مقالات تحليلية

الحرب في السودان تضع البلاد على حافة كارثة صحية وغذائية

28-Apr-2023

وضع يتجه نجو المجاعة

حذر الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من كارثة إنسانية تهدد السودان مع تواصل القتال هناك. وقال غوتيريش خلال جلسة لمجلس الأمن الأخيرة لبحث الأوضاع في السودان إن ثلث السكان احتاجوا لمساعدات إنسانية قبل الأزمة، محذرا من أن العدد سيرتفع بشكل حاد بعد الأيام العشرة الماضية. وفي السياق ذاته، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس إن المنازل والمتاجر والمدارس ومنشآت المياه والكهرباء والمساجد والمستشفيات تضررت أو دمرت بالكامل.  وفي 25 أبريل الجاري أعلنت الأمم المتحدة أن هناك نقصا حادا في الماء والغذاء والدواء في السودان جراء الاشتباكات. وقالت المنظمة الدولية إن 15 مليون سوداني يحتاجون للدعم الإنساني العاجل.

من جانبها قالت جويس مسويا، مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، إن ما يحتاجه الشعب السوداني هو وقف فوري لإطلاق النار وحل دائم للأزمة، وأضافت أن الاحتياجات الإنسانية في السودان بلغت مستوى قياسيا حتى قبل اندلاع القتال في السودان، حيث يحتاج نحو 15.8 مليون شخص- أي ثلث السكان- إلى مساعدات إنسانية، فيما يعاني 4 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضع من سوء التغذية ويبلغ عدد النازحين داخليا 3.7 مليون شخص.

وحذرت مسويا، من أن هذا الصراع لن يؤدي إلا إلى تعميق هذه الاحتياجات، كما أنه يهدد بإطلاق العنان لموجة جديدة من التحديات الإنسانية، وأشارت إلى أن القتال يعرقل بشكل كبير عمليات الإغاثة ويعرضها للخطر، محذرة من أن الأزمة الإنسانية آخذة في التحول بسرعة إلى كارثة.

لقد انعكست آثار الحرب الدموية التي يشهدها السودان، منذ منتصف أبريل الجاري، على مسار الحياة اليومي للسودانيين والمقيمين سلباً، سواء على المستوى الأمني، أو الغذائي أو الصحي، مما دفع عددا كبيرا من  الدول إلى سحب رعاياها وممثليها الرسميين فورا، وإخلائهم.

يقول الباحث الاقتصادي منصور فضل الله لانديندنت عربية إن "طول أمد الصراع العسكري الراهن سبب شللاً اقتصادياً وأزمة غذائية انعكست مباشرةً على المواطنين". وأوضح أن "لا بوادر في الأفق تشير إلى حلول للأزمة السودانية حالياً، وبات واضحاً أن الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع لن تتوقف وهذا يعني توقف الحركة التجارية بين العاصمة وبقية الولايات ما يؤدي إلى أزمات معيشية معقدة". ، (اندبندنت عربية ، 24 أبريل  2023).

الثلاثاء 25 ابريل 2023 قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إنّ نقص الإمدادات في العاصمة السودانية يتفاقم وإن أسعار السلع الأساسية ترتفع بسرعة صاروخية. وأفاد المكتب في بيان نقلته فرانس برس "بعد عشرة أيام من القتال، يصبح نقص الغذاء والمياه والأدوية والوقود في السودان حاداً، خاصة في الخرطوم والمناطق المحيطة بها". وأشار إلى تقارير عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية، قائلا إنّ أسعار المياه المعبأة تضاعفت، وإن السيولة صارت شحيحة ويصعب الوصول إليها، مع تعطل غالبية المستشفيات، وغياب كبير للطاقم الطبي، وانقطاع الكهرباء والمياه عن المستشفيات. 

غياب أمني وفوضى 

تقول الأمم المتحدة إنه في ظل التدهور الكبير للخدمات الطبية وغيرها وشلل الحركة التجارية والخشية من تجدد المعارك يتواصل نزوح المدنيين من الخرطوم نحو مدن أكثر أمنا. كما خرج بعضهم إلى  دول مجاورة هي مصر وتشاد واثيوبيا وجنوب السودان. وتتوقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة استقبال مئات الآلاف من الفارين من السودان عبر الحدود.

ومع غياب التواجد الشرطي  في أحياء وشوارع العاصمة السودانية، انتشرت عمليات النهب بشكل واسع، ووثقت مقاطع فيديو وصور عمليات السلب والنهب في الخرطوم، وأظهرت المقاطع كيفية نقل اللصوص المنهوبات الضخمة عبر الشاحنات والعربات الصغيرة وعلى رؤوسهم، بوضح النهار، وذلك في ظل غياب تام للشرطة.

 وحسب وسائل إعلام سودانية، استهدفت تلك السرقات بشكل أساسي المتاجر والمنازل الموصدة التي غاب عنها أصحابها. كما طالت عمليات النهب الأسواق والمستودعات والمخازن والمتاجر والمنازل ومقار المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية.

إن حالة من الفوضى في الأسواق والمتاجر، التي أصبحت مكشوفة، وسهلة النيل من قبل المخربين والانفلات الأمني الواسع ووضع الفوضى الذي تعيشه البلاد قد يدفع بعض السودانيين إلى امتلاك السلاح، لحماية أنفسهم وممتلكاتهم خاصة مع الغياب للوجود الأمني في الشوارع. 

انهيار المرافق الصحية

يقول مدير منظمة الصحة العالمية "تيدروس غيبريسوس" إن 60% من المنشآت الطبية أصبحت مُغلقة في العاصمة الخرطوم، ليبقى 16% من المرافق الطبية تستمر في تقديم المساعدات اللازمة، رغم أنها أصبحت مُهددة بالإغلاق، بسبب النقص الكبير من الدواء والمعدات الطبية اللازمة. 

" غيبريسوس" يقول بأن "تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن ربع الأرواح التي زهقت حتى الآن كان من الممكن إنقاذها عبر إمكانية السيطرة على النزيف بصفة أساسية، لكن المسعفين وفرق التمريض والأطباء اصبحوا غير قادرين على الوصول إلى المدنيين الجرحى، كما أن المدنيين غير قادرين على الحصول على الخدمات"

وبحسب وزارة الصحة السودانية، ارتفع عدد ضحايا الاشتباكات بين قوات الجيش والدعم السريع إلى 512 قتيلا و4193 مصابا. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن الأرقام الفعلية من المرجح أن تكون أعلى لأن ربع المرافق الصحية على الأقل في الخرطوم، حيث يدور معظم القتال لا تعمل. وقد طالبت وزارة الصحة من طرفي الصراع بالابتعاد عن المرافق الصحية لتسهيل حركة الأطباء وفرق الإسعاف. وتقول نقابة الأطباء في السودان، بأن الاعتداءات على سيارات الإسعاف أصبح يتكرر مرات عدة، ما يمنع من وصول المرضى ذوي الحاجة الماسة إلى الوصول إلى غرف العمليات الجراحية أو الطوارئ.

لا تتوقف مخاوف منظمة الصحة العالمية على الوفيات بسبب الإصابة من المواجهات العسكرية فقط، وإنما تذهب تلك المخاوف إلى تفشي الأمراض، ونقص الغذاء والمياه، وغياب حصول الأطفال على التطعيمات اللازمة، وتعطل غرف غسيل الكلى، والولادة. إذ وبحسب مدير برنامج الطوارئ الصحية، بمنظمة الصحة العالمية "مايك رايان"، أن هنالك عمليات استيلاء عسكري على المختبرات في الخرطوم، وهو مكان خصب لمسببات الأمراض، من فيروسات وعدوى. 

أزمة مياه وكهرباء 

بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الخطر الرئيسي على السودانيين، جراء الحرب الدموية، يكمن في عدم توفر الماء النظيف، والصرف الصحي، وغياب الكهرباء عن المرافق الصحية، والمرضى في المنازل.  وقد أكد مدير الإعلام والمناصرة في مكتب اليونيسف الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عمار عمار، بأن عدد الوفيات سيتضاعف، حيث يعاني 3 مليون طفل من سوء التغذية، وعدم توفر مياه صحية، بسبب انقطاع الكهرباء عن مولدات التحلية، وصعوبة وصول المياه إلى المنازل والمرافق الطبية. 

ويؤثر انقطاع شبكات الكهرباء على العديد من المرافق الأساسية، وحاجيات السكان، سواء الصحية أو تشغيل الأجهزة الكهربائية المنزلة، وزاد الأمر سوءا سقوط أسلاك الضغط العالي، وتلف الكابلات المغذية للشبكات. كما أنه يستحيل على فرق الهندسة والصيانة ممارسة عملهم، في ظل استمرار الاقتتال داخل الأحياء.


53