فور خروجه الأخير ، زار قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد كتيبة البراء بن مالك الجهادية المتطرفة المصباح ابو زيد طلحة الذي اصيب خلال اشتباكات بين الجيش والدعم السريع بالخرطوم حيث يرقد مستشفياً بمستشفى عسكري بمدينة عطبرة، في شمال السودان.
قبلها في 15 يوليو 2023 ، ذكرت وكالة السودان للأنباء أن إسماعيل العاقب والي ولاية الجزيرة المكلف، واللواء الركن أحمد الطيب عمر قائد الفرقة الأولى مشاة، دشنا بمعسكر الإحتياطي المركزي بمدينة ودمدني إنطلاق إستنفار المجاهدين لنصرة القوات المسلحة، إستجابة لنداء القائد العام للقوات المسلحة للشباب.
هذا جزء من حالة عبثية لها أبعاد خطيرة تتجه نحوها الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة بعد تأكيدات عن تورط عناصر جهادية سودانية متطرفة جرى قتلها أو أسرها وهي تحارب بجوار الجيش. كما أن هذا التطور الخطير، لا يعزز فقط من حالات التحذير من مغبة وقوف عناصر من التنظيمات الجهادية وراء إحتدام المعارك في الخرطوم، والعمل على إفشال مبادرات وقف الحرب وعرقلة الوساطات لمنع العودة إلى العملية السياسية السابقة، بل يتعداها إلى دخول خلايا الإرهاب الدولي للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش السوداني.
هذا الأمر سيعيد بلا شك نظر كثير من الجهات التي التزمت الحياد في الحرب، أو تلك التي دافعت عن البرهان باعتباره ينتمي إلى مؤسسة عسكرية نظامية تدافع عن وحدة الدولة، بينما هو يدير حرباً لحساب واجهة الإخوان (الحركة الإسلامية السودانية) والتي وجدت فيها فرصة لخلط الأوراق طمعاً في السيطرة على المشهد العام.
سيرة الجهاد في السودان
بحسب تقرير للمركز الأوربي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات، فإن استمرارالصراع في السودان؛ خصوصاً في العاصمة الخرطوم، إلى تداعيات سلبية، بما يعيد أنشطة الجماعات المتطرفة مجددا، ليس فقط بسبب كميات الأسلحة التي باتت في الشوارع، وإنما لتوارد أنباء عن عمليات هروب لعدد من المتطرفين الذين كانوا موقوفين في السجون. كذلك تصاعدت المخاوف من ازدهار تجارة البشر ناهيك عن المخاوف المتعلقة من تسرب “الجهاديين” من دول تنشط فيها هذه الجماعات عبر الحدود في 8 مايو 2023.
ويرى “فيديريكو مانفريدي فيرميان” المحاضر في معهد الدراسات السياسية بباريس”هناك خطر من أن الجماعات الإسلاموية ذات الإيديولوجية السلفية الجهادية يمكن أن تنتهز الفرصة لتأسيس وجودها في بلد استراتيجي للغاية يقع بين منطقة الساحل والقرن الأفريقي وأن “احتمال الانهيار الكامل للدولة السودانية في هذه المرحلة مرتفع للغاية” (المركز الأوربي لدراسات مكافحة الارهاب، 15مايو 2023)
لقد دخل الإخوان بالسودان في تحالف شهير مع القاعدة وهو ما ساعد القيادي السابق والرجل الأول في التنظيم ومؤسسه أسامة بن لادن على تقوية روابطه مع القيادي الإسلامي السوداني حسن الترابي عام 1989، وساعده في حربه ضد الجبهة الشعبية لتحرير السودان، مقابل السماح للجهاديين باستخدام البلاد كمركز لعملياتهم في مختلف أنحاء العالم، وهو ما وثّقه تقرير لجنة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. ولم يأت تصنيف الولايات المتحدة للسودان عام 1993 كدولة راعية للإرهاب من فراغ، حيث مكّن الترابي تنظيم القاعدة من استخدام الموارد السودانية وأسهم في عقد صفقة بينه وبين الحرس الثوري الإيراني، منحت التنظيم قوة مضاعفة ظهرت بوضوح في تفجيرات عام 1998 التي استهدفت سفارات دول غربية في شرق أفريقيا، (صحيفة العرب 28 أبريل 2023)
كتيبة البراء بين مالك
في 28 يونيو الماضي، نشرت رويترز تقريراً يتحدث عن قتال الآلاف ممن عملوا في جهاز المخابرات العامة ولديهم صلات بالتيار الإسلامي وآلاف الإسلاميين، إلى جانب الجيش، ما يعقّد جهود إنهاء إراقة الدماء، ولكن هذه ليست البداية فقد سبقتهم في القتال جنباً إلى جنب مع الجيش كتيبة البراء بين مالك التي تتبع إلى قوات الدفاع الشعبي التي أنشأها نظام الرئيس عمر البشير بعد فترة قصيرة من وصوله إلى سُدة الحكم عبر انقلاب عسكري نفذه في 1989، لتحوّل هذه القوات الحرب في جنوب السودان من أهلية إلى جهادية مُقدسة.
وبعد عزل البشير، ورغم المطالب الشعبية بحلّها، قرر البرهان تحويل اسمها إلى قوات الاحتياط، وما أن زادت حدة المعارك حتى استعان الجيش بمجاهدي البراء اللذين لم يخفُ مشاركتهم مع الجيش، بل أعلنوها عبر (فيديو) بثوه في مواقع التواصل الإجتماعي مرددين فيه شعارات جهادية إسلامية مثل (فليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء).
لقد تواجدت عناصر كتيبة البراء بن مالك في سلاح المدرعات، وسلاح المهندسين، وفي قاعدة قوات الاحتياطي المركزي في أم درمان (وهي فصيل تابع لقوات الشرطة فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدوره في قمع الاحتجاجات السلمية الرافضة استمرار الحكم العسكري في العنف المفرط).
وبعد هروب قيادات الإخوان المتهمين في قضية إنقلاب البشير 1989 وفي جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وفي قضايا متصلة بالفساد، أزداد التحاق الإسلاميين خاصة المتطرفين بالجيش وبدأوا يتحركون بقوة للحشد وتحريض قواعدهم والمواطنين للقتال مستفيدين من دعوة أطلقها القائد العام للجيش عبدالفتاح البرهان للمواطنين للقتال مع الجيش في معركة الكرامة.
ولم تمض أيام من إعلان نائب رئيس المؤتمر الوطني المحلول والمطلوب للمحكمة الجنائية في جرائم حرب بدرافور أحمد هرون عن تأييد حزبه للجيش وإسناده له في معركة الكرامة حتى وإنشغلت وسائل التواصل الإجتماعي بمقتل رئيس منظومة الفكر والتأصيل في (الحركة الإسلامية السودانية) محمد الفضل عبد الواحد عثمان خلال مواجهات عسكرية بمنطقة الشجرة وهو يقاتل في صف الجيش ضد قوات الدعم السريع.
لقد وجد مقتل محمد الفضل أحد أبرز قادة كتيبة البراء بن مالك الجهادية، إهتماماً منقطع النظير من قيادات الاسلاميين الذين سارعوا بنعيه، ومن بينهم زعيم الحركة الاسلامية علي كرتي وسناء حمد وزير الإعلام في حكومة البشير.
وبالرغم من مقتل وجرح آخرين من كتيبة البراء، إلا أن مقتل الفضل إبن شقيق وزير خارجية حكومة البشير السابق مصطفى عثمان إسماعيل كشف بجلاء دخول عناصر من داعش ميدان القتال وإنحيازها للجيش فالفضل قاتل بالعراق والشام وبايع داعش قبل أن يعود للخرطوم ويواصل عمله مع تنظيم (الإخوان).
تنظيم أنصار الشريعة
إن نشاط خلايا الجهاديين وظهور ملامح بمشاركة العناصر المتطرفة في الحرب يؤكده دخول تنظيم أنصار الشريعة الحرب بقوة، وللتنظيم علاقة وثيقة بنظام البشير وإسلامييه وعلاقة البيعية مع تنظيم القاعدة.
أسس هذا التنظيم في السودان عبد الإله حمزة، نجل الزعيم الراحل لأنصار السنة أبو زيد محمد حمزة المدان في قضية مقتل الموظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية جون غرانفيل مطلع 2008.
في أغسطس الماضي نشر التنظيم عبر دار “بيت المقدس” إحدى الواجهات الإعلامية لتنظيم القاعدة كتاباً جديداً بعنوان: (الآن جاء القتال.. رسائل حرب إلى المجاهدين في السودان) ذكر أنّه “للشيخ أبي حذيفة السوداني يوجهه للسودان بشكل خاص”.
وقال المؤلف في مقدمة كتابه: “هذه رسائل حرب أضعها في بريد المجاهدين في السودان، ذلك أنّ الواجب الشرعي يحتم علينا القتال نصرة للدين حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
الإصلاح الإسلامي الإرتري
وفق الهادي محمد الأمين في مقال نشرته صحفية التغيير السودانية في 24 اغسطس 2023 ، يتم تداول احاديث على نطاق واسع ببروز تحالفا بين قيادات النظام البائد التي زارت مدينة كسلا بشرق السودان مؤخراً ومقاتلي حركة الإصلاح الإسلامي الإرتري التي يتزعمها (أبو الحارث).
تعد الحركة أكبر فصيل جهادي مسلح معارض لنظام الرئيس إسياسي أفورقي في أسمرا بحسب تقرير نشرته صحيفة التغيير الالكترونية في أغسطس الماضي ، والذي أشار إلى أنه بالرغم أن العمليات العسكرية المسلحة لحركة الإصلاح الإسلامي الإريتري تنطلق من داخل الأراضي الإريترية، حيث تتوزع معسكراتها وأماكن تمركزاتها، إلا أنها إرتبطت إرتباطاً وثيقاً بشرق السودان، وذلك من خلال إستقرار العديد من قياداتها في مدينة كسلا حيث كانت الحركة في وقت سابق تقاتل تحت راية حركة الجهاد الإسلامي الإرتري وظهرت مؤخراً بمسمي حركة الإصلاح الإسلامي الإريتري.
تأسست هذه الحركة داخل الحدود الشرقية لتضم عناصر مقاتلة من الجماعة السلفية ومن حركة الإخوان المسلمين ولها شبكة علاقات واسعة مع حركة الشباب المجاهدين في الصومال وقد يُشكّل هذا التحالف تطوراً جديداً وخطيراً في مسارات النزاع المسلح بالسودان بفتح جبهة قتال جديدة في شرق السودان تكون نقطة ساخنة بطابع ديني له إمتدادات محلية وإقليمية بالنظر لشكل العلاقة بين النظام البائد والحركات الجهادية سواءً الإريترية أو الصومالية.
خلاصات:
تربط الإخوان في السودان علاقات قوية بالتنظيم العالمي وباتت علاقاتها أوثق بعد الحرب بفضل جهود الشيخ عبدالحي يوسف المقيم في تركيا ، وتأتي خطورة إمتداد علاقات الإخوان بالتنظيمات الدينية المتطرفة . ومن المؤكد خيوط هذه العلاقة ما زالت في يد الإخوان اللذين يساندون الجيش ويقفون معه ويؤكد ذلك الدعم المستمر لكتيبة البراء وعناصر الإخوان داخل الجيش.
لقد استفادت قيادة الاسلاميين من الفوضى التي نتجت بسبب الحرب وكانت محصلتها هروب كثير من القيادات الارهابية من السجون ليتم الترتيب معهم ليقاتلوا في صفوف الجيش، وظهر ذلك جلياً في بعض المناطق العسكرية خاصة في سلاح المدرعات ، ومنطقة كرري العسكرية.
وبالرغم من أن بعض قادة الجيش يحسون بالخطر المحدق بالبلاد نتيجة دخول خلايا داعش في المعركة، إلا أنهم يعيشون في حصار تام من الإخوان. وهكذا تزحف الحرب في السودان نحو شهرها السادس وقد تكمل نصف العام وهي أكثر تهديداً للعالم أجمع بعد دخول تنظيمات الجهاد على خط القتال.