقاء من يسميهم المفسدين متحكمين في شؤونه. ومن هنا يتخوف خصوم الصدر في الطرف الآخر من أنه قد يتجه إلى تصفيتهم سياسياً وإبعادهم عن المشهد، وحل المليشيات التابعة لهم، إذا نجح في تشكيل حكومة بدونهم، خاصة أنه يتمتع بتأييد شعبي كبير، يمكن البناء عليه لتنفيذ مثل هذا التوجه. 

أمام استحالة تمرير الحكومة في البرلمان الذي تمخضت عنه الانتخابات الأخيرة، والذي يتمتع فيه الإطار التنسيقي وحلفاؤه بـ"الثلث المعطل"، استقال ممثلو التيار الصدري، وبالتالي، انتقلت المواجهة إلى مستوى آخر هو الشارع، الذي يجيد الصدر استخدامه. بعد انسحاب ممثلي التيار حاول الإطار التنسيقي تشكيل حكومة بقيادة محمد شياع السوداني، وهو سياسي مقرب من نوري المالكي، لكن الصدريين استجابوا لتلك الخطوة من خلال الاعتصام في مقر البرلمان؛ لمنع التئام جلسة منح الثقة للحكومة، وطالبوا بحل المؤسسة التشريعية، وإجراء تعديلات تطال النظام السياسي برمته، وتنظيم انتخابات مبكرة. وهنا لجأ الإطار بدوره إلى الجماهير، فدخل الطرفان في معادلة "الشارع مقابل الشارع"، الأمر الذي زاد من مخاطر نشوب صراع مفتوح في هذه المرحلة، خاصة في ظل انتشار السلاح وصعوبة ضبط الجماهير المشحونة سياسياً ودينياً.

المغالبة بين الطرفين استدرجت القضاء إلى أتون المشهد السياسي، ما دفع أنصار الصدر إلى تصنيفه ضمن المؤسسات المنحازة التي تدعم خصومهم السياسيين، خاصة على ضوء التفسير الدستوري بشأن "الثلث المعطل" الذي منح الإطار التنسيقي فرصة منع تمرير حكومة أغلبية بزعامة الصدريين، وفي ظل رفض مجلس القضاء الأعلى حل البرلمان، بحجة أن ذلك لا يدخل ضمن صلاحياته الدستورية. بعد هذا التصنيف قام أنصار التيار الصدري في الثالث والعشرين من أغسطس بالاعتصام في مقر مجلس القضاء الأعلى، الأمر الذي أدانه المجلس، ورد عليه بتعليق العمل في كافة المحاكم، قبل أن يدعو الصدر أنصاره إلى الانسحاب من المقر، وتعلن المؤسسة القضائية بالتبعية استئناف العمل في اليوم الموالي، الرابع والعشرين من أغسطس.

الأزمة تدحرجت بشكل متسارع، حين أعلن مقتدى الصدر في التاسع والعشرين من أغسطس الانسحاب من المشهد السياسي، تاركا زمام المبادرة للشارع، فسيطر أنصاره على القصر الجمهوري، وتوسعت الاحتجاجات لتشمل عدة مدن في جنوب ووسط البلاد، ثم اندلعت مواجهات مسلحة في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، وظلت الاشتباكات مستمرة حتى تدخل الصدر في اليوم الموالي وطالب أتباعه بالانسحاب والعودة إلى بيوتهم، ففعلوا وتوقفت المواجهات. تحركات الصدر الأخيرة تأتي في سياق سياسي وديني متشابك. فهي في بعدها السياسي تضع ضغوطا كبيرة على خصومه في "الإطار التنسيقي" وعلى النخب العراقية بشكل عام، بعد أن وصلت الأزمة إلى طريق مسدود، كما تُظهر أن الصدر هو الأكثر قدرة - من الفاعلين السياسيين - على ضبط الشارع العراقي وتحديدا أتباع المذهب الشيعي، وبدون تدخله المباشر قد تنجر البلاد إلى حرب أهلية. ومن جهة أخرى تمكن قراءة استقالة الصدر في بعدها الديني كرد على الضغوط الإيرانية التي يُرجح أنها وراء استقالة المرجع الشيعي العراقي، المقيم في إيران، كاظم الحائري، الذي يقلده الصدريون في الأمور الدينية، والذي أعلن في اليوم نفسه، التاسع والعشرين من أغسطس، الانسحاب من المرجعية في بيان انتقد ضمنيا مقتدى الصدر، وأوصى أتباع المرجعية بتقليد المرشد الإيراني علي خامنئي، وهو ما لا يراه الصدر، إذ قال في بيان استقالته إن "النجف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوما" واعتبر أن استقالة الحائري والكلام المنسوب له، كل ذلك قد لا يكون بمحض إرادته.  

بين المعسكرين تقف حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، والكتل السياسية السنية والكردية، كل يحاول اتخاذ موقف متوازن، في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن الحل، وإن كانت مواقف الأطراف الثلاثة الأخيرة تبدو عموماً أقرب إلى تفهم مطالب التيار الصدري، خاصة مطلب حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، وهو مطلب لا يرفضه الإطار التنسيقي من حيث المبدأ لكن يضع له شروطاً مثل تشكيل حكومة ومؤسسات جديدة تشرف على الانتخابات، وهي شروط رفض التيار الصدري في السابق نقاشها. 

ثانياً: على مستوى التدخل الخارجي، لم يكن عراق ما بعد 2003 في يوم من الأيام بعيداً عن التأثير الدولي والإقليمي، المباشر وغير المباشر، وفي هذا السياق يمكن الحديث عن ثلاثة أطراف رئيسية، لكل طرف أهدافه ورهاناته ومصالحه ومشروعه بشأن العراق. الطرف الأول هو الولايات المتحدة الأمريكية التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق صدام حسين، وحاولت منذ البداية تنصيب نظام موال لها، لكنها أضاعت البوصلة في وقت مبكر، حين سرحت عناصر الجيش العراقي السابق، وتساهلت مع المليشيات الطائفية المدعومة من إيران، ثم غيرت لاحقاً استراتيجيتها أكثر من مرة دون جدوى. أما الطرف الثاني فهو إيران التي استغلت إزاحة صدام حسين عدوها اللدود من سدة الحكم، وبنت نفوذاً واسعاً على أساس الروابط الدينية مع المكون الشيعي العراقي، وعلى اعتبار أنها كانت تستضيف الكثير من كوادر المعارضة العراقية في الخارج التي تولت السلطة في ظل الاحتلال وبعده. وفي مقابل هذين الطرفين هناك اتجاه عربي يتزايد مع الوقت ويراهن على إعادة ربط العراق بعمقه العربي عبر عدة مسارات سياسية واقتصادية ودبلوماسية.

رغم أن التأثير الأمريكي والإيراني ظل أقوى، إلا أن الأزمة الحالية تشي بتغير واضح في توجهات النخب العراقية، حيث لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تؤدي دورها المعهود في المشهد العراقي، وربما يعود ذلك إلى تراجع أهمية العراق ضمن التوجهات الأمريكية الجديدة، ارتباطاً بالاستدارة الجيوستراتيجية نحو المحيطين الهندي والهادئ، وتقليل واشنطن الانخراط في صراعات الشرق الأوسط. أما إيران فقد أظهرت الانتخابات الأخيرة تراجع شعبية حلفائها في العراق رغم محاولتهم النأي بأنفسهم عنها، حيث فاز التيار الصدري بأغلبية واضحة. وفي هذا السياق يشير تقرير نشرته صحيفة  وول ستريت الأمريكية في الثاني والعشرين من أغسطس، إلى نقطة وحيدة تجمع الفصائل الشيعية المتنافسة في العراق، هي أن أياً منها لا يريد أن يُنظر إليه على أنه قريب جداً من طهران. تراجع النفوذ الإيراني في العراق، يمكن فهمه أيضاً من عدم الإدلاء بأي تعليق على نتائج لقاءات أجراها الجنرال إسماعيل قاآني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري)، مع أطراف الأزمة السياسية حين زار العراق في أغسطس، بل إن  القيادي في التيار الصدري، إبراهيم الجابري، قال إن زعيم التيار مقتدى الصدر رفض مقابلة قاآني.

تراجع النفوذ الإيراني والاهتمام الأمريكي بالعراق ربما يقلل من قدرة الدولتين الفاعلتين تقليدياً في المشهد العراقي، على دفع الأطراف إلى حل وسط يخرج البلاد من أزمتها الحالية، بيد أن ذلك يفتح المجال أمام الطرف العربي من أجل أداء دور بناء، في دفع الفرقاء العراقيين إلى تسوية سياسية، تخرج الدولة من حالة الانسداد وتعزز روابطها بمحيطها العربي. فرغم اعوجاج العملية السياسية في العراق، إلا أن التصعيد لا يخلو من مغامرة غير مضمونة النتائج. 

سيناريوهات المشهد العراقي

أدى اتساع الهوة بين الفرقاء السياسيين العراقيين، واتكاء الأحزاب المنضوية تحت لواء "الإطار التنسيقي" على ورقة المليشيات المسلحة، وإن لم تعلن ذلك صراحة، وتمترس الصدريين خلف ورقة الجماهير، وتراجع الاهتمام الدولي، ولو نسبيا، بالملف العراقي، إلى غياب حل واضح المعالم في الأفق، ومع ذلك يمكن تصور تجاوز الأزمة الراهنة وفقاً لأحد السيناريوهات التالية مع ترجيح السيناريو الأخير:

السيناريو الأول، خروج الأوضاع عن السيطرة: مر العراق خلال العشرين سنة الماضية بأزمات سياسية صعبة، لكن ما يميز الأزمة الحالية أنها داخلية إلى حد بعيد، يحركها مزيج من العوامل الشخصية والسياسية، مثل العداء المعلن بين نوري المالكي ومقتدى الصدر، والاختلاف الواضح في التوجهات بشأن مستقبل العراق وعلاقاته الإقليمية والدولية، هذا فضلاً عن أنها تدور في الأساس بين أطراف ما يعرف بـ"البيت الشيعي"، وهو تعبير يطلق على ممثلي أتباع المذهب الشيعي في العملية السياسية العراقية. هذه التعقيدات إذا أضفنا لها السلاح المنتشر في أيدي المليشيات، يكون من غير الصواب تحييد سيناريو انفجار الأوضاع، وهو ما كادت الأزمة تتدحرج إليه في التاسع والعشرين من أغسطس، لكن التكاليف الكبيرة للمواجهات، وقوة تأثير المرجعية الشيعية في النجف على جميع الأطراف المتصارعة، تحول دون حدوث الأسوأ، ما جعلنا لا نذهب إلى ترجيح هذا السيناريو، على الأقل في المستقبل القريب.

السيناريو الثاني، التوصل لحل ينهي الأزمة: لا شك أن حل الأزمة بشكل جذري هو السيناريو المثالي، وأنه يبقى مطروحاً، لكنه يحتاج إلى تنازلات كبيرة، تجسر الهوة بين طرفي الصراع. الشروط المطلوبة لتحقيق هذا السيناريو لا تقتصر على تنازلات طرفي الأزمة المباشرين، بل تتطلب في جانب أساسي منها مشاركة جميع القوى السياسية العراقية، وإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والتيارات السياسية، والدولة والمجتمع، من خلال تبني عقد اجتماعي جديد. وبما أن العلاقة بين طرفي الأزمة وصلت إلى طريق مسدود، وباعتبار أن الساحة السياسية العراقية لَمَّا تنضج بعد لمثل هذا التحول الكبير إلى الأمام، فإننا نذهب إلى عدم ترجيح هذا السيناريو.

السيناريو الثالث، ترحيل الأزمة: بعد استبعاد السيناريوهين الأول والثاني، نظراً للمبررات المشار إليها، يمكن أن نتصور تجاوز حالة الاختناق السياسي الراهنة في العراق من خلال توصل طرفي النزاع - وإن بشكل غير مباشر - لتفاهمات تؤمن العبور إلى انتخابات عامة جديدة، على أمل فتح صفحة جديدة، بمستوى أقل من التوتر، مع بقاء الخصومات الشخصية والأطروحات السياسية الخاصة بكل طرف على ما هي عليه. هذا السيناريو يبدو أقرب إلى الواقعية، وإن كان لا يقدم حلولاً عميقة تقتلع الأزمة من جذورها، والسبب أن ذلك يتطلب تنازلات قد لا تكون متاحة في ظل الحالة السياسية الراهنة. إن ذهبت الأمور في هذا الاتجاه – كما نرجح – فستحصل انفراجة مؤقتة، تمنح مساحة إضافية من الوقت، يمكن أن توظفها أطراف العملية السياسية، وربما بدعم وتشجيع من القوى الإقليمية المهتمة بالشأن العراقي؛ من أجل البحث عن حل على أكثر ديمومة، لن يكون إلا بتنازلات كبيرة من جميع أطراف الأزمة، ومن المجتمع السياسي العراقي في نطاقه الأوسع. 

706