مقالات تحليلية

الملكة الراحلة .. المحايدة سياسيا والثابت الوحيد في بلد متغير

09-Sep-2022

ينطبق وصف المحايدة سياسيا والثابت الوحيد في بلد متغير، على ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية، فخلال عقود من الحكم، عاشت  الحرب العالمية الثانية وشهدت تفكّك الامبرطورية البريطانية، كما عايشت 15 رئيس حكومة، وجسّدت استقرار البلاد، وقد جالت في كل المستعمرات البريطانية السابقة وزارت روسيا وكانت أول ملكة بريطانية تزور الصين. 

ولا يلعب الملك دورا سياسيا أو تنفيذيا في الحكومة البريطانية. بدلاً من ذلك، يتولى الملوك والملكات واجبات دستورية وتمثيلية على مدار العام، ولكنها تجوّلت في عالم مليء بالاضطرابات التاريخية، مرتدية دائماً ملابس ملوّنة وقبّعات مطابقة وحاملة حقيبة يد على مرفقها. كانت قائدة لـ 15 دولة عند وفاتها.

ورغم أنها توقفت عن السفر إلى الخارج في نهاية فترة حكمها، إلّا أنها كانت تؤدّي واجباتها البروتوكولية بلا كلل، بما في ذلك في الأيام التي تلت جنازة زوجها فيليب في أبريل 2021. نادراً ما أظهرت مشاعرها كما لم تكشف أبداً عن آرائها، بينما لم تشتكِ يوماً من المهمّة الملقاة على عاتقها.

بعدما أصبحت في عمر ال 25 صاحبة السيادة على المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا وباكستان وسيلان (الآن سريلانكا)، وعدت رعاياها "بأن تستحق ثقتهم طوال الحياة". وقد أشرفت خلال تسعين عاماً، على مئات الالتزامات كل عام: من حفلات تدشين بجميع أنواعها واستقبالات في باكنغهام وتقديم أوسمة وجوائز... كانت في كلّ مرة تُظهر اهتماماً مهذّباً. ولكن منذ أكتوبر 2021، قلّصت أنشطتها بشكل كبير بعد دخولها المستشفى لفترة وجيزة.

على المستوى العلني، كانت تظهر باردة بعض الشيء مع أبنائها الأربعة: تشارلز المولود في العام 1948، وآن المولودة في العام 1950، وأندرو الذي وُلد في العام 1960، وإدوارد المولود في العام 1964. وقد جسّدت هذه المرأة المتديّنة والاقتصادية للغاية، على الرغم من ثروتها الهائلة، الاستقرار داخل الأسرة التي غالباً ما تتعرّض لانتقادات الصحافة.

فقد كان عليها أن تواجه العديد من الأزمات العائلية، كما حدث في العام 1992 الذي أطلقت عليه صفة Annus Horribilis (العام المريع)، عندما تحطّمت زيجات تشارلز وآن وأندرو، واشتعلت النيران في قلعة وندسور. وبعد وفاة الأميرة ديانا في العام 1997، انتُقدت الملكة إليزابيث الثانية بسبب بقائها صامتة وبعيدة لفترة طويلة في قصر بالمورال، بينما كانت البلاد بأكملها تبكي الأميرة الراحلة.

لقد احتفظت إليزابيث الثانية بآرائها لنفسها ولم تجرِ أيّ مقابلات، مثلاً، لم يعرف أحد رأيها بشأن اختيار البريطانيين التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في العام 2016. وخلال اللقاءات الأسبوعية التي كانت تجريها مع رئيس الحكومة، كانت تلتزم الحياد السياسي الصارم. جلالتها - أو "سيدتي" (Ma'am) - ملكة، ولكنّها لا تحكم.

الملك تشارلز الثالث

انتظر تشارلز، وعمره الآن 73 عاما، عقودا ليصبح ملكا، وهو الوريث الأطول خدمة في تاريخ بريطانيا. وهو الابن الأكبر بين أربعة أطفال ولدوا للملكة وزوجها الراحل الأمير فيليب. وعندما تولت والدته العرش في سن 25، أصبح الوريث الواضح لبريطانيا في سن الثالثة. ومن بين ألقاب تشارلز أمير ويلز ودوق كورنوال ودوق روثساي وإيرل كاريك.

قام تشارلز منذ فترة طويلة بحملة من أجل بيئة أفضل، من خلال دعم الاستدامة العالمية في الخطابات على مر السنين. ويشمل عمله توسيع نطاق التعليم والفرص للشباب في المملكة المتحدة، بحسب (صحيفة واشنطن بوست، 8 سبتمبر 2022).

الإمارات تعزي 

تقدم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بخالص التعازي والمواساة للعائلة المالكة والشعب البريطاني الصديق، في وفاة الملكة إليزابيث الثانية. وقال سموه في تغريدة عبر «تويتر»: خالص التعازي والمواساة للعائلة المالكة والشعب البريطاني الصديق، في وفاة الملكة إليزابيث الثانية.. جمعتها بدولة الإمارات صداقة طويلة وروابط وثيقة.. كانت الراحلة الكبيرة رمزاً للحكمة والتسامح ومحل احترام العالم وتقديره.

من جانبه أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، عن تعازيه في وفاة جلالة الملكة إليزابيث الثانية. وكتب سموه، على موقع تويتر: «ننضم إلى العالم في الحداد على وفاة جلالة الملكة إليزابيث، أيقونة عالمية مثلت أرقى صفات أمتها وشعبها».

العلاقات الملكية البريطانية مع الإمارات 

أقامت الملكية البريطانية من خلال جهود الملكة الراحلة إليزابيث علاقات وثيقة مع دول الخليج العربي. وكانت زيارتها عام 1979 لجميع دول الخليج العربي الست جديرة بالملاحظة بشكل خاص، لأنها أبحرت دون رادع في مياه الخليج العاصفة بعد الثورة الإيرانية على متن يخت ملكي؛ بحسب كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني. 

بعد وصولها، استقبلت الملكة من قبل الأب المؤسس لدولة الإمارات، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله)، وتم أخذها في جولة حول مبنى البلدية الجديد وميناء جبل علي، بحسب (صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية في 3 يونيو 2022).

ويقول حسين إيبش، الباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن زيارة الملكة إليزابيث الثانية للإمارات والخليج عام 2010 عززت علاقة المملكة المتحدة بهذه الدول. وعلى الرغم من أن واشنطن أصبحت الضامن الرئيسي للأمن والاستقرار في الخليج، إلا أن المملكة المتحدة لا تزال تلعب "دورا مهما في العديد من الأزمات الرئيسية". 

على سبيل المثال، كان "إحباط محاولة إيران للسيطرة على البحرين عندما حصلت على استقلالها من بريطانيا مبادرة أنجلو أميركية مشتركة". كما أن بريطانيا لعبت أيضا دورا مهما في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991. 

ويقول سنام وكيل، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن، إن الدور الحيوي الذي لعبته بريطانيا في تشكيل دول الخليج العربية المبكرة هو توفير الضمانات الأمنية والدعم للأسر الحاكمة في المنطقة؛ وعلى الرغم من انسحابها من مواقعها في شرق السويس، تواصل المملكة المتحدة رعاية مصالح دفاعية واقتصادية وسياسية مهمة في المنطقة.

وبرحيل الملكة واستلام تشارلز مسؤوليات العرش، يُنتظر أن يستمر زخم العلاقات بين العائلة المالكة البريطانية وقادة دول الخليج العربية، وربما بحيوية أكبر. وكان تشارلز زار دول المنطقة، بما في ذلك الإمارات وعُمان والبحرين، عام 2016.

609